تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 19 من 19

الموضوع: تفسير سورة الأعراف من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي تفسير سورة الأعراف من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

    سُورَةُ الْأَعْرَافِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سِتٌّ وَمِائَتَانِ

    {المص}[الأعراف: 1]

    {المص}[الأعراف: 1] قَدْ ذَكَرْنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ وَأَدِلَّتِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
    {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }[الأعراف: 2]
    {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} هَذَا الْقُرْآنُ يَا مُحَمَّدُ فِي كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ..
    {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} فَلَا يَضِقْ صَدْرُكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْإِنْذَارِ بِهِ مَنْ أَرْسَلْتُكَ لِإِنْذَارِهِ بِهِ، وَإِبْلَاغِهِ مَنْ أَمَرْتُكَ بِإِبْلَاغِهِ إِيَّاهُ، وَلَا تَشُكَّ فِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِي، وَاصْبِرْ بِالْمُضِيِّ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ طَاعَتِهِ فِيمَا كَلَّفَكَ وَحَمَّلَكَ مِنْ عِبْءِ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ، كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ.. وَالْحَرَجُ: هُوَ الضِّيقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ..
    {لِتُنْذِرَ بِهِ} هَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لِتُنْذِرَ بِهِ مَنْ أَمَرْتُكَ بِإِنْذَارِهِ..
    {وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }[الأعراف: 2] أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ لِتُنْذِرَ بِهِ، وَتُذَكِّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ.. وَهُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَمَعْنَاهُ: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِتُنْذِرَ بِهِ، وَذِكْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: 3]

    {اتَّبِعُوا} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ: اتَّبِعُوا أَيُّهَا النَّاسُ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قُلْتَ: مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلِ اتَّبِعُوا، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَوْجُودًا ذِكْرُ الْقَوْلِ؟ قِيلَ: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا صَرِيحًا، فَإِنَّ فِي الْكَلَامِ دَلَالَةً عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: «فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ» [الأعراف: 2]، فَفِي قَوْلِهِ: (لِتُنْذِرَ بِهِ) الْأَمْرُ بِالْإِنْذَارِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الْإِنْذَارَ قَوْلٌ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَنْذِرِ الْقَوْمَ وَقُلْ لَهُمِ: «اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ»، كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: قَوْلُهُ «اتَّبِعُوا» خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْنَاهُ: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، اتَّبِعْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَيَرَى أَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»[الطلاق: 1]، إِذِ ابْتَدَأَ خِطَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَعَلَ الْفِعْلَ لِلْجَمِيعِ، إِذْ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ نَبِيَّهُ بِأَمْرٍ أَمْرًا مِنْهُ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ يُفْرَدُ بِالْخِطَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُوَ وَجَمَاعَةُ أَتْبَاعِهِ أَوْ عَشِيرَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ: أَمَا تَتَّقُونَ اللَّهَ؟ أَمَا تَسْتَحْيَوْنَ مِنَ اللَّهِ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا غَيْرَ مَدْفُوعٍ، فَالْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَامِ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ الَّذِي وَصَفْنَا عَلَيْهِ ..
    {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} مَا جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ..
    {وَلَا تَتَّبِعُوا} شَيْئًا غَيْرَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ رَبُّكُمْ..
    {مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} لَا تَتَّبِعُوا أَمْرَ أَوْلِيَائِكُمُ الَّذِينَ يَأْمُرُونَكُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُمْ يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَهْدُونَكُمْ..
    {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: 3] قَلِيلًا مَا تَتَّعِظُونَ وَتَعْتَبِرُونَ ، فَتُرَاجِعُونَ الْحَقَّ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}[الأعراف: 4]

    {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَذِّرْ هَؤُلَاءِ الْعَابِدِينَ غَيْرِي وَالْعَادِلِينَ بِيَ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ سَخَطِي، لَا أَحِلُّ بِهِمْ عُقُوبَتِي فَأُهْلِكُهُمْ كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ، فَكَثِيرًا مَا أَهْلَكْتُ قَبْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ قُرًى عَصَوْنِي وَكَذَّبُوا رُسُلِي وَعَبَدُوا غَيْرِي.. وَقِيلَ: (وَكَمْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ كَثْرَةِ مَا قَدْ أَصَابَ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ مِنَ الْمَثُلَاثِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ وَخِلَافِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادُوا الْخَبَرَ عَنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَهْلَكَ قُرًى، فَمَا فِي خَبَرِهِ عَنْ إِهْلَاكِهِ الْقُرَى مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى إِهْلَاكِهِ أَهْلَهَا؟ قِيلَ: إِنَّ الْقُرَى لَا تُسَمَّى قُرًى، وَلَا الْقَرْيَةُ قَرْيَةً، إِلَّا وَفِيهَا مَسَاكِنُ لِأَهْلِهَا وَسُكَّانٌ مِنْهُمْ، فَفِي إِهْلَاكِهَا إِهْلَاكُ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَرَى أَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْقَرْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَهْلُهَا، وَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ لِمُوَافَقَتِهِ ظَاهِرَ التَّنْزِيلِ الْمَتْلُوِّ..
