نؤمن بالدجال:
اعلم - رحمك الله - أن خروج الدجال أمرٌ قدري كوني، فهو خارج لا محالة، وأنه من أشراط الساعة، وأن فتنته من أعظم الفتن، ففي الحديث عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أنه قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))، وفي رواية: ((أمر أكبر من الدجال))[12].وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: خطبَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أكثر خطبته حديثًا حدَّثنَاه عن الدجال وحذَّرناه، فكان من قوله أن قال: ((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيًّا إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة))[13].
لماذا فتنة الدجال أعظم الفتن؟
لأن الله - سبحانه وتعالى - يُجرِي على يديه بعض الخوارق التي بها يفتن الناس، فالله بحكمته أقدره على أشياء مذهلة تدهش العقول، وتحير الألباب؛ ولهذا حذَّرت منه الأنبياءُ جميعًا.
وإليك - أخي الحبيب - بعض مظاهر فتنته:
• أنه تظهر معه بركة الأشياء؛ من السَّعَة في الرزق، وخصوبة الأرض، وخروج الكنوز، ففي حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - الذي مرَّ معنا في الباب، وفيه: ((فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرضَ فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرًى، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردُّون عليه قولَه، فينصرف عنهم فيصبحون مُمحِلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخَرِبة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزُها كيعاسيب النَّحْل)) [14].
ومن فتنته: أن معه مثل الجنة والنار، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أحدِّثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبيٌّ قومه، إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإني أُنذِركم كما أَنذَر به نوحٌ قومَه)) [15].
ومن فتنته: سرعة انتقالِه في الأرض، ففي حديث النوَّاس بن سمعان: قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: ((كالغيثِ استدبرتْه الريحُ)).
ومن فتنته: استجابة الشياطين لأمره، فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإن من فتنتِه أن يقول لأعرابي: أرأيتَ إن بعثتُ لك أباك وأمك، أتشهدُ أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثَّل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بُني، اتَّبِعْه؛ فإنه ربُّك)) [16].
ومن فتنته: كثرة أتباعه من اليهود وشدة تسلُّحِهم، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يتبعُ الدجالَ من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة)) [17].
ومن فتنته: أنه يخرج في وقتٍ العربُ فيه قليل، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - يقول: أخبرتْني أم شريك أنها سَمِعتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ليفرنَّ الناس من الدجال في الجبال))، قالت أم شريك: يا رسول الله، فأين العرب يومئذٍ؟ قال: ((هم قليل))[18].
صفة الدجال:
وردتْ في السنة أوصاف للدجال، نذكر منها:أنه أعور العين اليمنى، كما في حديث ابن عمر: ((إنه أعور العين اليمنى))، وفي رواية عند مسلم أيضًا: ((العين اليسرى))، وفي بعض الروايات: ((عنبة طافية))، وفي بعضها: ((كأنها عنبة طافية))، وفي أخرى: ((مطموس العين))، وفي رواية ((طافئة))، وفي بعضها: ((كأنها كوكب دري)).
قال النووي: وإنه جاء في رواية: ((لأعور العين اليمنى))، وفي رواية: ((اليسرى))، وكلاهما صحيح، والعور في اللغة: العيب، وعيناه معيبتان عورًا، وإن إحداهما (طافئة) بالهمز لا ضوء فيها، والأخرى طافية بلا همزة ظاهرة ناتئة.قال القاضي عياض: لكن يجمع بين الأحاديث وتصحح الروايات جميعًا، بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة، هي العوراء الطافئة بالهمز، وهي العين اليمنى، كما جاء هنا، وتكون الجاحظة، والتي كأنها كوكب، وكأنها نخاعة، هي الطافية بغير همز، وهي العين اليسرى، كما جاء في الرواية الأخرى.وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافئة بالهمز وبتركه، وأعور اليمنى واليسرى؛ لأن كل واحدة منها عوراء، فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكلا عيني الدجَّال معيبة عوراء؛ إحداهما بذهابها، وأخرى بعيبها [19].
ومن صفاته: أنه شابٌّ؛ كما في حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - وفيه: ((إنه شاب)).
ومنها: أنه شديد جعودة الشعر، كما في حديث النواس - رضي الله عنه - ((قَطَط))، والقطط هو: شديد جعودة الشعر.
ومنها: أنه قصير أفحج، كما في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بناتئة ولا جحراء)) [20].
ومنها: أنه رجل جسيم، أحمر اللون، كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((فإذا رجل جسيم أحمر))[21].
ومنها: أنه أجلى الجبهة، عريض النحر، وفيه انحناء؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((وأما مسيح الضلالة، فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه دفأ))[22].
ومنها: أنه مكتوب بين عينيه: (ك ف ر)؛ أي: كافر، كما في حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((وإن بين عينيه مكتوب كافر)) [23].
ومنها: أنه عقيم لا يُولَد له، كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في قصته مع ابن صيَّاد، فقد قال لأبي سعيد: ألست سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنه لا يولد له))؟ قال: قلت: بلى[24].
مكان خروجه:
يخرج ما بين الشام والعراق، ففي حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - أنه خارج خَلَّة بين الشام والعراق، وقد تقدم أن الخلة طريق بينهما.
مقدار لبثه في الأرض:
يمكث أربعين يومًا، ففي حديث النواس - رضي الله عنه - أيضًا: قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: ((أربعون يومًا؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم)).
هلاك الدجال وعلى يد مَن وأين؟
يقتل عيسى - عليه السلام - الدجَّالَ عند باب لُدٍّ، كما في حديث النواس بن سمعان - رضي الله عنه - وفيه: ((فبينما هو كذلك، إذ بعث الله عيسى ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقيَّ دمشق بين مهرودتينِ، واضعًا كفَّيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفَسِه إلا مات، ونفسُه ينتهي حين ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لُدٍّ فيقتله)).
هل يدخل الدجَّال كل البلدان؟
لا، فإنه لا يدخل مكة ولا المدينة؛ ففي حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من أنقابها إلا لقيتْه الملائكة بالسيوف صَلْتَةً، حتى ينزل عند الظُّرَيب الأحمر عند منقطع السَّبَخة، فتَرجُفُ المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبَثَ منها كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد، ويُدعى ذلك اليوم يوم الخلاص))[25].
يتبع