تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 70

الموضوع: فتح رب البرية بتلخيص الحموية / للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

  1. #21

    افتراضي

    الباب التاسع:

    في الجهة


    نريد بهذه الترجمة أن نبين

    هل الجهةُ ثابتة لله تعالى أو منتفية عنه؟

    والتحقيق في هذا أنه لا يصح إطلاق الجهة على الله تعالى

    لا نفياً ولا إثباتاً، بل لابد من التفصيل.


    فإن أريد بها جهةَ سُفل، فإنها منتفية عن الله وممتنعة عليه،

    لأن الله تعالى قد وجب له العلو المطلق بذاته وصفاته.

    وإن أريد بها جهةَ علو تحيط به،

    فهي منتفية عن الله وممتنعة عليه أيضاً،

    فإن الله أعظمُ وأجلُّ من أن يحيط به شيء من مخلوقاته،

    كيف وقد وسع كرسيه السموات والأرض؟

    ( والأرض جميعاً قبضته يومَ القيامة

    والسموات مطويات بيمينه

    سبحانه وتعالى عما يشركون

    وإن أريد بها جهةَ علو تليق بعظمته وجلاله

    من غير إحاطة به، فهي حق ثابتة لله تعالى واجبة له.

    قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلاني

    في كتابه الغُنْيَةُ

    ( وهو سبحانه بجهة العلو مستو على العرش،

    محتو على الملك ) انتهى.

    ومعنى قوله: ( مُحْتَوٍ على الملك )

    أنه محيط بالملك تبارك وتعالى.

    فإن قيل:

    إذا نفيتم أن يكون شيء من مخلوقات الله محيطاً به،

    فما الجواب عما أثبته الله لنفسه في كتابه

    وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم

    وأجمع عليه المسلمون من أن الله سبحانه في السماء؟

    فالجواب أن كون الله في السماء

    لا يقتضي أن السماء تحيط به.

    ومن قال ذلك فهو ضالّ إن قاله من عنده،

    وكاذب أو مخطئ إن نسبه إلى غيره.

    فإنّ كل من عرف عظمة الله تعالى وإحاطتَه بكل شيء

    وأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة

    وأنه يطوي السماء كطَيِّ السجل للكتب،

    فإنه لن يخطر بباله أن شيئاً من مخلوقاته يمكن أن يحيط به.

    وعلى هذا فيُخَرَّجُ كونه في السماء على أحد معنيين:

    الأول:

    أن يراد بالسماء العلوَّ،

    فيكون المعنى أن الله في العلوّ، أيْ في جهة العلو.

    والسماء بمعنى العلو ثابت في القرآن،

    قال الله تعالى:

    ( ويُنَزِّل عليكم من السماء ماء )

    أيْ من العلو، لا من السماء نفسِها،

    لأن المطر ينزل من السحاب.

    الثاني:

    أن تجعل ( في ) بمعنى ( على )،

    فيكون المعنى أن الله على السماء.

    وقد جاءت ( في ) بمعنى ( على ) في مواضعَ كثيرةٍ

    من القرآن وغيرِه،

    قال الله تعالى:

    ( فسيحوا في الأرض )

    أيْ على الأرض.


    الحمد لله رب العالمين

  2. #22

    افتراضي

    الباب العاشر:

    في استواء الله على عرشه

    الاستواء في اللغة يطلق على معانٍ

    تدور على الكمال والانتهاء.

    وقد ورد في القرآن على ثلاثة أوجه:

    مطلقاً كقوله تعالى: ( ولما بلغ أشده واستوى )

    أيْ كمل،

    ومُقَيَّداً بإلى كقوله تعالى: ( ثم استوى إلى السماء )

    أيْ قصد بإرادة تامة،

    ومقَيَّداً بعلى كقوله تعالى: ( لتستووا على ظهوره )

    ومعناه حينئذٍ العلوُّ والاستقرار.


    فاستواء الله على عرشه معناه علوّه واستقراره عليه،

    علوًّا واستقراراً يليق بجلاله وعظمته.


    وهو من صفاته الفعليةِ

    التي دلّ عليها الكتاب والسنة والإجماع.


    فمن أدلة الكتاب قولُه تعالى:

    ( الرحمن على العرش استوى ).

    ومن أدلة السنة ما رواه الخلال في كتاب السنة

    بإسناد صحيح على شرط البخاري

    عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال

    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

    ( لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه )

    ذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص34.


    وقال الشيخُ عبدُ القادر الـجَيْلانِيُّ:

    ( إنه مذكور في كل كتاب أنزله الله على كل نبي )
    انتهى.


    وقد أجمع أهل السنة على أن الله تعالى فوق عرشه.

    ولم يقل أحد منهم إنه ليس على العرش.

    ولا يمكن أحداً أن ينقل عنهم ذلك لا نصًّا ولا ظاهراً.

    وقال رجل للإمام مالكٍ رحمه الله:

    يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى )

    كيف استوى؟

    فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضَاءُ - العرقُ -

    ثم قال:

    ( الاستواء غير مجهول،

    والكيف غير معقول،

    والإيمان به واجب،

    والسؤال عنه بدعة،

    وما أراك إلا مبتدعاً )

    ثم أَمَرَ به أن يُخْرَج.

    وقد رُوِيَ نحوُ هذا

    عن ربيعةَ بنِ أبي عبد الرحمن شيخِ مالك.

    فقوله: ( الاستواء غير مجهول )

    أيْ غير مجهول المعنى في اللغة،

    فإن معناه العلو والاستقرار.


    وقوله: ( والكيف غير معقول )

    معناه أنا لا ندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا،

    وإنما طريق ذلك السمع، ولم يَرِدِ السمعُ بذكر الكيفية،

    فإذا انتفى عنها الدليلان العقليُّ والسمعيُّ

    كانت مجهولة يجب الكف عنها.

    وقوله: ( الإيمان به واجب )

    معناه أن الإيمان باستواء الله على عرشه

    على الوجه اللائق واجب،

    لأن الله أخبر به عن نفسه،

    فوجب تصديقه والإيمان به.

