بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قدّر للقمر منازل , وقَسَمَ بين عباده فضله النازل , والصلاة والسلام على خير الورى خُلُقا وأعظمهم منزلا ... أما بعد :

فلا زال العبد الضعيف يطلب فتوحات ربه في كل شيء , ويرجو هدايته في كل طريق , ويرغب في عفوه ومغفرته إن زل عن الصراط المستقيم .
كما أنه يوقن بالقاعدة الربانية في هذا ألا وهي قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ) فلن يبرح الإنسان مكانه ولن تبرح الأمة مكانها ولن تسترد مكانتها وتنل فضل ربها حتى تصحح مسارها فيما تطلب نيله ؛ فمن سار على الدرب الصحيح وصل , ومن خالف الشرع انقطع وانفصل , والقصد القصد تبلغوا , وليكن الشعار احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز !


** نقطة نظام **

هل فعلا هناك أناس يُحذِّرون من شيء ويقعون فيه ؟! بالمثال يتضح المقال :

هلا يوجد أناس يحذرون من ضياع الأوقات ويطالبون الآخرين بالتنظيم وهم في الحقيقة يعيشون فوضوية عملية ؟ وهل هناك من يوجه طلبة العلم ويذكرهم بالمنهجية ولا منهجية لديه ؟! وهل هناك أناس يتحدثون في المشكلات العائلية وبيوتهم تضج بها ؟!! وهل هناك من يدعو لكرم الأخلاق وهو واقع في غيرها ؟!!!

الجواب: نعم يوجد من هؤلاء بمثل ما ذُكر ولا عجب في ذلك , فنحن في زمن العجائب ! لكن السؤال : إذا وجدت مثل هؤلاء فهل يرد ما قالوه أم يقبل ؟!

في تقديري والله أعلم أن هناك من الناس من هو صادق في نصحه , عاجز عن نفسه , فلا ينبغي رد ما ذكر إلا ببينة وبرهان ! ذلك أن فئات ليست بالقليلة تعيش مثل هذه المشاكل في حياتها أيا كان نوعها , وقد يكون ألم ما تعيشه هو الذي يحملها على نصح الآخرين وإبداء الطرق الصحيحة والسبل المفيدة فيما يطلبون , وليس شرطا أن الدواء الذي نفع عبيدا أن ينفع زيدا , فقد تكون هناك علة خفية لم يعرفها الناصح بعد أو كان يعيش قصورا في جانب معين تسبب في عدم خلاصه مما هو فيه , وهكذا الإنسان قد يعينك على حل مشكلة هو واقع فيها , لكن لم يأذن الله بزوالها عنه لحكمة أو لمانع أبقاه , أما من أخذ بزمام الدلالة وهو قاعد عن سلوك ذلك الطريق ولا يطلب فيه غاية , فاحذر ثم احذر فقد يوجد السم في العسل وكم من متعالم ضيع أمة !


** جزء من مقال **

كم هو جميل أن يعرف الإنسان قدره , فيحفظ لنفسه مكانتها ولا يتعدى على حق غيره بأخذ ما لا يستحق كما أنه لا يتضرر بكيد غيره لأنه يعرف من هو !
إن كثيرا من المشكلات في الزمن السابق وفي زمننا هذا ترجع إلى هذا السبب ألا وهو الجهل بمقدار الشيء ؛ وهذا يشمل جميع الجوانب سواء أكانت شرعية أم حياتية , عبادية أم معاملاتية , ومصداق ذلك ما يلي :

حين تجهل الأمة مقدار ربها جل جلاله فلا ترجوا له وقارا ولا تُعْظِمْ له جنابا تقع في خلل عقدي عظيم ! فأمة تنسب له الولد وأمة تزعم له الشريك والتعب وأمة وأمة وأمة ..!

ولما تجهل الأمة مقدار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تقع في مشكلة خطيرة ! فمن هؤلاء من ألّههم ومنهم من قتلهم ومنهم من ساواه بغيره أو احتقرهم ومنهم ومنهم ..!


