دور منزلة المعنى في تغيُّر صيغة المتعاطفات
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في تغير صيغة المتعاطفات بحسب الاحتياج المعنوي عند المتكلم ، فقد نعطف الاسم على الفعل ، وقد نعطف الفعل على الاسم ،وقد نعطف المضارع على الماضي وقد نعطف المجزوم على المنصوب ، وكل ذلك بحسب المعنى الذي يقصده المتكلم ، فليس شرطا أن يوافق المعطوفُ المعطوفَ عليه في الصيغة ، فمن عطف الفعل على الاسم قوله " صافات ويقبضن " فقد جاء بالمعطوف مغايرا للمعطوف عليه ليصور حركة الأجنحة المتحركة ، فجاء بالفعل الذي يفيد الحركة والتجدد للتعبير عن الفعل ،وجاء بالمعطوف عليه اسما للتعبير عن ثبات الأجنحة ، والاسم يدل على الثبات ، ومثله قوله "فالمغيرات صُبحا فأثرن به نقعا "* فقد جاء بالمعطوف فعلا للتعبير عن حركة الغبار ،مع أن المعطوف عليه اسم ، ومن عطف الاسم على الفعل قوله :"يُخرج الحيَّ من الميت ومُخرج الميت من الحي ، فجاء بالمعطوف عليه فعلا للتعبير عن حركة الحي عندما يخرج حيا ، كالإنسان والعصفور ، مثلا ، وجاء بالمعطوف اسما للتعبير عن الثبات ، فالميت لا يتحرك كالبيضة مثلا ، ومن عطف المضارع على الماضي قول أحد الصحابة –رضوان الله عليهم- :"فأوهَيتُ عليه فأضربُه بالسيف " فقد جاء بالمعطوف فعلا مضارعا للتعبير عن حالة الاستمرارية في الضرب مع أن المعطوف عليه ماض، ومن عطف المجزوم على المنصوب قوله "فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ وأكنْ من الصالحين "فعطف المجزوم على المنصوب ، لأنه متأكد من تصدقه وليس متأكدا من صلاحه ، والصلاح والتوفيق بيد الله ، والجزم في لغة العرب يعني قلة الفعل أو الشك فيه أوعدمه أو استحالته ،كقول العرب :لم يدرسْ ،ولتكتبْ ،وإن تدرسْ تنجح ْ.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى التراكيب ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض .