الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فهذه وريقات ذكرت فيها صفة غُسْل الميت وتكفينه رجاء أن ينفع بها الله عزَّ وجلَّ من شاء من عباده. وأحب أن أنبه أنَّ المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تغسيل الميت وتكفينه نصوص عامة واجتهد أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم في بعض المسائل التي لم يرد فيها دليل خاص وهذه المسائل في الجملة تشهد لها النصوص العامة أو الخاصة لا سيما أنَّ المراد من الغسل والتكفين هو تنظيف الميت وإكرامه وستره.
صفة الغُسْل:
1- لا يحضر غسله إلا منْ يحتاج إليه:
لا يحضره إلا مما لابد من حضوره فالآدمي إذا مات صار جميعه بمنزلة العورة في الإكرام والاحترام ولهذا وجب ستره بالكفن وربما كان في الميت عيب يستره في حياته فلا يُطلع عليه بعد وفاته وربما ظهر منه أثناء الغسل ما لا يسر ففي حضور من لا يلزم حضوره والحالة هذه هتك لحرمة الميت.

2- غسل الميت مجرداً من ملابسه:
إذا وُضِع الميتُ على سرير غسله وأراد أن يشرع في غسله رفع غطاءه وجرده من ثيابه إن لم يكن جُرِد قبلُ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أرادوا غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه" [1] ويستر عورته وجوباً لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة" [2].

3- مسح البطن:
إن رأى الغاسل حاجة الميت إلى إمرار اليد على البطن فعل بقدر الحاجة ليخرج ما معه من نجاسة لئلا يخرج بعد ذلك وإن لم ير حاجة فلا يفعل والمروي عن النبي في عصر البطن لا يصح لكن ثبت ذلك عن السلف [3] وعليه جمهور أهل العلم [4] ثم ينجيه مما خرج منه وذلك بأن يلف الغاسل على يده خرقة أو يلبس قفازاً لئلا يمس عورته لأنَّ النظر إلى العورة حرام فاللمس أولى.

4- توضيته:
ثم يقول بسم الله ويوضيه وضوءه للصلاة مرة واحدة في أول الغسل فيأخذ خرقة فيبلها فيمسح بها أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه لأنَّ الحي يمج الماء ويستنثر إذا توضأ بخلاف الميت فيقوم المسح مقام غسلهما ثم يغسل وجهه ويتم وضوءه لأنَّ الوضوء يبدأ به في غُسْل الحي فكذلك الميت وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية - رضي الله عنها - في غسل ابنته زينب - رضي الله عنها: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" [5].

5- غسل الرأس:
إن كان الميت امرأة نُقِض شعرُها لقول أم عطية - رضي الله عنها - أنَّهنَّ جعلن رأس بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون" [6] ثم يغسل الرأس واللحية بالماء والسدر المطحون لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية - رضي الله عنها -: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتنَّ ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور" [7]، وإن جُعِل معهما شيء من المنظفات الحديثة فحسن لأنَّه أبلغ في التنظيف.

6- غسل الميامن:
يبدأ بغسل شقه الأيمن بالماء والسدر لعموم حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله"[8]، وخصوص حديث أم عطية - رضي الله عنها - فيغسل يده اليمنى من المنكب إلى الأصابع وكتفه وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يرفعه من جانبه الأيمن فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يغسل الأيسر كذلك فيغسل يده اليسرى من المنكب إلى الأصابع وكتفه وصفحة عنقه اليسرى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يرفعه من جانبه الأيسر فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه[9].

وإن غسل يده اليمنى من المنكب إلى الأصابع وكتفه وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وفخذه وساقه فيغسل الظاهر منه وهو مستلق ثم يغسل الأيسر كذلك ثم يرفعه من جانبه الأيمن فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يغسل شقة الأيسر كذلك. فلا بأس لأنَّ لفظ الحديث يحتمله[10].

فهذه الغسلة الأولى ويغسله في الغسلة الأخيرة بماء فيه كافور إلا إن كان الميت محرماً فلا يوضع في غسله كافور لأنَّ الكافور طيب والمحرم ممنوع من الطيب إلا بعد التحلل الأول في الحج فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رجلاً وقصه بعيره وهو محرم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه فإنَّ الله يبعثه يوم القيامة ملبياً" [11].

