أداء الأمانة
بتلخيص كتاب الإبانة في أصول الديانة
للإمام أبي الحسن الأشعري



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
أما بعد فهذا ملخص ما ذكره الإمام العلم أبو الحسن الأشعري رحمه الله أحد أئمة أهل السنة في كتابه الرائع (الإبانة عن أصول الديانة) كنت كتبته لطلبة السنة الأولى من الطور الثانوي بمعهد الإمام الشاطبي, قصدت فيه تلخيص ما أورده الإمام في رده على المعتزلة والكلابية وغيرهم, وحرصت على نقل بعض ألفاظه كما هي وميزتها بالخط العريض,وحبرت ذلك بمتممات ومكملات والله الموفق.

لخصه
أبو عبد الله طارق بن عبد الرحمن الحمودي












باب رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في كتاب الإبانة
1- استدل رضي الله عنه بقوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة ) وذكر أن كلمة النظر لا تخلو من أربعة استعمالات:
- أن تتعدى ب- (إلى) فتكون إما بمعنى الاعتبار كقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ولا يصح لأن الآخرة ليست بدار اعتبار , وإما أن تكون بمعنى الرؤية وهو المعنى الصحيح. ويدل عليه أنه تعالى قرن النظر بذكر الوجه .وإما أن تكون بمعنى التعطف كقوله تعالى (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) ولا يصح لأن الخلق لا يجوز لهم أن يتعطفوا على خالقهم.
- أن تكون بمعنى الانتظار ولا تتعدى ب- (إلى) كما قال المعتزلة كقوله تعالى (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) ولا يصح لأن الانتظار لا يكون في الجنة لأن معه تنغيصا وتكديرا وليس شيء من ذلك في الجنة.
2- رد على المعتزلة تقديرهم (ثواب) في قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فقالوا : أي (إلى ثواب ربها ناظرة) بأنه لا دليل على هذا وأن (القرآن على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا لحجة وإلا فهو على ظاهره)
3 - واستدل بقوله تعالى: (ولَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَ-كِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) .ووجه استدلاله كما ذكر أنه لا يجوز في حق نبي من أنبياء الله تعالى مثل موسى أن يسأل ربه مستحيلا وهو من أعلم الناس بالله تعالى, فدل سؤاله الرؤية على جوازها, وإلا لزم وصف موسى بالجهل .فيكون المعتزلة أعلم بالله منه.
4- واستدل بأن الله تعالى علق جواز الرؤية في الدنيا على استقرار الجبل مكانه, وتعليق شيء على ممكن يدل على أنه ممكن
5 - ورد تشبيه المعتزلة سؤال موسى الرؤية بسؤال بني إسرائيل ذلك وإنكار الله عليهم في قوله تعالى : (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) ب-(أن بني إسرائيل سألوا رؤية الله عز وجل على طريق الإنكار لنبوة موسى وترك الإيمان به) بخلاف موسى.
6 - واستدل أيضا بقوله تعالى : (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) ونقل عن أهل التفسير قولهم في الآية : (الزيادة النظر إلى الله عز وجل).وقد صح تفسيرها بذلك عن النبي  .فروى مسلم عَنْ صُهَيْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)
7 - واستدل أيضا بحديث (ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر , لا تضارون في رؤيته)وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة.وقد تواترت أحاديث الرؤية تواترا معنويا عن 29 صحابيا فيها الصحيح والضعيف
8 - واستدل على ذلك أيضا بأن الله موجود و(أنه ليس موجود إلا وجائز أن يريناه الله عز وجل) فنتج أنه يجوز رؤية الله تعالى.
9- واستدل أيضا بأن الله يرى الأشياء ومن يرى الأشياء يرى نفسه ومن يرى نفسه فجائز أن يُرِيَنا نفسَه.
10 - ورد احتجاج المعتزلة بعموم قوله تعالى (لا تدركه الأبصار) للدنيا والآخرة. بأن الآية تدل على أنه لا تدركه أبصار القلوب والعيون لعموم قوله تعالى (الأبصار) ورؤية القلوب علمها بالله تعالى. .فإن جاز التخصيص هنا جاز هناك ولا فرق.
11- واستدل عليهم بأن نفي الأخص - وهو الإدراك أي ( الرؤية مع الإحاطة ) إذ الأخص ما ازداد قيدا وهو الإحاطة هنا - لا يستلزم نفي الأعم - الذي هو الرؤية والأعم ما ازداد فردا -.والقاعدة أنه ليس من شبهة يوردها مبتدع إلا وفيها ما ينقضها كما قال بعض أهل العلم.
باب في أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
1- استدل الإمام أبو الحسن لكون القرآن غير مخلوق بقوله تعالى : (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فجعل أمره غير السماء والأرض وما فيهما.
2- واستدل بقوله تعالى (ألا له الخلق والأمر) فجعل الأمر سوى الخلق)
3- واستدل أيضا بقوله تعالى (لله الأمر من قبل ومن بعد) فدل على أن الأمر ليس من الخلق لأنه جعله قبله وبعده.
4- واستدل بقوله تعالى : (إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون) فلو كان قوله (كن) شيئا مخلوقا لاحتاج لتكوينه أن يقول له (كن) وهكذا . وهذا تسلسل وهو محال عقلا.
5- ورد على المعتزلة زعمهم أن قول الله تعالى للأشياء كوني هي عينها بأنه يلزم منه أن الأشياء كلها كلام الله تعالى
6 - واستدل بقوله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) ووجه الدلالة أنه لو كان كلام الله مخلوقا لنفد كما تنفد كل المخلوقات, ولكنه لا ينفد فثبت أنه غير مخلوق.
7- واستدل أيضا ردا على المعتزلة زعمهم أن الله تعالى خلق كلاما في الشجرة فكلم به موسى بقوله تعالى : (يا موسى ... إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) ووجه الاستدلال أنه يلزم من زعمهم ذاك أن المتكلم بدعوى الربوبية هي الشجرة.