    {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}
    فَجَاءَتْهُمْ عُقُوبَتُنَا وَنِقْمَتُنَا.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: «أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا» وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ بَأْسِ اللَّهِ إِيَّاهَا بَعْدَ هَلَاكِهَا، فَمَا وَجْهُ مَجِيءِ ذَلِكَ قَوْمًا قَدْ هَلَكُوا وَبَادُوا وَلَا يَشْعُرُونَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِمْ وَلَا بِمَسَاكِنِهِمْ ؟ قِيلَ: إِنَّ لِذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاضِحٌ مَنْهَجُهُ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا بِخِذْلَانِنَا إِيَّاهَا عَنِ اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلْنَا إِلَيْهَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى وَاخْتِيَارِهَا اتِّبَاعَ أَمْرِ أَوْلِيَائِهَا الْمُغْوِيهَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهَا، فَجَاءَهَا بَأْسُنَا إِذْ فَعَلَتْ ذَلِكَ بَيَاتًا، أَوْ هُمْ قَائِلُونَ، فَيَكُونُ إِهْلَاكُ اللَّهِ إِيَّاهَا خِذْلَانُهُ لَهَا عَنْ طَاعَتِهِ، وَيَكُونُ مَجِيءُ بَأْسِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ جَزَاءً لِمَعْصِيَتِهِم ْ رَبَّهُمْ بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْإِهْلَاكُ هُوَ الْبَأْسُ بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ فِي ذِكْرِ الْإِهْلَاكِ الدَّلَالَةُ عَلَى ذِكْرِ مَجِيءِ الْبَأْسِ، وَفِي ذِكْرِ مَجِيءِ الْبَأْسِ الدَّلَالَةُ عَلَى ذِكْرِ الْإِهْلَاكِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ سَوَاءً عِنْدَ الْعَرَبِ بُدِئَ بِالْإِهْلَاكِ ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْبَأْسِ، أَوْ بُدِئَ بِالْبَأْسِ ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْإِهْلَاكِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: زُرْتَنِي فَأَكْرَمْتَنِي ، إِذْ كَانَتِ الزِّيَارَةُ هِيَ الْكَرَامَةُ، فَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ قَدَّمَ الزِّيَارَةَ وَأَخَّرَ الْكَرَامَةَ، أَوْ قَدَّمَ الْكَرَامَةَ وَأَخَّرَ الزِّيَارَةَ، فَقَالَ: أَكْرَمْتَنِي فَزُرْتَنِي..
    {بَيَاتًا} لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصْبِحُوا..
    {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}[الأعراف: 4] أَوْ جَاءَتْهُمْ قَائِلِينَ، يَعْنِي نَهَارًا فِي وَقْتِ الْقَائِلَةِ.. فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ قِيلَ: «فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ»، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ شَأْنِ (أَوْ) فِي الْكَلَامِ اجْتِلَابُ الشَّكِّ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي خَبَرِ اللَّهِ شَكٌّ؟ قِيلَ: إِنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ خِلَافُ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَ بَعْضَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا، وَبَعْضُهَا وَهُمْ قَائِلُونَ، وَلَوْ جَعَلَ مَكَانَ (أَوْ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَاوَ لَكَانَ الْكَلَامُ كَالْمُحَالِ، وَلَصَارَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الْقَرْيَةَ الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ جَاءَهَا بَأْسُهُ بَيَاتًا، وَفِي وَقْتِ الْقَائِلَةِ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيلُ، إِذْ لَمْ يَفْصِلِ الْقُرَى الَّتِي جَاءَهَا الْبَأْسُ بَيَاتًا مِنَ الْقُرَى الَّتِي جَاءَهَا ذَلِكَ قَائِلَةً، وَلَوْ فُصِلَتْ لَمْ يُخْبَرْ عَنْهَا إِلَّا بِالْوَاوِ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ لَيْسَ قَوْلُهُ: «أَوْ هُمْ قَائِلُونَ» خَبَرًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي أَتَاهُمْ فِيهِ بَأْسُ اللَّهِ مِنَ النَّهَارِ؟ قِيلَ: بَلَى. فَإِنْ قَالَ: أَوَ لَيْسَ الْمَوَاقِيتُ فِي مِثْلِ هَذَا تَكُونُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِالْوَاوِ الدَّالِّ عَلَى الْوَقْتِ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَحْذِفُونَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِثْقَالًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ حَرْفَيْ عَطْفٍ، إِذْ كَانَ (أَوْ) عِنْدَهُمْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ، وَكَذَلِكَ الْوَاوُ، فَيَقُولُونَ: لَقِيتَنِي مُمْلِقًا أَوْ أَنَا مُسَافِرٌ، بِمَعْنَى: أَوْ أَنَا مُسَافِرٌ، فَيَحْذِفُونَ الْوَاوَ وَهُمْ مُرِيدُوهَا فِي الْكَلَامِ لِمَا وَصَفْتُ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأعراف: 5]

    {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} فَلَمْ يَكُنْ دَعْوَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا.. وَعَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «دَعْوَاهُمْ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: دُعَاءَهُمْ، وَلِلدَّعْوَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الدُّعَاءُ، وَالْآخَرُ الِادِّعَاءُ لِلْحَقِّ، وَمِنَ الدَّعْوَى الَّتِي مَعْنَاهَا الدُّعَاءُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ» [الأنبياء: 15]..
    {إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} وَسَطْوَتُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ.. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ الْبَأْسَ وَالْبَأْسَاءَ: الشِّدَّةُ، بِشَوَاهِدِ ذَلِكَ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّتِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ..
    {إِلَّا أَنْ قَالُوا} إِلَّا اعْتِرَافُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِـ..
