تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 70 من 70

الموضوع: فتح رب البرية بتلخيص الحموية / للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

  1. #61

    افتراضي


    وأما الطائفتان الذِين توقفوا فهم:


    أولاً:

    طائفة جوّزوا أن يكون المرادَ بنصوص الصفات

    إثباتُ صفة تليق بالله وأن لا يكون المرادَ ذلك،

    وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم.


    ثانياً:

    طائفة أعرضوا بقلوبهم وألسنتهم عن هذا كله،

    ولم يزيدوا على قراءة القرآن والحديث.


    والفرق بين هذه الطائفة والتي قبلها:

    أن الأولى تحكم بتَجْوِيز الأمرين الإثباتِ وعدمِه،

    وأما الثانيةَ فلا تحكم بشيء أبداً،

    والله أعلم[1].



    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    [1]. قال الشيخ في الشرح: وكلتا الطائفتين ضالتان.
    لأننا كوننا نُجَوِّز هذا وهذا وهذا في أشياءَ لا تليق بالله، هذا حرام،
    فما لا يليق بالله لا يمكن أن يجوز.
    والثانية كوننا نعرض عن هذا كله، مخالف لقوله تعالى:
    ( كتاب أنزلناه إليك مبارك لِيدّبروا آياته ولِيتذكر أولو الألباب )
    ووقوع فيما أنكر الله حيث قال عز وجل:
    ( أفلم يدَّبروا القول ) وهذا الاستفهام للإنكار.
    فالله أمرنا بالتدبر لنثبت المعنى الذي دل عليه اللفظ.


    الحمد لله رب العالمين

  2. #62

    افتراضي

    الباب الخامس والعشرون:

    في ألقاب السوء

    التي وضعها المبتدعة على أهل السنة


    من حكمة الله تعالى أن جعل لكل نبي عدواً من المجرمين،

    يصدون عن الحق بما استطاعوا من قول وفعل،

    بأنواع المكائد والشُبُهات والدعاوى الباطلة،

    ليتبينَ بذلك الحقُّ ويتضحَ ويعلوَ على الباطل.


    وقد لقِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه

    من هذا شيئاً كثيراً،

    كما قال تعالى:

    ( ولَتسمعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم

    ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً ).

    فقد وضع أولئك الظالمون المشركون للنبي

    صلى الله عليه وسلم وأصحابه ألقابَ التشنيع والسخرية

    مثلَ ساحرٍ ومجنونٍ وكاهنٍ وكذابٍ ونحوَ ذلك.


    ولَمّا كان أهل العلم والإيمان هم ورثةَ النبي

    صلى الله عليه وسلم

    لقُوا من أهل الكلام والبدع مثلَ ما لقيه النبي

    صلى الله عليه وسلم وأصحابُه من أولئك المشركين.


    فكانت كل طائفة من هذه الطوائف تلقب أهل السنة

    بما برأهم الله منه من ألقاب التشنيع والسخرِيَة.

    إما لجهلهم بالحق، حيث ظنوا صحةَ ما هم عليه

    وبطلانَ ما عليه أهل السنة.


    وإما لسوء القصد، حيث أرادوا بذلك التنفيرَ

    عن أهل السنة والتعصبَ لآرائهم، مع علمهم بفسادها.



    فالجهمية ومن تبعهم من المعطلة

    سَمَّوْا أهل السنة ( مُشَبِّهَةً )

    زعماً منهم أن إثبات الصفات يستلزم التشبيهَ.


    والروافض سَمَّوْا أهل السنة ( نواصباً )

    لأنهم يوالون أبا بكر وعمرَ كما كانوا يوالون آل النبي

    صلى الله عليه وسلم.

    والروافض تزعم أن من والى أبا بكر وعمرَ

    فقد نَصَبَ العداوةَ لآل البيت،

    ولذلك كانوا يقولون:

    لا ولاءَ إلا ببراءٍ،

    أيْ لا ولاية لآل البيت إلا بالبراءة من أبي بكر وعمرَ.


    والقدرية النُّفاةُ قالوا أهل السنة ( مُجْبِرَةٌ )

    لأن إثبات القدر جَبْرٌ عند هؤلاء النُّفاة.


    والمرجئة المانعون من الاستثناء في الإيمان

    يسمون أهل السنة ( شُكّاكاً )

    لأن الإيمان عندهم هو إقرار القلب،

    والاستثناء شك فيه عند هؤلاء المرجئة.


