قال صاحب ((أخصر المختصرات)): (وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ):
قلت في شرحي على الكتاب: أي: إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين.
ودليل كونها فرضًا علىٰ الكفاية؛ أن النبي ﷺ والخلفاء بعده كانوا يداومون عليها، ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، فكانت فرضًا كالجهاد، ولا تجب علىٰ الأعيان؛ لأن النبي ﷺ ذكر للأعرابي خمس صلوات، فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّع»([1]).
وفي رواية عن أحمد $ أنها فرض عين([2]).
ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية([3])، وابن القيم([4])، والشوكاني([5])، وابن عثيمين([6]) رحمهم الله.
قلت: وهو الراجح، والله أعلم؛ ودليل ذلك أن النبي ﷺ أمر بها؛ والأصل في الأمر الوجوب؛ فَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمُومَةٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: غُمَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الناسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ، وَأَنْ يَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنَ الْغَدِ([7]).
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ڤ، قَالَتْ: أَمَرَنَا - تَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ، الْعَوَاتِقَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّىٰ الْمُسْلِمِينَ([8]).
قال الشوكاني $: «قَدْ انْضَمَّ إلَىٰ مُلَازَمَتِهِ ﷺ لِصَلَاةِ الْعِيدِ عَلَىٰ جِهَةِ الِاسْتِمْرَارِ وَعَدَمِ إخْلَالِهِ بِهَا، الْأَمْرُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهَا، بَلْ ثَبَتَ كَمَا تَقَدَّمَ أَمْرُهُ ﷺ بِالْخُرُوجِ لِلْعَوَاتِقِ وَالْحُيَّضِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ حَتَّىٰ أَمَرَ مَنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ تُلْبِسَ مَنْ لَا جِلْبَابَ لَهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، بَلْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْقُرْآنِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَىٰ: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2]؛ فَقَالُوا: الْمُرَادُ صَلَاةُ الْعِيدِ وَنَحْرُ الْأُضْحِيَّةِ.
وَمِنْ مُقَوَّيَاتِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ: إسْقَاطُهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالنَّوَافِلُ لَا تُسْقِطُ الْفَرَائِضَ فِي الْغَالِبِ»اهـ([9]).
وقال الشوكاني أيضًا بعدما ذكر نحوًا مِنْ كلامه السابق: «وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبًا مُؤَكَّدًا عَلَىٰ الْأَعْيَانِ لَا عَلَىٰ الْكِفَايَةِ»([10]).
وأما الاستدلال بما قاله النبي ﷺ للأعرابي: خمس صلوات، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّع»، بأنه صارف للأمر من الوجوب إلىٰ الاستحباب، فيجاب عنه بأن هذا الحديث لم يشمل جميع واجبات الشريعة؛ بل هناك واجبات أخرىٰ وردت بعد ذلك وثبتت بأحاديث أخرىٰ([11]).
[1])) «الكافي» (1/ 338، 339).
[2])) «الإنصاف» (2/ 420).
[3])) «مجموع الفتاوى» (24/ 183).
[4])) «الصلاة وحكم تاركها» (14).
[5])) «نيل الأوطار» (3/ 369).
[6])) «الشرح الممتع» (5/ 116).
[7])) أخرجه أحمد (20584)، وأبو داود (1157)، والنسائي (1557)، وابن ماجه (1653)، وصححه الألباني في «الإرواء» (634)، وقال محققو المسند: إسناده جيد.
[8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (974)، ومسلم (890).
[9])) «نيل الأوطار» (3/ 369).
[10])) «السيل الجرار» (1/ 192).
[11])) انظر: «نيل الأوطار» (3/ 48).