    {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأعراف: 5] أَنَّهُمْ كَانُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ مُسِيئِينَ وَبِرَبِّهِمْ آثِمِينَ وَلِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مُخَالِفِينَ.. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا هَلَكَ قَوْمٌ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ»، وَمَعْنَاه: أَنَّ اللهَ لَا يُهْلِكُهُم حُتَّى تَكْثُرَ ذُنُوبُهُم وَعُيُوبُهُم, وَتَقُوْمَ الحُجَّةُ عَلَيْهِم, وَيَتَضِحُ لَهُم عُذْرُ مَنْ يُعَاقِبهُم.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: «فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» [الأعراف: 5]، وَكَيْفَ أَمْكَنَتْهُمُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَقَدْ جَاءَهُمْ بَأْسُ اللَّهِ بِالْهَلَاكِ، أَقَالُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْهَلَاكِ؟ فَإِنْ كَانُوا قَالُوهُ قَبْلَ الْهَلَاكِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا قَبْلَ مَجِيءِ الْبَأْسِ، وَاللَّهُ يُخْبِرُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ حِينَ جَاءَهُمْ لَا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ قَالُوهُ بَعْدَمَا جَاءَهُمْ، فَتِلْكَ حَالَةٌ قَدْ هَلَكُوا فِيهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ وَصْفُهُمْ بِقِيلِ ذَلِكَ إِذَا عَايَنُوا بَأْسَ اللَّهِ وَحَقِيقَةَ مَا كَانَتِ الرُّسُلُ تَعِدُهُمْ مِنْ سَطْوَةِ اللَّهِ؟ قِيلَ: لَيْسَ كُلُّ الْأُمَمِ كَانَ هَلَاكُهَا فِي لَحْظَةٍ، لَيْسَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ مَهَلٌ، بَلْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ غَرِقَ بِالطُّوفَانِ، فَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِ ظُهُورِ السَّبَبِ الَّذِي عَلِمُوا أَنَّهُمْ بِهِ هَالِكُونَ وَبَيْنَ آخِرِهِ الَّذِي عَمَّ جَمِيعَهُمْ هَلَاكُهُ الْمُدَّةُ الَّتِي لَا خَفَاءَ بِهَا عَلَى ذِي عَقْلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ مُتِّعَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ عَلَامَةِ الْهَلَاكِ لِأَعْيُنِهِمْ أَيَّامًا ثَلَاثَةً، كَقَوْمِ صَالِحٍ وَأَشْبَاهِهِمْ ، فَحِينَئِذٍ لَمَّا عَايَنُوا أَوَائِلَ بَأْسِ اللَّهِ الَّذِي كَانَتْ رُسُلُ اللَّهِ تَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ وَأَيْقَنُوا حَقِيقَةَ نُزُولِ سَطْوَةِ اللَّهِ بِهِمْ، دَعَوْا: «يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» [الأنبياء: 14]، «فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ» [غافر: 85]، مَعَ مَجِيءِ وَعِيدِ اللَّهِ وَحُلُولِ نِقْمَتِهِ بِسَاحَتِهِمْ، فَحَذَّرَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِطْوَتِهِ وَعِقَابِهِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، مَا حَلَّ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، إِذْ عَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف: 6]

    { فَلَنَسْأَلَنَّ } الْأُمَمُ..
    {الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} الَّذِينَ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ رُسُلِي، مَاذَا عَمِلَتْ فِيمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ عِنْدِي مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي، هَلْ عَمِلُوا بِمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ وَأَطَاعُوا أَمْرِي، أَمْ عَصَوْنِي فَخَالَفُوا ذَلِكَ؟..
    { وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] وَلَنَسْأَلَنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَى الْأُمَمِ، هَلْ بَلَّغَتْهُمْ رِسَالَاتِي وَأَدَّتْ إِلَيْهِمْ مَا أَمَرْتُهُمْ بِأَدَائِهِ إِلَيْهِ، أَمْ قَصَّرُوا فِي ذَلِكَ فَفَرَّطُوا وَلَمْ يُبَلِّغُوهُمْ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَسْأَلُ الرُّسُلَ وَالْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ يُخْبِرُ أَنَّهُ يَقُصُّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَيْسَ بِمَسْأَلَةِ اسْتِرْشَادٍ، وَلَا مَسْأَلَةِ تَعَرُّفٍ مِنْهُمْ مَا هُوَ بِهِ غَيْرُ عَالِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيرٍ، مَعْنَاهَا الْخَبَرُ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ فَأَسَأْتَ؟ وَأَلَمْ أَصِلْكَ فَقَطَعْتَ؟ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ اللَّهِ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلِي بِالْبَيِّنَاتِ ؟ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكُمُ النُّذُرَ فَتُنْذِرَكُمْ عَذَابِي وَعِقَابِي فِي هَذَا الْيَوْمِ، مَنْ كَفَرَ بِي وَعَبَدَ غَيْرِي؟ كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَائِلٌ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» [يس:60- 61]، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي ظَاهِرُهُ ظَاهِرُ مَسْأَلَةٍ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ وَالْقَصَصُ، وَهُوَ بَعْدُ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيرٌ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّسُلِ الَّذِي هُوَ قَصَصٌ وَخَبَرٌ، فَإِنَّ الْأُمَمَ الْمُشْرِكَةَ لَمَّا سُئِلَتْ فِي الْقِيَامَةِ قِيلَ لَهَا: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ» [الزمر: 71] ؟ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَقَالُوا: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَقِيلَ لِلرُّسُلِ: هَلْ بَلَّغْتُمْ مَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ؟ أَوْ قِيلَ لَهُمْ: أَلَمْ تُبَلِّغُوا إِلَى هَؤُلَاءِ مَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ؟ كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِأُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»[البقرة: 143]، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ مَسْأَلَةٌ لِلرُّسُلِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِشْهَادِ لَهُمْ عَلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ مِنَ الْأُمَمِ، وَلِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْقَصَصِ وَالْخَبَرِ، فَأَمَّا الَّذِي هُوَ عَنِ اللَّهِ مَنْفِيُّ مِنْ مَسْأَلَتِهِ خَلْقَهُ، فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ اسْتِرْشَادٍ وَاسْتِثْبَاتٍ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ السَّائِلُ عَنْهَا وَيَعْلَمُهُ الْمَسْئُولُ، لِيَعْلَمَ السَّائِلُ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ، فَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا وَفِي حَالِ كَوْنِهَا وَبَعْدَ كَوْنِهَا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَفَاهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: «فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ»[الرحمن: 39]، وَبِقَوْلِهِ: «وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ»[القصص: 78]، يَعْنِي: لَا يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ عِلْمَ مُسْتَثْبِتٍ، لِيَعْلَمَ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ مَنْ سَأَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِكُلِّ شَيْءٍ غَيْرِهِ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {فَلَنَقُصَنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}[الأعراف: 7]

    {فَلَنَقُصَنَّ عَلَيْهِمْ} فَلَنُخْبِرَنَّ الرُّسُلَ وَمَنْ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْهِ..
