26-03-2015 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
الكتاب الذي بين أيدينا كتاب صغير الحجم، لكنه جم الفائدة؛ لأنه يمثل خلاصة ما أخذه المؤلف على كتاب من أهم وأشهر الكتب رواجاً، سيما بين أوساط المشتغلين بالعلوم الفلسفية، والفرق الكلامية، والممل والديانات والمذاهب، أما الكتاب المنقود فهو كتاب "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام"، للدكتور سامي النشار، الذي يؤرخ فيه صاحبه لتاريخ الفلسفة والفرق وعلم الكلام في التراث الإسلامي، أما الكتاب الناقد؛ فهو الذي بين أيدينا، وهو للدكتور محمد بن سعيد بن سالم القحطاني والذي أفرده الكاتب للرد على ما جاء في كتاب النشار من مخالفات فكرية وانحرافات عقدية..


الكتاب: الإعلام بنقد كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام
المؤلف: الدكتور محمد بن سعيد بن سالم القحطاني
دار النشر: دار ابن الجوزي- السعودية
الطبعة: الأولى، 1412هـ
ـــــــــــ
الكتاب الذي بين أيدينا كتاب صغير الحجم، لكنه جم الفائدة؛ لأنه يمثل خلاصة ما أخذه المؤلف على كتاب من أهم وأشهر الكتب رواجاً، سيما بين أوساط المشتغلين بالعلوم الفلسفية، والفرق الكلامية، والملل والديانات والمذاهب، أما الكتاب المنقود فهو كتاب "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام"، للدكتور سامي النشار، الذي يؤرخ فيه صاحبه لتاريخ الفلسفة والفرق وعلم الكلام في التراث الإسلامي، أما الكتاب الناقد؛ فهو الذي بين أيدينا، وهو للدكتور محمد بن سعيد بن سالم القحطاني والذي أفرده الكاتب للرد على ما جاء في كتاب النشار من مخالفات فكرية وانحرافات عقدية..
حيث طالع المؤلف هذا الكتاب- بأجزائه الثلاثة- وسجل فيه ما أذهله وأدهشه من انحرافات ومخالفات، وأوضح أن كتاب النشار ضم الكثير والكثير من هذه الانحرافات ومنها على سبيل المثال:
- تكفير بعض صحابة النبي- صلى الله عليه وسلم-؛ كأبي سفيان ومعاوية- رضي الله عن الجميع-.
- وصفه الخليفة الراشد عثمان بن عفان- رضي الله عنه- بأنه متهور.
- تشويه تاريخ بني أمية ومسخه. فهم- على زعمه- متشبعون بزندقة أبي سفيان ومجوسيته ووثنية معاوية الذي يعتبر- كما يقول النشار- وثني ابن وثني.
- أن أيوب السختياني، والأوزاعي عملاء لبني أمية.
- أما المعتزلة والأشاعرة فهم رواد الفكر الفلسفي، وفكر الأشاعرة هو الذي أنقذ العلم الإلهي. إلى غير ذلك من الأباطيل..
وقد تحدث المؤلف أول ما تحدث عن اسم الكتاب، حيث سمى المؤلف كتابه بـ"نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام"، مؤكداً في كتابه هذا على أهمية الفلسفة الإسلامية التي يذكر أن روادها هم المعتزلة والأشاعرة، كما أوضح المؤلف أن المفاضلة بين المنهج الفلسفي والمنهج الإسلامي واضحة وضوح الشمس في أذهان وأفهام أهل السنة والجماعة، ولا لقاء بين المنهجين بحال من الأحوال، نظرًا للاختلاف الكبير بينهما في أمور عدة، وقد فصَّل المؤلف القول فيها.
كما أشار المؤلف إلى تشنيع النشار على نصوص الكتاب والسنة، التي وردت فيها صفات لربنا- تبارك وتعالى-، حيث وقف موقف المستدرك على الله وعلى دينه، ولم يترك سخرية ولا أسلوب استهزاء إلا ألحق به عقيدة السلف الصالح وأصحابها، كما لم تسلم اللغة العربية من افتراءاته، ففسر النصوص بتفسير يخالف ما جاء عن العرب..
ثم عرض المؤلف لموقف النشار من صحابة النبي- صلى الله عليه وسلم-، ذلك الموقف المتأثر بفكر أستاذه المستشرق "آربري"، أو غيره من دهاقنة الاستشراق والخبث، مما امتلأت قلوبهم حقداً على الإسلام والصحابة، حيث صور النشار الصحابة وكأنهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق؛ همّهم الدرهم والدينار.
فقد وصف عثمان- رضي الله عنه- بالمتهاوي والمتهالك، ووصف معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- بأنه: وثني ابن وثني، وقال أن عبد الله بن الزبير ذئب غادر، وأن سلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- من أركان الشيعة، إلى غير ذلك من الانحرافات والافتراءات..
أما عن موقف النشار من بني أمية فيبين المؤلف أنه قد وقف منهم- في كتابه- موقفاً مخزياً لم يشاركه فيه إلا غلاة الشيعة وزنادقة الروافض، حيث وصف أبا سفيان بأنه ثنوي مجوسي لم يؤمن أبداً...، وأن ابنه معاوية- رضي الله عنهما- وثني ابن وثني، لم يؤمن أبداً بالإسلام، وكان يطلق نفثاته على الإسلام كثيراً، إلى غير ذلك من أوصاف التكفير والتفسيق والابتداع..
ومما نبه عليه المؤلف اتهام النشار لعلماء الأمة، من المخالفين له ولمنهجه بالنفاق، وأنهم كانوا يصدرون الفتوى على مقدار ما يدفع لهم، وممن اتهم بذلك: أيوب السختياني- رحمه الله- حيث وصفه بالعمالة لبني أمية، كما كان الأوزاعي عميلاً ووضيعاً- بحسب افتراءات النشار-، وأما الإمام الملطي- رحمه الله- فهو عند النشار "حشوي" سقط في الحشو والتشبيه والتجسيم...
أما قمة السب والشتم والبهتان فقد صبها النشار على شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- حيث أوضح المؤلف أنه لم ينافس النشار على هذا السباب لابن تيمية إلا شيخه الجهمي المعاصر محمد زاهد الكوثري.
حيث وصف النشار ابن تيمية- في كتابه- بـ"الفيلسوف المجسم"، و"المتخبط تخبطاً شديداً"، والمشبه المجسم المتأثر في أعماق مذهبه بمقاتل بن سليمان وبالكرامية من بعد مقاتل. ومن إفكه تجاه ابن تيميه قوله: "اشتهر عنه تخطئة الناس جميعاً حتى إمامه أحمد بن حنبل، بل الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ"، وأنه: "لم يسلم أحد من قلمه حتى الصحابة والتابعين وأئمة المذهب الأشعري العظماء".
أما آخر ما تحدث عنه المؤلف؛ فكان عرضه لنماذج من تناقضات النشار، لكشفه حتى يكون القارئ على بينه من أمره، فمن تناقضاته التي ذكرها المؤلف أنه طعن في كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة" للإمام أحمد بن حنبل في كتاب "نشأة الفكر"، ثم تحمس لإثبات الكتاب والدفاع عنه في مقدمة كتاب "عقائد السلف" الذي حققه!! مع تلميذه عمار الطالبي، ولو أن ذلك رجوعاً للحق لبينه في طبعات كتاب النشأة المتأخرة، لكنه لم يفعل.
ومن جهله أو تناقضاته- التي بينها المؤلف- أنه زعم أن أبا حنيفة والماتريدي أصحاب المدرسة الأولى لأهل السنة والجماعة، وهو تناقض بين ما هو معروف من معتقد أهل السنة والجماعة وبين تأويل الماتريدي.
ومن فضائح النشار ذكره للآيات القرآنية بالمعنى في مواضع، وزعمه أن الإمام مالك هو الذي مهد لظهور أبي الحسن الأشعري، ومن تناقضاته- أيضاً- وصفه للأشاعرة بأنهم أهل السنة والجماعة، وأن الأشعري كان تابعًا للإمام أحمد في كل آرائه، فحفظت بذلك عقيدة أهل السنة والجماعة!!
والكتاب الذي بين أيدينا لم يحص كل صغيرة وكبيرة جاء بها النشار في كتابه "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام"، بل وضع خطوطاً عريضة لما حواه كتاب من أباطيل وافتراءات وأكاذيب وتهجم على الصحابة والعلماء وعقائد المسلمين، فالحذر كل الحذر مما حواه هذا الكتاب، وأمثاله من كتب المستشرقين أو تلامذتهم، ممن تبعوهم في كل صغيرة وكبيرة كتبوها عن الإسلام والمسلمين.
وجزا الله المؤلف خيرًا على هذا الجهد الطيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..