بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أحبابي - وفقكم الله - كما تعلمون أن مسألة تغطية المرأة لوجهها من المسائل التي كثُر الكلام فيها، وعندي إشكال أرجو من الإخوة الكرام توضيحه، ألا وهو:
ما يتعلق بحديث الخثعمية جاءت رواية وفيها أن أبوها عرضها للنبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، وقد قرأت في كتاب "الرد المفحم" للشيخ الألباني - رحمه الله - أنه أعلّ هذه الرواية بخمس علل، فنرجو التوضيح وفقكم الله ونفع بكم.
وهذا نص ما ذكره الشيخ الألباني - رحمه الله - في كتابه "الرد المفحم" إذ يقول:
الحديث الرابع: عن الفضل بن عباس قال:
كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء، فجعل يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، قال: فجعلت ألتفت إليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه.
أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (12/ 97) من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عنه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، ومتنه منكر، وفيه علل خمس:
الأولى: عنعنة أبي إسحاق - وهو السبيعي - فإنه مدلس.
الثانية: اختلاطه، فلا يحتج بحديثه إلا ما حدث به قبل الاختلاط مع تصريحه بالتحديث، وذلك غير متوفر هنا، أما الأول فلما يأتي، وأما الآخر فلما تقدم.
والثالثة: لين في يونس، ولعل ذلك خاص روايته عن أبيه؛ فإنه روى عنه بعد الاختلاط؛ كما جزم بذلك ابن نمير فيما نقله عنه الحافظ ابن رجب الحنبلي في ((شرح علل الترمذي)) (2 / 520)، وانظر (2 /672) منه.
والرابعة: مخالفته لابنه إسرائيل، وهو ثقة وأحفظ من أبيه، فقد روى هذا الحديث عن جده به إسنادا ومتنا؛ إلا أنه لم يذكر: ((وأعرابي معه ابنة له.... رجاء أن يتزوجها)).
أخرجه أحمد (1/ 213)، والطبراني في ((الكبير)) (18/ 288).
قلت: وإسرائيل مقدم عند الاختلاف على يونس لما تقدم، ولذا قال الإمام أحمد:
((حديث إسرائيل أحب إلي منه)).
قلت: فهذه الزيادة منكرة للمخالفة المذكورة، وهذا على افتراض أنها ليست من تخاليط أبي إسحاق ولم يحدث بها، فإن كان حدث بها؛ فتكون شاذة لما ذكرنا من حاله، ولعلة أخرى وهي:
الخامسة: مخالفته لجميع الثقات الذين رووا الحديث عن ابن عباس دون الزيادة، وهو أربعة فيما وقفت عليه، وكلهم ثقات:
1- سليمان بن يسار؛ في ((الصحيحين)) وغيرهما، وسيأتي تخريجه في الكتاب (ص61-62).
2- الحكم بن عتيبة؛ رواه أحمد بسند صحيح.
3- عطاء بن أبي رباح؛ أحمد أيضا بسند جيد.
4- مجاهد؛ عند الطبراني في ((الكبير))، وإسناده جيد أيضا.
وإن مما يؤكد شذوذها؛ أنها لم ترد في حديث علي أيضا عند الترمذي وصححه، ويأتي تخريجه هناك.
ولا يخفى على البصير بهذا العلم الشريف أنةعلة واحدة من هذه العلل الخمس؛ كافية في تضعيف الحديث، فكيف بها مجتمعة؟!
فالعجب كل العجب من الحافظ ابن حجر! كيف قال في ((الفتح)) (4 /68):
((رواه أبو يعلى بإسناد قوي))؟!
فهل ما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله صحيح؟
كذلك: الذين يرون وجوب تغطية الوجه يستدلون بهذا الحديث، وهذا نص أنقله من أحد الكتب، فيقول بعد أن ذكر الحديث:
قال الحافظ ابن حجر بعد أن عزاه إلى أبي يعلى: (إسناده قوي).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح)
وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية ثم قال محقق الكتاب المحدث حبيب الرحمن الأعظمي وبعد أن رمز له بعلامة الصحة: (إسناده لا باس به).
وذكر الحديث الحافظ البوصيري وسكت عنه ولو وجد فيه ما يقدح لبينه كعادته كما في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة.
وصحح الحديث الحديث الشيخ المحدث عبد القادر بن حبيب الله السندي في رسالته "الحجاب"
وقال محقق مسند أبي يعلى، حسين سليم أسد: (إسناده صحيح).
وهذا أولى وأقوى من تضعيف غيرهم، فتصحيح هؤلاء فضلاً عن غيرهم ممن صححه هو وحده مقنع وكاف، فكيف لو لم يكن إلا الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى؟
ولأن من ضعفه إنما ضعفه بالشذوذ وهي مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، والحقيقة أن الحديث ليس فيه شيء من القاعدة السابقة أبداً ولا من المخالفة لشيء من هذا أصلاً، بل فيه زيادة الثقة وزيادة العلم بالشيء وهي مقبولة باتفاق عند المحدثين.
وقد قرأت في كتاب الحجاب للشيخ الطريفي حفظه الله والذي صدر مؤخرًا أنه يقول عن هذه الرواية "أخرجه أبو يعلى بسند صحيح" ثم ذكر في الهامش مصدر الرواية: "أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (6731)
فأرجو الإفادة والتبيين والإيضاح وفقكم الله.