    {بِعِلْمٍ} بِيَقِينِ عِلْمٍ بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا فِيمَا كُنْتُ أَمَرْتُهُمْ بِهِ، وَمَا كُنْتُ نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ.. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَلَنَقُصَنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ» أَنَّهُ يَنْطِقُ لَهُمْ كِتَابُ عَمَلِهِمْ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَهَذَا قَوْلٌ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الْحَقِّ، غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَقُولُ لَهُ: أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَفَعَلْتَ كَذَا؟ حَتَّى يُذَكِّرَهُ مَا فَعَلَ فِي الدُّنْيَا»، وَالتَّسْلِيمُ لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنَ التَّسْلِيمِ لِغَيْرِهِ..
    {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}[الأعراف: 7] عَنْهُمْ وَعَنْ أَفْعَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: 8]
    {وَالْوَزْنُ} كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: الْوَزْنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقَضَاءُ.. وَقَالَ آخَرُونَ: وَزْنُ الْأَعْمَالِ.. وَالْمِيزَانُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ..
    {يَوْمَئِذٍ} يَوْمَ نَسْأَلُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَالْمُرْسَلِين َ..
    {الْحَقُّ} الْعَدْلُ، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: مَعْنَى الْحَقِّ هَهُنَا: الْعَدْلُ..
    {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} مَوَازِينُ عَمَلِهِ الصَّالِحِ.. وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَزِنُ أَعْمَالَ خَلْقِهِ الْحَسَنَاتِ مِنْهَا وَالسَّيِّئَاتِ ، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَا وُضِعَ فِي الْمِيزَانِ شَيْءٌ أَثْقَلَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ»، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي تُحَقِّقُ أَنَّ ذَلِكَ مِيزَانٌ يُوزَنُ بِهِ الْأَعْمَالُ عَلَى مَا وَصَفْتُ.. فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَاهِلٌ، بِتَوْجِيهِ مَعْنَى خَبَرِ اللَّهِ عَنِ الْمِيزَانِ، وَخَبَرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْه وِجْهَتِهِ، وَقَالَ: أَوَ بِاللهِ حَاجَةً إِلى وَزْنِ الأَشْيَاءِ وَهُوَ العَالِمُ بِمِقْدَارِ كُلِّ شَيءٍ قَبْلَ خَلْقِهِ إِيَّاهُ وَبَعْدَهُ فِي كُلِّ حَالٍ؟.. أَوْقَالَ: وَكَيْفَ تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ تُوصَفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، وَإِنَّمَا تُوزَنُ الْأَشْيَاءُ لِيُعْرَفَ ثِقَلُهَا مِنْ خِفَّتِهَا وَكَثْرَتُهَا مِنْ قِلَّتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوصَفُ بِالثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ؟.. قِيلَ لَهُ: وَزْنُهُ ذَلِكَ نَظِيرُ إِثْبَاتِهِ إِيَّاهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَاسْتِنْسَاخِه ِ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِهِ إِلَيْهِ، وَمِنْ غَيْرِ خَوْفٍ مِنْ نِسْيَانِهِ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ وَوَقْتٍ قَبْلَ كَوْنِهِ وَبَعْدَ وُجُودِهِ، بَلْ لِيَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تَنْزِيلِهِ: «كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ»[الجاثية:28- 29] الْآيَةَ، فَكَذَلِكَ وَزْنُهُ تَعَالَى أَعْمَالَ خَلْقِهِ بِالْمِيزَانِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ، إِمَّا بِالتَّقْصِيرِ فِي طَاعَتِهِ وَالتَّضْيِيعِ، وَإِمَّا بِالتَّكْمِيلِ وَالتَّتْمِيمِ، فَكَذَلِكَ وَزْنُ اللَّهِ أَعْمَالَ خَلْقِهِ بِأَنْ يُوضَعَ الْعَبْدُ وَكُتُبُ حَسَنَاتِهِ فِي كِفَّةٍ مِنْ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، وَكُتُبُ سَيِّئَاتِهِ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، وَيُحْدِثُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثِقْلًا وَخِفَّةً فِي الْكِفَّةِ الَّتِي الْمَوْزُونُ بِهَا أَوْلَى، احْتِجَاجًا مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ عَلَى خَلْقِهِ كَفِعْلِهِ بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ مِنِ اسْتِنْطَاقِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمُ، اسْتِشْهَادًا بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ حُجَجِهِ.. وَيُسْأَلُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ يُثَقِّلُ مَوَازِينَ قَوْمٍ فِي الْقِيَامَةِ وَيُخَفِّفُ مَوَازِينَ آخَرِينَ، وَتَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ لَكَ إِنْكَارَ الْمِيزَانِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِيزَانَ الَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ؟ أَحُجَّةُ عَقْلٍ؟ فَقَدْ يُقَالُ: وَجْهُ صِحَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ فِي وَزْنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلْقَهُ وَكُتُبَ أَعْمَالِهِمْ، لِتَعْرِيفِهِمْ أَثْقَلَ الْقِسْمَيْنِ مِنْهَا بِالْمِيزَانِ، خُرُوجٌ مِنْ حِكْمَةٍ، وَلَا دُخُولٌ فِي جَوْرٍ فِي قَضِيَّةٍ، فَمَا الَّذِي أَحَالَ ذَلِكَ عِنْدَكَ مِنْ حُجَّةٍ أَوْ عَقْلٍ أَوْ خَبَرٍ؟ إِذْ كَانَ لَا سَبِيلَ إِلَى حَقِيقَةِ الْقَوْلِ بِإِفْسَادِ مَا لَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ إِلَّا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، وَفِي عَدَمِ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وُضُوحُ فَسَادِ قَوْلِهِ وَصِحَّةِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ..
