28-01-2015 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
والكتاب الذي بين أيدينا يحاول التعرض لتلك الهجمة الشرسة على عفة المؤمنات من خلال وصف الحجاب بالإرهاب, والزج به في قضايا سياسية بزعم معارضته للأنظمة العلمانية الغربية, كما أنه يستعرض فريضة الحجاب في المعتقدات القديمة والأديان السماوية كافة, إضافة لتناوله قضية الحجاب في تركيا على وجه الخصوص, وموقف الغرب العلماني من الحجاب بشكل عام, وذلك من خلال تمهيد وفصلين وخاتمة.


حجاب المرأة بين الأديان والعلمانية
الدكتورة: هدى درويش
طباعة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية 2005م
ـــــــــــــــ ـ
تتفق جميع الأديان على وجوب تستر المرأة وتمسكها بعفتها واحترامها, ومع ذلك برزت قضية حجاب المرأة كقضية صراع عالمي يقوده الغرب لهدم قيم المرأة المسلمة المتمسكة بدينها, بهدف نصرة الخلاعة والتبرج على القيم والفضيلة التي تتحلى بها المجتمعات.
والكتاب الذي بين أيدينا يحاول التعرض لتلك الهجمة الشرسة على عفة المؤمنات من خلال وصف الحجاب بالإرهاب, والزج به في قضايا سياسية بزعم معارضته للأنظمة العلمانية الغربية, كما أنه يستعرض فريضة الحجاب في المعتقدات القديمة والأديان السماوية كافة, إضافة لتناوله قضية الحجاب في تركيا على وجه الخصوص, وموقف الغرب العلماني من الحجاب بشكل عام, وذلك من خلال تمهيد وفصلين وخاتمة.
في التمهيد ذكرت المؤلفة تعريف الحجاب لغة واصطلاحا, مبينة أن الحجاب عبارة عن ستر جسد المرأة ما عدا الوجه والكفين أمام الناظر الأجنبي, إضافة لتعريف الألفاظ ذات الصلة بالحجاب كالخمار والنقاب.
في الفصل الأول من الكتاب تناولت المؤلفة مسألة حجاب المرأة في المعتقدات القديمة كالفراعنة والآشوريين والإغريق والهنود والفرس والرومان وعصور الجاهلية التي تنوعت عقائدهم فيها, بدءا بالوثنية مرورا بالزرادشتية والبوذية والكونفوشية والمانوية وغيرها, والتي حرصت على ستر المرأة وضرورة حجابها, حيث كان غطاء الرأس معروفا في العصور القديمة.
وقد استشهدت المؤلفة على ذلك بوجود حفريات القرن الثاني قبل الميلاد ولوحات ظهرت فيها نساء يغطين رؤوسهن, إضافة لوجود قوانين في هذه الحفريات توضح فرض عقوبات ضد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب عند الآشوريين.
كما ذكرت قول "بلوتارك" الإغريقي: (أن النساء الشريفات اليونانيات والرومانيات كن يغطين وجوههن بالبراقع في المجتمعات العامة, إضافة لتحذيرات بوذا ومانو وأوامرهما لأتباعهما بغض البصر والابتعاد عن النساء وعزلهن, ناهيك عن معتقدات الزرادشتية الذين يعتقدون أن المرأة كائن غير طاهر, وأوامر زرادشت بضرورة احتجاب المرأة حتى عن الأب والأخ والعم, لينته المطاف بعرب الجاهلية الذين عرفوا حجاب المرأة ولزمت نساؤهم الخدور.
كما تناول هذا الفصل حجاب المرأة في الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام, من خلال النصوص التي وردت في كل الأديان السماوية التي تؤكد على ضرورة ستر المرأة والمحافظة على حشمتها, والتي تمثل النصوص الشرعية الإسلامية النموذج الصحيح والكامل في هذا الجانب.
وقد استعرضت المؤلفة الحجاب في اليهودية, فأكدت أن اليهودية فرضت على المرأة وضع غطاء على رأسها بهدف حشمتها وسترها, كما عرف النقاب في العهد القديم فالعروس عند زفافها كانت تضع برقعا أو نقابا على وجهها من قبيل الاحتشام, ووردت كلمة "برقع" و"النقاب" في العهد القديم في أكثر من سفر, كما كشفت الأبحاث الأثرية الحديثة في الصور والرسومات والتماثيل عند اليهود, عن أنواع أغطية الرأس التي كانت تستخدمها المرأة اليهودية قديما.
وبالإضافة لما سبق فقد وردت نصوص تحريم النظر وعدم محادثة النساء في اليهودية في أكثر من سفر, إضافة لتحريم الزنا وقوانين الاحتشام في التلمود وكتب الشرائع اليهودية الأخرى, حيث يؤكد التلمود أن المرأة خلقت من ضلع الرجل الذي يكون دائما مغطى, مما يشير إلى ضرورة ارتدائها الحجاب, ناهيك عن كثير من نصوص المشنا –التوراة أو الشريعة اليهودية الشفوية- التي تؤكد ذلك.
