تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: الجوهرة شرح القواعد الأربعة

  1. #1
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي الجوهرة شرح القواعد الأربعة

    إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
    وبعد،
    هل تفكرت يوما أن حاجتك لصلاح القلب واعتقاده أشد من حاجتك إلى الطعام والشراب؟!
    لا أشك لحظة أن كل واحد منا يمر بلحظات يبحث فيها عن سكينة القلب وسكونه ويفتش عن كيفية ينشرح بها صدره وينزع بها همومه ..فكيف السبيل؟
    الجواب: حسن الاعتقاد!
    والعقيدة وحسنها التي أتحدث عنها ليست كما يتوهم بعضنا تنظيرا فلسفيا!
    أن تتمكن من التلفظ بكلمات متقعرة جذابة، أن تتصدر المجالس للدرس والمناظرة..ليس هذا هو المطلوب منك كمسلم أو كطالب علم وإن كان بعض ذلك مطلوبا ممن فتح الله عليه في هذا الباب فتحا مباركا طيبا، لكن قبل ذلك لابد أن يعتني المسلم بأن يصحح قلبه ولسانه وجوارحه بما يحب الله ويرضى من قول وعمل.
    فالعقيدة أصل هذا الإصلاح لأنها تبدأ من القلب وتنضح على الجوارح قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ". متفق عليه.
    نريد تصحيح المعارف والمعلومات التي تمر بقلوبنا فنملأ وعاء القلب بالطيبات وننزهه عن دبيب الخبائث..
    نملأه بحب الله والخوف منه ورجاء رحمته ..هذا لا يتأتى إلا إذا عرفت الله فتحبه وتهابه وتخشاه، ولا يتأتى إلا إذا عبدت الله فخضعت له واستكنت واستراح قلبك وسعى لرضاه ..نحن بحاجة إلى معرفة الشرك وتركه والفرار من سبله ..وبحاجة إلى معرفة التوحيد والمسارعة إليه على صراط مستقيم.
    فإذا فعلنا ذلك انصلح حال تلك المضغة التي في جسدي فيزداد عمل القلب من حب ورجاء وينضح على الجوارح عملا صالحا!
    نريد أن نربي أنفسنا على التوحيد ..فنفهم معنى التوحيد ليس فقط من أجل "معرفة" مصطلح أو حفظ تعريف! بل لكي تمارس قلوبنا أولا التوحيد
    نريد أن تمارس ألسنتنا التوحيد
    نريد أن تمارس جوارحنا التوحيد
    يداك ..رجلاك
    يسعى العبد إلى أن يكون عبدا ربانيا ..قبل أن يتحرك لفعل يسأل نفسه: آلله آمرني بهذا؟ آلله يحب ذاك؟؟ أيوافق فعلي توحيدي لربي؟؟
    يخضع لله فلا يفعل شيئا إلا بما يرضي الله
    إذا فكر.. إذا تكلم.. إذا تحرك يسبق فكرته وزنا بميزان الشرع
    يفعل ما يحب الله ويترك ما لا يحب الله ولا يرضاه ..خاضعا في ذلك كله لله هكذا يمارس التوحيد كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان خلقه القرآن" صححه الألباني في صحيح الجامع.
    فسلوك وعمل موافق للقرآن هذه هي الممارسة الصحيحة للتوحيد فإن القرآن نزل ليقرر التوحيد الصحيح الكامل
    فصلاتك ليست حركات خاوية بل هي ممارسة للتوحيد ..ممارسة للعقيدة
    إذا وضعت رأسك على الأرض أنت تسجد للرحمن لا لشيطان ولا لإنسان
    تسجد لله تعالى ذلا له يعزك به في الأنام!
    عزتك عزة موحد لا تخضع رقبته إلا للمنان
    إذا طبقت قوله تعالى:" أذلة على المؤمنين" تتواضع لإخوانك وتخفض لوالديك جناح الذل من الرحمة ..ممارسة للتوحيد لأنك إذا سمعت الأمر خضع قلبك وجوارحك : سمعتُ يا ربي أمرك وأطعتُ!
    إذا طبقت قوله تعالى:" أعزة على الكافرين" فلا تخضع لهم ولا تواليهم ولاأذنابهم ولا تترك نفسك نهبا لهزيمة نفسية ولا لاتباع كل ناعق، تحرص على مظهر مخالف لهم ترفع رأسك بمعتقداتك بينهم ..كل هذا ممارسة للتوحيد خضوعا لله تعالى وتوحيدا له فأنت عزيز بالله بينهم!
    وهكذا
    كل ممارسة للطاعات هي في الواقع تطبيق التوحيد الخالص
    فتتغير صلاتك ..لم تعد تلك الحركات الخاوية من حضور القلب وخشوعه