    وأهل الكلام والمنطق يسمون أهل السنة ( حَشَوِيَّةً )

    من الـحَشْوِ وهو ما لا خير فيه.

    ويسمونهم ( نَوابِتاً )

    وهي بذور الزرع التي تنبت معه ولا خير فيها.

    ويسمونهم ( غثاءً ) وهو ما تحمله الأودية من الأوساخ.

    لأن هؤلاء المناطقةَ زعموا أن من لم يحط علماً بالمنطق

    فليس على يقين من أمره،

    بل هو من الرِّعاع الذين لا خيرَ فيهم.


    والحق أن هذا العِلمَ الذي فَخَرُوا به

    لا يغني من الحق شيئاً،


    كما قال الشيخ رحمه الله في كتابه

    ( الردُّ على المنطقِيِّين ):

    ( إني كنت دائماً أعلم أن المنطق[1] اليونانِيَّ

    لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد )

    انتهى.


    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    [1]. قال الشيخ في الشرح: والعلماء رحمهم الله اختلفوا في جواز تعلم المنطق،
    فمنهم من حرمه ومنهم من قال إنه مستحب بل ومنهم من أوجبه ...
    ولكن القول الصحيح - عند بعض العلماء - أنه جائز للإنسان الصافي القريحةِ السالِمِ المعتقدِ.

    وعندي أنه لا يجوز – ليش - لأنه ما دام ضياع وقت ولا ينتفع به
    فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
    ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) ...
    فيكون تعلمه ابتداء لا يجوز.
    تعلمه عند الضرورة للرد على أهله وغيرهم يكون جائزاً ولا بأس به، بل قد يكون واجباً.
    ولهذا نجد شيخ الإسلام رحمه الله مع أنه يتكلم عن المنطق هذا الكلام
    نجد أنه يُحاجّ أهل المنطق بمنطقهم وبلسانهم حتى يبين لهم الحق.

    الحمد لله رب العالمين

  3. #63

    افتراضي

    الباب السادس والعشرون:

    في الإسلام والإيمان



    الإسلام لغةً الانقياد،

    وشرعاً استسلام العبد لله ظاهراً وباطناً

    بفعل أوامره واجتناب نواهيه،

    فيشمل الدين كلَّه.


    قال الله تعالى:

    ( ورضِيت لكم الإسلام ديناً )

    وقال تعالى:

    ( إن الدين عند الله الإسلام )

    وقال تعالى:

    ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ).




    وأما الإيمان فهو لغةً التصديق،

    قال الله تعالى:

    ( وما أنت بمؤمن لنا ).

    وفي الشرع إقرار القلب المستلزِم للقول والعمل.

    فهو اعتقاد وقول وعمل:

    اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل القلب والجوارح.


    والدليل على دخول هذه الأشياءِ كلِّها في الإيمان

    قوله صلى الله عليه وسلم:

    ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله

    واليوم الآخر والقدر خيرِه وشرِه )


    وقولُه:

    ( الإيمان بضع وسبعون شعبةً،

    فأعلاها قولُ لا إله إلا الله،

    وأدناها إماطة الأذى عن الطريق،

    والحياء شعبة من الإيمان ).


    فالإيمان بالله وملائكته – إلى آخره - اعتقاد القلب،

    وقول لا إله إلا الله قول اللسان،

    وإماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح،

    والحياء عمل القلب.

    وبذلك عُرف أن الإيمانَ يشمل الدين كلَّه،


    وحينئذ لا فرق بينه وبين الإسلام،

    وهذا حينما ينفرد أحدهما عن الآخر.


    أما إذا اقترن أحدهما بالآخر،

    فإن الإسلام يُفسَّر بالاستسلام الظاهر

    الذي هو قول اللسان وعمل الجوارح،

    ويصدر من المؤمن الكاملِ الإيمان والضعيفِ الإيمان -

    قال الله تعالى:

    ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا

    ولَمّا يدخلِ الإيمان في قلوبكم ) -

    ومِن المنافقِ لكن يُسَمّى مسلماً ظاهراً ولكنه كافر باطناً.


    ويُفسَّر الإيمانُ بالاستسلام الباطن

    الذي هو إقرار القلب وعمله،

    ولا يصدر إلا من المؤمن حقاً،

    كما قال تعالى:

    ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وَجِلت قلوبُهم

    وإذا تُلِيَت عليهم آياتُه زادتهم إيماناً

    وعلى ربهم يتوكلون.

    الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.

    أولئك هم المؤمنون حقاً ).


    وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى،

    فكل مؤمنٍ مسلمٌ ولا عكس.
    الحمد لله رب العالمين

  4. #64

    افتراضي

    فصل

    في زيادة الإيمان ونقصانه

    من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.

    وقد دل على ذلك الكتاب والسنة.

    فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:

    ( ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ).

    ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم في النساء:

    ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين

    أذهبَ للب الرجل الحازم من إحداكن ).[1]


    ففي الآية إثبات زيادة الإيمان،

    وفي الحديث إثبات نقص الدين.


    وكل نص يدل على زيادة الإيمان

    فإنه يتضمن الدَّلالة على نقصه وبالعكس،

    لأن الزيادةَ والنقصَ متلازمان

    لا يُعقَل أحدُهما بدون الآخر.


    وقد ثبت لفظ الزيادةِ والنقصِ منه عن الصحابة،

    ولم يعرف عنهم مخالف فيه،

    وجمهور السلف على ذلك.


    قال ابن عبد البر:

    وعلى أن الإيمان يزيد وينقص جماعةُ أهل الآثار

    والفقهاءُ أهلُ الفتيا في الأمصار.

    وذَكَرَ عن مالك روايتين في إطلاق النقص،

    إحداهما التوقفُ والثانيةُ موافقةُ الجماعة.


    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

    [1]. قال الشيخ في الشرح: ونحن نُشهد الله عز وجل وملائكتَه ومن سمع كلامنا هذا،

    أننا نقول ونرى أنه يلزم أن يقولَ كلُّ مؤمن بما قاله النبي عليه الصلاة والسلام:
    إنهن ناقصات عقل ودين،

    وأن من السَّفَه والخطإ والخطر الخطل أن يُوكل إليهن تدبير المسلمين العامُّ،
    أما تدبير المنازل والبيوت فهذه إليهن،
    لأن المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.
    الحمد لله رب العالمين

  5. #65

    افتراضي

    وخالف في هذا الأصل طائفتان:


    إحداهما:


    المرجئة[1] الخالصة

    الذين يقولون إن الإيمانَ إقرار القلب.

    وزعموا أن إقرار القلب لا يتفاوت،

    فالفاسق والعدل عندهم سواء في الإيمان.



    الثانية:


    الوعيدية من المعتزلة والخوارج

    الذين أخرجوا أهل الكبائر من الإيمان.

    وقالوا إن الإيمان إما أن يوجد كلُّه وإما أن يُعدَم كلُّه،

    ومنعوا من تفاضله.


    وكل من هاتين الطائفتين محجوج بالسمع والعقل.


    أما السمع فقد تقدم في النصوص

    ما دل على إثبات زيادة الإيمان ونقصه.


    وأما العقل فنقول للمرجئة:

    قولكم: ( إن الإيمان هو إقرار القلب،

    وإقرار القلب لا يتفاوت )

    ممنوع في المقدِّمتين جميعاً.


    أما المقدمة الأولى:

    فتخصيصكم الإيمان بإقرار القلب

    مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة

    من دخول القول والعمل في الإيمان.


    وأما المقدمة الثانية

    فقولكم: ( إن إقرار القلب لا يتفاوت )

    مخالف للحس.

    فإن من المعلوم لكل أحد أن إقرار القلب إنما يتبع العلمَ،

    ولا ريب أن العلم يتفاوت بتفاوت طرقه.

    فإن خبر الواحد لا يفيد ما يفيده خبر الاثنين وهكذا.

    وما أدركه الإنسان بالخبر

    لا يساوي في العلم ما أدركه بالمشاهدة.


    فاليقين درجات متفاوتة،

    وتفاوت الناس في اليقين أمر معلوم.

    بل الإنسان الواحد يجد من نفسه

    أنه يكون في أوقات وحالات أقوى منه يقيناً

    في أوقات وحالات أخرى.


    ونقول:

    كيف يصح لعاقل أن يحكم بتساوي رجلين في الإيمان،

    أحدُهما مثابر على طاعة الله تعالى فرضِها ونفلِها

    متباعدٌ عن محارم الله وإذا بدرت منه المعصية

    بادر إلى الإقلاع عنها والتوبة منها،


    والثاني مضيِّعٌ لما أوجب الله عليه

    ومُنْهَمِك فيما حرم الله عليه

    غيرَ أنه لم يأت ما يُكَفِّرُه،

    كيف يتساوى هذا وهذا؟!

