س: السلام عليكم أحسن الله إليكم شيخنا السائل حسن العريشي من مصر يقول: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احسن الله اليكم شيخنا اود السؤال عن الفرق بين تعامل المتاخرين والمتقدمين مع روايات المدلسين”
جـ) أجاب فضيلة الشيخ:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اَله وصحبه وسلم، لا شك أن العلماء القدامى في جميع نواحي العلم هم أكثر فقهاً ودراية ومعرفة بأصول العلم وبدقائقه ومسائله من العلماء المتأخرين، هذا على سبيل العموم، لكن لاشك أن في المتأخرين أئمة كبار وعلماء فطاحل كالذهبي، وابن حجر، وابن عبد البر، وابن رجب، وابن عبد الهادي وأمثال هؤلاء العلماء الكبار الذين حرروا الأصول والفروع وتكلموا في العلم ببصيرة و كان عندهم دراية تامة بمناهج العلماء القدامى في التعامل مع الاحاديث والرواة، هذا من حيث الإجمال عندما نتناول هذه المسألة مسألة التعامل مع الرواة المدلسين فأنا أقول تعامل المتقدمين والمتأخرين في هذه المسألة كمثل تعامل المتقدمين والمتأخرين في التعامل مع الراوي من حيث هو راوي، فإن كنا نعلم أن الراوي يصيب ويخطئ، ومن الرواة منهم الثقات ومنهم الثقات الحفاظ ومنهم من فيه بعض الضعف ممن تُكُلم في حفظه والعلماء يتعاملون مع هؤلاء الرواة ومع رواياتهم بضوابط معروفة لدى الباحثين فكذلك نجد هذا التعامل موجوداً في الكلام في المدلسين، بمعنى: العلماء القدامى يعرفون أن ثقة الراوي هو جزء من الحكم على الرواية وليس هو الأساس الذي يبنى عليه الحكم على الرواية فقط، فقد يكون الرواي عندهم ثقة ولكنه أخطأ في بعض الأحاديث فشعبة بن الحجاج خطؤوه في بعض الأحاديث وابن عيينه خطؤوه في بعض الأحاديث ومعمر بن راشد والأوزاعي وما من راوٍ مهما كان من الثقات الكبار إلا وعنده بعض الأخطاء لكن ليس معنى ذلك أننا نضعف كل ما يرويه إنما نضعف فقط ما دل الدليل على كونه أخطأ فيه، كذلك أيضا قبول العلماء لأحاديث هؤلاء التي أصابوا فيها ليس تجاهل منهم لأخطائهم وإنما أخطائهم معروفة عند أهل العلم فإذا تناولوا حديث من الاحاديث التي أخطأ فيها هؤلاء الثقات ضعفوها وأنكروها معا تسليمهم بثقة رواتها، كذلك الرواة الضعفاء فالراو الضعيف هو ضعيف، لكن هذا لا ينفي أنه عنده بعض الاحاديث التي أصاب فيها ولم يخطئ فيها، فعندما يتناول العلماء مثل هذه الأحاديث التي أصاب فيها هؤلاء الضعفاء هم يتعاملون معها على أنها أحاديث صحيحة مع تسليمهم بضعف الراو، وهذا معروف عند أهل العلم المتخصصين.
يظهر هذا في كلام العلماء المتقدمين جليا من حيث التنظير ومن حيث التطبيق، ويظهر هذا عند العلماء المتأخرين جلياً من حيث التنظير لكن من حيث التطبيق لا يظهر ذلك إلا عند العلماء المبرزين من العلماء المتأخرين كمن سميناهم سابقاً بمعنى أننا نجد مثلا المتأخر كلما وجد اسناد فيه راوٍ من الرواة المضعفين يقول هذا حديث ضعيف أو اسناد ضعيف أو نحو ذلك بناء على ما عرف من حال ذلك الراوي، بينما المتأخر يقول هو حديث صحيح بناء على أن هذا الراوي وان كان عنده حتى عند هذا العالم ضعيفا لكن مع ذلك يصحح حديثه الذي توبع عليه أو الذي له أصل من رواية غيره أو الذي له شواهد بمعناه فهو لا يتردد حينئذ في تصحيح حديثه رغم تسليمه بتضعيف هذا الرواي، يعني الإمام البخاري مثلا عندما تعرض لذكر أُبَي بن العباس ضعفه وصرح بضعفه مع انه خرج له في الصحيح حديثاً ووجه ذلك ابن حجر بأنه لم ينفرد به إنما توبع عليه مع اعتبارات أخرى، محمد بن مسلم الطائفي ضعفه الإمام البخاري ومع ذلك خرج له حديثاً في الصحيح، الشاهد من هذا الكلام أن العلماء القدامى يفرقون بين الراوي والرواية لكن مع هذا التفريق لا يتجاهلون حال الراوي الذي يعتقدونه، فالراوي الضعيف هو عندهم ضعيف مع تسليمهم بأن هذا الحديث هو من حديثه خصوصاً هو حديث صحيح، هذه هي طريقه العلماء القدامى رحمة الله عليهم.
