بسم الله الرحمن الرحيم

إذا صحت قراءتان عن النبي صلى الله عليه و سلم فالأولى عدم ترجيح أحدهما على الأخرى:
مثال: ملك ومالك -يوم الدين- :

من المسائل التي ذكرها العلماء: أيهما أبلغ الملك أو المالك؟
وقد اختلفوا في هذه المسألة على أقوال، فمنهم من يرجح الملك على المالك، ومنهم من يقول أن المالك أبلغ، ومنهم من يجعل الأمر مقيدا، والسبب في هذا الاختلاف، والعلم عند الله، اختلاف هذين الاسمين من حيث أصل الاشتقاق وكذا من حيث معنى كل اسم، و هذه بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
- يقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام: "..والملك أبلغ لنفوذ أمره على المالك، ولأن كل ملك مالك ولا عكس ، أو المالك أبلغ لأنه لا يكون إلا على ما يملكه، والملك يكون على من لا يملكه كملك الروم والعرب..، أو المالك أبلغ في حق الله تعالى من ملك، وملك أبلغ في حق الخلق من مالك، إذ المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك بخلاف الربِّ سبحانه وتعالى "-تفسير العز بن عبد السلام:1/4- .
- وبعد أن ذكر تأويل القراءتين الثابتتين في سورة الفاتحة وهما قوله تعالى: "ملك يوم الدين"، و"مالك يوم الدين"، قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: "وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة "مٓلِك" بمعنى المُلك، لأن في الإقرار له بالإنفراد بالمُلك إيجابا لانفراده بالمِلك.."-جامع البيان في تأويل آي القرآن:1/149-150.
لكن بما أن كلتا القراءتين ثبتتا عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإن العمل بهما أولى من العمل بأحدهما أو ترجيح أحدهما على الآخر، فالله جل في علاه ملك ومالك، فثبتت له صفات المُلك والمِلك وما يدل عليه هذان الاسمان من المعاني وما يستلزم منهما من اللوازم.
يقول الشيخ ابن عثيميين رحمه الله: "وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة، وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي..".
ومن قواعد التفسير: "أنه إذا ثبتت القراءتان لم ترجح إحداهما -في التوجيه- ترجيحا يكاد يسقط الأخرى.." -قواعد التفسير جمعا ودراسة-.
قال الزركشي رحمه الله: "إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءة الأخرى، وهذا غير مرضي، لأن كلتيهما متواترة.."...وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله: "قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة "ملك" و"مالك" حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين، واتصاف الربِّ تعالى بهما.."-البرهان في علوم القرآن:1/339-340 .