    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    [1]. قال الشيخ في الشرح: المرجئة تقدم الكلام عليهم
    وأن هذا اللفظ مأخوذ من الرجاء أو من الإرجاء.
    من الرجاء لأنهم يرجون الفاسق فيقولون أنت ما عليك عقوبة.
    أو من الإرجاء لأنهم أرجؤوا الأعمال عن الإيمان وأخروها عنه فلا يدخلونها فيه.

    الحمد لله رب العالمين

  6. #66

    افتراضي


    وأما الوعيدية فنقول لهم:

    قولكم ( إن فاعل الكبيرة خارج من الإيمان )

    مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة.


    فإذا تبين ذلك فكيف نحكم بتساوي رجلين في الإيمان،

    أحدُهما مُقْتَصِد - فاعل للواجبات تارك للمحرمات -،

    والثاني ظالِمٌ لنفسه بفعل ما حرّم الله عليه

    وبترك ما أوجب الله عليه من غير أن يفعل ما يَكْفُر به؟!


    ونقول ثانياً:

    هب أننا أخرجنا فاعل الكبيرة من الإيمان،

    فكيف يمكن أن نحكم على رجلين بتساويهما في الإيمان

    وأحدهما مقتصد، والآخر سابق بالخيرات بإذن الله؟!


    الحمد لله رب العالمين

  7. #67

    افتراضي

    فصلٌ

    ولزيادة الإيمان أسباب منها:
    1. معرفة أسماء الله وصفاته.
    فإن العبد كلما ازداد معرفة بها وبمقتضياتها وآثارها،
    ازداد إيماناً بربه وحباً له وتعظيماً.
    2. النظر في آيات الله الكونية والشرعية.
    فإن العبد كلما نظر فيها وتأمّل ما اشتملت عليه
    من القدرة الباهرة والحكمة البالغة،
    ازداد إيمانُه ويقينُه بلا ريب.
    3. فعل الطاعة.
    فإن الإيمان يزداد به بحسب حُسْن العمل وجنسه وكثرته.
    فكلما كان العملُ أحسنَ كانت زيادة الإيمان به أعظمَ.
    وحُسْن العمل

    يكون بحسب الإخلاص والمتابعة.
    وأما جنس العمل،
    فإنّ الواجبَ أفضلُ من المسنون،
    وبعضَ الطاعات أَوْكَدُ وأفضلُ من البعض الآخر.
    وكلما كانت الطاعةُ أفضلَ كانت زيادةُ الإيمان بها أعظمَ.
    وأما كثرةُ العمل،

    فإن الإيمان يزداد بها
    لأن العمل من الإيمان، فلا جرم أن يزيدَ بزيادته.
    4. ترك المعصية خوفاً من الله عز وجل.
    وكلما قَوِيَ الداعي إلى فعل المعصية
    كان زيادةُ الإيمان بتركها أعظمَ.
    لأن تركها مع قوة الداعي إليها
    دليل على قوة إيمان العبد
    وتقديمه ما يحبه الله ورسوله على ما تهواه نفسُه.
    الحمد لله رب العالمين

  8. #68

    افتراضي

    وأما نقص الإيمان فله أسباب:

    1. الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته.


    2. الغفلة والإعراض عن النظر في آيات الله

    وأحكامه الكونية والشرعية.

    فإن ذلك يوجب مرضَ القلب أو موتَه

    باستيلاء الشهوات والشُّبُهات عليه.


    3. فعل المعصية

    فيَنقص الإيمان بحسب جنسها وقَدْرها

    والتهاونِ بها وقوةِ الداعي إليها أو ضعفِه.


    فأما جنسُها وقدرها،

    فإن نقصَ الإيمان بالكبائر أعظمُ من نقصه بالصغائر،

    ونقصَ الإيمان بقتل النفس الـمُحَرَّمةِ

    أعظمُ من نقصه بأخذ مال مُحْتَرَمٍ،

    ونقصَه بمعصيتين أكثرُ من نقصه بمعصية واحدة وهكذا.


    وأما التهاونُ بها،

    فإن المعصية إذا صدرت من قلب متهاون بمن عصاه

    ضعيفِ الخوف منه كان نقصُ الإيمان بها أعظمَ

    من نقصه إذا صدرت من قلب معظم لله تعالى

    شديدِ الخوف منه لكنْ فَرَطَتْ منه المعصيةُ.