8- واستدل بأنه كما لا يجوز أن يخلق الله إرادته في مخلوق لأنه يلزم أن تكون الإرادة إرادة ذلك المخلوق فكذلك لا يجوز في كلامه.
قلت : وهذا منه رحمه الله كما في مواطن كثيرة استعمال للقاعدة المعروفة عند أهل السنة (القول في بعض الصفات كالقول في الصفات الأخرى)
9- واستدل بقوله تعالى : (إن هذا إلا قول البشر) وتمامه (سأصليه سقر) وقال : (فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر, وهذا ما أنكر الله على المشركين).
قلت : وهذا قول الأشاعرة, فإنهم يقولون : ما في المصاحف لفظ جبريل أو محمد .
10- واستدل أيضا بأن الذين يقولون إن كلام الله مخلوق (يلزمهم به أن يكون الله عز وجل لم يزل كالأصنام التي لا تنطق ولا تتكلم لو كان لم يزل متكلما لأن الله عز وجل يخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لقومه لما قالوا له : من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال : (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون فاحتج عليهم بأن الأصنام إذا لم تكن ناطقة متكلمة لم تكن آلهة.) وهو قوله تعالى : (قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ).
11- واستدل بقوله تعالى (لمن الملك اليوم ) بعد نفاد الخلق وقال : فإذا كان عز وجل قائلا مع فناء الأشياء فقد صح أن كلام الله عز وجل خارج عن الخلق.
12- واستدل بقوله تعالى : (وكلم الله موسى تكليما) وقال : (والتكليم هو المشافهة. ويقصد الإمام أن الكلام على حقيقته لأن توكيد الفعل بالمصدر دليل على إرادة حقيقته.)
13- واستدل أيضا بأنه لو كان القرآن مخلوقا للزم منه أن أسماء الله مخلوقة,لأنها متلوة فيه,وهذا باطل.
قلت : هذا على اختيار الشيخ أبي الحسن أن الاسم هو المسمى كما قال في أول الإبانة.
14- واستدل أيضا بقوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) وأن الشهادة كلام, وبأنه لا بد أن تكون قبل الخلق وإلا لم تكن وحدانية, وإلا لزم أنه لم يشهد لنفسه بوحدانية الإلهية قبل الخلق ويلزم منه نفي وحدانيته قبل الخلق وهذا باطل.
15- واستدل بقوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء). ووجه الاستدلال بها عنده أنه (لو كان كلام الله لا يوجد إلا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط هذه الوجوه معنى, لأن الكلام قد سمعه جميع الخلق .
16- واستدل أيضا بأنه لو كان مخلوقا في شجرة لكان قد كلمه من غير حجاب.
17- واستدل أيضا بأنه لو كان كلام الله الذي سمعه موسى مخلوقا في الشجرة لكان غيره أفضل منه لو سمعه من نبي كاليهودي يسمعه من نبي. وألزمهم بأنه (يوجب إسقاط مرتبة النبيين صلوات الله عليهم).
18- واستدل أيضا بأنه لو كان كلام الله لموسى مخلوقا في شجرة لجاز أن يكون قول الذراع لرسول الله  (إني مسمومة) كلام الله .وكذلك كلام الذئب لرسول الله  معترفا بنبوته.وكذلك سائر كلام المخلوقات وقال للمعتزلة : (فما يؤمنكم أن يكون كل كلام تسمعونه مخلوقا في شيء وهو حق أن يكون كلام الله عز وجل.)
19- واستدل بقوله تعالى لإبليس (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) ووجه الدلالة أنه لو كانت لعنة الله وهي كلام من كلام الله مخلوقا وكان كل مخلوق فانيا للزم منه فناء لعنة الله تعالى على إبليس فيكون إبليس بعد فناء لعنة الله عليه غير ملعون (وهذا ترك لدين المسلمين) .
20- واستدل أيضا بأنه لو كان كلام الله مخلوقا لكان جسما أو نعتا لجسم , فإن كان جسما جاز أن يقلب الله عينه فيصير إنسانا أو جنيا أو شيطانا, ولو كان نعتا لكان فانيا كما تفنى النعوت (لأنها لا تحتمل البقاء ) ولجاز أيضا أن يقلبه الله جسما.
باب (ما ذكر من الرواية في القرآن)
1- قول وكيع : (من قال القرآن مخلوق فهو مرتد )رواه عبد الله بن أحمد في السنة رقم ( 40) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة رقم (433) بلفظ (فهو كافر)
2- قول ابن المبارك : (إنا نستطيع أن نحكي كلام اليهود ... ) رواه عبد الله بن أحمد في السنة (رقم23).
3- قول حماد بن أبي سليمان لسفيان الثوري في أبي حنيفة: (بلغ أبا حنيفة المشرك ...) رواه ابن الجعد في مسنده رقم(353) واللالكائي في شرح الاعتقاد رقم (393) والخطيب في تاريخ بغداد (13/388).ورواه البخاري في خلق أفعال العباد ص(29) بلفظ : (أبلغ أبا فلان)
4- قول أبي يوسف : (ناظرت أبا حنيفة شهرين حتى رجع عن خلق القرآن) لم أجده.
قلت : المعروف عن أبي حنيفة أنه يقول : (القرآن كلام الله تعالى في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ وعلى الألسن مقروء) كما في الفقه الأكبر له (ص301) وقال في وصيته (ص40)لأصحابه وهو في مرض موته لما استوصوه : (نقر بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ...)
5- قول سليمان بن حرب: ( القرآن غير مخلوق ...)
