الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد ، فقد وقفت على هذه الجولة حول " تحرير علوم الحديث " للجديعي ، فأحببت أن أفيد به إخواني هنا في المجلس العلمي المبارك .

بسم الله الرحمن الرحيم


اسم الكتاب: تحرير علوم الحديث .
اسم المؤلف : عبد الله بن يوسف الجديع.
الناشر: الجديع للبحوث والاستشارات.
الطبعة : الرابعة - 1431ه
الطباعة: في سفرين كبيرين (1165صفحة)

وصف الكتاب:
قدم المؤلف لكتابه بمقدمة يسيرة في أهمية الاعتناء بالحديث للمتفقه ، وأن معرفة تمييز صحيح الحديث من سقيمه من الشروط التي تتعين على المجتهد .
وذكر في مقدمته هذه الباعثَ له على جمع هذا الكتاب، وأن هذا العلم (علوم الحديث) يحتاج إلى ترميم ، ويحتاج إلى إعادة بناء ، وتقريب إلى طلبة العلم .

وقد أبان المؤلف عن منهجه بشكل مختصر ، وأنه :
- قصد كتابة هذا السفر بإسلوب عصراني العرضِ تيسيراً على الطلاب.
- مع الحرص على تحرير المسائل وتحقيقِها .
- وأنه سار في بيان مسائله على طريقة السلف المتقدمين ، مع الاستفادة من تحريرات المتأخرين .
- وذكر أنه اجتهد قدر الوسع في ضرب الأمثلة من واقع الحال ، وترك الأمثلة الصناعية (الخيالية)
- كما أنه أضرب عن ذكر بعض الأنواع التي رأى أنها إما أليق بعلم آخر كبابِ النسخ الذي هو ألصق بعلوم القرآن، أو أنها تفريعات محضة وليست علما تأصيلياً كقضايا غريب الحديث.
- كما أنها اشترط على نفسه الاهتمام بالقضايا التأصيلية العملية، فألغى مسائل ليس لها واقع عملي اليوم، كبعض المسائل المتعلقة بهيئة الرواية .
- وذكر أنه في كل ما يعزوه لقائل أو إمام قد تحرى فيه ، بالإحالة ، والتثبت من صحة الإسناد إليه .


ثم أتبع المقدمة بمدخل حوى مقدمات تعريفة حول علم الحديث، وتاريخه، وأقسامه، وألقابه. وهو في كل ما يصنع ويصوغ من التقسيمات والترتيب مبدع ومجدد في العرض والصياغة .


ثم قسم الكتاب بعدُ إلى قسمين كبيرين :
- فجاء القسم الأول في (تحرير أركان النظر في الحديث) ، وقصد فيه إلى الكلام حول قضايا الإسناد ونقَلَتِه.
فجعل (الباب الأول) في "تحليل الإسناد" كونَه هو الخطوة الأولى في قضايا البحث في علوم الحديث ، وأسهب المؤلف في الفصل الأول منه في قضايا تمييز الرواة والطرق إلى ذلك ، والأوهام التي تقع للباحثين ، مع الإشارة السريعة إلى ما يتعلق بالصحابة من مباحث.
ثم عقد الفصل الثاني لقضية "اتصال السند" ومباحثها كـ: صيغ السماع،ورموزها، وطريقة النقاد في الأسانيد المعنعنة .


وجاء (الباب الثاني) في"نقد النقلة" طويلا ومفصلا ، باعثُ ذلك حاجةُ القارئ إلى هذه المباحث، ولكونها من المباحث التأصيلية التي التزم المؤلف في المقدمة تحريرها وتحقيقها.
فأشار إلى حكم الجرح والتعديل، وعرّف بنماذج لمن يعتمد قولهم في النقد ، ودلف إلى "التعديل" معرفاً به وبشروطه، وبطرقه، وأقسام الضبط ، مع الإشارة إلى مسائل متعلقة كقضايا التحمل، ورواية الحديث بالمعنى واختصاره، وقد حاول المؤلف في هذا الباب تحرير القول فيما يتعلق بتعديل أمثال الإمام ابن حبان والعجلي وابن عبد البر وما يقال عن تساهلهم.
وكصنيعه في التعديل صنع في "الجرح" محرراً معناه ، وصورَه المؤثرة وغير المؤثرة، والقولَ فيما يسلب العدالة ، ثم ما يتعلق بقضايا ضبط الرواة وحفظهم، وجهالتهم ، وختم هذا الباب بمسائل "تعارض الجرح والتعديل" وتفسير عباراتهما.
وكان (الباب الثالث) مخصوصاً فيما أسماه المؤلف بـ(النقد الخفي) والذي يريد به : العلل .
متطرقاً لمنزلة هذا العلم ، والمبرزين من الأئمة في معرفته، وأسباب التعليل – مع الإسهاب والتفصيل والتمثيل في هذه المباحث – وختم هذا الباب بالكشف عن قوانين حاول فيها المؤلف تقريب الكلام فيما يتعلق بضبط عملية تعليل الأحاديث .


- وجاء القسم الثاني من الكتاب أقصر من سابقه بكثير ، والسبب أنه تعمد إطالة القسم الأول لأن قضاياه قضايا تأصيلة تحتاج إلى تحرير وتدقيق ، وهي لبّ علوم الحديث.

وكانت "أوصاف الحديث من حيث القبول والرد" هي تسمية هذا القسم الثاني ، حيث عالج فيه المؤلف ما يتعلق بالحديث الصحيح وتعريفه ، وشروطه ،وكذلك في الحديث الحسن ، وأهم الكتب الدائرة عليهما، والمسائل المتعلقة بهما .
وأتبع ذلك بالكلام على قضايا رد الحديث ، فعرّف الحديث المردود، وذكر ألقابه، وأحكامه.
وأسهب المصنف في قضية التدليس وأنواعه ومذاهب العلماء فيه – على عادته في إشباع القضايا التي تهم القارئ ولها رصيد عملي - .
وختم هذا القسمَ والكتابَ بذكر الاعتبار بالحديث الضعيف وحكم العمل به واستعماله .
وجاءت الفهارس في الذيل كاشفة عن الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في الكتاب .

مميزات الكتاب:
جاء الكتاب في وقت احتاج فيه العصر إلى مؤلَّف يكون جامعاً متقناً محرراً ، إذْ الكتب السابقة إما كتابٌ جامع إلا أنه غير مناسب للطلاب ولطريقة الناس اليوم، أو كتابٌ غير محرر ، اختلطت فيه القضايا العملية بتلك النظرية .