    وأما قوةُ الداعي إليها،

    فإن المعصيةَ إذا صدرت ممن ضَعُفَتْ منه دواعِيها

    كان نقصُ الإيمان بها أعظمَ

    من نقصه إذا صدرت ممن قويت منه دواعِيها.

    ولذلك كان استكبارُ الفقير وزِنَى الشيخِ أعظمَ إثماً

    من استكبار الغني وزنى الشابّ،


    كما في الحديث:

    ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة

    ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )

    وذكر منهم: الأُشَيْمِطَ الزانِيَ والعائلَ المستكبِرَ،

    لقِلة داعي تلك المعصية فيهما.


    4. تركُ الطاعة.

    فإن الإيمان ينقص به،

    والنقصُ به على حسب تَأَكُّدِ الطاعة.

    فكلما كانتِ الطاعةُ أَوْكدَ

    كان نقصُ الإيمان بتركها أعظمَ.

    وربما فُقِدَ الإيمانُ كلُّه كترك الصلاة.


    ثم إنّ نقصَ الإيمان بترك الطاعة على نوعين.

    نوعٌ يعاقب عليه، وهو ترك الواجب بلا عذر.

    ونوعٌ لا يعاقب عليه، وهو تركُ الواجب لعذر شرعي

    أو حسي وتركُ المستحب،


    فالأول كترك المرأة الصلاةَ أيام الحيض،

    والثاني كترك صلاة الضحى.

    والله أعلم.


    الحمد لله رب العالمين

  9. #69

    افتراضي

    فصلٌ

    في الاستثناء في الإيمان


    الاستثناء[1] في الإيمان أن يقول:

    أنا مؤمن إن شاء الله.


    وقد اختلف الناس فيه على ثلاثة أقوال:

    أحدها تحريم الاستثناء.

    وهو قول المرجئة والجهمية ونحوِهم.

    ومأخذ هذا القولَّ أن الإيمان شيء واحد

    يعلمه الإنسان من نفسه،

    وهو التصديق الذي في القلب.

    فإذا استثنى فيه، كان دليلاً على شكه.

    ولذلك كانوا يُسمُّون الذين يستثنون في الإيمان شُكَّاكاً.


    والقول الثاني وجوب الاستثناء.

    وهذا القولُ له مأخذان:

    أولاً: أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه،

    فالإنسان إنما يكون مؤمناً وكافراً بحسب الموافاة.

    وهذا شيء مستقبل غيرُ معلوم، فلا يجوز الجزم به.

    وهذا مأخذُ كثيرٍ من المتأخرين من الكُلابية وغيرِهم.

    لكنّ هذا المأخذَ لم يُعْلَم أن أحداً من السلف علّل به[2]،

    وإنما كانوا يعلِّلون بالمأخذ الثاني.

    وهو: أن الإيمانَ المطلقَ يتضمن

    فعلَ جميعِ المأمورات وتركَ جميعِ المحظورات.

    وهذا لا يَجزِم به الإنسان من نفسه.

    ولو جزم لكان قد زكّى نفسه

    وشهد لها بأنه من المتقين الأبرارِ،

    وكان ينبغي على هذا أن يشهد لنفسه بأنه من أهل الجنة،

    وهذه لوازمُ مُمْتَنِعَةٌ.


    القول الثالث التفصيل.

    فإن كان الاستثناء صادراً عن شكّ

    في وجود أصل الإيمان،

    فهذا محرم بل كفر.

    لأن الإيمانَ جزمٌ والشكَّ ينافيه.


    وإن كان صادراً عن خوفِ تزكيةِ النفس

    والشهادةِ لها بتحقيق الإيمان قولاً وعملاً واعتقاداً،

    فهذا واجب خوفاً من هذا المحذور.

    وإن كان المقصودُ من الاستثناء التَّبَرُّكَ بذكر المشيئة،

    أو بيانَ التعليل وأن ما قام بقلبه من الإيمان بمشيئة الله،

    فهذا جائز.


    والتعليق بالمشيئة على هذا الوجه - أعني بيانَ التعليل -

    لا ينافي تَحَقُّقَ الـمُعَلَّقِ،

    فإنه قد ورد التعليقُ على هذا الوجه في الأمور المحققة،

    كقوله تعالى:

    ( لتدخلُنَّ المسجد الحرام إن شاء الله

    آمنين مُحَلِّقِين رؤوسكم ومُقَصِّرِين لا تخافون ).