هذا في جانب الدين ! أما جانب الحياة والبيئة والتعامل سأذكر أمثلة فحلّل مشكلتها بفهمك الثاقب وعقلك النيّر , من هذه الأمثلة :

التعصب - وفي المقابل عدم توقير العلماء – استفتاء الجهلة – نطق الرويبضة – العشق – القضايا الأخلاقية – ضياع الحقوق – إسناد الأمر إلى غير أهله .. وغير ذلك فمن بحث وجد !

كل هذا لندرك أهمية معرفة الإنسان قدر نفسه وقدر غيره ! إذا أدركت هذا وأهمية ما سبق فإنه باستطاعتك أن تعرف أمورا وتكتب سطورا في هذا الباب لا تقل أهمية عما ستقرأ إن كان مهماً بالنسبة إليك !

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه عن نبيه عليه الصلاة والسلام ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً )

إن من أعظم صفات القائد الناجح والمؤثر الفعال والرجل النافع – والخطاب كما أذكر دوما أغلبي فتدخل فيه المرأة – أن يعرف قدره فلا يتجاوز حدوده , ولا يتضرر بما يقال عنه ولا بما يرى من عدم مبالاة به !

انظر إلى جانب حياة الأنبياء , - وأركز عليها لأن أعظم القادة نجاحا هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – تجد فيهم هذه الخصلة , لأنهم عندما عرفوا قدرهم لما يحملهم إعجاب الناس بهم إلى الغرور والتكبر وطلب شهوة الجاه والرئاسة وغير ذلك , كما أنه لم يحملهم عدم المبالاة إلى السكوت والكسل واليأس أو حتى المساومة على ما يأتون به ! فهم يعلمون أنهم أنبياء وأن ما جاؤوا به هو الحق ! لذا استمر عطاؤهم ولم ينقطع !

قل مثل ذلك في ورثة الأنبياء عندما يعرف العالم قدره , لا يحمله حب الناس وقبولهم رأيه أن يقول على الله ما لا يعلم أو أن يداهن ويحابي في دين الله أحدا , كما أنه لم يتوقف عن الطلب والبحث عن غيره من الشواغل عند تغافل الناس عنه !

فالإنسان عندما يدرك قيمته وقيمة ما يحسن وأهمية ما معه , يستمر في العطاء والإنتاج ولا ينتظر الشكر من أحد !

نعود إلى الآية الكريمة لما تتأملها تجد أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر فيها ثلاثة أمور :

1 / البراءة . 2 / البشرية . 3 / الرسالة.

أما البراءة ففي قوله ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي ) والتسبيح تنزيه وتقديس , كما أن هذا العبارة تقال عند الغضب ! لأنه طُلب منه أن يفعل ما ليس يقدر عليه إلا الله , فناسب التذكير بقدره وأنه بشر لا يبلغ هذه المرتبة واعترف بنقصه وأنه محدود القدرات ( هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا ), ثم بعد ذلك ذكر الرسالة والمهمة ( رَّسُولاً ) حتى لا يتوهم متوهم أن ما أتى به من خوارق العادات تنقله لمنزلة لا يستحقها بل بيّن أن عمله تبليغ الرسالة والتي لا تكون إلا بفضل من الله وما يحصل من معجزات فهي بأمره وليس لي من الأمر ما تظنون !

هذا في حدود اللفظ الظاهر , أما لو أتيت لتتوسع في هذا الباب منطلقا من هذه الآية لوجدت ما يطول المقام بذكره لكن نشير إلى ما يناسب الحال والمقال :

كلنا سمع أو قرأ عن المولد وما فيه , ومهما استدل المجيزون لأفعالهم فإن هذا الآية ترد عليهم ضمنا ونصا , فبشرية محمد صلى الله عليه وسلم تبين أنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يطلب منه ذلك , كما أنها تلزم من آمن بذلك ألا ينزله فوق منزلته وألا يصرف له من أمور العبادة شيئا !
............. أطلت الحديث , لكن بإمكانك إكمال المسير !


** طيور مهاجرة >>

اعرف قدرك ترح نفسك ولا تغتم وإن سرت في درب الحياة وحدك !

** نقطة عبور **

ببينة : الدليل الواضح القاطع !

فحلّل : أي اعرف الأسباب والآثار لحدوث المشكلة .

الرويبضة : لعل أبسط تعريف لهم حديث الجهال وأصحاب الأهواء في شؤون الأمة


** وعذرا على الانقطاع السابق !