بسم الله الرحمن الرحيم
قد يعجب بعض الناس عندما يقرأ للأئمة من أهل العلم تجريحاً لبعضهم البعض وإن كان ذلك ليس بالكثير ولكنه موجود والعصمة والكمال لله عز وجل ، وما من أحد إلا ويؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن لننظر كيف تعامل معها النقاد والمحققون من أهل العلم ؟ وهل تجريح العالم للآخر يستلزم منه الإسقاط وإرادة إخلاء الساحة له - حاشاهم - ؟
فهنا وقع كثير من الناس على مفترق طرق بين مغال ومجاف .
فصنف يتهم كل من انتقد أهل العلم ورد عليهم سواء كان النقد في الأصول أو في الفروع - ولو حصل منه بعض تجريح - أنه قصد بذلك إسقاط الآخر - كما يقال - فدخلوا في النيات والمقاصد دون تمييز لدافع النقد ودون نظر للناقد هل هو ممن شهد له بالعلم والخير والصلاح وحب السنة والدعوة إلى التمسك به ؟ وهذا يذكرنا بحديث أسامة رضي الله عنه ( هلا شققت عن قلبه ) !
وفي المقابل صنف فتح الباب على مصراعيه وأطلق العنان للنقد والتجريح والاتهام للكبار بزعم أن ذلك لا يستلزم منه إسقاط لأحد منهم ولا إزالة لمكانتهم في النفوس .
والحق في ذلك هو النظر في النقد والناقد معاً، فإن كان النقد فيه تجريح لمن شهدت لهم الأمة بالعلم والخير والصلاح فإن ذلك غير مقبول منه ومردود على صاحبه وهو من الطعن في العلماء الذي حذر عنه السلف أشد تحذير . يقول الحافظ ابن عساكر رحمه الله : ( اعلم أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك ستر منتقصيهم معلومة ) .
وإن كان ذلك التجريح لأهل العلم حصل من عالم مشهود له بالعلم والصلاح وخدمة السنة فلا يقبل منه ذلك اللمز ومع ذلك يلتمس له العذر ويعد ذلك من الزلات التي يغمرها بحر حسناته .
أما إذا كان الناقد في أهل العلم من أهل البدع والضلالات أو من أصحاب المناهج المنحرفة الذين لا همّ له إلا الانتقاص للمخالفين ومحاولة تشويه أهل العلم فيصل بهم الحد إلى تفسيقهم أو تخوينهم ، بل إلى حد تكفيرهم - أحياناً - فذلك يظن ررربه أنه حاقد على السنة وأهلها ومريداً خلو الساحة له لينشر أفكاره المنحرفة التي لا تستسيغها العقول السليمة ، ويجلي انحرفها وشططها أهل العلم ، فهو لا يستطيع أن ينشر أفكاره الهدامة وضلالاته إلا بعد أن يعمل جاهداً على إسقاط السد الم المنيع للأمة وهم العلماء ، فيعمل على إسقاط هيبتهم في النفوس والتشكيك فيهم ، وهؤلاء لن يبلغهم الله مرادهم مهما عملوا ، فقد تكفل الله بحفظ دينه ، بل يخشى يخشى عليهم أن يبتليهم الله في أنفسهم . يقول الإمام ابن ناصر الدمشقي رحمه الله : ( ومن وقع فيهم - أي في العلماء - بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ) . فأعراض المسلمين عموماً حفرة من حفر النار ، ومن وضع قدمه في أعراض المسلمين فقد وضعها على شفا جرف هار يخشى أن ينهار به نار جهنم ، فكيف بأعراض أهل العلم ؟! نسأل الله السلامة والعافية