    وبهذا عُرف أنه لا يصحّ إطلاق الحكم على الاستثناء،

    بل لابد من التفصيل السابق.
    والله أعلم


    وصلى الله على نبينا محمد

    وعلى آله وصحبه وسلم.

    حُرِّرَ في 8 من ذي القعدة سنة 1380هـ.

    والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    [1]. قال الشيخ في الشرح: الأشياء المعلومةُ الـمُحَقَّقَةُ يكون الاستثناءُ فيها عبثاً ولغواً.
    والأشياءُ غير الـمُحَقَّقَة يكون الاستثناء فيها له مَحَلّ.

    [2]. قال الشيخ في الشرح: أما على قول بعض الكلابية الذين يقولون
    تقول إن شاء الله لأنك لا تدري ماذا تموت عليه فهذا ليس بصحيح
    لأن الإنسان إنما يخبر عن نفسه الآن أما المستقبل فالله به عليم.

    الحمد لله رب العالمين

  10. #70

    افتراضي

    فهرس الكتاب
    مقدمة
    الباب الأول:
    فيما يجب على العـبد في دينه
    الباب الثاني:
    فيما تضمنته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    من بيان الحق في أصول الدين وفروعه
    الباب الثالث:
    في طريقة أهل السنة والجماعة
    في أسماء الله وصفاته
    التحريف
    التعطيل
    التكييف
    التمثيل والتشبيه
    الإلحاد
    الباب الرابع:
    في بيان صحة مذهب السلف
    وبطلانِ القول بتفضيل مذهب الخلف
    في العلم والحكمة على مذهب السلف
    الباب الخامس:
    في حكاية بعض المتأخرين لمذهب السلف
    الباب السادس:
    في لَبس الحق بالباطل من بعض المتأخرين
    الباب السابع:
    في أقوال السلف المأثورة في الصفات
    الباب الثامن:
    في علو الله تعالى وأدلة العلوّ
    الباب التاسع:
    في الجهة
    الباب العاشر:
    في استواء الله على عرشه
    الباب الحاديَ عشَرَ:
    في المعية
    أقسام معية الله لخلقه
    الباب الثاني عشَرَ:
    في الجمع بين نصوص علو الله بذاته ومعيته
    الباب الثالثَ عشَرَ:
    في نزول الله إلى السماء الدنيا
    فصلٌ:
    في الجمع بين نصوص علوِّ الله تعالى بذاته
    ونزولِه إلى السماء الدنيا
    الباب الرابعَ عشَرَ:
    في إثبات الوجه لله تعالى
    الباب الخامسَ عشَرَ:
    في يدَيِ الله عز وجل
    الباب السادسَ عشَرَ:
    في عينَيِ الله تعالى
    الباب السابعَ عشَرَ:
    في الوجوه التي وردت عليها
    صفتا اليدين والعينين
    الباب الثامنَ عشَرَ:
    في كلام الله سبحانه وتعالى
    فصل:
    في أن القرآنَ كلامُ الله
    فصل:
    في اللفظ والملفوظ
    الباب التاسعَ عشَرَ:
    في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها
    الباب العشرون:
    في طريقة النفاة فيما يجب إثباته أو نفيه من صفات الله
    فصل:
    فيما يلزم على طريقة النفاة من اللوازم الباطلة
    فصل:
    فيما يعتمد عليه النفاة من الشبهات
    الباب الحادي والعشرون:
    في أن كل واحد من فريقَي التعطيل والتمثيل
    قد جمع بين التعطيل والتمثيل
    الباب الثاني والعشرون:
    في تحذير السلف عن علم الكلام
    الباب الثالث والعشرون:
    في أقسام المنحرفين عن الاستقامة
    في باب الإيمان بالله واليوم الآخر
    الباب الرابع والعشرون:
    في انقسام أهل القبلة
    في آيات الصفات وأحاديثها
    الباب الخامس والعشرون:
    في ألقاب السوء
    التي وضعها المبتدعة على أهل السنة
    الباب السادس والعشرون:
    في الإسلام والإيمان
    فصل
    في زيادة الإيمان ونقصانه
    فصلٌ
    في الاستثناء في الإيمان
    ***********************
    للحصول على نسخة من الكتاب


    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •