أيها الناس... اتقوا الله في أبنائكم
إنَّ من المآسي التي نراها ليل نهار تقصيرَ الآباءِ في تربية الأبناء، والداعي لكتابة هذا الموضوع أن أبًا جاهلاً - رفض نعمة الله عليه، وأبى إلا أن يكون من المفرطين - يعمل سائقًا على سيارته، ومعه ابنه الزهرة البريئة الناضجة - التي أنعم الله عليه بها- رأيته يضربه، ويعذبه، ويهينه إهانة شديدة، فيا ألله ألهذا خلق!! كل هذا لأنَّ ما جناه الطفل إنما هو خوفه من العمل، فكان عليه أن يُجَازَى ويعاقب؛ والناس تستميحه وتستسمحه أن يترك الطفل البريء؛ ولكن هيهات هيهات، فمن وجد لقمة سائغة لن يتركها سليمة، فقلت في نفسي أهذا ما أمر اللهُ به، ألِهَذَا مكَّن الله الآباء من الأبناء؟!!
أيها الناس اتقوا الله في أبنائكم:واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله تعالى عنهم، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته; فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته)).
وقال كذلك: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).
اعلم أيها الأب الكريم:أن ابنك - فلذة الكبد - أمانة في عنقك تسأل عنها يوم القيامة، فإما أن يكون لك داعيًا، ولك ذخرًا، ولك منجيًا من عذاب الله يوم القيامة، وإمَّا أن يكون عليك داعيًا، ولك ماقتًا، ويكون سببًا من أسباب هلاكك يوم القيامة، فإنَّك إن فرطت في حقه من التَّربية والحب كرهَكَ، وسألك يوم القيامة عن هذا، وتمنَّى لك كل سوء في الدنيا حتى الموت، ولو أنَّك أكرمته، وربيته، وأحسنت حبه، كان لك عبدًا مطيعًا يحبك، ويخاف عليك، ويتمنى لك كل الخير.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه القيم "تحفة المودود في أحكام المولود": "وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء"؛ فأي الفريقين تختار؟!!
أيها الأب الكريم اعلم:أن ابنك أمانة في عنقك، تسأل عنها يوم لا مردَّ له من الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، فعليك أن تؤدي الأمانة إلى أصحابها كما أعطاها الله لك، وإلا كنت خائنًا لله، ولولدك، ولزوجك، وللمجتمع كله، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
وأي خيانة أعظم من إهمالك في تربية ابنك؟!! وأي خيانة أعظم من تفريطك في تربية أبنائك؟!!
ألم تعلم أن الأولاد أمانة في عنقك، وأنك إذا ما فرطت فيها في الدنيا فإنك لا محالة خائنٌ خائن.
أيها الأب الكريم اعلم:اعلم أن الله تعالى عندما استرعاك على هؤلاء؛ إنما استرعاك لتربيهم، وتحسن تأديبهم، فإذا ما تكاسلتَ عنهم، فإنَّ مآلكَ لا محالةَ إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة))؛ فما بالك بأولادك؟!!!
أيها الأب الكريم اعلم:أن من حسن التربية والرعاية أن تخاف عليهم وتربيهم حسب شرع الله تعالى؛ فهل من شرعه أن تربيتهم بالضرب، مثل هذا الضرب المبرح الذي نراه؟!! وهل من شرعه تركهم فريسة لكل قاصٍ ودانٍ ينهشُ في لحومهم؟!! وهل مِنْ شرعه سبّهم واحتقارهم وإهمالهم؟!!
أيها الآباء:لو تعلمون عِظَم ما تحملون، وما استُخْلِفْتُم عليه من نعمة وأمانة لما نمتم ليلكم، فآهٍ آهٍ من آباء هذا الزمان، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
فعليكم أيها الآباء:- أن تعلموا بعضكم بعضًا ما تقون به أنفسكم وأهليكم من النار.
- أن تتقوا معاصي الله، وتأمروا أهليكم وأولادكم بالذكر الذي ينْجيكم الله من النار.
- أن تأمروهم بالمعروف، وتنهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملاً فتأكلهم النار يوم القيامة.
- أن تستنقذوهم من عذاب الله بإقام الصلاة، فكم أهمل الآباء حق الله تعالى!!
- أن تأمروهم بالخير وتنهوهم عن الشر، وتعلِّموهم وتأدبوهم تَقُوهُمْ بذلك النار.
أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالخير وحسن صيانة النعمة اللهم آمين، وجزاكم الله خيرًا