ويغسله بالماء والسدر بين ذلك إلى سبع غسلات أو أكثر إن احتاج لذلك ويجعل الغسلة الأخيرة وتراً. لما تقدم من حديث أم عطية - رضي الله عنها - وإن كان المتوفى امرأة سُرِّح شعرُها وجُعِل ثلاث ضفائر خلفها لقول أم عطية - رضي الله عنها - فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها" [12] وفي رواية "مشطناها ثلاثة قرون" [13].

هذا الغسل المشتمل على الواجب والسنن. أمّا الواجب فهو غسلة واحدة تعم بدنه لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث لم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بغسله بالماء والسدر ولم يذكر لهم صفة معينة.

7- تنشيف الميت:
إذا فرغ الغاسل من غسل الميت نشفه بثوب لئلا يبل أكفانه.

صفة التكفين:
1- عدد اللفائف:
يسن أن يكفن الرجل والمرأة [14] في ثلاث لفائف بيض فعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُفِن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحُولِية من كُرسُف ليس فيهن قميص ولا عمامة" [15] والمقصود بالأثواب هنا ثلاث لفائف لذلك قالت - رضي الله عنها -: ليس فيها قميص.

فالثوب في لسان العرب يطلق على كل ما يلبس على البدن سواء كان شاملاً له أو لبعضه وسواء كان مخيطاً أو غير مخيط فالإزار ثوب والرداء ثوب والقميص ثوب والسراويل ثوب والعمامة ثوب[16].

فتبسط اللفايف الثلاث بعضها فوق بعض بعد تبخيرها فقد أمرت أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - أن تبخر أكفانها [17] ثم يحمل الميت مستور العورة فيوضع عليها مستقلياً.

2- تطييب الميت:
يطيب لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقصته ناقته "ولا تمسوه طيباً" فيطيب رأسه ولحيته ويجعل الطيب في مفاصله ومغابنه وهي المواضع التي تنثني من الإنسان كطي الركبتين وتحت الإبطين فقد كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك" [18] وكذلك مواضع السجود لأنَّها أعضاء شريفة وإن طيب الميت كله فحسن لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - "ولا تمسوه طيباً" وعن نافع أنَّ ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يطيب الميت بالمسك يذر عليه ذروراً" [19].

3- رد اللفائف:
فإذا فرغ من تحنيط الميت يرد طرف اللفافة التي تلي جسد الميت من الجانب الأيسر على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الأيمن على شقه الأيسر لشرف اليمين ولأنَّه عادة لبس الحي ثم يفعل بالثانية والثالثة كالأولى ثم يعقد اللفائف إن خاف انتشارها.وإن كان الميت محرماً لا يطيب هو ولا أكفانه ولا يغطى رأسه لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