    وقوله: ( والسؤال عنه بدعة )

    معناه أن السؤال عن كيفية الاستواء بدعة،

    لأنه لم يكن معروفاً في عهد النبي

    صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    وهذا الذي ذكره الإمام مالك رحمه الله في الاستواء

    ميزان عامّ لجميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه

    وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

    فإن معناها معلوم لنا، وأما كيفيتها فمجهولة لنا،

    لأن الله أخبرنا عنها ولم يخبر عن كيفيتها.

    ولأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات،

    فإذا كنا نثبت ذاتَ الله تعالى من غير تكييف لها،

    فكذلك يكون إثبات صفاته من غير تكييف.
    الحمد لله رب العالمين

  3. #23

    افتراضي

    قال بعض أهل العلم:

    إذا قال لك الجهمي إن الله ينزل إلى السماء الدنيا،

    فكيف ينزل؟

    فقل له:

    إن الله أخبرنا أنه ينزل، ولم يخبرنا كيف ينزل.

    وقال آخر:

    إذا قال لك الجهمي في صفة من صفات الله

    كيف هي؟

    فقل له:

    كيف هو بذاته؟

    فإنه لا يمكن أن يكيف ذاته.

    فقل له:

    إذا كان لا يمكن تكييفُ ذاته،

    فكذلك لا يمكن تكييف صفاته،

    لأن الصفاتِ تابعةٌ للموصوف.

    فإن قال قائل:

    إذا كان استواء الله على عرشه بمعنى العلو عليه،

    لزم من ذلك

    أن يكون أكبرَ من العرش أو أصغر أو مساوياً،

    وهذا يقتضي أن يكون جسماً، والجسم ممتنع على الله.

    فجوابه أن يقال:

    لا ريبَ أن الله أكبرُ من العرش، وأكبرُ من كل شيء.

    ولا يلزم على هذا القول

    شيء من اللوازم الباطلة التي يُنَزَّه الله عنها.

    وأما قوله إن الجسم ممتنع على الله،

    فجوابه أن الكلام في الجسم وإطلاقَه على الله

    نفياً أو إثباتاً من البدع

    التي لم ترد في الكتاب والسنة وأقوال السلف.

    وهو من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى تفصيل.


    فإن أريد بالجسم الشيءُ الـمُحْدَثُ المركَّب

    المفتقرُ كلُّ جزء منه إلى الآخر،

    فهذا ممتنع على الرب الحي القيوم.


    وإن أريد بالجسم ما يقوم بنفسه ويَتَّصِف بما يليق به،

    فهذا غير ممتنع على الله تعالى،

    فإن الله قائم بنفسه متصف بالصفات الكاملة

    التي تليق به.


    لكن لما كان لفظ الجسم يحتمل ما هو حقّ وباطل

    بالنسبة إلى الله

    صار إطلاقُ لفظِه نفياً أو إثباتاً ممتنعاً على الله.


    وهذه اللوازم التي يذكرها أهل البدع

    - ليتوصلوا بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه

    من صفات الكمال - على نوعين:

    الأول


    لوازمُ صحيحةٌ لا تنافي ما وجب لله من الكمال،

    فهذه حقٌّ يجب القولُ بها وبيانُ أنها غير ممتنعة على الله.

    الثاني

    لوازمُ فاسدةٌ تنافي ما وجب لله من الكمال،

    فهذه باطلة يجب نفيها وأن يبينَ أنها غير لازمة

    لنصوص الكتاب والسنة،

    لأن الكتاب والسنة حقّ ومعانيهما حقّ،

    والحقّ لا يمكن أن يلزم منه باطل أبداً.

    فإن قال قائل:

    إذا فسرتـمُ استواءَ الله على عرشه بعلوه عليه

    أوهم ذلك أن يكون الله محتاجاً إلى العرش ليُقِلَّّه.

    فالجواب

    أنّ كل من عرف عظمة الله تعالى

    وكمال قدرته وقوته وغناه

    فإنه لن يخطر بباله

    أن يكون الله محتاجاً إلى العرش لِيُقِلَّه.

    كيف والعرش وغيره من المخلوقات

    مفتقر إلى الله ومضطر إليه،

    لا قِوام له إلا به،

    ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره؟!


    الحمد لله رب العالمين

  4. #24

    افتراضي

    فإن قيل:

    هل يصح تفسير استواء الله على عرشه باستيلائه عليه،

    كما فسره به المعطلةُ فراراً من هذه اللوازم؟

    فالجواب أنه لا يصح.

    وذلك لوجوه، منها:

    1-أنّ هذه اللوازمَ إنْ كانت حقّاً

    فإنها لا تمنع من تفسير الاستواء بمعناه الحقيقي،

    وإن كانت باطلاً فإنه لا يمكن أن تكون

    من لوازم نصوص الكتاب والسنة،

    ومن ظن أنها لازمةٌ لها فهو ضالّ.


    2-أن تفسيره بالاستيلاء

    يلزم عليه لوازم باطلة لا يمكن دفعها،

    كمخالفة إجماع السلف،

    وجواز أن يقال إن الله مستوٍ على الأرض

    ونحوِها مما ينزه الله عنه،

    وكون الله تعالى غيرَ مستولٍ على العرش

    حين خلق السمواتِ والأرضَ.


    3-أن تفسيره بالاستيلاء غير معروف في اللغة،

    فهو كذبٌ عليها. والقرآن نزل بلغة العرب،

    فلا يمكن أن نفسره بما لا يعرفونه في لغتهم.


    4-أن الذين فسروه بالاستيلاء

    كانوا مُقِرِّين بأن هذا معنىً مجازيٌّ.

    والمعنى المجازيُّ لا يُقْبَلُ إلا بعد تمام أربعة أمور:

    الأولِ الدليلِ الصحيحِ المقتضي

    لصرف الكلام عن حقيقته إلى مجازه.

    الثاني احتمالِ اللفظِ للمعنى المجازيِّ - الذي ادّعاه -

    من حيث اللغة.

