07-03-2015 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ومن هنا تأتي أهمية الخطوة الماليزية التي أعلنت عنها مؤخرا من خلال إطلاق مؤشر شرعي لقياس مدى التزام قطاعات الدولة الحيوية بمقاصد الشريعة الإسلامية الكلية (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، ويقيس المؤشر ثمانية قطاعات رئيسة، هي: العدالة، والتربية، والاقتصاد، والاجتماع، والبنى التحتية، والصحة البيئة، والثقافة، والسياسة.


لا شك أن الدين الإسلامي بما يتضمنه من عقائد وشرائع إنما هو نظام إلهي متكامل، أوحى الله تعالى به إلى خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون دليلا للعالم أجمع للوصول إلى السعادة في الدنيا والنجاة يوم القيامة.
ولا شك أن الطريق الوحيد للاستفادة من منافع وكنوز هذا الدين الحنيف، إنما يكمن في الأخذ به جميعا دون تجزأة أو تبعيض، وذلك من خلال سبر أغوار حقيقته والوصول إلى جوهره وروحه، من خلال ما يعرف بمقاصد الشريعة الإسلامية.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف جامع مانع لهذا النوع من العلم الشرعي، إلا أنه يمكن القول بأنه: الغايات التي وُضعت الشريعة لتحقيقها، والتي تنقسم إلى "عامة " وهي - حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال -، وخاصة تتمثل في الغاية التي شُرع من أجلها الحكم الشرعي الجزئي، كالإحصان وحفظ النوع البشري في حكم الزواج.
ولعل أهمية هذا العلم والفن لا تكاد تخفى على كل ذي فهم واختصاص بعلوم الشريعة، فهي تعتبر روح التشريع الإسلامي كما أكد الإمام الشاطبي رحمه الله، و شرط ضروري للمجتهد كما أكد ابن القيم رحمه الله.
ومن هنا تأتي أهمية الخطوة الماليزية التي أعلنت عنها مؤخرا من خلال إطلاق مؤشر شرعي لقياس مدى التزام قطاعات الدولة الحيوية بمقاصد الشريعة الإسلامية الكلية (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، ويقيس المؤشر ثمانية قطاعات رئيسة، هي: العدالة، والتربية، والاقتصاد، والاجتماع، والبنى التحتية، والصحة البيئة، والثقافة، والسياسة.
وتعد تجربة مؤشر المقاصد إحدى آليات فهم أن الشريعة حقوق وواجبات، قبل أن تكون حدود وتعزيرات، وخروج عن جدل مثار منذ سنوات في الدول العربية، حول تهيئة المجتمع لتطبيق الشريعة، فاعتماد المؤشر على المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، فيه انعكاس لواجب المجتمع، كأفراد وحكومات.
ولقد عكس التناول الماليزي تجربة حضارية، من خلال إسناد الحكومة الفكرة للجامعات والمراكز البحثية لإنضاجها وإخراجها بصورة علمية، بدلاً من التناول السلبي الذي يتم به التعامل في الدول الإسلامية، مع القضايا الإسلامية بصورة جدلية، تلوكها ألسنة غير المتخصصين في وسائل الإعلام وغيرها.
إن العمل من خلال الجامعة في تجربة مؤشر المقاصد، يعكس علاقة سليمة يجب أن تكون محل استفادة من الدول الإسلامية الأخرى، لكي تنضج الأفكار في بيئتها الصحية السليمة، وتظل الأفكار حتى بعد خروجها للتطبيق، رهن التطوير والتصحيح.
والحقيقة أن الخطوة التي اتخذتها ماليزيا تجاه العمل بمؤشر المقاصد تتسم بالنوعية من حيث خروجها من بوتقة المؤشرات العالمية ذا المنشأ الغربي غالبا، كما تتسم بالتفرد من حيث الانتقال من العمومية والنظرية إلى الخصوصية والواقعية في تطبيق مقاصد الشريعة الإسلامية.
فالمجالات التي يغطيها مؤشر المقاصد هو في الحقيقة ترجمة عملية للخروج من الإطار النظري للمقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية إلى حقائق على أرض الواقع.
كما أن فكرة مؤشر المقاصد هو في الحقيقة امتداد لمشروع الإسلام الحضاري الذي صدرته وأنتجته التجربة الماليزية في ثمانينيات القرن العشرين، إبان فترة حكم "د. مهاتير محمد"، وبقدر ما تسهم تجربة مؤشر المقاصد من إبراز لنجاح إنزال الشريعة الإسلامية إلى واقع معاش، بقدر ما تصب في تصحيح الصورة المغلوطة لدى البعض من قصر الإسلام في الجانب التعبدي، أو الترسيخ لمفهوم العلمانية بفصل الدين عن الدولة.
وإذا كانت ماليزيا قد استطاعت - من خلال تطبيق الاقتصاد الإسلامي - الانتقال من دولة نامية إلى دولة صاعدة، فإن تجربتها الجديدة بتطبيق مؤشر المقاصد الشرعية هي في الحقيقة تجربة جديرة بالاحترام والتقدير، بل وبالأسوة والاقتباس للتطبيق والتنفيذ من قبل بقية الدول الإسلامية الأخرى.
إن مؤشر المقاصد يعتبر بحق المقياس الحقيقي لمدى قرب الدول الإسلامية أو بعدها عن تطبيق الإسلام، فليست القضية كلمات واحتفالات وشعارات، بقدر ما هي سلوك ونتائج على الأرض، لترجمة مقاصد الإسلام ومعانيه الحقيقية، التي عاشتها الأمة في عصورها الزاهية.
فهل ستكون الخطوة الماليزية محفزا لبقية الدول الإسلامية لخوض نفس التجربة ؟!