وقد استعرضت المؤلفة بحث لكاتب يهودي بعنوان: "أحكام غطاء الرأس عند المرأة اليهودية", إضافة لاستعراضها ما يجوز كشفه من شعر المرأة اليهودية في شرائعهم, حيث اختلف المفسرون اليهود حول الأماكن التي يجب تغطيتها من مساحة الشعر, وإمكانية السماح بظهور بعض خصلات شعر المرأة, مع استحسان عدم كشف شيء منه.
وقد بينت المؤلفة أن ارتداء المرأة اليهودية للحجاب ظل مستمرا حتى القرن التاسع عشر, حيث ظهرت حركة "الهسكلاه" في غرب أوربا بزعامة "موسى مندلسون" الذي دعا اليهود للاندماج في الشعوب الأوربية لمسايرة التطور العلمي التكنولوجي, وحاكوا الشعب الألماني بالزي والثقافة واللغة, موضحة النزاع العنيف الذي نشأ بعد ذلك بين اليهود المتزمتين في شرق أوربا وبين المتحررين في غربها.
وطبقا لقواعد الاحتشام عند بعض طوائف اليهود ظهرت في شهر مايو عام 2004م لافتات في فلسطين المحتلة مكتوب عليها "إصلاح", وتعني إصلاح مخالفات الشريعة, وتقضي بتنظيم سير الرجال والنساء بالشارع, بحيث يسير الرجال على رصيف والنساء على رصيف آخر, كما يؤكد قانون الاحتشام في التلمود بوجوب الاحتشام في الملابس والجوارب والشعر, ويؤكد أن شعر المرأة عورة.
في المبحث الخامس من هذا الفصل تناولت المؤلفة موضوع حجاب المرأة في المسيحية, مؤكدة على نظرة المسيحية للمرأة بأنها رمز الخطيئة عندهم, وأنها لا بد أن تكون مغطاة بالحداد لا تظهر للأبصار إلا بمظهر الخاطئة .
وقد تناولت المؤلفة في هذا المبحث غطاء الرأس للمرأة في الديانة المسيحية من خلال العهد الجديد, الذي يدعو المرأة للالتزام بالاحتشام, ويوجب تغطية الرأس على الراهبات حتى العصر الراهن, كما ينظر إلى غطاء المرأة بأنه علامة سلطة الرجل على المرأة وعلامة طاعة وخضوع, لأن مجد الله في الرجل.
كما تناولت المؤلفة في هذا المبحث تأثيرات الشرق على غطاء المرأة في عهد بولس, ورمزية الحجاب في المسيحية الذي يشير إلى سلطة الرجل على المرأة المستمد من إرادة الله, وعقوبة كشف رأس المرأة المسيحية في الصلاة, حيث تصل العقوبة إلى قص شعرها إن أصرت على عدم ارتداء الحجاب, كما أن قناع المرأة هو علامة عفتها وتميزها عن العاهرة في المسيحية.
كما ذكرت المؤلفة أن حجاب المرأة في المسيحية سرور للملائكة, وأن شعرها هو مجدها وأنوثتها, ولذا فلا بد من تغطيته تشريفا لرجلها, وأن النظر إلى المرأة في المسيحية حرام وهو مقدمة للزنا, ناهيك عن آداب التحدث للمرأة في المسيحية.
أما المبحث السادس والأخير في هذا الفصل فقد خصصته المؤلفة لموضوع الحجاب في الإسلام, منوهة على مكانة المرأة السامية في الإسلام, حيث تضمنت آيات القرآن حقها ومنزلتها عند الله تعالى, ذاكرة الحدود التي وضعها الإسلام لتحفظ به نفسها بسياج العفة والطهارة.
وذكرت المؤلفة أن القرآن والسنة فرضت على المرأة ستر جميع جسدها عن الأجانب فيما عدا الوجه والكفين, وحرمت عليها لبس ما يشف عن الجسم أو يفضح العورات, مؤكدة على انسجام تعاليم الإسلام مع الفطرة الإنسانية التي تقتضي ستر العورات والحياء منها.
وقد ردت المؤلفة على بعض المزاعم التي تدعي أن الحجاب مخصص لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فحسب, فالآية صريحة بتناول الأمر الإلهي لنساء المؤمنين أيضا, كما تناولت أحكام التستر في الإسلام من إدناء الثياب وآداب الزينة وغض البصر للرجال والنساء, وآداب التحدث بالصوت والنهي عن تبرج النساء, إضافة للنهي عن خلوة الرجل بالمرأة وغيرها من الأحكام الخاصة بحشمة المرأة وعفتها.
كما تناولت المؤلفة بيان الأزهر الشريف الخاص بحجاب المرأة, والفتاوى الإسلامية الأخرى المتعلقة بالحجاب.
في الفصل الثاني من الكتاب تناولت المؤلفة قضية الحجاب الإسلامي والعلمانية, حيث اتخذ الغرب من العلمانية وسيلة للهجوم على الحجاب الإسلامي باعتباره رمزا للإسلام, إضافة لاستعراضها تصدي تركيا للحجاب بعد انهيار الخلافة العثمانية وتوجهها نحو العلمانية الغربية.
وبعد أن ذكرت المؤلفة ملخصا عن تاريخ العلمانية اللادينية وسبب نشوئها في أوربا, واستعرضها آراء علماء المسلمين فيها واعتبارها مناقضة وعدوا للإسلام والمسلمين, أكدت أن الحجاب في الإسلام ليس رمزا دينيا كما يروج الغرب, بل هو شريعة وفريضة وعبادة تؤديها المرأة المسلمة.
في المبحث الأول من هذا الفصل تناولت المرأة قضية الحجاب في تركيا الذي يمثل الإسلام فيها 99% من السكان, ومع ذلك فقد كانت من أكثر الدول التي شهدت صراعات حول حجاب المرأة المسلمة وما زالت حتى الآن, بين الفئة العلمانية التي ظهرت بقيام الجمهورية التركية على يد أتاتورك, وبين المسلمين المتمسكين بدينهم طوال العقود السابقة والتي توجت بظهور الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الآن.
وقد تناولت المؤلفة مسألة الحظر المفروض على الحجاب منذ عام 1997 في المدارس والجامعات والمؤسسات والمكاتب الحكومية –والذي بدأت الحكومة التركية الحالية بزعامة رجب طيب أردغان برفع هذا الحظر تدريجيا– على الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن 70% من نساء تركيا يرتدين الحجاب.
وقد استعرضت المؤلفة أسباب منع الحجاب في تركيا من قبل الفئة العلمانية فيها, مؤكدة على أنه رفض لأي مظهر إسلامي فيها, ووسيلة لانضمام تركيا للاتحاد الأوربي, وتأكيد على فصل الدين الإسلامي عن الدولة الحديثة.
وقد استعرضت المؤلفة حجاب المرأة في تركيا بدءا من العهد العثماني الذي كانت فيه المرأة المسلمة ترتدي حجابها بأشكال مختلفة ومتنوعة, حتى تسللت دعوات السفور الغربية إلى الداخل العثماني, الذين حذر منهم شيخ الإسلام في الدولة العثمانية الشيخ مصطفى صبري.
وخلال الأعوام 1919 - 1923 تم افتتاح كليات الحقوق والطب للنساء التركيات, حيث كانت دعوات تعليم المرأة غالبا ما تلازم الدعوة لسفورها, وأصبح كثير من النساء محاميات وطبيبات وشاعرات تلبس القبعة ولا تختلف في الزي عن المرأة الأوربية, بعد أن كان يضرب بها المثل في التحشم والتخفي.
وقد ذكرت المؤلفة في هذا المبحث موقف "السلطان عبد الحميد" من سفور المرأة, مؤكدة أنه أحدث تغييرات في اللائحة التنفيذية لمكتب المعلمات عام 1895م, حيث أكد على التفريق بين الجنسين, كما ذكرت دور يهود "الدونمة" في هتك حجاب المرأة المسلمة في تركيا, وموقف مصطفى كمال أتاتورك المعادي بشدة لحجاب المرأة, حيث سن القوانين التي تحارب الحجاب وتنشر السفور.
وبعد أن تناولت المؤلفة وضع المرأة في تركيا منذ بدايات عصر الجمهورية, وتشجيع أتاتورك والعلمانية على سفور المرأة, ذكرت في المقابل المواجهات لهذه السياسة من قبل الأحزاب الإسلامية, وعلى وجه الخصوص حزب "نجم الدين أربكان" الذي كان على رأس الحكومة عام 1997, وصولا إلى عهد "رجب طيب أردغان" الذي يترأس الحكومة التركية حاليا, والذي استطاع أن يرفع بعض الحظر المفروض على الحجاب منذ عقود من الزمان.
كما تناولت المؤلفة موقف الصحافة التركية من قضية حظر الحجاب, وموقف المصلحين الإسلاميين الأتراك من هذه المسألة "كسعيد النورسي" و"سليمان حلمي" وغيرهم.
في المبحث الثاني من هذا الفصل تناولت المؤلفة قضية الحجاب والغرب الذي تصدى في الآونة الأخيرة لحجاب المسلمة, وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م, باعتباره مظهرا وتحديا إسلاميا يجب حظره, غير عابئين بمبادئ الدين والأخلاق وحرية الأفراد التي يزعمون حمايتها.
كما استعرضت المؤلفة معركة حظر الحجاب في فرنسا التي بدأت بوادرها منذ عام 1989م وانفجرت عام 2003م, لتتوالى خلال ذلك القرارات التي تؤكد على علمانية الدولة التي تعني محاربة الإسلام وشعائر المسلمين, كما تناولت في هذا الإطار ردود الأفعال العالمية تجاه الحظر الفرنسي للحجاب, والتي تراوحت بين مؤيد ومعارض لهذا القرار.
وفي ختام الكتاب استعرضت المؤلفة أهم النتائج التي توصلت إليها, بالإضافة إلى بعض التوصيات التي اقترحتها للحد من إثارة هذه القضية.
جزى الله المؤلفة خيرا على هذا الكتاب القيم ونفع به المسلمين. آمين.