    الثالثِ احتمالِ اللفظ للمعنى المجازيِّ الذي ادعاه

    في ذلك السياق المعيَّنِ.

    فإنه لا يلزم من احتمال اللفظ لمعنىً من المعاني

    من حيثُ الجملةُ،

    أن يكون محتمِلاً له في كل سياق،

    لأن قرائن الألفاظِ والأحوالِ قد تمنع بعض المعاني

    التي يحتملها اللفظ في الجملة.


    الرابعِ أن يُبَيِّنَ الدليلَ على أنّ المرادَ من المعاني المجازيةِ

    هو ما ادعاه،

    لأنه يجوز أن يكون المرادُ غيرَه،

    فلا بد من دليل على التعيين.

    والله أعلم.


    الحمد لله رب العالمين

  5. #25

    افتراضي

    فصلٌ

    والعرش في اللغة سرير الملك.

    قال الله تعالى عن يوسفَ:

    ( ورفع أبويه على العرش )

    وقال عن ملكة سبإٍ:

    ( ولها عرش عظيم ).

    وأما عرش الرحمن الذي استوى عليه،

    فهو عرش عظيم محيط بالمخلوقات،

    وهو أعلاها، وأكبرها


    كما في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه

    أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

    ( ما السموات السبع والأرَضون السبعُ عند الكرسي

    إلا كحلْقة ملقاة في أرض فَلاة،

    وإن فضل العرش على الكرسي

    كفضل الفلاة على تلك الحلْقة


    قال المؤلف رحمه الله في الرسالة العرشية:

    ( والحديثُ له طرق، وقد رواه أبو حاتم

    وابنُ حبانَ في صحيحه وأحمدُ في المسند وغيرُهم ) انتهى.

    والكرسي في اللغة السرير وما يُقعد عليه.

    أما الكرسي الذي أضافه الله إلى نفسه،

    فهو موضع قدميه تعالى.

    قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما:

    ( الكرسي موضع القدمين،

    والعرش لا يَقْدِرُ قدْرَه إلا الله عز وجل )

    رواه الحاكم في المستدركِ وقال إنه على شرط الشيخين،

    وقد روي مرفوعاً والصواب أنه موقوف.


    وهذا المعنى الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما

    في الكرسي هو المشهور بين أهل السنة،

    وهو المحفوظ عنه،

    وما روي عنه أنه العلم فغير محفوظ.

    وكذلك ما روي عن الحسن أنه العرش،

    ضعيفٌ لا يصحّ عنه،

    قاله ابن كثير رحمه الله تعالى.
    الحمد لله رب العالمين

  6. #26

    افتراضي

    الباب الحاديَ عشَرَ:

    في المعية

    أثبت الله لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله

    صلى الله عليه وسلم أنه مع خلقه.


    فمن أدلة الكتاب

    قوله تعالى:

    ( وهو معكم أينما كنتم )

    ( وأن الله مع المؤمنين )

    ( إنني معكما ).


    ومن أدلة السنة

    قوله صلى الله عليه وسلم

    ( أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت )[1]

    وقوله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر وهما في الغار:

    ( لا تحزن إن الله معنا ).


    وقد أجمع على ذلك سلف الأمة وأئمتُها.


    والمعية في اللغة مطلق المقارنة والمصاحبة،

    لكن مقتضاها ولازمَها يختلف

    باختلاف الإضافة وقرائن السياقِ والأحوالِ.


    فتارة تقتضي اختلاطاً،

    كما يقال: جعلت الماء مع اللبن.


    وتارةً تقتضي تهديداً وإنذاراً،

    كما يقول المؤدب للجاني: اذهب فأنا معك.


    وتارة تقتضي نصراً وتأييداً،

    كمن يقول لمن يستغيث به: أنا معك أنا معك.

    إلى غير ذلك من اللوازم والمقتضَيات المختلفةِ

    باختلاف الإضافة والقرائن والأحوال.


    ومثل هذا اللفظ الذي يتفق في أصل معناه

    ويختلف مقتضاه وحكمُه باختلاف الإضافات والقرائن،

    يسميه بعض الناس ( مشكِّكاً ) لتشكيك المستمع

    هل هو من قبيل المشترك

    - الذي اتحد لفظه واختلف معناه -

    نظراً لاختلاف مقتضاه وحكمه؟

    أو هو من قبيل المتواطئ

    - الذي اتحد لفظه ومعناه -

    نظراً لأصل المعنى؟


    والتحقيق أنه نوع من المتواطئ،

    لأن واضعَ اللغة وضع هذا اللفظ بإزاء القدر المشترك،

    واختلافُ حكمه ومقتضاه إنما هو بحسب

    الإضافات والقرائن لا بأصل الوضع.


    لكن لما كانت نوعاً خاصاً من المتواطئة،

    فلا بأس بتخصيصها بلفظ.


    إذا تبين ذلك،

    فقد اتضح أن لفظَ المعيةِ المضافَ إلى الله

    مستعملٌ في حقيقته لا في مجازه.

    غير أن معية الله تعالى لخلقه معية تليق به،


    فليست كمعية المخلوق للمخلوق،

    بل هي أعلى وأكملُ،

    ولا يلحقها من اللوازم والخصائص

    ما يلحق معية المخلوق للمخلوق.


    هذا، وقد فسر بعض السلف معيةَ الله لخلقه بعلمه بهم.

    وهذا تفسير للمعية ببعض لوازمها.

    وغرضهم بذلك الردُّ على حلولية الجهمية

    - الذين قالوا إن الله بذاته في كل مكان

    واستدلوا بنصوص المعية -

    فبين هؤلاء السلفُ أنه لا يراد من المعية

    كونُ الله معنا بذاته،

    فإن هذا محالٌ عقلاً وشرعاً،

    لأنه ينافي ما وجب من علوه،

    ويقتضي أن تحيط به مخلوقاتُه، وهو أمر محال.

    =================
    [1].قال الشيخ في الشرح: هذا الحديث ضعيف من حيث السند لكنه حسنه بعض أهل العلم.

    الحمد لله رب العالمين

  7. #27

    افتراضي

    أقسام معية الله لخلقه

    تنقسم معية الله لخلقه إلى قسمينِ عامةٍ وخاصةٍ.

    فالعامة هي التي تقتضي الإحاطةَ بجميع الخلق

    من مؤمن وكافر وبَرّ وفاجر،

    في العلم والقدرة والتدبير والسلطان

    وغير ذلك من معاني الربوبية.


    وهذه المعية توجب لمن آمن بها

    كمالَ المراقبة لله عز وجل،


    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    ( أفضل الإيمان أنْ تعلمَ أنّ الله معك حيثما كنت ).


    ومن أمثلةِ هذا القسمِ قولُه تعالى:

    ( وهو معكم أين ما كنتم )

    ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم

    ولا خمسة إلا هو سادسهم

    ولا أدنى من ذلك ولا أكثرَ

    إلا هو معهم أينما كانوا ).


    وأما الخاصة فهي التي تقتضي النصرَ والتأييدَ

    لمن أضيفت له،

    وهي مختصة بمن يستحق ذلك من الرسل وأتباعِهم.

    وهذه المعية توجب لمن آمن بها كمالَ الثبات والقوة.

    ومن أمثلتها قوله تعالى:

    ( وأن الله مع المؤمنين )

    ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )

    ( إنني معكما أسمع وأرى )

    وقولُه عن نبيه صلى الله عليه وسلم:

    ( لا تحزن إن الله معنا ).


    فإن قيل:

    هل المعية من صفات الله الذاتيةِ أو من صفاته الفعليةِ؟

    فالجواب

    أن المعية العامةَ من الصفات الذاتية،

    لأن مقتضياتِها ثابتة لله تعالى أزلاً وأبداً.

    وأما المعيةُ الخاصة فهي من الصفات الفعليةِ،

    لأن مقتضياتِها تابعة لأسبابها

    توجد بوجودها وتنتفي بانتفائها.

    الحمد لله رب العالمين

  8. #28

    افتراضي

    الباب الثاني عشَرَ:

    في الجمع بين نصوص علو الله بذاته ومعيته

    قبل أن نذكر الجمع بينهما نحب أن نقدم قاعدة نافعة

    أشار إليها المؤلف رحمه الله في كتاب العقل والنقل

    ص 43-44 ج 1،

    وخلاصتها:

    ( أنه إذا قيل بالتعارض بين دليلين،

    فإما أن يكونا قطعيَّيْن أو ظنيَّيْن

    أو أحدُهما قطعياً والآخرُ ظنياً.

    فهذه ثلاثة أقسام.

    الأول القطعيان، وهما ما يقطع العقل بثبوت مدلولهما.

    فالتعارض بينهما محال، لأن القول بجواز تعارضهما،

    يستلزم إما وجوبَ ارتفاع أحدهما،

    وهو محال لأن القطعيَّ واجبُ الثبوت،

    وإما ثبوتَ كل منهما مع التعارض،

    وهو محال أيضاً لأنه جمع بين النقيضين.


    فإن ظُنَّ التعارضُ بينهما،

    فإما أن لا يكونا قطعيَّيْنِ،

    وإما أن لا يكونَ بينهما تعارض

    بحيثُ يُحمل أحدُهما على وجهٍ والثاني على وجه آخر.


    ولا يَرِد على ذلك

    ما يثبت نسخُه من نصوص الكتاب والسنة القطعية،

    لأن الدليل المنسوخَ غير قائم، فلا معارضَ للناسخ.


    الثاني أن يكونا ظنيَّيْن،

    إما من حيثُ الدَّلالةُ وإما من حيثُ الثبوتُ.

    فيطلب الترجيح بينهما، ثم يقدم الراجح.


    الثالث أن يكون أحدهما قطعياً والآخر ظنياً.

    فيُقدم القطعيُّ باتفاق العقلاء،

    لأن اليقين لا يُدفع بالظن.

    انتهى.

    الحمد لله رب العالمين

  9. #29

    افتراضي

    إذا تبين هذا فنقول:

    لا ريب أن النصوصَ قد جاءت بإثبات علو الله بذاته

    فوق خلقه وأنه معهم،

    وكلّ منهما قطعي الثبوت والدَّلالة.


    وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى:

    ( هو الذي خلق السمواتِ والأرضَ في ستة أيام

    ثم استوى على العرش

    يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها

    وما ينزل من السماء وما يعرج فيها

    وهو معكم أين ما كنتم

    والله بما تعملون بصير )


    ففي هذه الآية أثبت الله تعالى استواءَه على العرش

    - الذي هو أعلى المخلوقات -

    وأثبت أنه معنا،

    وليس بينهما تعارض، فإن الجمع بينهما ممكن،

    وبيانُ إمكانه من وجوه:

    الأول: أن النصوص جمعت بينهما،

    فيمتنع أن يكون اجتماعُهما مُحالاً،

    لأن النصوص لا تدل على محال.


    ومن ظن دلالتها عليه فقد أخطأ،

    فليعد النظر مرةً بعد أخرى مستعيناً بالله

    سائلاً منه الهدايةَ والتوفيقَ

    باذلاً جهدَه في الوصول إلى معرفة الحق.

    فإن تبين له الحقُّ فلْيَحمَدِ الله على ذلك،

    وإلا فلْيَكِلِ الأمرَ إلى عالمه


    وليقل: ( آمنا به كلٌّ من عند ربنا )

    ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

    إنك أنت العليم الحكيم ).

    الثاني: أنه لا منافاةَ بين معنى العلو والمعي.

    فإن المعيةَ لا تستلزم الاختلاطَ والحلولَ في المكان

    كما تقدم،

    فقد يكون الشيء عالياً بذاته وتضاف إليه المعية،


    كما يقال:

    ( ما زلنا نسير والقمرُ معنا )

    مع أن القمر في السماء،

    ولا يُعَدُّ ذلك تناقضاً لا في اللفظ ولا في المعنى،

    فإن المخاطَب يعرف معنى المعية هنا،

    وأنه لا يمكن أن يكون مقتضاها أن القمر في الأرض.


