قصيدة (...كُنَّا وَكَانَ الْهَوَىْ )


وهي معارضةٌ لنونيّة ابن زيدونَ الشهيرةِ ( أضحى التنائي بديلاً من تدانينا....)


لا يرتوي الـخـدُّ مـن صافي مآقينا ! ... وذا لـهـيبُ الـجوى في القُرِّ يَـكوينا


لواعجُ الشـوقِ والذكرى تُـعـذّبـنا ... والـهجرُ يُضني ,وكـأسُ الْبَيْنِ يَسـقينا


لا نُغمضُ الجفنَ فـي لـيلٍ ولا غَسَـقٍ ... حـتـى الـصـباحُ بـدا ليلاً يُغَشّيْنا


كلُّ الـمـحبينَ فـي آلام عـشقِهِمُ ... لم يشـعروا بـقـلـيـلٍ مـن مـآسينا


فروحُنا فـي خـيام الـحـيِّ عالقَـةٌ ... وحيُّكُم يَـحـمل الـذّكرى بمـاضِـينا
رياضكُم كـلمـا غـنّـت عنـادُلها ... قلنا لـهـا : مـن حلال السِّـحر زيدينا
و دوحكُم كلـما نـاحت حـمائمُهُ ... فإنـهـا فـوق غـصـن البـانِ تَبكينا
وكم رَوَيْـنا ثرى الأطلالِ من دَمِـنا ! ... فأنبتت فـي الـحـشـا زهراً ونِسْرينا
خميلةَ الشعر ـ والأسـفارُ عاطرةٌ ـ ... إلى بـساتـيـنِـك الغـنَّــاءِ ضُمِّيْنا
ويا نـسـيمَ الصَّـبا إن جئتَ حيَّهُمُ ... فَحَـيِّهِ فـي الدُّجى حـتـى يُحيِّـيْنـا
تَمُــرُّ أيـامنـا ثـكـلى بدونِهِمُ ... ..وهكـذا العمرُ.. نُـفـنـيه ويُفـنينا ؟
وتنتـشي الروحُ إنْ مرّوا بـخـاطرنا ... فذكـرُهُـم فـي الأسى والـهمِّ يُسْلِينا
وبـدرُهُم إنْ عرانا الـبـؤسُ يُؤْنسـنا ... لكنْ , إذا غـاب عنـا, مَـنْ يُواسينا ؟
..نُمسي ببحر الهوى ,نَمضي بلا سُفُـنٍ .فكم غـرقْنـا, وما تــبدو شواطينا !
وإن ركبْـنا سفـيـنَ الشوقِ في لُجَجٍ ... فنحنُ فـي اليمِّ , لا ترسـو مـراسـينا
..حار الأطـباء فـي أدوائِـنا زمـناً ... ونسمةٌ من صَـبا الأحبـابِ تَـشـفينـا


أحبابَنَـا , للسُّها نشـكو مـواجِعَنَا ... كفـى فـراقاً , فـإن الـبـعـدَ يُشقينا
نـحـيـبُ أعمـاقنا الأفلاكُ تسمعه ... والدهرُ يـمـضـي.. فحينٌ يتبـعُ الحينا
...كُنا وكان الهوى والوصلُ يـجمعنا ... وطِـيـبُ نـشْـر الهوى يُزْكي روابينـا
ونرشُفُ الوصلَ من أنـهاره غَـدَقَـاً ... ووجـدُنا مـن فُـرات الـوصل يَسقينا
فالشملُ مؤْتَلِفٌ , والعيـنُ نـاظـرةٌ ... لنـورِ ذاك الـسـنا فـي الليل يُضـوينا
...فشطّـتِ الـدارُ , والدنيا مـفرِّقَةٌ ... (ونـابَ عـن طيـب لُقْـيانـا تجافينا)
وعاد للجَفْن دمـعٌ كـان يُـحـرقه ... علامَ ـ يا دهرُ ـ لا تُـدني الـمحبيـنا ؟
...صرنا بـحالٍ تُذيب الصخرَ من ألمٍ ... وصـار يَـبكـي دمـاً للحـال واشـينا
ومن رآنا رأى حـزنـاً يُـهَدهِـدُنا ... ـ واحـسرتاهُ!ـ , وريـحَ الشوقِ تُثْنينا


لما توارى عـن الأنظـار هودجُـكم ... خـلَّفتـمـونا ثَـكـالى أو مسـاكينا
أفنانُ أسـماعنا تـهـتزُّ مـن طربٍ ... مادام فـي الـركْب منـكم مَـن يُناجينا
طرنا إليكم , ودمعُ الشـوقِ يـحملنا ... لا تعجـبـوا ! هـكـذا حــالُ المحبينا
يومَ النوى روحُنا صحـراءُ قـاحـلةٌ ... ويـومَ وصـلِـكُمُ اخضــرَّت بوادينا
واديكُمُ مـذْ سـرت فيـه ظـعائنُكُم ... نَـمُــرُّ فـيـه فنـشـتَمُّ الـرياحينا
نرنــو لطـيفٍ لـكـم فيه فنتبعُـهُ ... عسـى نـراكـم , فنـهـنا في تلاقينا
نزوره ـ سادتي ـ وقتَ الرحيلِ,ضُحىً ... والـحـزنُ يَـغـمـرنـا حتى يُغطينا
في كـل يوم نرى الوادي فيُسـعـدنا ... وصـارَ بـينَ الورى يُـدعى بِـوادِيـنا
عودتـمـونـا بـأن نرنو لطلعـتكم ... في كـلّ عـامٍ ـ ولو يوماً ـ تُلاقونـا
إنْ لم تزوروا ـ أحبّائي ـ كعـادتكم ... فنظـرةٌ مـنـكُمُ فـي الْحُـلْم تَكفـينا


لما رحلتم , بكـى قلبـي وودّعـكم ... لا تصـرِمـوا حـبلَنـا , ولْتُرْفِـقوا فينا
نادى الأسى أدمُعي في الليل فانـهمرتْ ...فيا دمـوعـي : أجيـبـي مَـن يُنادينا
وإن أردْتُـم دليلاً عـن مـدى ولهي ... فإنـنـي الـيـومَ أعـطـيـكم براهينا
سُهدي ونَوحي وسُقْمي و ارتعاشُ يدي...وأسهـم الشـوق في الـخفاق ترمينا
ثـم اصـفراري وأهاتـي ,كذا أرقي ... وذي الـقـصـائدُ قبل الـموت تـرثينا
فلحظةً بدرُهُم مـا غـاب عن بَصري ... وطيفُهُمْ دائـمـاً فـي اللـيل يأتـينـا
جسمي مع الناس, والأحبابُ في خَلَدي ...نَحِـنُّ دوما إلـى الذكرى فَـتُشـجينا
كم أشعل القلبَ جمرُ الوجد في كبدي ... فأصبح القلبُ ـ ســاداتي ـ براكينا !!
أتتركون الهوى بالوجـد يُـحـرِقنا ؟ ... إذاً ,أعـدوا لـنـا قـبـراً وتـكـفينا


لقَّنتُ قلبـي دروس الـحـبِّ تلقـينا ... لكـنـهـا كـسـرابٍ ليـس يُـغنينا
فالحبُّ إن لم يكن قلباً بكـى وجـوىً ... يُميتنا , ثـم بـعـد الـوصـل يُحيينا
ولم يكن مغرمـاً , والوجدُ يُـوهِنُـه ... فلـيـس حباً, سـلوا عـن ذاك قاضينا
سألت قاضي الجوى عمَّـن قضى دَنِفاً ... لبُعد أحـبـابه , فـافْتَرَّ يُفتـينا :
لا ذنبَ للـحـب إن أودى بصـاحبه ... حتى وإن أمـرضَ الـحـبُّ الـمـلايينا


دعا العـواذلُ أن نـنـسى الْهُيَامَ بِكُم ... وراح عـاذلُـنـا فـي الـهـجر يُغْرينا
فقلت : يـا ربِّ زدْنـا مـن محبَّتِهِم ... وقلت للقلب : زِدْ فـي الـعِشْق تَـمكينا
..نبقى على العهد , لن ننسى مودّتَكُم ...حتـى وإنْ خالـطـت أجـسامُنَا الطّينا
ندعو بأنْ نلتقي قبل الـمـماتِ بكم ... وأن نعـيشَ معاً ونـمـوتَ , آمـيـنـا


شعر : مصطفى قاسم عباس