الرد الحصري على الفاضل، عماد بن حسن المصري، في تتبعه لأخطاء وأوهام محدث العصر
نقد كتاب تصحيح الأخطاء والأوهام التي وقعت لمحدث الشام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وبارك .. أما بعد:
فقد اطلعت من شهور قريبة على كتاب ألفه الأخ / عماد بن حسن المصري الأردني، والملقب اليوم بـ " أبي عبد الرحمن الظاهري ".
يتعقب فيه الأخ الفاضل، الإمام المحدث العلم الحجة الثبت، أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى.
فتتبعه في الأوهام والأخطاء التي وقعت للشيخ في كتبه .. وسمى كتابه " تصحيح الأخطاء والأوهام التي وقعت لمحدث الشام ".
وعندما أعطاني أحد الأخوة نسخة وورد من هذا الكتاب، أحببت أن أعرف قدر علم الأخ عماد، وما هو منهجه، كي أقبل منه ما يُخَطِّيء أَو يُوَهِّم فيه الإمام الألباني.
ولما عزمت على قراءته توانيت قليلا، ولكن شدني بعض حديثه في الفيسبوك، عن مسائل يكتبها مفرقة، فخالفته في إحداهن فرد علي ردا شديدا قريب من الاتهام بالجهل وغير ذلك ....
مع أني قبل أن أعرفه باسم أبي عبد الرحمن الظاهري، عرفته في ملتقى أهل الحديث باسم: عماد بن حسن المصري، وكان قد كتب مقالا في تعقبات على تقريب التهذيب، فرد عليه بعض الأخوة بما معناه " هذا ليس بعشك ..." فنافحت عنه ونصرته لأنه معه الدليل على خطأ الحافظ ابن حجر أو غيره في بعض ما انتقده من التراجم وقتئذٍ فنقل توثيقا لمن جهله أو غير ذلك.
والأخ عماد من سني تقريبا وقد أكبره بعام أو عامين على ما قاله هو في 2013 أنه تجاوز الرابعة والأربعين ..
وإن كان الحق ليس له تعلق بالسن، إلا أن الخبرة وطول العهد تجعل من عاش ستين سنة في هذا العلم الشريف - كالإمام الألباني - يختار وينتقي، الأصوب والأرجح في بحوثه، إلا ما وهم فيه، مما هو من طبع البشر.
ثم قرأت كتاب الأخ عماد .. وأول ما هالني، ما وقع في مقدمته من أخطاء، يصحبها شيء من العجب والزهو، مع كلام ظاهره محبة الشيخ وتقديره نظريا، وفحواه تجهيله والحط منه عمليا.
فعلقت هذا الرد على كتابه المذكور، واكتفيت بتعقبه على ترجمة مائة راوٍ ادعى فيهم خطأ أو وهم الألباني.
وذلك التوقف مني – بالإضافة إلى مشاغل خاصة- بسبب أن هؤلاء الرواة المائة الذين انتقدهم على الإمام الألباني، لم يسلم له منهم سوى بضع رواة لم يبلغوا العشرة تقريباً، ووقع له فيهم تقصير أيضا .. وبيان ذلك وشرحه في ردي عليه مفصلا، ولا أتجنى عليه نفع الله به.
كما أن تخطئته أو توهيمه للشيخ ورده عليه فيه ( أخطاء كبيرة ) بل أقول آسفا معتذرا منه، ( أخطاء فادحة، إن لم تكن فاضحة ) لا يقع فيها أصغر طالب علم له إلمام بالتراجم والتخريج، فضلا عمن نصب نفسه مصححا لمثل الإمام الألباني..
ولو تتبعت كل الرواة الذين ذكرهم، وكذلك نقده لكثير من الأحاديث التي ضعفها الشيخ أو صححها، لكان ردي عليه في ضعف حجم كتابه، أو يزيد إن توسعت في الإستدلال، فاكتفيت بنقده في هؤلاء المائة من الرواة، من مجمل (318) ترجمة تعقب فيها الإمام الألباني خطأ! وتوهيما!.
ولعلي أنشط بعد ذلك - إن شاء الله - لتتبع باقي، نقده أو على الأقل، مناقشته في الأحاديث التي قال أنه إختلف فيها مع الشيخ، أو أخطأ الشيخ فيها، أو غير ذلك.
فإن اقتنع بما صححته له أو ببعضه، فسيفيده ذلك في طبع كتابه طبعة منقحة، يذكر فيها الصحيح من نقده، هذا إن رأى طبعه مجددا.