    فإذا جاز اجتماع العلو والمعية في حق المخلوق،

    ففي حق الخالق أولى.

    الثالث: أنه لو فُرِض أن بين معنى العلو والمعية تناقضاً

    وتعارضاً في حق المخلوق،

    فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق.

    لأن الله تعالى ليس كمثله شيءٌ في جميع صفاته،

    فلا تقاس معيته بمعية خلقه،


    ولا تقتضي معيتُه لهم أن يكون مختلطاً بهم

    أو حالاً في أمكنتهم، لوجوب علوه بذاته،

    ولأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته

    بل هو بكل شيء محيط.


    الحمد لله رب العالمين

  10. #30

    افتراضي

    وبنحو هذه الوجوه يمكن الجمع

    بين ما ثبت من علو الله بذاته وكونِه قِبَلَ المصلي،

    فيقال: الجمع بينهما من وجوه:

    الأول: أن النصوص جمعت بينهما،

    والنصوص لا تأتي بالمحال.

    الثاني: أنه لا منافاة بين معنى العلو والمقابلة،

    فقد يكون الشيء عالياً وهو مقابل،

    لأن المقابلة لا تستلزم المحاذاة.

    ألا ترى أن الرجل ينظر إلى الشمس حال بزوغها

    فيقول: ( إنها قِبَلَ وجهي ) مع أنها في السماء،


    ولا يعد ذلك تناقضاً في اللفظ ولا في المعنى،

    فإذا جاز هذا في حق المخلوق ففي حق الخالق أولى.

    الثالث: أنه لو فُرض أن بين معنى العلو والمقابلة تناقضاً

    وتعارضاً في حق المخلوق،

    فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق.


    لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته،

    فلا يقتضي كونه قِبَلَ وجه المصلي

    أن يكون في المكانِ أو الحائطِ الذي يصلي إليه،


    لوجوب علوه بذاته،

    ولأنه لا يحيط به شيء من المخلوقات

    بل هو بكل شيء محيط.


    الحمد لله رب العالمين

  11. #31

    افتراضي

    الباب الثالثَ عشَرَ:

    في نزول الله إلى السماء الدنيا


    في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه


    أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

    ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا

    حين يبقي ثلث الليل الآخِر،

    فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له

    من يسألُني فأعطيَه من يستغفرُنى فأغفرَ له ).

    وقد روى هذا الحديثَ عن النبي صلى الله عليه وسلم

    نحوُ ثمانٍ وعشرينَ نفساً من الصحابة رضي الله عمهم.

    واتفق أهل السنة على تَلَقِّي ذلك بالقَبول.

    ونزوله تعالى إلى السماء الدنيا من صفاتِه الفعليةِ

    التي تتعلق بمشيئته وحكمته،

    وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته.


    ولا يصح تحريف معناه إلى نزول أمره أو رحمته

    أو مَلَك من ملائكته،

    فإن هذا باطل لوجوه:


    الأول:

    أنه خلاف ظاهر الحديث،

    لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف النزولَ إلى الله،

    والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه أو قام به،

    فإذا صرف إلى غيره كان ذلك تحريفاً يخالف الأصل.


    الثاني:

    أن تفسيره بذلك يقتضي

    أن يكون في الكلام شيءٌ محذوفٌ، والأصل عدم الحذف.


    الثالث:

    أن نزول أمره أو رحمته لا يختص بهذا الجزء من الليل،

    بل أمره ورحمته ينـزلان كلَّ وقت.


    فإن قيل:

    المراد نزول أمر خاصّ ورحمة خاصة،

    وهذا لا يلزم أن يكون كلَّ وقت.

    فالجواب

    أنه لو فرض صحةُ هذا التقدير والتأويل،

    فإن الحديث يدل على

    أن منتهى نزولِ هذا الشيءِ هو السماءُ الدنيا.

    وأيُّ فائدة لنا في نزول رحمةٍ إلى السماء الدنيا

    حتى يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها؟!


    الرابع:

    أن الحديث دلَّ على أن الذي ينزل يقول:

    ( من يدعوني فأستجيبَ له،

    من يسألُني فأعطيَه، من يستغفرُني فأغفرَ له )

    ولا يمكن أن يقول ذلك أحدٌ سوى اللـهِ تعالى.


    الحمد لله رب العالمين

  12. #32

    افتراضي

    فصلٌ:

    في الجمع بين نصوص علوِّ الله تعالى بذاته

    ونزولِه إلى السماء الدنيا


    علو الله بذاته من صفاته الذاتيةِ

    التي لا يمكن أن ينفكَّ عنها.

    وهو لا ينافي ما جاءت به النصوصُ

    من نزوله إلى السماء الدنيا.



    والجمع بينهما من وجهين:

    الأول:

    أن النصوص جمعت بينهما،

    والنصوص لا تأتي بالمحال كما تقدم.


    الثاني:

    أن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته،

    فليس نزوله كنزول المخلوقين

    حتى يقالَ إنه ينافي علوَّه ويناقضُه،

    والله أعلم.


    الحمد لله رب العالمين

  13. #33

    افتراضي

    الباب الرابعَ عشَرَ:

    في إثبات الوجه لله تعالى

    مذهب أهل السنة والجماعة أن لله وجهاً حقيقياً يليق به،

    موصوفاً بالجلال والإكرام.

    وقد دلّ على ثبوته لله الكتابُ والسنةُ.


    فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:

    ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ).


    ومن أدلة السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم

    في الدعاء المأثور:

    ( وأسألك لذةَ النظر إلى وجهك والشوقَ إلى لقائك ).


    فوجه الله تعالى من صفاته الذاتيةِ الثابتةِ له حقيقةً

    على الوجه اللائق به.


    ولا يصح تحريف معناه إلى الثواب لوجوه، منها:

    أولاً:

    أنه خلاف ظاهر النص،

    وما كان مخالفاً لظاهر النص فإنه يحتاج إلى دليل،

    ولا دليل على ذلك.