6- حديث (فضل كلام الله عز وجل على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )رواه الترمذي والدارمي في سننه عن محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري وعطية العوفي ضعيف.ورواه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة عن عبد الوهاب بن عطا قال أخبرنا سعيد عن الأشعث الأعمي عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وقال المناوي في فيض القدير : (وخرجه ابن الضريس أيضا من وجه آخر عن شهر بن حوشب مرسلا ورجاله لا بأس بهم وخرجه ابن حميد الحماني في مسنده من حديث عمر بن الخطاب وفيه صفوان بن أبي الصهب مختلف فيه وخرجه ابن الضريس عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ثم قال: ( وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) قال ابن حجر : (أشار البخاري في خلق الأفعال إلى أنه لا يصح مرفوعا) وضعفه الألباني في الضعيفة رقم (1335)
7- حديث (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان) رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عدي بن حاتم
8- حديث (أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري عن عثمان بن عفان.
9- قول خباب بن الأرت : (يا هذا تقرب إلى الله عز وجل بما استطعت, ولن يتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه) رواه اللالكائي في الاعتقاد رقم (558) وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية رقم (310)
10- قول ابن عباس في قوله تعالى (قرآنا عربيا غير ذي عوج) : غير مخلوق.رواه اللالكائي والقزويني في التدوين في أخبار قزوين من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .ورواه اللالكائي أيضا من طريق مكحول عنه .
11- قول سفيان الثوري رواه اللالكائي في الاعتقاد رقم (415) ورواه عبد الله في السنة رقم (12) بلفظ : (من زعم أن قول الله عز وجل (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) مخلوق فهو كافر زنديق حلال الدم)
12- قول جعفر بن محمد الصادق : (القرآن لا خالق ولا مخلوق) رواه البخاري وفي خلق أفعال الهباد رقم (86) البيهقي في كتاب الاعتقاد (ص107) واللالكائي في الاعتقاد رقم (399) عن معاوية بن عمار الدهني قال: سألت جعفر بن محمد فقلت: إنهم يسألوننا عن القرآن أمخلوق هو؟ قال: ( ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله عز وجل)
13- قول زيد بن علي. لم أجده , وزيد بن علي كان معتزليا أخذ عقيدته من واصل بن عطاء رأس الاعتزال فلعله كان يقول بقولهم في خلق القرآن والله أعلم.
14- قول علي بن الحسين. رواه اللالكائي في الاعتقاد (2/237 ) عن يونس بن بكير عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : سئل علي بن الحسين عن القرآن, فقال: ( ليس بخالق ولا مخلوق وهو كلام الله تعالى)
باب (الكلام على من وقف في القرآن وقال : لا أقول إنه مخلوق ولا أقول إنه غير مخلوق)
1- احتج على المتوقفة في زعمهم عدم وجدانهم دليلا من الكتاب والسنة أو إجماعا على أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق بأن عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود
2- وألزمهم عدم التوقف لعدم وجود شيء من القرآن أو الحديث أو إجماع يأمر بالتوقف كما زعموا في عدم قولهم بخلق أو عدم خلق القرآن.
3- وألزمهم بالتوقف في كل ما اختلف فيه الناس كما توقفوا في اختلاف الناس في القول بخلق القرآن وعدمه.
4- وصرح رحمه الله بأن القرآن في اللوح المحفوظ وأنه متلو بالألسنة حقيقة محفوظ في الصدور حقيقة مكتوب في المصاحف حقيقة
5- ورد على القائلين بأن اللفظ بالقرآن مخلوق بأنه لا يجوز أن يقال إن القرآن لفظ أي ملفوظ بل يقال إنه متلو أو مقروء وعلل ذلك بأنهم يدلسون بقولهم ذاك لاحتماله إفادة المصدر والفعل أو الملفوظ
- فائدة : نقل عن البخاري رحمه الله تعالى أنه قال : (لفظي بالقرآن مخلوق) وأنكر عليهم كثير من أهل العلم والحق أن كلامه حق لو تأمل,وأنصفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواطن في كتبه فقال في درء تعارض العقل والنقل مثلا: (من قال : اللفظ بالقرآن أو القراءة أو التلاوة مخلوقة أو لفظي بالقرآن أو تلاوتي دخل في كلامه نفس الكلام المقروء المتلو وذلك هو كلام الله تعالى وإن أراد بذلك مجرد فعله وصوته كان المعنى صحيحا لكن إطلاق اللفظ يتناول هذا وغيره)
6- وزعم الشيخ رحمه الله أن معنى قوله تعالى (ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث ...) النبي  أو حديثه لقوله تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين) ولقوله تعالى (ذكرا رسولا..)
7- واستدل أيضا بأن الله تعالى قال (ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث ) ولم يقل (ما ياتيهم من ذكر إلا محدث) ووجه الدلالة في هذا أن قوله (محدث) صفة مقيدة ومفهومها أن هناك (ذكرا) غير محدث ونظر له بأنه لو قال قائل : (ما يأتيهم رجل من التميميين يدعوهم إلى الحق إلا أعرضوا عنه لم يوجب هذا أنهم لا يأتيهم رجل إلا كان تميميا)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (12/521 و522): (إن احتج بقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قيل له : هذه الآية حجة عليك فانه لما قال (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) علم أن الذكر منه محدث ومنه ما ليس بمحدث لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره, كما لو قال: ( ما يأتيني من رجل مسلم إلا أكرمته وما آكل إلا طعاما حلالا )ونحو ذلك, ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي ولكنه الذي أنزل جديدا, فان الله كان ينزل القرآن شيئا بعد شيء, فالمنزل أولا هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخرا, وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب)
قلت : فحدوث الكلام هنا بالنسبة للمنزل عليه لا بالنسبة للمُنَزل فإن الله لا يحكمه زمان ولا مكان, ليس كمثله شيء .أي ليس كذاته ولا أوصافه شيء.ومنه قول النبي  لابن مسعود : (إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة)
8 - ورد على من ألزمه القول بخلق القرآن مستدلين بأن القرآن منزل وكل منزل مخلوق كقوله تعالى في الحديد (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) بأنه(قد أمرنا الله أن نستعيذ به وهو غير مخلوق, وأمر أن نستعيذ بكلمات الله التامات . وإذا لم نؤمر أن نستعيذ بمخلوق من المخلوقات وأمرنا أن نستعيذ بكلام الله فقد وجب أن كلام الله غير مخلوق)
وصورة هذا القياس الشرطي الاستثنائي أن تقول : (لو كان كلام الله مخلوقا لما جاز الاستعاذة به, ولكن الله أمرنا أن نستعيذ به فهو إذن غير مخلوق.)
