تعلمت من ابن عثيمين (11)





المعْلمُ الثاني عشر: الاهتمام بشؤون المسلمين في الداخل والخارج:
وهذا من شأن العالم الإمام، الذي لا يشغله شأن العلم عن الاهتمام بقضايا الأمة، ولقد كان لشيخنا نصيبٌ وافر من ذلك.
وكانت قضية وحدة الصف، ولم الشمل، وجمع الكلمة على الحق، والتحذير من التفرق والاختلاف المذموم والتماس الأعذار متى ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا؛ كانت تلك قضية من أعظم القضايا التي كان يركز عليها في أحاديثه ومحاضراته ولقاءاته بالمسلمين في كل مكان، وكثيراً ما كنت أسمعه يردد قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب﴾ُ [الشورى : 13].


أما عن اهتمامه بقضايا الناس في الداخل فهذا كثير جداً، ولعلي أشير إلى شيء من ذلك على وجه الاختصار:
1. جلوسه للناس بعد العصر؛ مجيباً للناس بعد العصر كل يوم مدة تقرب من الساعة، وقد تزيد وقد تنقص حسب كثرة الناس وقلتهم، وذلك للإجابة على أسئلتهم وقضاء حوائجهم وتحرير بعض الفتاوى، وقد لا يعود لبيته إلا قبيل المغرب، خاصةً أيام الشتاء.
2. عنايته بعمارة المساجد، وهذا أمر لمسته بنفسي في مشاريع كثيرة عرضتها عليه ـ رحمه الله ـ فلم يرد لي أيَّ طلب منها، وكان من ورعه أنه يطلب مني قبل أن أعرض عليه التكلفة التقديرية أن أسأل مؤسسة موثوقة لها خبرة في مجال العمارة، حتى يطمأن إلى المبلغ الذي يدفعه.
3. ومن ذلك أيضاً: اهتمامه الواضح بجمعيات تحفيظ القرآن الكريم من حيث الحث على دعمها مادياً ومعنوياً، وقد ظهر هذا الدعم المعنوي في حرصه ـ رحمه الله ـ على حضور حفلات هذه الجمعيات إذا كانت داخل القصيم، أو إرسال وفد لحضورها إذا كان الاحتفال خارج المنطقة.
4. وكذلك الحال مع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإخوة العاملون في هذا القطاع المبارك يدركون ذلك أكثر مني.
5. وما قيل عن هذه المؤسسات الخيرية التي يدعمها الشيخ؛ يقال عن دعمه لمكاتب الدعوة والإرشاد، والمؤسسات الخيرية التعليمية والإغاثية، وغيرها من الجهات الخيرية.
6. وكان من آخر ما قام به الشيخ في حياته ـ رحمه الله ـ أن الناس في عنيزة لما حصل عندهم شح في الماء، تطلّب ذلك حفر مجموعة من الآبار وكانت تكلفتها باهضة، تكفّل الشيخ بدفع قيمتها ـ من أموال المحسنين ـ وكانت أكثر من مليوني ريال!
وأما في الخارج: فمع المراكز الإسلامية، ومتابعة أحوال البلاد الإسلامية المنكوبة، أو التي قام فيها علم الجهاد في سبيل الله تعالى، وكان الشيخ -رحمه الله- على اتصال دائم بإخوانه في البوسنة إبّان الحرب، كذلك في الشيشان التي يوجد بها بعض طلابه.
وكان ـ رحمه الله ـ يحث بعض طلابه على السفر إلى الخارج للدعوة إلى الله عز وجل.


أما المراكز الإسلامية: فقد كانت على اتصال بشيخنا ـ رحمه الله ـ وكان يهتم بما يعرضونه من مشاكل، ويحاول تذليل الصعاب لهم، وفي آخر حياته كان يلقي المحاضرات إلى المراكز الإسلامية في أمريكا وأوروبا وهو في بيته، وبعضها كان بشكل دوري.


وقد ذكر أحد الإخوة موقفاً حصل له مع الشيخ ـ رحمه الله ـ حينما استمع منه إلى حديث عن بعض مشاكل المسلمين في الخارج، وبعض أخبارهم، أخذه الشيخ لوحده وقال: أنا وأنت هنا ولا يرانا إلا الله، خذ هذا المال ـ وكان كبيراً ـ وهو من مالي الخاص، واشتر به مصاحف ووزعها على المحتاجين في السجون الأمريكية، وأنت مسؤول عن الشراء وعن التوزيع، وأسألك بالله ألا تبلغ أحداً بهذا([1]).


وبعد: فمهما تحدثت عن شيخنا -رحمه الله- فهو قليل بحقه، وإنما المقصود التنبيه إلى شيء من سيرته ومعالم من حياته على وجه الإيجاز؛ لعل الله أن ينفع بها، فاللهم اغفر لشيخنا، وارفع درجته في المهديين، وارحمه برحمتك الواسعة، واجعلنا وإياه في الفردوس الأعلى مع من أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




____
([1]) مقال للدكتور عبدالله الموسى في جريدة الجزيرة في 21/10/1421هـ عدد رقم ( 10337 ).






* المقال على الموقع: http://almuqbil.com/web/?action=arti...r&show_id=1648