    {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: 8] فَأُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ ظَفَرُوا بِالنَّجَاحِ وَأَدْرَكُوا الْفَوْزَ بِالطَّلَبَاتِ، وَالْخُلُودِ وَالْبَقَاءِ فِي الْجَنَّاتِ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}[الأعراف: 9]
    {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، فَلَمْ تَثْقُلْ بِإِقْرَارِهِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَاتِّبَاعٍ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ..
    {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا} فَأُولَئِكَ الَّذِينَ غَبَنُوا..
    {أَنْفُسَهُمْ} حُظُوظَهَا مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ..
    {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}[الأعراف: 9] بِمَا كَانُوا بِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ يَجْحَدُونَ، فَلَا يُقِرُّونَ بِصِحَّتِهَا، وَلَا يُوقِنُونَ بِحَقِيقَتِهَا.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الأعراف: 10]

    {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ} وَلَقَدْ وَطَّأْنَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ..
    {فِي الْأَرْضِ} وَجَعَلْنَاهَا لَكُمْ قَرَارًا تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا، وَمِهَادًا تَمْتَهِدُونَهَ ا، وَفِرَاشًا تَفْتَرِشُونَهَ ا..
    {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايشَ} تَعِيشُونَ بِهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ، مِنْ مَطَاعِمَ وَمَشَارِبَ، نِعْمَةً مِنِّي عَلَيْكُمْ وَإِحْسَانًا مِنِّي إِلَيْكُمْ.. وَالْمَعَايِشُ: جَمْعُ مَعِيشَةٍ..
    {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الأعراف: 10] وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ شُكْرُكُمْ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمْتُهَا عَلَيْكُمْ لِعِبَادَتِكُمْ غَيْرِي، وَاتِّخَاذِكُمْ إِلَهًا سِوَايَ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}[الأعراف: 11]
    {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} وَلَقَدْ خَلَقْنَا آدَمَ..
    {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} بِتَصْوِيرِنَا آدَمَ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ خِطَابِ الْعَرَبِ الرَّجُلَ بِالْأَفْعَالِ تُضِيفُهَا إِلَيْهِ، وَالْمَعْنِيُّ فِي ذَلِكَ سَلَفُهُ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ» [البقرة: 63]، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْخِطَابِ الْمُوَجَّهِ إِلَى الْحَيِّ الْمَوْجُودِ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّلَفُ الْمَعْدُومُ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ» مَعْنَاهُ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا أَبَاكُمْ آدَمَ، ثُمَّ صَوَّرْنَاهُ.. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الَّذِي يَتْلُو ذَلِكَ قَوْلُهُ: «ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ»[الأعراف: 11]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ قَبْلَ أَنْ يُصَوِّرَ ذُرِّيَّتَهُ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، بَلْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَ(ثُمَّ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا تَأْتِي إِلَّا بِإِيذَانِ انْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قُمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، لَا يَكُونُ الْقُعُودُ إِذْ عَطَفَ بِهِ بِـ (ثُمَّ) عَلَى قَوْلِهِ: (قُمْتُ) إِلَّا بَعْدَ الْقِيَامِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَ الْعَطْفُ فِي ذَلِكَ بِالْوَاوِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَعْدَهَا قَدْ كَانَ قَبْلَ الَّذِي قَبْلَهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قُمْتُ وَقَعَدْتُ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْقُعُودُ فِي هَذَا الْكَلَامِ قَدْ كَانَ قَبْلَ الْقِيَامِ، لِأَنَّ الْوَاوَ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ إِذَا كَانَتْ عَطْفًا لِتُوجِبَ لِلَّذِي بَعْدَهَا مِنَ الْمَعْنَى مَا وَجَبَ لِلَّذِي قَبْلَهَا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ مِنْهَا بِنَفْسِهَا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ إِنْ كَانَا فِي وَقْتَيْنِ أَيُّهُمَا الْمُتَقَدِّمُ وَأَيُّهُمَا الْمُتَأَخِّرُ، فَلَمَّا وَصَفْنَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ: «وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ» لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا..
    {ثُمَّ} لَمَّا صَوَّرْنَا آدَمَ، وَجَعَلْنَاهُ خَلْقًا سَوِيًّا، وَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا..
    {قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} ابْتِلَاءً مِنَّا، وَاخْتِبَارًا لَهُمْ بِالْأَمْرِ، لِيَعْلَمَ الطَّائِعَ مِنْهُمْ مِنَ الْعَاصِي..
    {فَسَجَدُوا} فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ..
    {إِلَّا إِبْلِيسَ} فَإِنَّهُ..