منهج الأخ عماد:
لأخينا عماد منهج واضح في تعقيبه على الشيخ الألباني في هذه التراجم، وهو أنه متساهل في التوثيق جدا واسع الخطو فيه، بل أحيانا يدعي ثقة راو لم يصفه أحد بذلك أو قريب منه، غير أن له ترجمة في تاريخ دمشق أو تاريخ بغداد، كما سيأتي.
مع أنه نص في مقدمته على قبول رواية المستور الذي لم يروي ما ينكر وروى عنه ثلاثة ثقات ووثقه ابن حبان..
مع أن الأمر ليس بمطرد كي يجعله قانونا .. بل هناك قرائن تجعل الراوي يقفز من جهالة العين أو الحال، أو يبقى فيها " محلك سر ".
وقوعه في أخطاء فادحة:
فكثيرا ما ينطلي على أخونا عماد التحريف، كما في قول الحافظ عن حلو السري: " حلو وثق ".
قرأها عماد في ترجمة الحارث المكفوف " جلد وثق !! " اعتمادا منه على الطبعة الهندية، وهي محرفة هنا بيقين.
ومن ثم أدخل الحارث في الثقات عنده بهذا التحريف المشين ظنا منه أنها – على تحريفها- قيلت في الحارث المكفوف هذا.
مع أن الحافظ روى حديثا للحارث المكفوف عن حلو بن السري هذا، فلما انتهى أشار إلى أن حلو بن السري ثقة فقال عقب الحديث " حلو، وثق ".
ومع بيان هذا التحريف في النسخ الأخرى فبأدنى تأمل سيجد أن هناك من اسمه حلو السري، ولن يجد من اسمه جلد السري أبدا ..
وأحيانا يجهل الصحابي وبأخذ ما قيل في الإسناد إليه كأنه قيل فيه هو جرحا فيه .. وهذا من أعجب العجب، وراجع في هذا تعليقنا الآتي على ترجمة هند بن أبي هالة رضي الله عنه وبيان خطئه الفاحش في ذلك.
ورأيته تعجل في أشياء كلها ترجع إلى كلام في النسخ وجودا وعدما، أو خلافا وتحريفا، أو فهما واستنباطا، فيهجم معترضا أو مصححا..
مثل ما اعترض فيه على الحافظ ابن حجر في الفتح، فيخطئه في توهيمه من ادعى رواية مالك في الموطأ لحديث " إنما الأعمال بالنيات ".
وقال عماد محققا ومستدركا على الحافظ: أن الحديث موجود في رواية محمد بن الحسن الشيباني للموطأ. وقد قالها السيوطي وغيره قبل عماد!!
وقد حققت في ردي عليه أن موطأ محمد له هو على الأرجح، ولا ينسب لمالك إلا تجوزا، وأنه انفرد بهذا الحديث دون باقي رواته، وهم جمع فيهم الثقات الأثبات، مع ما قيل في محمد بن الحسن الشيباني من كلام في ضبطه وحفظه، كما سيأتي بأدلته.
كما وهم الحافظ في قوله في نفس شرح حديث الأعمال بالنيات : " ومعناه في أحاديث منها عن عائشة وأم سلمة عند مسلم .."
وبينت له وجهه على الإحتمال، وأن الحافظ قد يعذر هنا ولا يعد خطأً ..
وكذلك تخطئته في أن حديث المقداد بن معدي كرب، في عدم ترتيب الوضوء، هو عند أحمد ولا يوجد عند أبي داود!! جازما بذلك .. وقال أن عائضا اتبع فيه الشيخ الألباني في تمام المنة، وهو وهم منه!! أي من الألباني، فاتبع عائضاً الألباني على وهمه.
وقد بينت له خطأه، وأن الحديث في سنن أبي داود، رواه من طريق أحمد بلفظه في أكثر النسخ الصحيحة التي إطلع عليها الألباني.
بل هي في نسخة شيخه شعيب على الصواب، وبوب لها ابن تيمية الجد في المنتقى، ونقل هذا الحديث على الصواب، وكذلك هي في نسخة عون المعبود، وقد قال السيوطي أن هذا الحديث عند أبي داود من حجة القائلين بعدم وجوب الترتيب في الوضوء، ورجح الشارح وجوده بنصه عند أبي داود، إلا أنه جعل الرواية شاذة حكما، لكن لم ينكرها في السنن على الصواب.
وكثير وكثير من الأوهام، بل الأخطاء، التي دافعها التسرع وعدم التأني، والفرح بوجود شبهة يظنها خطأ لقلة إطلاعه في المسألة.
ولو أنه أفرغ وسعه في البحث لعذرناه، ولكن ما هي إلا مجرد دعاوى – أغلبها منقولة عن غيره ولم ينشئها هو - عارية عن التحقيق والتدقيق، إذا وضعت على مائدة البحث العلمي.