    ثانياً:

    أن هذا الوجهَ ورد في النصوص مضافاً إلى الله تعالى،

    والمضاف إلى الله إما أن يكون شيئاً قائماً بنفسه

    وإما أن يكون غيرَ قائم بنفسه،

    فإن كان قائماً بنفسه فهو مخلوق وليس من صفاته

    - كبيت الله وناقة الله -

    وإنما أضيف إليه إما للتشريف

    وإما من باب إضافة المملوك والمخلوق إلى مالكه وخالقه،


    وإن كان غيرَ قائم بنفسه فهو من صفات الله

    وليس بمخلوق،

    كعلم الله وقدرته وعزته وكلامه ويده وعينه ونحِو ذلك.

    والوجه بلا ريبٍ من هذا النوع،

    فإضافته إلى الله من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.


    ثالثاً:

    أن الثوابَ مخلوق بائن عن الله تعالى،

    والوجهَ صفةٌ من صفات الله غيرُ مخلوق ولا بائنٍ،

    فكيف يفسر هذا بهذا؟!


    رابعاً:

    أن ذلك الوجهَ وُصف في النصوص

    بالجلال والإكرام،

    وبأن له نوراً يُستعاذ به،

    وبأن له سُبُحاتٍ تُحرق ما انتهى إليه بصره من خلقه،

    وكل هذه الأوصاف تمنع أن يكون المرادُ به الثوابَ،

    والله أعلم.

    الحمد لله رب العالمين

  14. #34

    افتراضي

    الباب الخامسَ عشَرَ:

    في يدَيِ الله عز وجل

    مذهب أهل السنة والجماعة أن لله تعالى يدين اثنتين

    مبسوطتين بالعطاء والنِعَم.

    وهما من صفاته الذاتيةِ الثابتةِ له حقيقةً

    على الوجه اللائقِ به.


    وقد دل على ثبوتهما الكتاب والسنة.

    فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:

    ( ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ ).


    ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم:

    ( يد الله مَلأَى لا تَغيضها نفقةٌ،

    سَحَّاءُ الليلَ والنهارَ.

    أرأيتم ما أنفق منذ خلق السمواتِ والأرضَ ؟

    فإنه لم يَغِض ما في يمينه ).


    وقد أجمع أهل السنة على أنهما يدان حقيقيتان

    لا تماثلان أيدي المخلوقين.

    ولا يصح تحريف معناهما إلى القوة أو النعمة

    أو نحوِ ذلك لوجوه، منها:

    أولاً:

    أنه صَرْف للكلام عن حقيقته إلى مجازه بلا دليل.

    ثانياً:

    أنه معنىً تأباه اللغة في مثل السياق الذي جاءت به

    مضافةً إلى الله تعالى،

    فإن الله قال:

    ( لِما خلقت بيديّ

    ولا يصح أن يكون المعنى لما خلقت بنعمتَيَّ أو قوتَيَّ.

    ثالثاً:

    أنه ورد إضافة اليد إلى الله سبحانه وتعالى بصيغة التثنية،

    ولم يَرِد في الكتاب والسنة - ولا في موضع واحد -

    إضافةُ النعمة والقوة إلى الله بصيغة التثنية.

    فكيف يفسر هذا بهذا؟!


    رابعاً:

    أنه لو كان المرادُ بهما القوةَ،

    لصحَّ أن يقال إن الله خلق إبليسَ بيده،

    ونحوُ ذلك. وهذا ممتنع.

    ولو كان جائزاً لاحتج به إبليسُ على ربه حين قال له:

    ( ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ ).


    خامساً:

    أن اليدَ التي أضافها الله إلى نفسه وردت على وجوهٍ

    تمنع أن يكون المرادُ بها النعمةَ أو القوةَ،

    فجاءت بلفظ اليدِ والكفّ،

    وجاء إثبات الأصابعِ لله تعالى،

    والقبضِ والهزِّ


    كقوله صلى الله عليه وسلم:

    ( يقبض الله سمواتِه بيده والأرضَ باليد الأخرى،

    ثم يهزهن ويقول: أنا الملك ).

    وهذه الوجوه تمنع أن يكون المرادُ بهما النعمةَ أو القوةَ.
    الحمد لله رب العالمين

  15. #35

    افتراضي

    الباب السادسَ عشَرَ:

    في عينَيِ الله تعالى

    مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين اثنتين،

    ينظر بهما حقيقةً، على الوجه اللائق به.

    وهما من الصفات الذاتية الثابتة بالكتاب والسنة.


    فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:

    ( تجري بأعيننا ).

    ومن أدلة السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:

    ( وإن ربكم ليس بأعورَ )

    ( ينظر إليكم أَزِلِين قَنِطِين )

    ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه

    ما انتهى إليه بصرُه من خلقه ).


    فهما عينان حقيقيتان لا تماثلان أَعْيُنَ المخلوقين.

    ولا يصح تحريف معناهما إلى العلم والرؤية لوجوه،

    منها:

    أولاً:

    أنه صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه بلا دليل[1].


    ثانياً:

    أن في النصوص ما يمنع ذلك

    مثلُ قوله صلى الله عليه وسلم:

    ( ينظر إليكم )

    ( لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )

    ( وإن ربكم ليس بأعور ).

    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    [1]. قال الشيخ في الشرح: ..أفادنا المؤلف من قوله ( بلا دليل )

    أنه يجوز صرف الكلام من حقيقته إلى مجازه بدليل.

    طيب، وإذا وجد دليل يعين المجاز، فهل نقول أنه مجاز صرف عن ظاهره بدليل؟

    أو نقول إن هذا الدليل جعل ما يخالف الظاهر هو الحقيقة؟ هذا هو الصحيح.

    ومعلوم أن كتابتي لهذا الكتاب قبل أن يتبين لي صحة ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية

    وابن القيم وجماعة من أهل العلم أنه لا مجاز في اللغة العربية

    لاسيما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والله أعلم. انتهى

    الحمد لله رب العالمين

  16. #36

    افتراضي

    الباب السابعَ عشَرَ:

    في الوجوه التي وردت عليها

    صفتا اليدين والعينين

    وردت صفتا اليدين والعينين في النصوص

    مضافةً إلى الله تعالى على ثلاثة أوجهٍ

    الإفرادِ والتثنيةِ والجمعِ.


