تعلمت من ابن عثيمين (9)







المعْلمُ العاشر: الورع:
الورع هو "ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهو ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها"([1])، ولهذا الخلق العظيم عدة تطبيقات في حياة الشيخ، ومنها:


1 ـ في الفتوى: تورعه في الجواب عن الحكم عن بعض الأحاديث التي لا يعرف صحتها وهذا كثير جداً، وتورعه عن القول بمسائل لم يُسبق إليها، أما التوقف عما لا يعلم فهذا ورعٌ واجبٌ لا يجوز انتهاكه.
2 ـ في عمله في الجامعة: وذلك أن شيخنا يحصل أنه يتغيب عن الجامعة لمصالح مهمة؛ كارتباطه باجتماعات هيئة كبار العلماء التي تُعقد أحياناً في أيام الدراسة، فعند ذلك يخصم ما يُعْطَى له مقابلَ تلك المحاضرات ويدفعه للعميد، أو مدير الجامعة نفسه، كما ذكر ذلك أكثر من واحد، ومنهم معالي أ.د.عبدالله التركي، المدير السابق لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية([2]).
3 ـ ومن هذه المواقف أن شيخنا ـ رحمه الله ـ في عام 1417هـ استضافته جامعة الإمام ليلقي محاضرة على المبتَعثين، وليجيب على أسئلتهم، وكان ترتيب تلك المحاضرة يتزامن مع اجتماع هيئة كبار العلماء في مدينة الرياض، فاعتذر الشيخ عن المحاضرة إلا أن يأذن له سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز، فأذن له فحضر، وفي نهاية المحاضرة طلب منه ملقي الأسئلة أن يوقّع على نموذج يُصرف بموجبه للمحاضِر مكافأة على المحاضرة، فلما صلى الشيخ وجلس لاستكـمال الأسئلة قال لملقي الأسئلة: أين الورقة التي أعطيتني قبل قليل؟ فأعطاه إياها، فمزقها الشيخ، فقال له ملقي الأسئلة: لم فعلت ذلك أحسن الله إليك؟ قال: نحن الآن محسوبون على هيئة كبار العلماء بالرياض([3]).
4 ـ ومن ذلك: أن عميد كلية الشريعة السابق([4]) حدثني أن شيخنا ـ رحمه الله ـ لما عاد من رحلته العلاجية من أمريكا، زاره في مسجده في عنيزة، وفي زحمة الناس، ومع إنهاك المرض؛ لم ينس الشيخ أن يسأل العميد، فقال له: أنا تغيبت عن العمل، والراتب ما زال يُصرف! فأجابه العميد بأن الموظف له حق في الإجازة المرضية؛ فاطمأن الشيخ.
سبحان الله! كم ذاب هذا الخلق العظيم في زحمةِ المال، والركضِ خلف المناصب والكرسي، وحظوظِ النفس العاجلة! وقد يقع هذا من أناسٍ محسوبين على العلم بتأويلات باردة، وبعضها مستكرَهٌ، فعرف بعض العقلاء سراً من أسرار قلّة الانتفاع بعلمهم وهم أحياء!
ولما كان للورع أثرُه على القلب والعلم والعمل؛ كان السلف يتواصون به ويتعلمونه، كما قال الضحاك: «أدركت الناس وهم يتعلمون الورع، وهم اليوم يتعلمون الكلام»([5])، فاللهم انفعنا بما علمتنا، وارزقنا الورع عما يفسد قلوبنا وديننا، وللحديث صلةٌ إن شاء الله.








________
[1]) مجموع الفتاوى 10/21.
[2]) مقال لمعالي الدكتور عبدالله التركي في مجلة الأربعاء ( 13 ) ، بتاريخ 29/10/1421هـ.
[3]) مجلة الدعوة، العدد الخاص عن الشيخ ـ رحمه الله ـ بتاريخ 3/10/1421هـ ص ( 46 ).
[4]) هو أ.د.عبدالله بن حمد اللحيدان، عميد الكلية سابقاً.
[5]) الورع. ابن أبي الدنيا (ص:50)


* المقال على الموقع: http://almuqbil.com/web/?action=arti...r&show_id=1635