وأحيانا يلزم الشيخ بإلزامات غير ملزمة، كأن يذكر راويا ويقول له: " قد صححت أو حسنت لمن هو أقل منه "..
وهذا إنما يكون من الشيخ لقرائن قامت عنده تجعله إما يرفعه من جهالة العين، أو من جهالة الحال.. وأحيانا يحسن له أو يستشهد بحديثه، فليس كل من مشى حاله لقرائن معينة تلزمه بغيره في مثله. وسيأتي توضيح تلك المسألة في ثنايا نقده لبعض التراجم.
كما أن له وقفات عدة مع الفاضلين جامعا " معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني " ذكرت منها أمثلة في ثنايا ردي عليه، وبينت أن الخطأ عنده لعدم فهمه مرادهم، ومع هذا وقع المحرران في بعض الأخطاء كما نصصت عليه وسيأتي إن شاء الله في محله.....
وقد يعقب على الشيخ لقوله: " لا أعرفه " أو: " لم أجد له ترجمة " .. فيذكر المعقب ترجمة له في تاريخ دمشق مثلا أو تاريخ بغداد ويكون الكلام فيها مجرد تأريخ ليس فيه جرح أو تعديل .. والشيخ يهمه في المقام الأول الحكم على الرجال .. وساعد الأخ في ذلك خروج الفهارس بكثرة وشبه إنعدامها أيام تحقيق الشيخ لكثير من الأحاديث، فضلا عن سهولة البحث هذه الأيام من خلال الكمبيوتر وشبكة الإنترنت.
وما يقول فيه الشيخ لا أعرفه .. هذا لا يعد خطأ أو وهما فيستدرك عليه، ولا يعطي المعقب كبير فرق بين قول الشيخ "لا يعرف" وقوله "لا أعرفه"، فيتعقبه في الحالتين.
مع أن قوله: " لا يعرف " حكم منه يساوي مجهول، أو ليس له ترجمة فيذكر، وهذا يمكن تتبعه فيه وبيان إن كان مصيبا أو مخطئا.
وأما قوله: "لا أعرفه"، فالإستدراك عليه يكون في غير تتبع الأخطاء والأوهام، لأنه ليس بخطأ أو وهم، وإنما يحسن تعقبه والإستدراك عليه في رسالة تعنى بتراجم الرواة الذين لم يعرفهم الألباني، تماما مثل تخريج ما فات الألباني وما شاكل ذلك ..
وأحيانا يستكثر من كتب التراجم يريد الكثرة مثل أن يقول ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق، وله ترجمة في مختصر تاريخ دمشق.
أو يقول ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام وله ترجمة في سير النبلاء .. وما شاكل هذا.
وأحيانا يسرد العدد من الرواة عن المترجم له، والكلام ليس في جهالته أو أنه مستور كي نحتاج إلى ذلك .. وهذا تكثير سيمر كثيرا معنا.
على أن رسالة أخونا عماد لها فائدة لا تهمل، وهي أنه عندما ينقل عن كتب الشيخ تجهيله لراوٍ أو تضعيفه أو غير ذلك، ولم يطلع عماد على كلام الشيخ في مكان آخر من كتبه الجديدة، ينقد هذا المتقدم أو يصححه، فهنا علينا إصلاح هذا الوهم أو الخطأ في هذا الكتاب القديم كتمام المنة أو الإرواء أو ضعيف الأدب وغيرها من كتب الشيخ المعروف أنها قديمة والتي هي موجودة عند الكثير من الأخوة.
ففائدة كتاب الأخ عماد هي إصلاح بعض الأخطاء في الكتب القديمة للشيخ .. فجزاه الله خيرا.
ضرورة لمن يريد أن ينتقد الألباني:
على من يتصدى لنقد الإمام الألباني حديثيا أو في التراجم أو غير ذلك، عليه أولا معرفة كتب الشيخ طبعاتها القديمة والجديدة وقراءة المقدمات والإستدراكات والفهارس والهوامش، بل والشرائط الصوتية المسجلة كسلسلة الهدى والنور وغيرها.
وعليه أن يعرف ما تراجع عنه الشيخ أو نقده وبين وهمه السابق في بعض كتبه وتحقيقاته المتأخرة لأنه في حكم الناسخ للخطأ المتقدم.
فكثيرا ما نجد في كتب الشيخ القديمة أشياء تخالف السلسلتين أو غيرهما من كتبه الأخيرة، فالمعول على هذا الأخير، ولا يصح حينئذ أن نقول أخطا الشيخ في كذا وقوله الأخير مسطور مطبوع بين الناس.
ومعلوم أن للشيخ تحقيقات قديمة وتحقيقات جديدة كتمام المنة والمشكاة التحقيق الثاني، والنسخة المصححة من صحيح الترغيب وضعيفه، وتراجعات وتحقيقات جديدة لصفة الصلاة المختصرة والأم، ورجوع عن تصحيح وتضعيف وتحسين وغير ذلك كالحكم على رواة جهلهم ثم وثقوا، أو وثقوا ثم ضعفهم وما شابه ذلك من التراجم ..
وقد يكون في الكتاب الواحد في بعض مجلداته نقد للسابق، وقد ينقد مثلا في المجلد الأول ما جاء في المجلد الرابع أو غيره، لأنه أعاد طبع الأول وراجعه مثلا، وكثير من مثل هذه الأمور الدقيقة لابد لمن يريد القراءة المفيدة لكتب الشيخ أن يضعها في حسبانه ولا يهجم منتقدا ومخطئا..
وقد أعذر الألباني نفسه مرات ومرات ،، وبين أنه يخطيء ويعترف بالخطأ مرارا ويصححه، ويقبل الحق ممن يتعقبه بصدق وعلم.
ومن جملة ذلك ما قاله في الضعيفة (1/3):
" ولما كان من طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها العجز العلمي المشار إليه في قوله تعالى: "وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ إِلّاَ بِما شَاءَ"؛ كانَ بدهيّا جدّاً أن لا يجمُدَ الباحث عند رأي أو اجتهاد له قديم، إذا ما بدا له أن الصواب في غيره من جديد، ولذلك نجد في كتب العلماء أقوالًا متعارضة عن الِإمام الواحد؛ في الحديث وتراجم رواته، وفي الفقه، وبخاصة عن الِإمام أحمد، وقد تميز في ذلك الِإمام الشافعي بما اشتهر عنه أن له مذهبين: قديم وحديث.
وعليه؟ فلا يستغربنَّ القارئ الكريم تراجعي عن بعض الآراء والأحكام التي يُرى بعضها في هذا المجلد تحت الحديث (65) عند الكلام على حديث: " لا تذبحوا إلا مسنة "، وغير ذلك من الأمثلة؛ فإن لنا في ذلك بالسلف أسوة حسنة.
وإن مما يساعد على ذلك فوق ما ذكرت من العجز البشري- أننا نقف ما بين آونة وأخرى على مطبوعات جديدة. كانت أصولها في عالم المخطوطات أو المصورات، بعيدة عن متناول أيدي الباحثين والمحققين، إلا ما شاء الله منها لمن شاء، فيساعد ذلك مَن كان مهتماً بالوقوف على هذه المطبوعات والاستفادة منها على التحقيق أكثر من ذي قبل.
ولهذا وذاك هو السر في بروز كثير من التصحيحات والتعديلات على بعض ما يطبع من مؤلفاتي الجديدة، أو ما يعاد طبعه منها. كهذا المجلد الذي بين يديك، وينتقدني لذلك بعض الجهلة الأغرار، كذلك السقاف هداه الله.
فرحم الله عبداً دلَّني على خطئي، وأهدى إليَّ عيوبي. فإن من السهل على- بإذنه تعالى وتوفيقه- أن أتراجع عن خطأ تبيَّن لي وجهه، وكتبي التي تطبع لأول مرة، وما يُجَدَّد طبعُه منها أكبرُ شاهد على ذلك،
وبهذه المناسبة أقول: إني أنصح كل من أراد أن يرد عليَّ- أو على غيري- ويبيًن لي ما يكون قد زلَّ بهِ قلمي، أو اشتط عن الصواب فكري، أن يكون رائده من الرد النصح والإِرشاد، والتواصي بالحق، وليس البغضاء والحسد، فإنها المستأصلة للدِّين. كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: البغضاء والحسد، والبغضاء هي الحالقة، ليس حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين ".
كما هو شأن ذوي الأهواء والبدع مع أهل الحديث وأنصار السنة في كل زمان ومكان، وكما فعل معي بالذات كثير منهم- ولا يزالون مع الأسف- كالأعظمي، والغماري، ومَن نحا نحوهم من المتعصبة الجهلة! " . اهـ
وهو كلام واضح وجلي .. لا يحتاج منا إلى تعقيب ..
وله مثل ذلك الكلام كثير .. يراجع مقدمة صحيح الترغيب والنرهيب الجديدة والتي حكى فيها وقوفه على مراجع طبعت حديثا فاته أولا الوقوف عليها والنقل منها وبالتالي فيها ترجيح لبعض تحقيقاته ..
يتبع...................... .......