    فمن أمثلة الإفراد

    قوله تعالى:

    ( تبارك الذي بيده الملك )

    ( ولتصنع على عيني ).


    ومن أمثلة الجمع

    قوله تعالى:

    ( أولم يرَوْا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً )

    ( تجري بأعيننا ).


    ومن أمثلة التثنية

    قوله تعالى:

    ( بل يداه مبسوطتان )

    وقول النبي صلى الله عليه وسلم:

    ( إذا قام العبد في الصلاة، قام بين عيني الرحمن )

    هكذا هو في مختصر الصواعق

    عن عطاءٍ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
    ولم يعزُه.

    ولم ترد صفة العينين في القرآن بصورة التثنية.


    هذه هي الوجوه التي وردت عليها صفتا اليدين والعينين.

    والجمع بين هذه الوجوه أن يقال:

    إن الإفراد لا ينافي التثنيةَ ولا الجمعَ،

    لأن المفرد المضافَ يَعُمُّ

    فيتناول كلَّ ما ثبت لله من يد أو عين

    واحدةً كانت أو أكثرَ.


    وأما الجمع بين ما جاء بلفظ التثنية وبلفظ الجمع:

    فإن قلنا أقلُّ الجمع اثنان،

    فلا منافاةَ أصلاً بين صيغتي التثنية والجمع

    لاتحاد مدلوليهما.


    وإن قلنا أقلُّ الجمع ثلاثة - وهو المشهور -

    فالجمع بينهما أن يقال

    إنه لا يُراد من صيغة الجمع مدلولُها

    - الذي هو ثلاثة فأكثرُ -

    وإنما أُريد بها - والله أعلم - التعظيمُ والمناسبةُ،

    أعني مناسبةَ المضاف للمضاف إليه.

    فإن المضاف إليه - وهو ( نا ) -

    يراد به هنا التعظيمُ قطعاً،

    فناسب أن يؤتى بالمضاف بصيغة الجمع

    ليناسب المضاف إليه،


    فإن الجمعَ أدلُّ على التعظيم من الإفراد والتثنية،

    وإذا كان كل من المضاف والمضاف إليه

    دالاً على التعظيم حصل من بينهما تعظيمٌ أبلغ.

    الحمد لله رب العالمين

  17. #37

    افتراضي

    الباب الثامنَ عشَرَ:

    في كلام الله سبحانه وتعالى


    اتفق أهل السنة والجماعة على أن الله يتكلم،

    وأن كلامَه صفة حقيقية ثابتةٌ له على الوجه اللائق به.

    وهو سبحانه يتكلم بحرف وصوت،

    كيف شاء متى شاء.

    فكلامه صفةُ ذاتٍ باعتبار جنسه،

    وصفةُ فعلٍ باعتبار آحاده.


    وقد دل على هذا القول الكتاب والسنة.

    فمن أدلة الكتاب

    قوله تعالى:

    ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه )

    وقولُه:

    ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ )

    وقولُه:

    ( وناديناه من جانب الطور الأيمنِ وقربناه نجيّاً ).

    ففي الآية الأولى إثبات أن الكلام يتعلق بمشيئته،

    وأنّ آحاده حادثة.


    وفي الآية الثانية دليل على أنه بحرف،

    فإن مَقُول القول فيها حروف.


    وفي الآية الثالثة دليل على أنه بصوت،

    إذ لا يُعقل النداءُ والمناجاة إلا بصوت.


    ومن أدلة السنة

    قول النبي صلى الله عليه وسلم:

    ( يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك.

    فينادي بصوت:

    إن الله يأمرك أن تُخْرج من ذريتك بعثاً إلى النار ).


    وكلامه سبحانه هو اللفظُ والمعنى جميعاً،

    ليس هو اللفظَ وحدَه أو المعنى وحدَه.

    هذا هو قول أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى.
    الحمد لله رب العالمين

  18. #38

    افتراضي

    وأما أقوال غيرهم فإليك ملخصَها

    من مختصر الصواعق المرسلة:


    الأول قول الكَرَّامية.

    وهو كقول أهل السنة، إلا أنهم قالوا:

    إنه حادث بعد أن لم يكن،

    فِراراً من إثبات حوادثَ لا أولَ لها.


    الثاني قول الكُلابِيَّة

    أنه معنىً قائمٌ بذاته، لازمٌ لها كلزوم الحياة والعلم

    فلا يتعلق بمشيئته،

    والحروف والأصوات حكاية عنه

    خلقها الله تعالى لتدلّ على ذلك المعنى القائمِ بذاته،

    وهو أربعةُ معانٍ أمر ونهي وخبر واستخبار.


    الثالث قول الأشعرية.

    وهو كقول الكُلابية، إلا أنهم يخالفونهم في شيئين:

    أحدهما في معاني الكلام. فالكُلابية يقولون إنه أربعة معانٍ.

    والأشعرية يقولون إنه معنىً واحدٌ،

    فالخبر والاستخبار والأمر والنهي

    كلّ واحد منها هو عين الآخر،

    وليست أنواعاً للكلام بل صفاتٍ له،

    بل التوراة والإنجيل والقرآن كلّ واحد منها عينُ الآخر

    لا تختلف إلا بالعبارة.


    الثاني: أن الكُلابية قالوا إن الحروفَ والأصواتِ

    حكاية عن كلام الله.

    وأما الأشعرية فقالوا إنها عبارة عن كلام الله.


    الرابع قول السالِمِيّة

    أنه صفةٌ قائمة بذاته، لازمة لها كلزوم الحياة والعلم

    فلا يتعلق بمشيئته،

    وهو حروف وأصوات متقارنة لا يسبق بعضُها بعضاً،

    فالباء والسين والميم في البسملة مثلاً

    كلُّ حرف منها مقارن للآخر في آنٍ واحد،

    ومع ذلك لم تزل ولا تزال موجودةً.


