السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لغة السياسيين
- قيل لي إنك لا تصلح سياسيا، ولا يليق بك هذا المنصب؛ فليست كفءً بما يكفي، ينقصك الكثير؛ والذي ينقصك مهم أي أهمية؛ لن تستطيع تقلد هذه المسؤولية ستكون وبالاً عليك. ويلكَ لا تفعل...
- قلت: إن الشعب اختارني لأكون، وما كنت لأكون لوما رغبة في الشعب ملحاحة؛ وكفاءتي فوق ما تتصورون، سأبدي لكم في قابل الأيام ما لم أعلنه. إن لي من النظري ما يكفي لقيادة أمة بلهَ شعب محدود عدد أفراده، ولي كذا وكذا من التجارب الميدانية ما يجعلني أهلا بالإدارة.
- قيل لي: إن اللعبة التي دخلتها هاويا لم تفهم أسرارها ولم تع ألغازها، إن الأمر لا يتوقف على الدروس النظرية ولا التجارب الميدانية، ولا غير ذلك مما يروج في ذهن أمثالك من المبتدئين. إن قوام اللعبة ألفاظ وأساليبُ وأنماطٌ وخطاب...
- قلت: فصيح أخوك فقيه في البلاغة والأساليب والنحو والصرف واللسانيات والعروض، أحفظ من أشعار العرب كذا وكذا، ومن مقاماتهم العدد الكثير... حصلت على شهادات كثيرات من جامعات مشهورات مغربية ومشرقية وأوربية...شهدوا لي جميعا بالعبقرية والقدرة على الإبانة وسعة الذهن وطلاقة اللسان وسلاسة القلم...
- قيل لي: إنك بليد لا تفهم عريض القفا قليل الوعي. إن الشواهد التي نمنحها لكم، في مدارسنا وجامعاتنا... أوراق. والأوراق ليست إلا أوراقا. والتعامل مع الأوراق يباين التعامل مع الناس؛ خصوصا إن كانوا من نوع خاص. لذا فإني أتوقع أنك مقبل على صنع مشاكل نعجز عن حلها جميعا.
- قلت: أنا قادر على الإقناع والإفهام والتعامل مع الجماهير والحشود الكبار. جربوني وستجدونني كما وصفت لكم، الرجل المناسب في المكان المناسب. لن أخلق مشاكل فطبعي ليس كذلك. كنت وما زلت بريئا سهل العريكة.
- قيل لي: إذا أردت أن تكون سياسيا بارعا ورجلا محنكا فعليك بلغة السياسيين، لغة اللف والدوران وترك الإبانة والدخول من باب الموضوع والخروج من آخر، أو من نافذته إن أمكن؛ لغة الاستراتيجيات والتنمية... والمفاهيم العامة والمحتملة، التي لا تكسر القلوب ولا تقنع القلوب، أما ديدنك الآن يا بني فلا أظنه يجديك ولا أراه إلا نقمة عليك وعلينا إن قبلناك، وعلى المنصب الذي أسند لك، لهذا قلت إنك ستجلب المشاكل.
عليك بفلان ابن فن فإنه مدرب دهقان، وفارس في ميدانه مغوار، درب معظم السياسيين، ولن يكلفك ذلك إلا دراهم معدودة، أنصحك من لب قلبي أن تتعلم فنون الخطاب قبل أن تقبل إقدامة في عملك.
تأسفت كثيرا لما قيل، وفرحت فرحا شديدا لم أفرحه قط، لأني أدركت حقيقة ثمينة؛ كنت أجهلها؛ أدركتها بثمن بخس، فوعيت كل الوعي بأمور كنت غافلاً عنها زمانا.
أمسيت الآن أدرك الحياة بألوان جديدة وأفهم الخطابات فهماً سليما. لم أك لأكون كذلك لوما أني شاركت القوم اللعبة وخضت غمارها مضطرا طورا ومستدرجا طورا وراغبا تارات أخرى.
حقيقة: لا تصدقوا ما قلت لكم فإني أكذب كذبا، لكن كذبا مباحا، وليس كذابا.
ضمنت كلامي مفاتيح أهديها لمستقصي الحقيقة البحاثين عن النور من المشرق والمغرب، وكذا سكان المريخ أو من ورائه. أقول لهم بملء فيّ من حقكم أن تشكوا وتفكروا لا تخافوا أو تخجلوا فأنتم بشر ولستم بقرا، وكذا البقر له حقوق...
الشك منهج سليم في البحث عن الحقيقة إذا لم يتجاوز حدود المعقولات ولم يفض للرجم بالغيب.
فما غاب عن الأنظار أعظم من الظاهر.