باب استواء الله على العرش من كتاب الإبانة
1- استدل رحمه الله على علو الله على خلقه وعرشه بقوله تعالى : (الرحمن على العرش استوى) وقوله (إليه يصعد الكلم الطيب) وقوله تعالى (بل رفعه الله إليه) وقوله (يدبر الأمر في السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه)
2- واستدل بأحد أقوى الأدلة على ذلك وهي قوله تعالى حكاية عن فرعون (يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الاسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا). قال الشيخ : (كذب فرعون نبي الله موسى عليه السلام في قوله إن الله عز وجل فوق السماوات)
3- واستدل بقوله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) وقال : (كل ما علا فهو سماء فالعرش أعلى السماوات)
4- تكملة: معنى (في) في الآية (على) كما في قوله تعالى (وَلَأُصَلِّبَن َكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي (على جذوعها )
5- واستدل على علو الله تعالى أن المسلمين جميعا يرفعون أيديهم - إذا دعوا - نحو السماء ...فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش , كما لا يحطونها - إذا دعوا - إلى الأرض.
6- ورد على من جهمية المتكلمين زعمهم أن معنى (استوى) (استولى) و(قهر) و(ملك) وغيرها من معاني القدرة ولوازمها كما يقول متأخروا الأشاعرة بأنه يلزم من ذلك عدم الفرق بين العرش والأرض لأن الأرض أيضا ملكه وتحت قهره.
7- ورد على جهمية الصوفية الحلولية زعمهم أن الله في كل مكان بأنه يلزم بهذا أن الله كان في بطن مريم وأنه موجود في الحشوش والأخلية التي يقضي الناس فيها حاجتهم من غائط, تعالى الله عن قولهم .وأنه تحت خلقه وفوقه وهذا محال تعالى الله عن افترائهم عليه علوا كبيرا.
8- واستدل على علو الله على عرشه بما صح عن النبي  أنه قال : (ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول ... )الحديثَ, وله ألفاظ كثير.
9- واستدل أيضا بقوله تعالى : (يخافون ربهم من فوقهم) وقوله (تعرج الملائكة والروح إليه) وقوله (ثم استوى إلى السماء وهي دخان)وقوله (ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا) وقوله (ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) وقوله (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى)
10- واستدل بقوله لعيسى عليه السلام(إني متوفيك ورافعك إلي) وقوله (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) وقال : وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل رفع عيسى إلى السماء
11- واستدل بقوله تعالى (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) وقوله: (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) ، وقوله: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم) ، وقوله عز وجل: (وعرضوا على ربك صفا)، على أنه تعالى ليس في خلقه، ولا خلقه فيه، ؛ ووصف المتكلمة الجهمية بأن (كل كلامهم يؤول إلى التعطيل، وجميع أوصافهم تدل على النفي، يريدون بذلك التنزيه، ونفي التشبيه على زعمهم، فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل) .
12- واستدل بقوله  : (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله عز وجل، فإن بين كرسيه إلى السماء ألف عام، والله عز وجل فوق ذلك) والحديث رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة عن ابن عباس وهو ضعيف إلا قوله (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته) وانظر السلسلة الصحيحة حديث رقم :1788
13- واستدل بقوله  أيضا (إن العبد لا تزول قدماه من بين يدي الله عز وجل حتى يسأله عن عمله) رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي وهو صحيح
14- واستدل بما روت العلماء وهو في صحيح مسلم أن معاوية بن الحكم السلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أعتقها في كفارة، فهل يجوز عتقها ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله ؟ قالت: في السماء، قال فمن أنا ؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة . وقال : (وهذا يدل على أن الله تعالى على عرشه فوق السماء فوقية لا تزيده قربا من العرش)

باب الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين من كتاب الإبانة
1- استدل على إثبات الوجه لله تعالى بقوله تعالى : (كل شيء هالك إلا وجهه) وقوله تعالى (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)
2- واستدل لإثبات العين لله تعالى بقوله تعالى (تجري بأعيننا) وقوله (واصنع الفلك بأعيننا) وقوله (فاصبر لحكم ربك إنك بأعيننا) وقوله (ولتصنع على عيني)
3- وأثبت السمع والبصر لله بقوله تعالى (إنني معكما أسمع وأرى) وبقوله تعالى (وكان الله سميعا بصيرا)
4- وذكر أن الجهمية نفت ذلك عن الله كما فعلت النصارى حين جعلت سمع الله وبصره علمه.
5- وذكر أن شيخا من شيوخ الجهمية زعم أن علم الله هو الله فألزم أن يقول : يا علم اغفر لي.
6- واستدل على إثبات اليدين لله تعالى بقوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) وبقوله (لما خلقت بيدي) وبقوله تعالى (بل يداه مبسوطتان) وقوله تعالى (ولأخذنا منه باليمين) وبقول النبي  (إن الله مسح ظهر آدم فاستخرج منه ذريته) وبقوله  (كلتا يديه يمين).
7- ورد على تأويل اليد بالنعمة بأنه لا يعرف في كلام العرب أن اليد تعني النعمة. وأن القرآن على ظاهره ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة .
8- وألزمهم إن قالوا أن معنى (يد) (نعمة) أو (قدرة) بأن يقولوا إن معنى (يدين) (نعمتين) أو (قدرتين) ولم يقل هذا أحد من أهل اللغة.وقال:( ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه, فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه علم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه.)
9- وأنكر أن يكون لتأويلهم مستند من لغة أو إجماع أو قياس عقلي صحيح.
10- وأنكر على من زعم أن معنى (اليدين) (القدرتين) بأنه لا يبقى لآدم مزية على إبليس حين قال تعالى (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) فإن إبليس أيضا مخلوق بقدرة الله تعالى.بل كل المخلوقات خلقت بقدرته.
11- واستدل على أن معنى كلمة (يدي) إما أن يكون (قدرتين) أو (نعمتين) ولا يجوز هذا عند أهل اللغة أو (جارحتين) ولا يجوز ذلك في حق الله تعالى اتفاقا أو يدين (لا توصفان إلا كما وصف الله عز وجل) وهو الصحيح .
12- وذكر أن من زعم أن معنى اليدين في قوله تعالى (لما خلقت بيدي) النعمتين يلزمه أحد شيئين إما أن يقول إن معنى النعمتين هما بدن آدم وإما أن يكون عني بهما عرضين خلقا في بدن آدم. أما الأولى فإن الزاعم لذلك يرى أن الأبدان جنس واحد وأن ما حصل من النعمة في بدن آدم حصل من جنسه في بدن إبليس فلم يكن لآدم مزية عليه.وأما الثانية فإن الزاعم أيضا يرى أن الأعراض جنس واحد فما حصل من نعمة الله من جنس اللون والحياة والقوة حصل من جنسه في بدن إبليس فلم يكن له عليه مزية أيضا.
13- وألزم من زعم أن إثبات اليد لله إثبات للجارحة بأن يثبت لله جسما بلحم ودم إذا أثبت لله صفة الحياة لأنه(لم نجد حيا من الخلق إلا جسما لحما ودما)
قلت : وهذا جريا على قاعدة أهل السنة أن (القول في بعض الصفات كالقول في الأخرى).
14- وذكر أنهم شاغبوا بإلزام أهل السنة إثبات أيادي لله تعالى بقوله تعالى (مما عملت أيدينا) فرد عليهم بأن الإجماع قائم على بطلان أن يكون لله أيدي أو يد واحدة. فوجب الرجوع إلى ما صح عندنا من أنه تعالى موصوف بيدين .
15- ورد على من زعم أن قوله تعالى (مما عملت أيدينا) وقوله تعالى (لما خلقت بيدي) مجاز بأن (حكم كلام الله تعالى أن يكون على ظاهره وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا لحجة. ومثل لذلك بأن الأصل في لفظ العموم حقيقته وهو العموم إلا أن تقوم الحجة على أن معناه الخصوص).
16- رد على من قصد إلزام أهل السنة بأن معنى اليد في قوله تعالى (بيدي) القدرة والقوة بقوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد) أي بقوة بأن أيد ليس جمعا لليد .
قلت : الأيد القوة كما قال تعالى (داود ذا الأيد) وقوله تعالى (أولي الأيدي والأبصار)ومنه التأييد كما في قوله تعالى (وأيدناها بروح القدس).
باب إثبات العلم والقوة لله تعالى
1- استدل على إثبات علم الله تعالى السابق بقوله تعلى (أنزله بعلمه) وقوله تعالى: (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) وقوله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) وقوله تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وقال :(ذكر العلم في خمسة مواضع من كتابه العزيز)،
2- واستدل على إثبات القوة لله تعالى بقوله تعالى: (أولم يرو أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) ، وقوله تعالى: (ذو القوة المتين) وقوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد)
3- وقال : أجمع المسلمون قبل حدوث الجهمية والمعتزلة والحرورية على أن لله علما لم يزل
4- ورد على إثبات المعتزلة الأسماء دون ما تضمنته من الصفات (أي أنها ألقاب وليست مشتقة) بأنه تناقض وأنهم إنما أرادوا نفي الأسماء أيضا تبعا للفلاسفة فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك، فأتوا بمعناه.
5- ورد على زعم أبي الهذيل العلاف أحد رؤوس المعتزلة كون علم الله هو الله بأنه يلزمه أن يدعو فيقول : يا علم اغفر لي.
6- وألزمهم بكون من قال (إن الله عالم ولا علم) مناقضا خارج عن جملة المسلمين قياسا على من قال: (إن الله متكلم بلا كلام))وكلام من قال (إن الله مريد بإرادة) تطبيقا لقاعدة: (القول في بعض الأسماء والصفات كالقول في باقي الأسماء والصفات )
7- واحتج على نفاة العلم بإجماع المسلمين قبل حدوث هذه الفرق على إثبات علم الله السابق لحدوث الأشياء.
8- وذكر أن النفاة فرقوا بين الكلام فأثبتوه وبين العلم فنفوه بأن الله علم موسى وفرعون ولم يكلم إلا موسى, ورد عليهم بأنه علم موسى ولم يعلم فروعن.!
9- واحتج على إثبات علم الله للأشياء قياسا على كلام الله للأشياء.وقصده نفي الفارق عنهما لا كما زعم النفاة.
10- وألزمهم بإثبات القدرة وهي أخص مع نفيهم العلم وهو أعم قياسا على إثباتهم الكلام وهو أخص ونفيهم العلم وهو أعم والجامع الأخصية من العلم.!
قلت: كل هذا غريب فإنه من المعلوم أن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم !
11- وألزمهم بالاحتجاج بقوله تعالى (أنزله بعلمه) وقوله تعالى (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه)في إثبات العلم كما احتجوا بقوله تعالى (إنه بكل شيء عليم) في إثبات اسم العالم. وألزمهم أيضا بالاحتجاج بقوله تعالى (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) في إثبات صفة القوة , والجامع الاحتجاج بالقرآن.
12- وألزمهم بإثبات علم الله تعالى كما أثبتوا اسم العالم بجامع ظهور الحكمة وآثار تدبيره في العالم كما قالوا.
13- وقال: (لأن الصنائع الحكيمة لا تظهر إلا من ذي علم كما لا تظهر إلا من عالم, وكذلك لا تظهر إلا من ذي قوة كما لا تظهر إلا من قادر)
14- واحتج لإثبات اتصاف الله بالعلم أنه هو الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم متصف بالعلم وفاقد الشيء لا يعطيه.
15- وقال: (لا يجوز أن يسمى الله عز وجل على طريق التلقيب باسم ليس فيه إفادة معناه, وليس مشتقا من صفة)
16- واحتج عليهم بأن نفي العلم في الخلق عيب ومنقصة وأنه كذلك في حق الخالق من باب أولى تطبيقا لقاعدة.(ما كان في الخلق نقصا فهو عن الله تعالى منفي من باب أولى) فيجوز في هذه المسائل قياس الأولى ولا يجوز قياس التمثيل.
17- ورد عليهم زعمهم أن معنى سميع وبصير أي عليم كما قالت النصارى بقوله (فقد وجب عليكم أن تقولوا : معنى قوله : (أسمع وأرى) أعلم وأعلم !!)
18- ورد عليهم هذا أيضا بأن ألزمهم بأن يقولوا نفس الشيء في معنى القدرة إذ لا فرق بينهما عندهم, وأنه لو كان معنى سميع أي عليم لكان كل معلوم مسموعا وهذا غير صحيح.فبطل قولهم بذلك كما قال
باب الكلام في الإرادة
1- أوقفهم على لازم قولهم بأن الله كان في سلطانه ما لم يرده إرادة كونية وهو أن إبليس أنفذ مشيئة من الله تعالى وقال: (وهذا جحد لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله أن يكون كان وما لا يشاء لا يكون)
2- ألزمهم بأحد هذه الوجوه:
إما أن يقولوا : إن الله تعالى أولى بصفة الاقتدار مع كونه عندهم أقل نفوذا للمشيئة من إبليس. وهذا مكابرة لأنه لا يمكن عقلا أن يكون الأقل نفوذا للمشيئة أولى بصفة الاقتدار والسلطان في ملكه.
وإما أن يقولوا: إن إبليس أولى بها لأن مشيئته أنفذ.وهذا كفر
وإما أن يقولوا: إن الله أولى بصفة الاقتدار, ومن كان كذلك فهو أنفذ مشيئة من غيره. وهذا هو الحق.
3- ألزمهم إن قالوا بأن الأقل نفوذ للمشيئة هو الأولى بالإلهية والسلطان بأن يقولوا : إن من يكون ما لا يعلمه ويعزل عن علمه أكثر الأشياء هو الأولى بصفة الإلهية والسلطان, وإلا ألزموا أن يقولوا : إن الأولى بالإلهية والسلطان هو من لا يكون في ملكه إلا ما يريد ولا يكون ما لا يريد وهو الله تعالى إن قالوا: إن من لا يكون إلا ما يعلمه ولا يعزب عن علمه شيء.
4- وألزمهم أن يصفوا الله تعالى بصفة الضعف والفقر لأنهم زعموا أنه يكون في ملكه ما لا يريده.
5- وألزمهم أن يصفوا الله تعالى بصفة الضعف والتقصير أو صفة السهو والغفلة إن هم زعموا أنه يقع في ملكه ما لا يريد أو ما لا يعلمه.
6- ذكر أن الله تعالى هو خالق الكفر والمعاصي ومريدها.وقال: (لأنه لا يجوز أن يخلق ما لا يريده)
7- ورد تعليلهم نفيهم إرادة الله للمعصية بأن مريدها مريد للسفه ولا يريد السفه إلا سفيه, وليس الله بسفيه إذا فليس هو مريد المعصية. بأنه قد قال تعالى : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)(ا لمائدة/28و29) وقال: (فأراد قتل أخيه له الذي هو سفه, ولم يكن بذلك سفيها, فلم زعمتم أن الله سبحانه إذا أراد سفه العباد وجب أن ينسب إليه؟).
وكذلك استدل بقول يوسف عليه السلام : (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (يوسف/33) .وقال: (فأراد المعصية التي هي سجنهم إياه دون فعل ما يدعونه إليه ولم يكن بذلك سفيها)
8- وقال أيضا : (أليس من يرى منا حرم المسلمين كان سفيها، والله تعالى يراهم ولا ينسب إلى السفه ؟ فلا بد من نعم ).ويقصد بالحرم عورات نسائهم.
9- وذكر لهم الفرق بين الله تعالى وبين الخلق بأن الخلق تحت شريعة فكان إرادة المعصية منهم سفها, والله ليس تحت شريعة فلا يقاس على خلقه.
10- واستدل لإثبات مشيئته للمعاصي بقوله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) وبقوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وقال: (وإذا لم يرد ذلك فقد شاء ضلالتها)
11- واستدل بقوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) وبقوله تعالى (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ) وقال: (فأخبرا أنه لولا أن يكون الناس مجتمعين على الكفر لم يبسط لهم الرزق ولم يجعل للكافرين سقفا من فضة، فما أنكرتم من أنه تعالى لو لم يرد أن يكفر الكافرين ما خلقهم مع علمه بأنه إذا خلقهم كانوا كافرين، كما أنه لو أراد أن لا يكون الناس على الكفر مجتمعين لم يجعل للكافرين سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون؛ لئلا يكونوا جميعا على الكفر متطابقين، إذا كان في معلومه أنه لو لم يفعل ذلك لكانوا جميعا على الكفر مطبقين ).
باب الكلام في تقدير أعمال العباد
والاستطاعة والتعديل والتجويز

1- ألزمهم إن قالوا بأن الله لا يمكن أن يُعْلِمَ عباده بما لا يعلمه هو بأن يقولوا: إنه لا يمكن أن يقدر الله عباده على ما يقدر عليه هو.ولا فرق.
2- وألزمهم أحد شيئين, إما أن يقولوا إن الله تعالى لم يخص أبا بكر بنعمة دون أبي جهل وهو قول فاحش ,إما أن يقولوا قد خصه فيكونون قد تركوا قولهم بأن الله لم يخص المؤمنين بما لم يخص به الكافرين.