    الخامس قول الجهمية والمعتزلة

    إنه مخلوق من المخلوقات وليس من صفات الله.

    ثم من الجهمية من صرح بنفي الكلام عن الله،

    ومنهم من أقر به وقال إنه مخلوق.


    السادس قول فلاسفة المتأخرين - أتباعِ أَرِسْطو -

    أنه فيض من العقل الفعّال على النفوس الفاضلة الزكية

    بحسب استعدادها وقَبولها،

    فيوجب لها تصوراتٍ وتصديقاتٍ بحسب ما قبلته منه،

    وهذه التصوراتُ والتصديقات الـمُتخيَّلةُ

    تَقْوَى حتى تُصوِّرَ الشيءَ المعقولَ صوراً نُورانيةً

    تخاطبها بكلام تسمعه الآذان.


    السابع قول الاتحادية - القائلين بوحدة الوجود -

    أن كل كلام في الوجود كلام الله،

    كما قال قائلهم:

    ( وكل كلام في الوجود كلامه،،،

    سواء علينا نثره ونِظامه ).


    وكل هذه الأقوال مخالفة

    لما دل عليه الكتاب والسنة والعقل.

    ومن رزقه الله علماً وحكمة فَهِم ذلك.


    الحمد لله رب العالمين

  19. #39

    افتراضي

    فصل:

    في أن القرآنَ كلامُ الله


    مذهب أهل السنة والجماعة

    أن القرآن كلام الله منـزل غير مخلوق،

    منه بدأ وإليه يعود،

    تكلم به حقيقةً وألقاه إلى جبريل فنـزل به

    على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.


    وقد دل على هذا القول الكتاب والسنة.

    فمن أدلة الكتاب

    قوله تعالى:

    ( وإنْ أحد من المشركين استجارك

    فأجره حتى يسمع كلام الله )

    يعني القرآنَ،

    وقولُه:

    ( كتاب أنزلناه إليك )

    ( نزل به الروح الأمين.

    على قلبك لتكون من المنذرين.

    بلسان عربي مبين ).


    ومن أدلة السنة

    قوله صلى الله عليه وسلم

    وهو يعرض نفسه على الناس في الموقف:

    ( ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي،

    فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل )


    وقولُه صلى الله عليه وسلم للبراء ابن عازب:

    ( إذا أويتَ إلى فراشك فقل:

    اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك

    وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك،

    رغبة ورهبة إليك، لا ملجأَ ولا منجى منك إلا إليك،

    آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ).

    وقال عمرو بن دينار:

    ( أدركت الناس منذ سبعين سنةً يقولون:

    الله الخالق وما سواه مخلوق،

    إلا القرآنُ فإنه كلام الله غير مخلوق

    منه بدأ وإليه يعود )

    انتهى.


    ومعنى قولهم ( منه بدأ )

    أن الله تكلم به ابتداءً،

    وفيه رد على الجهمية القائلين بأنه خلقه في غيره.


    وأما قولهم:

    ( وإليه يعود ) فيحتمل معنيين:


    أحدهما: أنه تعود صفة الكلام بالقرآن إليه،

    بمعنى أنّ أحداً لا يوصف بأنه تكلم به غيرَ الله،

    لأنه هو المتكلم به والكلام صفة للمتكلم.


    الثاني: أنه يُرفع إلى الله تعالى،

    كما جاء في بعض الآثار

    أنه يُسرى به من المصاحف والصدور،

    وذلك إنما يقع - والله أعلم -

    حين يُعرِض الناس عن العمل بالقرآن إعراضاً كلياً،

    فيرفع عنهم تكريماً له.

    والله المستعان.


    الحمد لله رب العالمين

  20. #40

    افتراضي

    فصل:

    في اللفظ والملفوظ


    الكلام في هذا الفصل يتعلق بالقرآن.

    فإنه قد سبق أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

    لكن اللَّفظ بالقرآن

    هل يصح أن نقول إنه مخلوق أو غير مخلوق؟

    أو يجب السكوت؟


    فالجواب أن يقال:

    إن إطلاق القول في هذا نفياً أو إثباتاً غير صحيح[1].

    وأما عند التفصيل فيقال:

    إن أريد باللفظِ التَّلفظُ - الذي هو فعل العبد -

    فهو مخلوق لأن العبد وفعلَه مخلوقان،


    وإن أريد باللفظ الملفوظُ به فهو كلام الله غير مخلوق

    لأن كلام الله من صفاته، وصفاته غير مخلوقة.


    ويشير إلى هذا التفصيل قول الإمامِ أحمدَ رحمه الله:

    ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآنَ،

    فهو جهمي )[2].

    فقوله ( يريد به القرآنَ )

    يدل على أنه إن أراد به غيرَ القرآن

    - وهو التلفظ، الذي هو فعل الإنسان -

    فليس بجهمي.

    والله أعلم.


    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    [1]. قال الشيخ في الشرح: ولهذا ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال:
    ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ) ..
    فأنت الآن إن أطلقت ( مخلوق ) فرح بك الجهمية والمعتزلة،
    وإن أطلقت ( غير مخلوق ) فرح بك القدرية. = = إذاً لا تطلق ..

    أفادنا المؤلف أن ( اللفظ ) مصدر. والمصدر يصح أن يراد به الفعل الذي هو معنى المصدر، ويصح أن يراد به المفعول الناتج عن المصدر.

    [2]. قال الشيخ في الشرح: وهذه الرواية عن أحمد تبين المطلق من كلامه،
    لأنه رحمه الله ورد عنه في هذه المسألة روايتان،

    رواية يقول:
    ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ) هذا مطلق،

    لكن الرواية التي معنا: ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد .. يريد القرآن فهو جهمي )
    لأن الجهمية يقولون إن القرآن مخلوق.
    فيكون المطلق مما ورد عن الإمام أحمد يجب أن يحمل .. على المقيد،
    وهو أن المراد: من قال لفظي بالقرآن يريد بذلك إيش؟
    القرآن
    فإنه في هذه الحال يكون جهمياً.

    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •