وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً،
وأنت تجد لها في الخير محملا "
ذكره ابن كثير في تفسير آية سورة الحجرات.
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً،
وأنت تجد لها في الخير محملا "
ذكره ابن كثير في تفسير آية سورة الحجرات.
وقال بكر بن عبد الله المزني
كما في ترجمته من تهذيب التهذيب:
" إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر،
وإن أخطأت فيه أثمت،
وهو سوء الظن بأخيك ".
وقال أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي
كما في الحلية لأبي نعيم [2/285]:
" إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه
فالتمس له العذر جهدك؛
فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك:
لعل لأخي عذراً لا أعلمه ".
وقال سفيان بن حسين:
" ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية،
فنظر في وجهي،
وقال أغزوت الروم؟
قلت: لا،
قال: فالسند والهند والترك؟
قلت: لا،
قال:
أفتسلم منك الروم والسند والهند والترك،
ولم يسلم منك أخوك المسلم؟!
قال: فلم أعد بعدها "
البداية والنهاية لابن كثير [13/121].
أقول:
ما أحسن هذا الجواب من إياس بن معاوية
الذي كان مشهوراً بالذكاء،
وهذا الجواب نموذجٌ من ذكائه.
وقال أبو حاتم بن حبان البستي
في روضة العقلاء (ص:131):
" الواجب على العاقل لزوم السلامة
بترك التجسس عن عيوب الناس،
مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛
فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره
أراح بدنه ولم يُتعب قلبه،
فكلما اطلع على عيب لنفسه
هان عليه ما يرى مثله من أخيه،
وإن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه
عمي قلبه وتعب بدنه
وتعذر عليه ترك عيوب نفسه ".
وقال: (ص:133):
" التجسس من شعب النفاق،
كما أن حسن الظن من شعب الإيمان،
والعاقل يحسن الظن بإخوانه،
وينفرد بغمومه وأحزانه،
كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه،
ولا يفكر في جناياته وأشجانه ".
الرّفق واللّين
وصف الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم
بأنه على خلق عظيم،
فقال:
((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ))،
ووصفه بالرفق واللين،
فقال:
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ
لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ))،
ووصفه بالرحمة والرأفة بالمؤمنين،
فقال:
((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )).
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق ورغب فيه،
فقال: " يسروا ولا تعسروا،
وبشروا ولا تنفروا "
أخرجه البخاري (69) ومسلم (1734) من حديث أنس
وأخرجه مسلم (1732) عن أبي موسى،
ولفظه:
" بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا "،
وروى البخاري في صحيحه (220)
عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه
في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد:
" دعوه،
وهريقوا على بوله سجلاً من ماء
أو ذنوباً من ماء؛
فإنما بُعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ".
وروى البخاري (6927) عن عائشة رضي الله عنها:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يا عائشة!
إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله "،
ورواه مسلم (2593) بلفظ:
" يا عائشة!
إن الله رفيق يحب الرفق،
ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف،
وما لا يعطي على ما سواه "،
وروى مسلم في صحيحه (2594):
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه،
ولا ينزع عن شيء إلا شانه "،
وروى مسلم أيضاً (2592)
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من يحرم الرفق يحرم الخير ".
وقد أمر الله النبيين الكريمين موسى وهارون
– عليهما الصلاة والسلام –
أن يدعوا فرعون بالرفق واللين،
فقال:
((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *
فَقُولا لَهُ
قَوْلاً لَيِّناً
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )) ،
ووصف الله الصحابة الكرام بالتراحم فيما بينهم،
فقال:
((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )).
موقف أهل السنة من العالم إذا أخطأ
أنه يعذر فلا يبدع ولا يهجر
ليست العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
فلا يسلم عالمٌ من خطأ،
ومن أخطأ لا يُتابع على خطئه،
ولا يُتخذ ذلك الخطأ ذريعة
إلى عيبه والتحذير منه،
بل يُغتفر خطؤه القليل في صوابه الكثير،
ومن كان من هؤلاء العلماء قد مضى
فيستفاد من علمه
مع الحذر من متابعته على الخطأ،
ويدعى له ويترحم عليه،
ومن كان حياً سواء كان عالماً أو طالب علم
يُنبه على خطئه برفق ولين ومحبة
لسلامته من الخطأ ورجوعه إلى الصواب.
ومن العلماء الذين مضوا
وعندهم خلل في مسائل العقيدة،
ولا يستغني العلماء وطلبة العلم عن علمهم،
بل إن مؤلفاتهم من المراجع المهمة للمشتغلين في العلم،
الأئمة: البيهقي والنووي وابن حجر العسقلاني.
فأما الإمام أحمد بن حسين أبو بكر البيهقي،
فقد قال فيه الذهبي في السير [18/163 وما بعدها]:
" هو الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام "،
وقال:
" وبورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة "،
وقال:
" وانقطع بقريته مُقبلاً على الجمع والتأليف،
فعمل السنن الكبير في عشر مجلدات،
وليس لأحد مثله "،
وذكر له كتباً أخرى كثيرة،
وكتابه (السنن الكبرى) مطبوع في عشر مجلدات كبار،
ونقل عن الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل كلاماً قال فيه:
" وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد،
جمع بين علم الحديث والفقه،
وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث " ،
وقال الذهبي أيضاً:
" فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد،
قل من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر،
فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء،
سيما سننه الكبرى ".
وأما الإمام يحيى بن شرف النووي،
فقد قال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ [4/259]:
" الإمام الحافظ الأوحد القدوة شيخ الإسلام علم الأولياء ...
صاحب التصانيف النافعة "،
وقال:
" مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه
والعمل بدقائق الورع والمراقبة
وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها،
كان حافظاً للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله،
رأساً في معرفة المذهب ".
وقال ابن كثير في البداية والنهاية [17/540]:
" ثم اعتنى بالتصنيف، فجمع شيئاًَ كثيراً،
منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله،
فمما كمل شرح مسلم والروضة والمنهاج
والرياض والأذكار والتبيان وتحرير التنبيه وتصحيحه
وتهذيب الأسماء واللغات وطبقات الفقهاء وغير ذلك،
ومما لم يتممه
– ولو كمل لم يكن له نظير في بابه –
شرح المهذب الذي سماه المجموع،
وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد
وأفاد وأحسن الانتقاد،
وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره،
وحرر فيه الحديث على ما ينبغي،
والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه ...
ولا أعرف في كتب الفقه أحسن منه،
على أنه محتاجٌ إلى أشياء كثيرة تزاد فيه وتضاف إليه ".
ومع هذه السعة في المؤلفات والإجادة فيها
لم يكن من المعمرين، فمدة عمره خمس وأربعون سنة،
ولد سنة (631هـ)، وتوفي سنة (676هـ).