    {لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}[الأعراف: 11] لِآدَمَ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ مَعَ مَنْ أَمَرَ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ امْتَحَنَ جَلَّ جَلَالُهُ مَلَائِكَتَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، وَأَمْرَ إِبْلِيسَ وَقَصَصَهُ، وَبِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 12]
    {قَالَ} اللَّهُ لِإِبْلِيسَ.. وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِهِ لِإِبْلِيسَ إِذْ عَصَاهُ فَلَمْ يَسْجُدْ لِآدَمَ إِذْ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ..
    {مَا مَنَعَكَ} أَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ فَأَحْوَجَكَ..
    {أَلَّا تَسْجُدَ} أَنْ تَدَعَ السُّجُودَ لِآدَمَ.. فَتَرَكَ ذِكْرَ أَحْوَجَكَ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ (لَا) فِي الْكَلَامِ حَشْوٌ لَا مَعْنَى لَهَا.
    {إِذْ أَمَرْتُكَ} أَنْ تَسْجُدَ..
    {قَالَ} إِبْلِيسُ..
    {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} أَنَا خَيْرٌ مِنْ آدَمَ..
    {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 12] هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَابِ إِبْلِيسَ إِيَّاهُ إِذْ سَأَلَهُ: مَا الَّذِي مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَأَحْوَجَهُ إِلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لَهُ، وَاضْطَرَّهُ إِلَى خِلَافِهِ أَمْرَهُ بِهِ وَتَرْكِهِ طَاعَتَهُ، أَنَّ الْمَانِعَ كَانَ لَهُ مِنَ السُّجُودِ وَالدَّاعِي لَهُ إِلَى خِلَافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْهُ أَيْدًا، وَأَقْوَى مِنْهُ قُوَّةً، وَأَفْضَلُ مِنْهُ فَضْلًا، لِفَضْلِ الْجِنْسِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ وَهُوَ النَّارُ، مِنَ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ آدَمُ وَهُوَ الطِّينُ، فَجَهَلَ عَدُوُّ اللَّهِ وَجْهَ الْحَقِّ، وَأَخْطَأَ سَبِيلَ الصَّوَابِ؛ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مِنَ جَوْهَرِ النَّارِ الْخِفَّةَ وَالطَّيْشَ وَالِاضْطِرَابَ وَالِارْتِفَاعَ عُلُوًّا، وَالَّذِي فِي جَوْهَرِهَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي حَمَلَ الْخَبِيثَ بَعْدَ الشَّقَاءِ الَّذِي سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِكْبَارِ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ وَالِاسْتِخْفَا فِ بِأَمْرِ رَبِّهِ، فَأَوْرَثَهُ الْعَطَبَ وَالْهَلَاكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مِنَ جَوْهَرِ الطِّينِ الرَّزَانَةَ وَالْأَنَاةَ وَالْحِلْمَ وَالْحَيَاءَ وَالتَّثَبُّتَ، وَذَلِكَ الَّذِي فِي جَوْهَرِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الدَّاعِي لِآدَمَ بَعْدَ السَّعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ رَبِّهِ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ، إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ خَطِيئَتِهِ، وَمَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ الْعَفْوَ عَنْهُ وَالْمَغْفِرَةَ ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يَقُولَانِ: «أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسَ، وَمَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ »، يَعْنِيَانِ بِذَلِكَ: الْقِيَاسَ الْخَطَأَ، وَهُوَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ خَطَأِ قَوْلِهِ، وَبُعْدِهِ مِنْ إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْفَضْلِ الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ آدَمَ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، مِنْ خَلْقِهِ إِيَّاهُ بِيَدِهِ، وَنَفْخِهِ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَإِسْجَادِهِ لَهُ الْمَلَائِكَةَ، وَتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ مَعَ سَائِرِ مَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَضَرَبَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَاهِلُ صَفْحًا، وَقَصَدَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِأَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لَهُ غَيْرُ كُفْءٍ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لِآدَمَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ تَكْرِمَةً شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَالَّذِي خَصَّ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ يَكْثُرُ تِعْدَادُهُ وَيُمَلُّ إِحْصَاؤُهُ؟.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: 13]
    {قَالَ} اللَّهُ لِإِبْلِيسَ عِنْدَ ذَلِكَ..
    {فَاهْبِطْ مِنْهَا} مِنَ الْجَنَّةِ..
    {فَمَا يَكُونُ لَكَ} فَلَيْسَ لَكَ..
    {أَنْ تَتَكَبَّرَ} أَنْ تَسْتَكْبِرَ عَنْ طَاعَتِي وَأَمْرِي..
    {فِيهَا} فِي الْجَنَّةِ.. فَاهْبِطْ مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْكُنُ الْجَنَّةَ مُتَكَبِّرٌ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَسْكُنُهَا الْمُسْتَكْبِرُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَالْمُسْتَكِين ُ لِطَاعَتِهِ.
    {فَاخْرُجْ} مِنَ الْجَنَّةِ..
    {إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[الأعراف: 13] الَّذِينَ قَدْ نَالَهُمْ مِنَ اللَّهِ الصَّغَارُ وَالذُّلُّ وَالْمَهَانَةُ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الأعراف:14]
    {قَالَ} إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ..
    {أَنْظِرْنِي} أَخِّرْنِي وَأَجِّلْنِي، وَأَنْسِئْ فِي أَجْلِي، وَلَا تُمِتْنِي..