ويمكن إجمال مميزات الكتاب في عدة نقاط :
1- كونه جامعاً لشتات مسائل هذا الفن ، حيث لا يترك المؤلف -في الغالب- مسألة كبيرة ولا صغيرة ذات أثر تطبيقي إلا بينها وجلّاها .
وعادته أن يُطيل في المسائل المشكلة، والمسائلِ التي هي من صميم العلم، ويختصر في المسائل ذات الأثر الضعيف أو المسائل النظرية.
2- الإبداع والتجديد في ترتيبه ، فالناظر فيه لا يعوزه معرفة مكان المسألة ، حيث رتبه مؤلفه ترتيباً منطقياً مبتكراً لم يسبق إليه ، مراعيا فيه وصف المسألة وضم النظير إلى نظيره ،ولهذا جاءت القضايا التأصيلية في أول الكتاب ، بينما أخر ما يتعلق بأوصاف الحديث في الآخر؛ لأنها فرع عن تصور تلك القضايا ، بينما الغالب في مؤلفات هذا الفن إما تقديم الأوصاف أولا، أو إدخالها مع القضايا التطبيقية في سياق واحد.
3- حيث التزم المؤلف تقريب المسائل بالأمثلة الواقعية ، جاء الكتاب مفيداً للقارئ من ناحيتين: تقريب المسائل له وتوضيحها بهذه الأمثلة الواقعية، ثم ما يتعلق بهذه الأمثلة – أحيانا- من التحرير والتعقب على من سبق .
والمؤلف تعمد أن تكون الأمثلة فيها الجدة والتنوع والفائدة العائدة على القارئ، بعيداً عن اجترار الأمثلة المشهورة من كتب التراث .
وكان لقراءات المؤلف في كتب الحديث، والنقد، والسؤالات أثر ظاهر في اقتناص الأمثلة، وتنويعها ، ومن ثمّ تحريرها .
4- الاعتناء بأقوال الأئمة النقاد ، والسير في فلكها ، والغوص في معانيها ، وجعلها أصلاً في هذه القضايا ، مع ربط القارئ بالكتب الخادمة والمفيدة في كل مبحث.
5- الابتعاد عما لا يفيد القارئ ، ويشغّب عليه ويربكه، مثل الاعتراضات على التعاريف، ومناقشتِها – إلا فيما له فائدة عملية - ، ومثل المسائل التي حصل فيها خلاف قديم لا أثر له اليوم ، أو تلك التي كان له فائدة عند الأوائل كبعض مسائل العرض وكتابة الحديث وأمثلة العلو والنزول .
6- حرصُ المؤلفِ عند ختم المباحث على التنبيه على الأوهام الواقعة عند الباحثين، إما في الفهم، أو في التطبيق ، أو تلك التي يخشى المؤلف على القارئ أن يقع فيها.
7- تدقيقه وتحريره في كثير من المسائل والأقوال التي يتناقلها المؤلفون في مصطلح الحديث، وذلك بالبحث في أسانيدها، ومقارنتها بما يعارضها .
8- تسهيله وتقريبه فيما يتعلق بالتعاريف ، وعدم الوقوف الطويل معها ، مع كونه يختار تعريفاً جامعاً في نظره، وربما عدل عن التعريف المشهور إلى تعريف آخر لعلة ينبه عليها.
9- جودة الأسلوب، وقوة السبك، ، وشرف المفردة، مع الإبانة عن المقصد، والتجافي عن الإيهام ، واختيار التراكيب السهلة – في الغالب- .
10- ظهور شخصية المؤلف واختياراته وتحريراته ، وهو في كل ذلك يذكر أنها ناتجة عن تتبع استقراء واستقراء وسبر .

ملحوظات على الكتاب :
1- جاءت بعض مسائل الكتاب ومباحثه مسترسلة غير مرتبة ولا مفقطة ، مما قد يصعب على الطالب أو القارئ تبيّن حدودها وتقاسيمها .
2- إطالته – في أحايين – عند ضرب الأمثلة ، حيث يستطرد في تحرير المثال والخلاف الواقع فيه إن وجد ، وهو إن كان مما قد يفيد القارئ ، إلا أنّ هذا مربك له أيضاً، والمتعيّن أنّ يكون موضع المثال غير موضع التحرير .
3- لم يحرر المؤلف بعض المسائل تحريراً متيناً ، كما في مسألة : طريقة العجلي وابن حبان في الجرح والتعديل (ص324،325) ، وليته إذ لم يحرر أشار إلى الأقوال الأخرى .
4- مخالفته أحيانا للمتقدمين ، وربما (ص632كمثال) تجرأ فخطأهم في مسائل لا يذكر فيها دليلا متجهاً ، إلا أنه هذا قليل في الكتاب ، ونحوه أن ينبه إلى مسألة يذكر أنه درَسَها ، فلا يخرج منها إلا بما لا يسعفه عليه دليل (ص 849 تقويته لحال الربيع بن حبيب الفهري)
5- يخرج أحياناً عما اشترطه على نفسه من الابتعاد عن الأمثلة الخيالية (مثال:ص58، 66) ولعل له في ذلك مقصداً ...

هذا والله أعلم وأحكم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه / محمد بن صالح الشيبان