و من مميّزات الشريعة الإسلامية كذلك :

6 -الواقعية : يقوم التشريع الإسلامي على أساس الواقع ، فكلما وقعت حادثة تتطلب حكما أو اختلف الصحابة في نازلة من النوازل أو صدر من بعضهم ما لا يعرفون حكمه، لجأوا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم يسألونه البيان . فإذا لم يكن عنده حكمٌ تطلَّع إلى السماء فأتاه الوحي تارة بآية أو آيات من القرآن فيه جواب عما سألوه، وطورا ينزل عليه الوحي بغير القرآن مبينا له الجواب تاركا له التعبير عن المراد وهو ما يعرف بالسنة التي تشمل قول الرسول صلى الله عليه و سلم وفعله وإقراره .
وارتباطُ التشريع الإسلامي بالواقع جعله مناسبا لطبيعة الإنسان محققا لمصلحته فرداً وأسرةً ودولةً .
7 -التدرج : من خصائص التشريع الإسلامي أنه جاء متدرجا مع الزمن والأحوال، فلم ينزل دفعة واحدة كما هو معهود في التشريعات السماوية السابقة، أو كما هو معروف في التشريعات الوضعية. لذلك كان موافقا لطبيعة البشر لم يحملهم على إحداث تغييرات مفاجئة في حياتهم وعاداتهم و ما ألفوه ، وإنما انتقل بهم من وضع لا يرضي الله تعالى مُضِرٍّ بمصلحتهم إلى وضع يرضاه الحق سبحانه محققٍ لمصلحتهم . وهذا كلّه بتدرج من التشريع الأخف إلى التشريع النهائي ، مما سهل على الناس الانتقال بطريقة سلسة وعلى أسس ثابتة من العلم واليقين بأن حكم الله تعالى هو منتهى الحكمة والعلم .
و تقوم خاصية التدرج في التشريع الإسلامي كدليل قوي على أن هذا التشريع هو من عند الله تعالى لأنه وحده أعلم بالفطرة التي فطر الناس عليها ، لذلك فقد شرع لهم تشريعا ملائما لفطرتهم تتقبله أنفسهم ليُسْره وقابليته للتحقيق من جهة، ولتأكدهم من أنه يحقق صلاحهم في الحال، وفلاحهم في المآل .
8 - الشمولية والعالمية: لم يترك التشريع الإسلامي مجالا من مجالات الحياة لم يشرع له : ففيه تشريع للفرد والأسرة و الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية : ( و نزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) كما أن التشريع الإسلامي تشريع للإنسانية بامتياز في كل زمان و مكان مصداقا لقوله تعالى: ( و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فهو تشريع غير مقصور على بلد أو شعب أو .. وإنما هو شرع الله للإنسانية جمعاء .
9 - الوسطية والرحمة : التشريع الإسلامي تشريع التيسير والتخفيف ورفع الحرج : ( يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر ) ، لذلك جنح التشريع الإسلامي إلى رفع التكليف والإثم في الخطإ والنسيان، وتجاوزَ عن الصغير والمجنون والنائم وقدَّر الضرورات ورعى الحاجات وأجاز الرخص المتعدّدة .
والتشريع العقابي الإسلامي هو الآخر من أكبر مظاهر الرحمة في التشريع الإسلامي، رغم ما أثير حوله من تشكيك من طرف بعض الذين لم ينظروا للإسلام كمنظومة متكاملة لا يمكن تجزيئها، ذلك أن التشريع العقابي في الإسلام جاء لحماية المصالح الضرورية للتعايش الاجتماعي والـمصالح المعنوية للمجتمع بهدف خلق مجتمع فاضل ومتكامل وتحقيق سلم اجتماعي.
إن التشريع العقابي الإسلامي في ظاهره عقاب وفي باطنه تطهير، و من ثم وجدنا المذنبين يبادرون إلى تطهير أنفسهم مما لحقهم من آثام موجبة لإقامة الحد بشكل طوعي و من تلقاء أنفسهم ، مثلما حدث مع ماعز والغامدية اللذين أتيا الرسول صلى الله عليه و سلم ليُقيم عليهما الحدّ .