الأقوال الفقهية يمكن أن تقسم إلى خمسة أقسام، وهذا التقسيم إذا استوعبه طالب العلم تخلص من كثير من التعب وكثرة البحث والنظر في المسائل الفقهية:

مسائل حكي الإجماع فيها ولم يظهر فيها مخالف

القسم الأول:
مسائل فقهية في: الصلاة، والزكاة، والعبادات، والمعاملات، حُكي الإجماع عليها عند الفقهاء، ولم يظهر فيها مخالف، فهذه المسائل لا ينبغي كثرة البحث فيها ولا التردد عليها؛ لكونها مسائل قد انضبطت وظهرت.

مسائل حكي الإجماع فيها وعند التحقيق يوجد فيها خلاف يقارب الشذوذ

القسم الثاني:
مسائل حكي الإجماع أو الاتفاق عليها، ولكن عند التحقيق نجد فيها طرفاً ووجهاً من الخلاف يقارب الشذوذ أحياناً، فهذا النوع من المسائل لا ينبغي لطالب العلم أن يذهب وقته في تكلف ضبط هذا الخلاف أو البحث عن أصله ودليله.
والرد عليه، بل يعتبر قول السواد من أهل العلم من الفقهاء، والقول الشاذ يترك؛ لكونه خالف السواد من أهل العلم، حتى حكي الإجماع على خلافه.

مسائل ذهب فيها جمهور السلف إلى قول وخالفهم فيها طائفة من السلف

القسم الثالث:
مسائل ذهب إليها الجمهور من السلف، وذهب طائفة قليلة من السلف إلى خلاف هذا القول، وتكون المسألة عند التحقيق خلافية بين السلف أنفسهم، لكن جمهورهم على قول، والطائفة الثانية -وهم الأقل- على قول آخر.
فهذه المسائل لا يجب على طالب العلم أن يتبع قول الجمهور فيها، ولكن لا يعني هذا أن قول الجمهور يكون كقول غيرهم، وعلى هذا كثير من الأئمة: كـ ابن تيمية، وأبي عمر بن عبد البر، والشاطبي، وابن كثير، والذهبي، وغيرهم ممن علق مثل هذا الكلام، وأشد من هؤلاء كلهم ابن رجب رحمه الله.
ومحصل كلامهم: أن الجمهور من أئمة السلف -أي: من أئمة الفقهاء المتقدمين- إذا ذهبوا إلى قول، وقد اتفق عصرهم واختلف مصرهم ففي الجملة -أي: في الغالب- أن هذا القول هو الصواب، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله".

مسائل اختلف فيها أئمة الفقهاء

القسم الرابع:
مسائل اختلف فيها أئمة الفقهاء -من أصحاب المذاهب الأربعة ومن قبلهم- ومن صاحبهم، فإذا اختلفوا في مسألة اختلافاً بيناً، أو اختلف من هو أجل من هؤلاء كلهم، وهم الصحابة، فهذه المسائل التي اختلف فيها الأكابر -مع اتفاق العصر واختلاف المصر- اختلافاً بيناً وترددوا فيها، حتى أن الإمام الواحد قد يُحكى عنه أكثر من قول في المسألة، فهذه المسائل ينبغي لطالب العلم أنه إذا رجح فيها أن لا يخفض ويرفع، إنما يرجح بقدر من حسن التأني والاختصار.
فمثلاً: الماء إذا كان دون القلتين وخالطته نجاسة ولم يظهر تغيره، هل يكون نجساً أو طاهراً؟
هذه مسألة اختلف فيها كبار الأئمة، حتى أن مالكاً تردد فيها، كذا أحمد، ونقل عن الشافعي التردد، فهذه مسألة اختلف العلماء فيها نظرياً اختلافاً بيناً.
فمثل هذه المسائل يرجح طالب العلم بحسب ما يظهر له من الأدلة، لكن لا ينبغي أن يبالغ ويغلط ويستطرد في تغليط أقوال السلف الأخرى والرد عليها.
ومن باب الأولى أن طالب العلم إذا خرج عن قول الجمهور، لظاهر دليل وجب عليه التزامه، فيكون خروجه مأذوناً فيه، ولكن لا يصح له أن يطعن في قول الجمهور.

مسائل لم يشتهر الخلاف فيها عند الأئمة أصلاً


القسم الخامس:
خلاف لم يشتهر عند الأئمة أصلاً، إنما حكي أوجه في المذاهب الأربعة، فإذا قرأت في كتب الفقه تجد عبارة: وهذا وجه في مذهب الشافعي، وهذا وجه في مذهب أحمد، ونحو ذلك.
ومعنى ذلك أنه قول لطائفة من أصحاب الأئمة، وأوجه الأصحاب، وهذه أكثرها محتمل، كما يقول مثلاً صاحب الإنصاف من الحنابلة: "ويحتمل كذا".
أي: أن هذه مسألة لم ينص عليها الأصحاب قبل، فإذا وردت احتمل أن يقال فيها كذا.
وأوجه الأصحاب أو التشقيقات الفقهية المتأخرة، لا ينبغي لطالب العلم أن يكثر التردد عليها، بل ينبغي له أن يعنى بحفظ مسائل الإجماع، ومسائل الخلاف المحفوظة بين الأئمة، وأما مسائل التشقيق المتأخرة فإن الأصحاب قد زادوا فيها في الجملة، وغرضهم في ذلك ضبط المذهب، أو الانتصار لها، وفي الغالب أنها ليست منضبطة كمذاهب للأئمة الأربعة.

مختصر من شرح لمعة الاعتقاد
المؤلف: يوسف بن محمد علي الغفيص