    {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الأعراف:14] إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُ الْخَلْقِ، وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.. وَهَذِهِ أَيْضًا جَهْلَةٌ أُخْرَى مِنْ جَهَلَاتِهِ الْخَبِيثَةِ، سَأَلَ رَبَّهُ مَا قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّظِرَةَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ هُوَ يَوْمُ يُبْعَثُ فِيهِ الْخَلْقُ، وَلَوْ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ مِنَ النَّظِرَةِ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ الْخُلُودَ وَبَقَاءً لَا فَنَاءَ مَعَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَوْتَ بَعْدَ الْبَعْثِ.. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}[الأعراف:15]

    وَذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي قَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَلَاكَ وَالْمَوْتَ وَالْفَنَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يَبْقَى فَلَا يَفْنَى غَيْرَ رَبِّنَا الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ» [آل عمران: 185]، وَالْإِنْظَارُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّأْخِيرُ، يُقَالُ مِنْهُ: أَنْظَرْتُهُ بِحَقِّي عَلَيْهِ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ لَهُ إِذْ سَأَلَهُ الْإِنْظَارَ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ: «إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَدْ أَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ؟ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ مُجِيبًا لَهُ إِلَى مَا سَأَلَ لَوْ كَانَ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي سَأَلْتَ، أَوْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، أَوْ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِجَابَتَهِ إِلَى مَا سَأَلَ مِنَ النَّظِرَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: «إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ» فَلَا دَلِيلَ فِيه،ِ لَوْلَا الْآيَةُ الْأُخْرَى الَّتِي قَدْ بَيَّنَ فِيهَا مُدَّةَ إِنْظَارِهِ إِيَّاهُ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» [الحجر: 38]، عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي أَنْظَرَهُ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَنْظَرَهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، فَقَدْ دَخَلَ فِي عِدَادِ الْمُنْظَرِينَ، وَتَمَّ فِيهِ وَعْدُ اللَّهِ الصَّادِقُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ قَدْرَ مُدَّةِ ذَلِكَ بِالَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي أُنْظِرَ إِلَيْهِ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ أَحَدٌ مُنْظَرٌ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ سِوَى إِبْلِيسَ، فَيُقَالُ لَهُ إِنَّكَ مِنْهُمْ؟ قِيلَ: نَعَمْ، مَنْ لَمْ يَقْبِضِ اللَّهُ رُوحَهُ مِنْ خَلْقِهِ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ مِمَّنْ تَقُومُ عَلَيْهِ السَّاعَةُ، فَهُمْ مِنَ الْمُنْظَرِينَ بِآجَالِهِمْ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِإِبْلِيسَ: «إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ» [الأعراف: 15] بِمَعْنَى: إِنَّكَ مِمَّنْ لَا يُمِيتُهُ اللَّهُ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}[الأعراف: 16]
    {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} فَبِمَا أَضْلَلْتَنِي.. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُه بِمَا أَهْلَكْتَنِي، وَأَصْلُ الْإِغْوَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: تَزْيِينُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ الشَّيْءَ حَتَّى يُحَسِّنَهُ عِنْدَهُ غَارًّا لَهُ.. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَسَمِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: فَبِإِغْوَائِكَ إِيَّايَ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، كَمَا يُقَالُ: بِاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا.. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: فَلِأَنَّكَ أَغْوَيْتَنِي، أَوْ فَبِأَنَّكَ أَغْوَيْتَنِي..
    {لَأَقْعُدَنَّ} لَأَجْلِسَنَّ..
    {لَهُمْ} لِبَنِي آدَمَ..
    {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}[الأعراف: 16] طَرِيقَكَ الْقَوِيمَ، وَذَلِكَ دِينُ اللَّهِ الْحَقُّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ.. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَأَصُدَنَّ بَنِي آدَمَ عَنْ عِبَادَتِكَ وَطَاعَتِكَ، وَلَأَغْوِيَنَّ هُمْ كَمَا أَغْوَيْتَنِي، وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ كَمَا أَضْلَلْتَنِي، وَذَلِكَ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَبْرَةَ بْنِ الْفَاكِهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَالْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ؟ فَعَصَاهُ وَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقَ الْجِهَادِ، وَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَقَالَ: أَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلَ فَتُنْكَحَ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ؟ قَالَ: فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ»، فَالَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَأَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ، لِأَنَّ الْخَبِيثَ لَا يَأْلُو عِبَادَ اللَّهِ الصَّدَّ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ لَهُمْ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ.. وَفِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ عَلَى فَسَادِ مَا يَقُولُ الْقَدَرِيَّةُ، مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَفَرَ أَوْ آمَنَ فَبِتَفْوِيضِ اللَّهِ أَسْبَابَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ يَصِلُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الْإِيمَانِ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي بِهِ يَصِلُ الْكَافِرُ إِلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الْخَبِيثُ قَدْ قَالَ بِقَوْلِهِ: «فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي» فَبِمَا أَصْلَحْتَنِي، إِذْ كَانَ سَبَبُ الْإِغْوَاءِ هُوَ سَبَبَ الْإِصْلَاحِ، وَكَانَ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْإِغْوَاءِ إِخْبَارٌ عَنِ الْإِصْلَاحِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ سَبَبَاهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي بِهِ غَوَى وَهَلَكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي»، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْقَدَرِيَّةَ، لَإِبْلِيسُ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ»..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: 17]
    {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ} مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَأَصُدُّهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَأُحَسِّنُ لَهُمُ الْبَاطِلَ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ عُقَيْبُ قَوْلِهِ: «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ»[الأعراف: 16]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ لِبَنِي آدَمَ عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسْلُكُوهُ، وَهُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ دِينِ اللَّهِ الْحَقِّ..
    {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} فَيَأْتِيهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وُجُوهِهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَيَصُدُّهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَمَنَ الْوَجْهِ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ، فَيُزَيِّنُهُ لَهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ.. وَقِيلَ: وَلَمْ يَقُلْ: (مِنْ فَوْقِهِمْ) لِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ فَوْقِهِمْ..
    {وَلَا تَجِدُ} يَا رَبِّ..
    {أَكْثَرَهُمْ} أَكْثَرَ بَنِي آدَمَ..
    {شَاكِرِينَ}[الأعراف: 17] لَكَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، كَتَكْرِمَتِكَ أَبَاهُمْ آدَمَ بِمَا أَكْرَمْتَهُ بِهِ، مِنْ إِسْجَادِكَ لَهُ مَلَائِكَتَكَ، وَتَفْضِيلَكَ إِيَّاهُ عَلَيَّ، وَشُكْرُهُمْ إِيَّاهُ طَاعَتُهُمْ لَهُ بِالْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِهِ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأعراف:18]
    {قَالَ} اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ..
    {اخْرُجْ مِنْهَا} مِنَ الْجَنَّةِ..
    {مَذْءُومًا} مَعِيبًا، وَالذَّأْمُ: الْعَيْبُ، وَيَتْرُكُونَ الْهَمْزَ فَيَقُولُونَ: ذِمْتُهُ ، وَالذَّأْمُ وَالذَّيْمُ أَبْلَغُ فِي الْعَيْبِ مِنَ الذَّمِّ..
    {مَدْحُورًا} مَقْصِيِّاً، يُقَالُ: دَحَرَهُ، إِذَا أَقْصَاهُ وَأَخْرَجَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمِ: ادْحَرْ عَنْكَ الشَّيْطَانَ.. وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، عَنْ إِحْلَالِهِ بِالْخَبِيثِ عَدُوِّ اللَّهِ مَا أَحَلَّ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ وَلَعْنَتِهِ، وَطَرْدِهِ إِيَّاهُ عَنْ جَنَّتِهِ، إِذْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَرَاجَعَهُ مِنَ الْجَوَابِ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُرَاجَعَتُهُ بِهِ.
    {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأعراف:18] هَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَقْسَمَ أَنْ مَنِ اتَّبَعَ مِنْ بَنِي آدَمَ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ وَأَطَاعَهُ وَصَدَّقَ ظَنَّهُ، عَلَيْهِ أَنْ يَمْلَأَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، يَعْنِي مِنْ كَفَرَةِ بَنِي آدَمَ تُبَّاعِ إِبْلِيسَ، وَمِنْ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ، جَهَنَّمَ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً كَذَّبَ ظَنَّ عَدُوِّ اللَّهِ فِي نَفْسِهِ، وَخَيَّبَ فِيهَا أَمَلَهُ وَأُمْنِيَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ أَطْمَعَ فِيهَا عَدُوَّهُ، وَاسْتَغَشَّهُ وَلَمْ يَسْتَنْصِحْهُ.. وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا نَبَّهَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ عِبَادَهُ عَلَى قِدَمِ عَدَاوَةِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّهِمْ –إِبْلِيسَ- لَهُمْ، وَسَالِفِ مَا سَلَفَ مِنْ حَسَدِهِ لِأَبِيهِمْ، وَبَغْيِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَرَّفَهُمْ مَوَاقِعَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ قَدِيمًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَوَالِدِهِمْ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ، فَيَنْزَجِرُوا عَنْ طَاعَةِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَيُنِيبُوا إِلَيْهَا.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثِ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 19]
    {وَ} قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ..
    {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فَأَسْكَنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَ مِنْهَا إِبْلِيسُ وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا..
    {فَكُلَا مِنْ حَيْثِ شِئْتُمَا} وَأَبَاحَ لَهُمَا أَنْ يَأْكُلَا مِنْ ثِمَارِهَا مِنْ أَيِّ مَكَانٍ شَاءَا مِنْهَا..
    {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} وَنَهَاهُمَا أَنْ يَقْرَبَا ثَمَرَ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا..
    {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 19] مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، وَفَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف:20]
    {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} فَوَسْوَسَ إِلَيْهِمَا، وَتِلْكَ الْوَسْوَسَةُ كَانَتْ قَوْلَهُ لَهُمَا: «مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ»، وَإِقْسَامَهُ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ.. فحدَّثَ إِبْلِيسُ إِلَى آدَمَ، وحَوَّاءَ، وَأَلْقَى إِلَيْهِمَا: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ أَكْلِ ثَمَرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ، أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ..
    {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وَارَاهُ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ عَوْرَاتِهِمَا، فَغَطَّاهُ بِسِتْرِهِ الَّذِي سَتَرَهُ عَلَيْهِمَا.. وَكَانَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ يَقُولُ فِي السِّتْرِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ سَتَرَهُمَا بِهِ: «كَانَ عَلَيْهِمَا نُورٌ لَا تُرَى سَوْءاتُهُمَا»..
    {وَقَالَ} الشَّيْطَانُ لِآدَمَ وَزَوْجَتِهِ حَوَّاءَ..
    {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ} أَنْ تَأْكُلَا ثَمَرَهَا..
    {إِلَّا أَنْ} إِلَّا لِئَلَّا .. وَأُسْقِطَتْ (لَا) مِنَ الْكَلَامِ لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهَا، كَمَا أُسْقِطَتْ مِنْ قَوْلِهِ: «يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا» [النساء: 176]، وَالْمَعْنَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ لَا تَضِلُّوا.. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا كَرَاهَةَ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ، كَمَا يُقَالُ: إِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَفْعَلَ..
    {تَكُونَا مَلَكَيْنِ} مِنَ الْمَلَائِكَةِ..
    {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف:20] أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ فِي الْجَنَّةِ الْمَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا فَلَا تَمُوتَا.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •