انتظر المصلون كالعادة زوال يوم الجمعة دخول الخطيب،ولكنه لم يحضر،ومرت دقائق الانتظار بطيئة تركزت فيها الأنظار على المدخل،وإذا بالأذان يرفع في مساجد غير بعيدة،وسرت همهمات وتمتمات في كثير من الصفوف،وإذا بأحد المتطوعين يعلن من جانب المحراب أن الخطيب أو من ينوب عنه لا يمكن انتظار أحدهما أكثر من هذا الوقت؛لذلك نرجو أن يتقدم للمنبر فلان أو فلان ، أو من يرى نفسه مؤهلا لهذه المهمة ليقدم خطبة الجمعة. جالت أبصار القوم في كل اتجاه بحثا عن المطلوبين، ولكن لا أثر لهما، وإذا بشيخ عجوز – يرى نفسه مؤهلا لهذه المهمة- يصعد درجات المنبر في ملابس عادية، ويجلس في أعلى الدرجات. قدم حديث الإصغاء كالعادة، ثم رفع الأذان ثلاث مرات متتابعات، وقف الخطيب، فعدل نظارته، وأمسك بعصاه،وشرع في الخطبة يقرأ من أوراق،الله أعلم متى أعدت؟ومنذ كم جمعة وهو يحملها معه،أينما حل وارتحل،حتى صادف هذا اليوم السعيد الذي أشرقت فيه أنوار الحظ،فتحقق الحلم،وحط المجد رحاله بعد طول انتظار ! كان موضوع الخطبة الأولى الاستغفار،وكان موضوع الثانية التوبة، وكان الانطلاق من النص القرآني في كل خطبة، متبوعا بمجموعة من الأحاديث بدون أي توثيق، ولا يفصل بين النصوص إلا بعض أدوات الربط من واو العطف وما شاكله من حروف أو كلمات، وكان يتوقف من حين لآخر، ويسود الصمت،ثم يعود إلى ما كان يقرؤه سابقا لتصحيح خطإ، أو تمريض كلمة أو عبارة حتى تغرق في الغموض والإبهام، وقد علق أكثر من مرة على هذه الوقفات بضعف البصر. تنفس كثير من المصلين الصعداء بعد أن دخل الخطيب إلى الطريق السيار، فأمطرنا بوابل من الأدعية المختارة، واعتذر في النهاية عما قد يكون في خطبته من خلل أو تقصير، ثم نزل ودخل المحراب بعد إقامة الصلاة، وشرع مباشرة في قراءة الفاتحة، فتعالت الأصوات من كل جانب: كبر ..كبر .. كبر تكبيرة الإحرام ! قطع القراءة وكبر تكبيرة الإحرام ... وهكذا ختمت صلاة الجمعة، وقام الناس مسرعين إلى الأبواب يتدافعون لا يبالون بما حدث، وارتفعت أصوات الباعة وحراس العربات في الخارج بحثا عن الرزق. أما الخطيب فقام بعد الدعاء المعتاد يستقبل المهنئين والمتشكرين والمستفتين، خرجت من المسجد وأنا أردد في نفسي :
من المسؤول عن هذا العبث والاستخفاف بالواجب الذي آلت إليه خطبة الجمعة في بعض المساجد؟
وكيف يرجى أن يتشبع الناس بدينهم ويعتزون به وينشرونه بين من يجهله إذا كانت خطب الجمعة على هذا المنوال؟