العلماء المتقدمين في التدليس كذلك، فهم عندهم الرواة المعروفون بالتدليس هؤلاء الرواة هم مدلسون عندهم ويتعاملون معهم معاملة المدلسين، فإذا عنعن الراوي في الحديث ولم يصرح بالسماع لا في هذه الرواية ولا في رواية أخرى للحديث فإنهم يعلمون أن هذا المدلس قد يكون دلس ذلك الحديث لكن الحكم على الحديث شيء قد ينفصل عن الحكم على الرواي بأنه مدلس، فإذا وجدوا الحديث رغم أنه فيه راوٍ يمكن أن يكون دلس ذلك الحديث لكن الحديث نفسه لم ينفرد به ذلك الراوي وأنما رواه الثقات وغيره، أو له شواهد تدل على صحة معناه وليس فيه نكارة لا في الاسناد ولا في المتن فيحنئذ يصححون الحديث، فتصحيحهم للحديث ليس نفياً لتدليس الراوي وتصحيحهم للحديث ليس تجاهلا لما عرف به الراوي من التدليس، وانما تصحيحهم للحديث لأنهم وجدوا ما يدفع شبهة تدليسه أو أنهم وجدوا ما يدفع عن الحديث الخطر الناشئ عن احتمالية التدليس، لكن اذا وجدوا الحديث منكرا فيه نكارة اسنادية او متنية فإنهم حينئذ يتعلقون بالتدليس كما ان الراوي الضعيف اذا وجدوا في حديثه نكارة فانهم يلصقون تلك النكارة بهذا الراوي الضعيف مع انهم هم انفسهم هذا الراوي الضعيف اذا روى ماله اصل من رواية غيره يصححون الحديث ولا يلتفتون الى كونه ضعيفا.
الشاهد من هذا الاستطراد، ان الحكم على الرواية شيء والحكم على الراوي شيء اخر، فالراوي اذا كان ضعيفا لكن لحديثه شواهد فالحديث صحيح مع كون الراوي ضعيفا، كذلك اذا كان الراوي ضعيفا ولكن حديثه الذي رواه انفرد به او وجد فيه نكارة اسنادية او متنية فالحديث منكر وهو ضعيف وهو يدل على ان هذا الراوي الضعيف اخطأ في هذا الحديث تحديدا فيعامل بهذا الامر، كذلك المدلس الذي عرف بالتدليس اذا وجد حديثه مستقيما له شواهد له اصول من رواية غير هذا الراوي المدلس فالحديث صحيح مع تسليمنا بأن الراوي مدلس واذا كان هذا الحديث منكر فالعلماء يلصقون نكارة الحديث وعدم استقامته اسنادا ومتنا يلصقون ذلك بما عرف من عادة هذا المدلس بالتدليس.
لكن بعض الباحثين يقول ان العلماء القدامى لا يعلون الحديث بالتدليس الا اذا كان منكراوهذا في الواقع كلام ظاهره الصواب ولكن باطنه فيه نظر لأن هل يمكن لمثل هذا ان يقول ان العلماء لا يعلون رواية الضعيف الا اذا كانت منكرة؟ هذه مثل تلك فكما ان الضعيف اذا انفرد بالحديث لا نقبله منه حتى وان لم يكن منكراً لان العبرة حينئذ ستكون بالرواية الاخرى المستقيمة لا برواية ذلك الضعيف الذي انفرد بهذه الرواية فكذلك ايضا المدلس وهو مدلس لكن قد نتجاهل مسألة تدليسه اذا لم ينفرد بالحديث ووجد له اصل من رواية غيره، فالعمدة اذا لا على رواية المدلس بل على رواية غيره ممن تابعه او ممن روى ما يشهد لحديث ذلك المدلس.
والله أعلم.
http://www.tarekawadallah.com/%D9%81%D8%AA%D8%A7%D9%88%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A %D8%A9/%D9%81%D8%AA%D9%88%D9%89-%D8%B1%D9%82%D9%85-2/