3- ورد استدلالهم بقوله تعالى (وما الله يريد ظلما للعباد) وبقوله تعالى (وما الله يريد ظلما للعالمين) وبقوله (وما الله يريد ظلما) على أنه سبحانه لم يرد الظلم ولم يخلقه. بأن معنى الآيات نفي إرادة الله ظلمه لعباده وليس فيها نفي إرادته ظلم بعضهم لبعض.
قلت : (وليس فيها أيضا نفي إرادته ظلمهم لأنفسهم بالمعصية)
4- ورد استدلالهم بقوله تعالى (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) على أن الله تعالى لم يخلق الباطل, بأن معنى الآية الرد على الكافرين الذين زعموا أن الله لن يبعث أحدا للجزاء فيكون المؤمن والكافر سواء لا فرق بينهما وقد قال تعالى (ذلك ظن الذين كفروا, فويل للذين كفروا من النار) فلم يخلق الله تعالى الخلق ولا يبعثهم بعد موتهم للحساب.
قلت:مثلها قوله تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)
5- ورد استدلالهم بقوله تعالى (ما أصابك من حسنة فمن الله, وما أصابك من سيئة فمن نفسك) بأن السياق يدل على أن هذا قول المشركين , وبقوله تعالى (يقولون هذه من عند الله,وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك, قل كل من عند الله, فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا).
قلت: في كلام الإمام نظر. فالسياق يدل على ما ادعوه, سوى أن الجواب على هذا أن يقال: إنما أضيف الشر إلى النفس من باب إضافة الشيء إلى سببه.أو بتقدير ذنب و(من) سببية.مثل(أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟) أي (أبسبب قلتنا؟) وقوله تعالى (قل كل من عند الله) أصل من أصول أهل السنة والجماعة.
6- رد استدلالهم بقوله تعالى : (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) بقوله: إنما عنى المؤمنين وعلل ذلك بأن الله تعالى ذكر في سورة الأعراف أنه ذرأ لجهنم كثيرا من خلقه
قلت: يقصد قوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(الأ عراف/179)
7- وذكر أن الله تعالى قد كلف الكفار أن يؤمنوا ومع ذلك قال فيهم : (وما كانوا يستطيعون) , يشير إلى أن الله أمرهم ولم يقدروا.) وسيكلفهم يوم القيامة بالسجود فلا يستطيعون لقوله تعالى (يوم يكشف عن ساق فيدعون إلى السجود فلا يستطيعون)
8- وألزم المعتزلة (في مسألة إيلام الأطفال) إن هم قالوا في إيلام الله للأطفال في الدنيا بأنه عبرة لآبائهم بأن يقولوا : إن إيلامهم في الآخرة نكاية وغيظ لآبائهم.إذ لا فرق.
9- وذكر أن الله تعالى أمر أبا لهب بالإيمان مع أنه أخبر أنه لن يؤمن, وهذا دليل على أن الله أمر أبا لهب بما لا يقدر عليه.
10- قال :أليس أمر الله ع وجل بالإيمان من علم أنه لا يؤمن؟ فمن قولهم : نعم يقال لهم : فأنتم قادرون على الإيمان, ويتأتى لكم ذلك؟فإن قالوا : لا, وافقوا,وإن قالوا : نعم,زعموا أن العباد يقدرون على الخروج من علم الله تعالى عز وجل عن ذلك علوا كبيرا.
11- وذكر أم المعتزلة يشبهون المجوس بجامع كونهما يثبتون القدرة على الشر الذي لا يقدر عليه الله تعالى في زعمهم. وقال: (وهذا مما يبينه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن القدرية مجوس هذه الأمة) وإنما صاروا مجوس هذه الأمة لأنهم قالوا بقول المجوس)
قلت: حديث (القدرية مجوس هذه الأمة) رواه أبو داود (4691) عن عبد الله بن عمر وابن ماجه (92) عن جابر وهذا لفظ ابن عمرو: (القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) وحسنه الألباني
12- رد على المعتزلة زعمهم أننا أولى بتسمية (القدرية )منهم لأننا نثبت القدر بأنهم هم أولى لأنهم يثبتون القدر لأنفسهم لغة, لأن الصائغ هو من زعم أنه يصوغ دون من يقول إنه يصاغ له !!
13- وألزمهم أن يعتقدوا أنهم قدرية لأنهم يثبتون قدر الله تعالى في خلق السماوات والأرض والطاعات.!!.
قلت: القدرة قدرتان : قدرة شرعية مصححة للفعل التي هي مناط التكليف وقدرة قدرية موجبة للفعل مقارنة للمقدور لا يتأخر عنها.ومذهب أهل السنة والجماعة أن القدرة موجبة مؤثرة متسببة في المقدور مقارنة له بإذن الله تعالى.
مسألة في الختم:
14- واستدل بقوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) وبقوله تعالى (من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام , ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) وألزم المعتزلة بأحد اختيارين: إما أن يثبتوا أن الله هدى المؤمنين وأضل الكافرين.وإما أن يقولوا فيمن ختم الله قلوبهم إن الله هداهم وشرح صدرهم وأضلهم وهو تناقض.
15- واستدل بقوله تعالى (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)وبقوله تعالى (قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب)وبقوله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وخلص إلى أن الله تعالى قد أمر الكفار بما لا يقدرون عليه وهو الإيمان.وقال: وهذا يبين أن الله خلق كفرهم ومعاصيهم
قلت: لا بد أن يكون قصده بأمرهم الأمر الشرعي وبالقدرة المنفية القدرة الكونية.
16- مسألة في الاستثناء:
ذكر أن من مذهب المعتزلة أنهم يعتقدون أن الله تعالى يشاء إعطاء كل ذي حق حقه, وأخبرهم بأنه لو كان هذا صحيحا لكان من قال لغيره : (سأعطيك حقك إن شاء الله) ولم يعطه حانثا. لأن الله شاء ولكنه لم يعطه, وهذا باطل,لأنهم هم يقولون : (لا يحنث ) وهذا تناقض منهم.فصح أن الله تعالى قد يشاء وقد لا يشاء أن يعطي أحدا ما حقه.
17- مسألة في الأرزاق:
18- أنكر على المعتزلة قولهم إن ما يأكله العبد من الحرام لم يكن من رزق الله له, وألزمهم أن يقولوا إن للعبد رازقين , أحدهما يرزقه الحرام والآخر يرزقه الحلال. وأن العبد إذا أكل الحرام عمره فإنه تغذى جسمه ونمى بغير رزق الله تعالى, وهذا كفر عظيم.
19- وأنكر عليهم نفيهم أن يكون الحرام من رزق الله تعالى معللين ذلك بأن من رزق الحرام تملكه وهذا منكر عندهم, ورد هذا بأن البهيمة التي ترعى الحشيش والطفل الذي يرضع من أمه رزقا ولم يملكا.
20- وألزمهم إن قالوا : إن الله أقدر العبد على الحرام ولم يلكه إياه بأن يقولوا إنه يرزقه الحرام ولا يملكه ولا فرق.
21- واستدل بقوله تعالى (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)على أن هدى الله خاص بالمؤمنين, وبقوله تعالى (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) على أن العمى خاص بأهل الكفر, وذكر أنه لا يمكن أن يجمع بين أن يكون القرآن هداية لشخص وأن يكون عمى عليه أيضا. وخلص إلى أنه كما لا يجوز أن يكون القرآن عمى على من هداه الله به, فإنه لا يجوز أن يكون هداية لمن هو عمى عليه.
22- واحتج عليهم بأنه كما يدعون أن دعاء إبليس إلى الكفر إضلالا لمن قبل فقط فإن دعاء الله إلى الإيمان لا يكون إلا لمن قبله.
واحتج بقوله تعالى (يضل به كثيرا) على أنه لم يضل الكل. وكذلك قوله تعالى (ويهدي به كثيرا) فإنها دليل على أنه لم يهد الكل. وهو إبطال منه لقول المعتزلة : (إن الله هدى الجميع)
23- وألزمهم على قولهم بأن الله هدى الجميع. بأن يقولوا إنه سددهم ووفقهم وأصلحهم وعصمهم وهم مخذولون .وهذا مستحيل.
24- واستنكر قولهم: إن الله أضل الكافرين عن الكفر ومنعهم منه .مع أنهم كافرون. واستنكر قولهم (إن الله أضل الكفار لا عن شيء.وألزمهم أن يقولوا إن الله هدى المؤمنين لا إلى شيء إذ لا فرق.
25- ورد زعمهم أن معنى قوله تعالى (ويضل الله الظالمين تسميتهم ضالين بأن هذا فاسد على سنن العرب. وأن الصحيح أن يقال : (ضل فلان فلانا) أي سماه ضالا.ولا يقال : (أضله ) أي سماه ضالا.وألزمهم أن يقولوا ذلك في تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس ضالين .بأن يقولوا : هو أضلهم وأفسدهم.وخلص إلى أن معنى الآية فعل الله لا تسميته وحكمه.
26- واستدل بقوله تعالى (وأضله الله على علم ...) وألزمهم بأحد أمرين : إما أن يقولوا أضلهم ليهتدوا وهذا تناقض. أو أضلهم ليضلوا وهو الحق.وكذلك يقال في الهداية.أهداهم ليهتدوا أو ليضلوا؟
27- وألزمهم إن زعموا أن الله هدى الكفار فلم يهتدوا أن يقولوا: نفعهم فلم ينتفعوا, وأصلحهم فلم ينصلحوا.وأنه يضر من لا تلحقه منه المضرة وهذا محال.
28- ورد احتجاج المعتزلة بقوله تعالى (هدى للناس وبينات ...) على أن الهداية عامة للناس كلهم ,مؤمنهم وكافرهم.بأن الآية خاصة بالمؤمنين بدليل قوله تعالى (هدى للمتقين) ويقوله تعالى (لا يهدي القوم الكافرين)والقرآ لا يتناقض.
29- ورد على سؤالهم أن الله قال (وأما ثمود فهديناهم,فاستحب ا العمى على الهدى) بأن قوله تعالى (فهديناهم) للمؤمنين,وقوله (فاستحبوا العمى على الهدى) للكافرين منهم.
30- ورد شبهتهم بأن من الخير منه أفضل من الخير نفسه. وكذلك من الشر منه أقبح وشر من الشر نفسه.بأن هذا لا يلزمنا وأنه ناقض لأصل مذهبهم في قولهم : إن الله لم يخلق الشر إنما خلقه الإنسان.لأنه قالوا إن قلنا بأن من الشر منه أقبح وشر من الشر نفسه وصفنا الله بأنه أقبح من الشرور,ولذلك نفينا أن يكون الشر منه.بأن إبليس أقبح من الشرور التي هي منه .فهو شر أقبح من كل الشرور. وإبليس خلقه الله تعالى. فما قولهم في أن الله خلق شر الشرور كلها.فإن قالوا بذلك فقد نسبوا أقبح الشر إلى الله تعالى.
قلت: ولا حيلة لهم في دفع هذا إلا أن يقولوا إن إبليس خلق نفسه أو أن الإنسان خلقه !!
31- ملاحظة: إن كان قصد الإمام في نفيه لقدرة الكفار على الإيمان قدرتهم التي هي مناط التكليف المصححة للعمل فالصحيح أنهم قادرون - وكلامه يومئ إلى مذهب الجبرية والله أعلم , وهو القول بالكسب,ومعناه أنه لا تكون للعبد قدرة إلا قدرة مقارنة للعمل غير مؤثرة.بمعنى أن الفعل يكون معها لا بها - والصحيح أنها قدرة مقارنة مؤثرة -. وإن كان يقصد القدرة المقارنة فصحيح.