الدرس الأول في قرائن العلة:
عدم وجود الحديث في كتب الراوي:
إذا كان الراوي لَهُ كتب تَجمَعُ حديثَهُ ويَعتمد عليها، ويُحدث منها، ولا يُعرف عنه حفظها وإتقانها، فإنه يتعاهدها ويعتني بها، وذلك لأنها رأس ماله، ويحرص الأئمة على اقتناء نسخ مسموعة من تلك الكتب، بحيث يرجعون إليها عند الاختلاف، وإذا حدَّث بما ليس في كتابه والحال هكذا، فإنه إن لم يكن واهماً، فإنه لا يضبطه كضبطه لما في كتابه، لأنه لم يتعاهده بالرعاية والمراجعة، ولذلك فإن الأئمة يستدلون بعدم وجود الشيء في كتاب من هذا شأنه من الرواة على أنه لم يُضْبط.
وهاك نموذج على تلك القرينة:
قال ابن أبي حاتم في العلل (1219):
سمعت أبي:يقول: سألت أحمد بن حنبل، عن حديث سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي).
وذكرت له حكاية ابن عُلية.
فقال: كُتُب ابن جريج مُدَوَّنة فيها أحاديثه من حدَّث عنهم: ثم لقيت عطاء، لقيت فلانًا، فلو كان محفوظًا عنه لكان هذا في كتبه ومراجعاته. اهـ
أقول:
@روى هذا الحديث عن ابن جريج جماعة من الحفاظ منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن أيوب وسفيان الثوري وابن عيينة. وحكى ابنُ علية وحده عن ابن جريج قوله: ثم لقيت الزهري فسالته فأنكره.
قال ابن معين: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا ابن عُلية. قال: وسماع ابن علية من ابن جريج ليس بذاك، ما سمع من ابن جريج، وإنما صحح كتبه على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد. تاريخ الدوري (3/86) وجامع الترمذي (1102).
ففي حكاية ابن عُلية هذه ثلاثة علل:
أولها: شذوذها، لمخالفة جماعة من الحفاظ، رووا عن ابن جريج ذلك الحديث عن الزهري، ولم يذكروا تلك الحكاية، ولا يقال كما يحلو للبعض: زيادة ثقة!؟
ثانيها: ضعف ابن علية في ابن جرير كما شرحه ابن معين.
ثالثها: خلوّ كتب ابن جريج من تلك الحكاية يدل على أنها غير محفوظة، كما قال أبو حاتم.@