******
يا أخى الكريم : يقول الإمام الشافعى رحمه الله فى كتابه " الرسالة " :
( سنة رسول الله صلى الله عليه وسلملم تكن لتخالف كتاب الله .. فما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قط إلا ولها أصل فى كتاب الله
أوجاءته بها رسالة الله فأثبتت سنته بفرض الله . فكل ماسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنه .
فمن اتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكتاب الله تبعها فليس هناك خبرا ألزمه الله جل علاه لخلقه إلا كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم )
*****
ولذلك فإن الحديث " أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟
قال : وإن زنى وإن سرق "
أصله ومصداقه هو قوله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .
من السرقة والزنى والقتل وقذف المحصنات والتولي يوم الزحف وغيرها من الكبائر والصغائر دون الشرك
إن كنت تتفق على أن الله يغفر في الآخرة للمسلم الذي لم يشرك بالله ولكنه قتل وزنى وسرق ولم يتب منها في الدنيا فليس هناك خلاف معك الآن .
وأعتذر منك سأخرج مضطرا .
الفاسق لايخرج من الإيمان بارتكاب الكبائر مالم يكن مستحلا ، بل هو من جملة المؤمنين .
قال تعالى :{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ختى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }.
الشاهد مع اقتتال الطائفتين فقد أثبت الله الإيمان ، كذلك مع بغي إحدهما جعلهما أخوة في الإيمان .
ثم إن السارق والقاذف جعل الله لهم حدودا يعاقب عليها كل منهما ولو كانت هذه الأعمال تُخرج من الإيمان لكان أهلها مرتدين وكما هو معلوم أن المرتد يقتل .
-الباحث عن الحق -السعيد شويل
يبدو من أول وهلة وهذا ما يتوهمه الكثير أن القول بأن الله يغفر ما دون الشرك -من المعاصي كبائر أو صغائر حتى لمن لم يتب منها وأنها داخلة تحت مشيئة الله فإن شاء غفر لمرتكبها وإن شاء عذبه -قولٌ يحمل بين طياته التهوين من المعاصي فيقول قائل إذن نفعل ما نشاء !!
ولكن يُرد عليه أن الدليل يقتضي هذا التقرير وأن الله جعل الأمر- غفران أو تعذيب- معلقا بمشيئته وهي غيب عن هذا العاصي وهنا رادع قوي لمن وسوس له الشيطان بهكذا فكر أو فكره لأنه لا يعلم ماذا سيكون مصيره هل مغفور له أو محاسب ومعاقب وداخل للنار بقدر ذنبه!! فمن يتحمل ذلك
الإقدام على المعاصي وهو لا يعلم أيُغفر له أم يُعذب !
ثم يُقال ويُنبه على أمر آخر أن الكبائر والصغائر لا تغفر وهذا محل اتفاق مع –الباحث عن الحق- السعيد شويل
ولكن إذا كان الفاعل مستحلاً لها لأن الاستحلال لها جعلها كفر- فإن أردت هذه النقطة فهذا حق-
بقينا في الكلام على ما إذا كان غير مستحل للمعصية التي هي دون الشرك –يعلم حرمتها ومقر ولكنه يقع فيها لأنه بشر غير معصوم -
فهذا هو الذي يُقال عنه تحت مشيئة الله فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه0
ثم تأمل في لو ما جاءك رجل فقال لك أنا مشرك وأريد أن أتوب ولكن القرآن لديكم فيه قول الله تعالى ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) (سورة النساء /48)
فكيف السبيل إلى التوبة والله لا يغفر الشرك !! ولكن ما دونه يُغفر بالتوبة هذا قبل الموت كما تقول ؛إذن المشرك لا يستفيد من التوبة في الدنيا 0
-طيب- ستقول له قال تعالى ((إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم )) (سورة الزمر/53)
سيقول لك هذا تناقض في القرآن إن لم تكن الآية 53 من سورة الزمر هي للتائب في الدنيا قبل الموت !
والآية 48 من سورة النساء هي في الآخرة وهو قول أن الشرك لا يغفر وما دونه يغفره الله لمن يشاء 0
وإلا كيف ستجمع بين الآية 53 الزمر/ والآية 48 النساء
فإن قلت الآية ((إن الله لا يغفر أن يشرك به)) يقصد بها الكافر الذي يريد أن يتوب بدون أن يؤمن ! فيُقال هو ما زال غير مؤمن فمن ماذا يتوب
وهو ما زال في أعظم الذنوب 0 وهذا الكلام لا يصدر من عاقل كما أعتقد أنك عاقل – فدع مثل هذا-
ولأن هذا السائل أمامه الآية صريحة وسيتمسك بها –إن الله لا يغفر أن يشرك به – وسَيحتج بها في عدم قبول التوبة من الشرك على حسب قولك!!
ثم يُنبه على مسألة قد تَعلق في الذهن عند الكلام في مثل هذه الأمور وهي كيف يحصل الوعيد من الله لأهل المعاصي ولا يعذبهم !!
فَيُرد عن ذلك بأن هناك فرق بين الوعد والوعيد فإخلاف الوعيد من صفات الكمال بخلاف إخلاف الوعد
ولذلك قال الشاعر /
وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فالوفاء بالموعد شيء ممدوح، وإخلاف الإيعاد تَفَضلاً شيء ممدوح
والقرآن نزل باللغة العربية والعرب يعرفون مثل هذا ولم يقل كفار قريش وغيرهم من العرب بتناقض القرآن وهم أهل اللغة
تأمل وتريث ودع ما علق في ذهنك من أقوال غير متزنة تنتشر بين طوائف عدة كالمعتزلة وبعض من الإباضية والذين خالفوا
ما يقتضيه الدليل من القرآن والسنة النبوية الشريفة 0
نتمنى لك أطيب الأوقات في هذا المجلس العلمي المبارك
هذا والله أعلم