[1] رواه أحمد (25774) وأبو داود (3141) وابن ماجه (1464) - مختصراً - بإسناد حسن.
في إسناده محمد بن إسحاق مدلس لكن صرح بالسماع في رواية أحمد وأبي داود وغيرهما. والحديث صححه ابن حبان (6627) والحاكم (3/60) و ابن عبد البر في التمهيد (2/158) وحسن إسناده النووي في الخلاصة (3320) وابن الملقن في تحفة المحتاج (768) وقال ابن عبد الهادي في المحرر (510) رواته ثقات وحسنه الألباني في الارواء (702).
[2] رواه مسلم (338).عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
[3] حديث مسح البطن في أول الغسل "إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأ ببطنها فليمسح بطنها مسحا رفيقاً...". الحديث مداره على عبد الملك بن أبي بشير واختلف عليه فيه. فرواه:
1- ليث بن أبي سليم عنه عن حفصة بنت سيرين عن أم سليم رضي الله عنها مرفوعاً في حديث طويل رواه الطبراني في الكبير (25/124) والبيهقي (4/4). وليث بن أبي سليم قال الحافظ ابن حجر عنه: صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك.
وقال أبو حاتم في علل ابنه (1069) هذا حديث كأنَّه باطل يشبه أن يكون كلام ابن سيرين وقال الذهبي في مهذب سنن البيهقي (6014): في النفس من صحته وليث ليس بعمدة.
2- جنيد بن أبي وهرة أبو حازم.واختلف عليه فيه: فرواه عنه (1): عبد الرحمن بن سليمان عنه عن عبد الملك بن أبي بشير عن حفصة بنت سيرين عن أم سليم رضي الله عنها مرفوعاً عند الطبراني في الكبير (25/124). (2): رواه أبو المنذر يوسف بن عطية عنه عن عبد الملك بن أبي بشير عن محمد بن سيرين مختصراً مرسلاً عند البيهقي (3/388). وجنيد بن أبي وهرة قال ابن حبان في المجروحين (1/211) كان يدلس عن محمد بن أبي قيس المسلوب ويروي ما سمع منه عن شيوخه فاستحق مجانبة حديثه على الأحول كلها وقال الذهبي في الميزان (1579) له حديث في غسل الميت طويل منكر.
قال البيهقي: هذا مرسل وراويه ضعيف. وقال الذهبي في مهذب سنن البيهقي (5885) فيه جماعة ضعفاء.
قال أبو حاتم في علل ابنه (1069): ليس لأم سليم رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غسل الميت شيء. وقال ابن المنذر في الأوسط (5/329) ليس في عصر البطن سنة تتبع. قلت لعل مرادهما أي شيء ثابت. والله أعلم.
فالحديث ضعيف لاضطرابه والله أعلم. وقد صح عن ابن سيرين أنَّه قال: يعصر بطن الميت في أول غسلة عصرة خفيفة رواه ابن أبي شيبة (3/245) بإسناد صحيح.
[4] انظر: مصنف عبد الرزاق (3/403) ومصنف ابن أبي شيبة (3/245) والأوسط (5/329-330) والذخيرة (2/272) والبناية (3/212) والمجموع (5/171) والمغني (2/319).
[5] رواه البخاري (167) ومسلم (939).
[6] رواه البخاري (1260) ومسلم (939).
[7] رواه البخاري (1253) ومسلم (939).
[8] رواه البخاري (168) ومسلم (268).
[9] انظر: الأم (1/265) والمجموع (5/173) ونهاية المحتاج (2/447) والمغني (2/320) والكافي (1/251) والإنصاف (2/490-491) والفواكه الدواني (1/233).
[10] انظر: المجموع (5/173) ونهاية المحتاج (2/447) والمغني (2/320) والإنصاف (2/490).
[11] رواه البخاري (1267) ومسلم (1206).
[12] رواه البخاري (1263).
[13] رواه مسلم (939).
[14] أمَّا ما روي عن ليلى ابنة قانف الثقفية رضي الله عنها قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم رضي الله عنها بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند وفاتها وكان أول ما أعطانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر قالت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الباب معه كفنها يناولناه ثوباً ثوباً " رواه أحمد (26594) وعنه أبو داود (3157).بإسناد ضعيف.
الحديث رواه ابن إسحاق قال حدثني نوح بن حكيم الثقفي وكان قارئاً للقرآن عن رجل من بني عروة بن مسعود يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلى ابنة قانف الثقفية.
ابن إسحاق صرح بالسماع فأُمن تدليسه ونوح بن حكيم قال ابن القطان: مجهول الحال ولم تثبت عدالته ولا يعرف بغير رواية ابن إسحاق عنه وقال الذهبي في الميزان: لا يعرف وقال الحافظ: مجهول. وداود المذكور في هذا الحديث هل هو داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي الثقة أم غيره فيكون مجهول؟ محل نظر. انظر بيان الوهم والإيهام (5/53) وتهذيب التهذيب (3/189-190) والتلخيص الحبير (2/224). وعلى كل حال فإسناد الحديث ضعيف. والحديث ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2292) والألباني في الإرواء (723).
وانظر: مصنف عبد الرزاق (3/433) والفواكه الدواني (1/444) وطرح التثريب (3/274) وأحكام الجنائز ص: 65 والشرح الممتع (5/393)
[15] رواه البخاري (1264) ومسلم (941). سحولية منسوبة إلى سحول مدينة باليمن تحمل منها هذه الثياب. الكرسف: القطن.
[16] انظر: فتح الباري لابن رجب (2/386).
[17] رواه مالك (1/226) وعبد الرزاق (6152) وابن أبي شيبة (2/265) والبيهقي (3/405). ورواته ثقات. وصحح إسناده النووي في الخلاصة (3401).
[18] رواه عبد الرزاق (6141) بإسناد صحيح.
[19] رواه عبد الرزاق (6140) بإسناد صحيح.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/46244/#ixzz3Q0uxJ3Tv