( مَنْ حَدَّثَ بمشاهده في الحرب ليتأسى بذلك المتأسي ويقتدي به )

قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :

بَابُ مَنْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ فِي الحَرْبِ

قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ ، عَنْ سَعْدٍ .

2824 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: « صَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدًا، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ » اهـ .

أي هذا باب في بيان من حدث بمشاهده وهو جمع مشهد موضع الشهود أي الحضور في الحرب ، أراد بهذا أن للرجل أن يحدث بما تقدم له من العناء في إظهار الإسلام ، وإعلاء كلمته ، ليتأسى بذلك المتأسي ، ويقتدي به ، وليرغب الناس في ذلك ، وأما الذي يحدث لإظهار شجاعته والافتخار بما صنع فذلك لا يجوز كما في عمدة القاري شرح صحيح البخاري .

وأشار الإمام البخاري في التعليق إلى حديث سعد : إني أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وإلى حديث أبي عثمان لم يبق مع النبي صلى الله عليه و سلم في تلك الأيام التي قاتل فيها غير طلحة وسعد عن حديثهما أي أنهما حدثاه بذلك كما في البخاري .

وقال الإمام ابن بطال المالكي رحمه الله تعالى في شرحه على البخاري :

وأما حديث طلحة عن مشاهده يوم أحد ، ففيه من الفقه : أن للرجل أن يحدث عما تقدم له من العناء فى إظهار الإسلام وإعلاء كلمته ، وما نفذ فيه من أعمال البر والموجبات غير النوافل ؛ لأنه كان عليهم نصر الرسول وبذل أنفسهم دونه فرضا ؛ ليتأسى بذلك متأسٍ ، ولا يدخل ذلك فى باب الرياء ؛ لأن إظهار الفرائض أفضل من سترها ليشاد منار الإسلام وتظهر أعلامه ، وكان طلحة من أهل النجدة ، وثبات القدم فى الحرب . ذكر البخارى عن قيس فى المغازى ، قال : ( رأيت يد طلحة شلاء وقى بها الرسول يوم أحد ) وعن أبى عثمان ( أنه لم يبق مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) غير طلحة وسعد ) فلهذا حدث طلحة عن مشاهده يوم أحد ؛ ليقتدى به ويرغب الناس فى مثل فعله ، والله أعلم .

وفي فيض الباري على صحيح البخاري :
وذلك أَمْرُ يختلِف باختلاف النِّيات ، فإِنْ كانت نِيْتُه المراآةَ والإِسماعَ ، سَمَّع الله به ، وراءى به ، وإن كانت نِيتُه الإِخلاصَ ومرضاة اللهِ ، فله الحُسْنى وزيادةُ