    تتغير أفكارك فلم يعد ذلك الغثاء العشوائي يعشش في قلبك ..لأنك تنقيه وتعرضه على ميزان التوحيد
    تحدث في نفسك ثورة ..تمتد إلى بيتك ..فتستعر لهيبها في مجتمعك فأُمتك..فتصهر بنارها ما يضاد التوحيد "وأما الزبد فيذهب جفاء" وتضيء بنورها غياهب الظلمات "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور"
    ابدأ إذن!
    هلم نفكر بالتوحيد ..نجد لذة ممارسته
    أن تكون مناجاة الرحمن هي غاية أملي
    أتَعَلّم كيف أعرف الحق وأقبله فإذا قيل لي قال الله قال رسوله ..أسارع: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير!
    أتعلم كيف أكون مستسلما لله عز وجل خاضعا له ..أتعلم ذلك عملا وليس مجرد كلمات نتشدق بها ووقت الجد تذهب أدراج الرياح!
    أن تقول بلسان حالك ومقالك معا:"يارب ليس لي سواك ..سبحانك إني كنت من الظالمين"
    إذا أخطأت أعرف أن لي ربا أتوب إليه نادما فيقبل
    لم يجعل بيني وبينه واسطة يفضح خبيئتي ويرتشي ليدخلني على ربي!
    فقط أرفع يداي مباشرة وأركع وأسجد وأقول يارب اغفر لي فيجيب دعائي ويفتح لي أبواب رحمته! يفرح بتوبه عبده كما في الحديث الصحيح
    هكذا نمارس التوحيد:
    نخاف الله..ونحبه ..نرجو رحمته ونخشى عذابه..نفهم كيف نتبع النبي صلى الله عليه وسلم ونبجله "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"
    فهذه هي العقيدة المطلوبة منك أولا!
    واتباع النبي فقه!
    ولن يتمكن عبد من ممارسة هذا الفقه إلا بالتوحيد!
    أليست الصلاة والوضوء فقها؟؟!
    قل لي بربك ما الذي يحملك على أن تنهض من فراش وثير صيفا دافئ شتاء لتتوضأ بالماء إلا لو كان القلب يهتف قبل اللسان: لا إله إلا الله والله أكبر!
    قلبي هتف فنضح على لسانس وجوارحي فنطقت بالعمل..وإلا فلا!
    لماذا تصلي الظهر أربع ركعات لا خمسا وتؤمن أن الصلاة كتاب موقوت إلا أن تكون موحدا لله عالما أنه عز وجل "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون" وأنه سبحانه لم يخلق شيئا عبثا ولم يتركنا هملا
    لماذا تحج في مكة وليس في أمريكا؟! أو حتى المدينة؟؟ لماذا في هذا الوقت من العام وليس في أي وقت مما تشتهيه الأنفس؟؟
    لأنك موحد تمارس التوحيد بطاعة الله ورسوله وفقه كلام الله وكلام رسوله فالفقه الأكبر هو الاعتقاد الصحيح والتوحيد الخالص وعنه يمارس الإنسان الأعمال التي أمره الله بها "توحيدا" لله عز وجل
    فالدين نزل كاملا يقوم المرء يصلي الفجر خضوعا لله ومحبة ..ويصي العشاء وهو يكاد يسقط من فرط التعب لأنه يحب الله ولا يستطيع إلا السعي في رضاه!
    إذن التوحيد تطبيق ..ليس التوحيد كلمتين ورسمة منمقة لتقسيم التوحيد ودرجة طيبة في مادة تدرس في مدارس نظامية وأصابع تشير إليك أنك "ماهر" في التوحيد!
    فمن رام أن يكون ماهرا في العقيدة لم يكن سعيه محصورا في درجة طيبة في اختبار! ولا كان سعيه براعة المناظرة وحسن الكلام والاجترار!
    المهارة في العقيدة أن يكون المسلم قرآنا يمشي على الأرض، أن يسعى أن يطابق باطنه بظاهره، أن يراقب قلبه، أن يحرص على موافقه ما يرضي الرحمن وينأى بنفسه وقلبه عما لا يرضيه.
    هذا لا يتأتى بالنوم الهنيء والطعام المريء بل هو مما تنقطع في سبيله الرقاب وتفنى الأعمار في طلبه والقلب كله شوق وخشية وحنين ورجاء بلا اضطراب!
    قال تعالى":والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"
    فهل من مشمر على الطريق في جميل عفو الله مؤمل؟ فإن السعيد من تجنب سبل الشقاء "إلا من أتى الله بقلب سليم"
    فهلموا إلى البشرى فلو مات عبد على الجادة كتب له ما كان إليه يسعى
    "وما كان الله ليضيع إيمانكم"
    اللهم ارزقنا قلوبنا سليمة على التوحيد


    يتبع بإذن الله بنبذة عن متن القواعد الأربعة
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  2. #2
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    ما هو متن القواعد الأربعة؟

    هذه الرسالة هي عبارة عن أربع قواعد كتبها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لبيان التوحيد والشرك وتخليص التوحيد من الشرك
    كتبها بعبارة سهلة وبسيطة

    ما معنى متن؟

    المتن في اللغة من الظهر نقول: صعدت على متن السفينة أو متن الدابة يعني ظهرها
    وفي الكلام على المتون العلمية المقصود أن المتن هو صلب الكلام المكتوب كرسالة علمية أو كتاب علمي أو منظومة عن مسائل علمية
    في العقيدة مثلا هناك متن الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل متن سلم الوصول وهي منظومة للشيخ أحمد حافظ الحكمي
    مثل متون التجويد المعروفة كتحفة الأطفال والجزرية
    قد يكون فيه اختصار أو تطويل
    غالبا المتون المختصرة يحفظها طلاب العلم لاستحضار المسائل بكلام منمق ومنضبط وصحيح والمطولة يحرص على حفظها من يجتهد ويترقى في طلب العلم مع فهم معانيها
    ويمكن استخدام كلمة متن للدلالة على الفرق بين أصل الكتاب وشرح الكتاب
    يعني الآن نشرح متن القواعد الأربعة: أصل كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو المتن وأما الشرح فليس من المتن.

    متن القواعد الأربعة متن سهل وبسيط لو أنصفنا لقلنا أنه ليس بحاجة للشرح! ولهذا ليس له شروح كثيرة فعبارته بسيطة وسهلة ومسائله يسيرة
    لكن نحاول استغلال المتن ومسائله لشرح بعض المفاهيم وتوضيحها بإذن الله.

    من هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟

    أما سيرة الشيخ العطرة فلا تخفى وهي موجودة في الكتب بتفاصيل كثيرة
    لكن نذكر طرف من الكلام على الشيخ وسبب تأليفه لهذه المتون في الاعتقاد
    في كل زمان ينشأ فيه بدع وتنتشر فيه مصائب، يقيض الله عز وجل علماء أجلاء يصفون العقيدة من شوائبها وما يعلق بها من كدر.
    يحمل هذا الإسلام وهذا الدين من كل خلف عدوله.. أي أفضل الناس في ذلك العصر يقومون بواجب تبليغ هذا الدين وتنزيهه عن كل دخيل.
    والأمثلة كثيرة جدا على مر الزمان
    فمثلا لما انتشرت بدع المعتزلة وأمثالهم من أهل الكلام ولما انتشرت الشركيات على عهد ابن تيمية نشط ابن تيمية ومن بعده ابن القيم وتلامذتهم للرد على هذه الشبهات
    أيضا في منزل الوحي بعد عهود طويلة طال على المسلمين الأمد فقست القلوب ووقع الناس في الشركيات وعبدت الأصنام في جزيرة العرب وغيرها من بلاد الإسلام وانتشر التصوف بأنواعه المغلوطة وما فيه من ضلالات وبدع وشركيات خصوصا مع الظروف السياسية السيئة وضعف الدولة الإسلامية وتكالب الأمم علينا.
    أرض الحجاز وإن كانت بمنأى عن الغزو الغربي للبلاد الإسلامية من الناحية العسكرية إلا أنها لم تسلم من الوقوع في الشركيات لا سيما أنها كانت صحاري وقبائل متشرذمة فانتشر الجهل والشرك في الأرجاء نتيجة للجهل والضعف العام الذي ساد الدولة الإسلامية وتقلص دور العلماء.
    فظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتعلم العلم الصحيح والعقيدة السنية وبدأ ينشرها نشرا حثيثا وينكر الشركيات التي وقعت في الأمة من بناء الأضرحة وعبادة الأصنام والأولياء ..وبسبب انتشار التصوف ومذاهبه الهدامة إلى يومنا هذا يصفون من ينكر هذه الشركيات بالوهابية نسبة للشيخ وتشويها لدعوته وهذا خطأ فادح.
    كان في ذلك الوقت صار الإسلام عندهم هو مذهب التصوف الشركي بممارساته الشركية وخرافاته ومعتقداته الباطلة فصار من يعادي هذا المنهج الهدام مرمى لسهام الأعداء.

    يقال وهو قول صحيح أن العلمانية تعشق التصوف!
    وهو عشق مبني على كون منهج التصوف منهج خرافي مليء بالخزعبلات والدروشة يفصل الدين عن السياسة ويجعل من الدين ممارسات بعيدة عن التوحيد الخالص
    يقتل عقيدة الجهاد والولاء والبراء.
    فالتصوف مناسب جدا لقيادات العلمانية إذا أحبوا أن يظهروا الإسلام وهو مناسب لقيادات الغرب لأنه يجعل من المسلمين قطعان من الخرفان المسالمة التي لا تنكر منكرا ولا تعرف معروفا وتعيش في خزي واستسلام وانقياد للغرب يسمى زورا "تسامح" و"تعايش" و"قبول للآخر"! فيعيثون فسادا في بلاد الإسلام بلا رادع ولا نكير.

    إذن جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجارب هذه البدع والشركيات وكتب متونا كثيرة لمقاومة هذا التصوف الدخيل ومما كتب من متون هذا المتن السهل القصير العظيم النفع.
    هذا المتن عبارة عن قواعد أربعة إضافة إلى مقدمة وجميعهم بينهم تسلسل منطقي سيأتي في موضعه بإذن الله
    المتن يهتم بعمل التخلية للخطأ ..فيشرح معنى الشرك الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكيف بعثه الله لكي يحارب هذا الشرك فيخلو المكان للتوحيد الصحيح الخالص.
    فإذا وجد الإنسان شركا مشابها لما كان عليه كفار قريش وكفار العرب ينسب زورا إلى الإسلام تنبه من غفلته وقال لا هذا هو الشرك الذي بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم لمحاربته!
    إذن بهذا المتن نحاول عمل تخلية للقلب وتنقية من الشركيات لأن الضد بالضد يعرف.
    إذا أتيت برداء أسود وقلت هذا أسود فيناقشك أحدهم أنه ليس أسود فأفضل شيء هو أن نأتي برداء متفق على سواده ونضعه بجوار الرداء الأول وقتها يتبين إن كان فعلا الرداء الأول أسود أو رمادي أو كحلي اللون!
    ففهمنا للشرك الحقيقي الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والذي أرسل الله النبي بالإسلام لمحاربته وأهله يجعلنا إذا رأينا الشرك في زماننا عرفناه فنتجنبه ويخلو في القلب للتوحيد مكانا فيزهر وينير القلب ويجلوه ولهذا سنشرح التوحيد وأنواعه أيضا من خلال المتن.

    يتبع بإذن الله بشرح أول المقدمة
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  3. #3
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    أول المتن
    ((بسم الله الرحمن الرحيم
    أسأل الله الكريم ربَّ العرش العظيم أن يتولاَّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركًا أيْنَما كنت، وأن يَجْعلك مِمَّن إذا أعطي شكَر، وإذا ابتُلِي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنَّ (هؤلاء) الثَّلاث عنوانُ السَّعادة))


    الشرح
    بدأ الشيخ كعادة العلماء بقوله" بسم الله الرحمن الرحيم أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة وأن يجعلك مباركا أينما كنت وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة .."
    اختار الشيخ أن يبدأ بالبسملة وهذه طريقة كثير من العلماء مثل البخاري في صحيحة قال بسم الله الرحمن الرحيم كيف بدأ الوحي، وذكر بن حجر في شرح البخاري أن البدء بالبسملة يعد تأسيا بقوله تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، أول سورة نزلت في القرآن هي "اقرأ باسم ربك" ..
    إذن الله سبحانه وتعالى أنزل أول ما نزّل من القرآن اقرأ باسم ربك، فالبدأ بالبسملة تأسيا بقوله تعالى اقرأ باسم ربك الذي الله خلق.
    ويؤيد ذلك أن كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم للملوك كانت أيضا تبدأ بالبسملة.
    وهذا أيضا يمكن أن نعده نوع من التناسب بديع ولطيف : المتن صغير حجمه فكأنه رسالة أشبه برسالة لطالب العلم أو للعوام يتعاهدهم فيه الشيخ بنصيحته حرصا عليهم يبعث لهم رسالة نصح. ..
    تخيل مقدار اهتمام المرء إذا ما جاءته رسالة من شخص له مقام ويرسل له هذه الرسالة لحرصه عليه يتعاهده بالنصح والإرشاد! بالتأكيد يقرأها باهتمام وعناية.
    فهذه رسالة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب للمسلمين ينصح لهم بدأها ببسم الله الرحمن الرحيم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرسل الرسائل للملوك يدعوهم إلى الإسلام.

    ثم بدأ الشيخ بهذا الدعاء اللطيف
    " أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة وأن يجعلك مباركا أينما كنت...." وهذا الدعاء لابد أن يكون لنا وقفة معه، تخيل أيها القارئ سوء ما نحن فيه من الحال: نزعم أننا على الحق فإذا ما وجدنا من يخالفنا ولو في خلاف سائغ هجمنا عليه هجمة أسد مفترس!حديث الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه الرسالة عن الشرك وليس عن خلاف فقهي سائغ أو حتى غير سائغ، الكلام عن الشرك، ما هو الشرك، فداحة الشرك وفداحة طلب الشفاعة من غير الله عزوجل فداحة اعتقاد الإنسان الشفاعة المنفية، فداحة أن يظن المرء أن هذه الشركيات من الإسلام ويحسب أنه بفعله القبيح ذاك على الإيمان والإحسان!
    وقد قال تعالى :" أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " الأمر ليس سهلا ولا بسيطا
    والشيخ يوجه هذه الرسالة بالأصل إلى فئة واقعة في مصيبة وكارثة كبيرة، على شفا هلكة فكيف بدأ وكيف تلطف لهم في البيان؟؟
    بدأ يقول:" أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك.."
    أتدري معنى هذا الدعاء؟ أن يكون الله وليك الحديث مشهور من عادى لي وليا ..
    يدعو الشيخ لمن يقرأ الرسالة أن يجعله الله من أوليائه، وكأنه يقول إذا تقبل الله دعائي لك فلعلك تُقبل عليه سبحانه محققا التوحيد الصحيح الخالص نابذا الشرك بأنواعه دقه وجله...وهو الغرض الحقيقي الذي ينبغي أني كون في دعوة وبيان أي إنسان للحق.

    ومهما سعى الإنسان في أي طريق فلن يوفق إلا أن يوفقه الله "إياك نعبد ..هل بقوتنا؟؟ لا والله بل "إياك نستعين"
    فقبل أن أشرح لك التوحيد والشرك أسأل الله عز وجل أن يوفقني للبيان ويوفقك للإجابة ..فإنه عز وجل لو تولاك لأصلحك ولو أصلحك لقبلت الحق ولنبذت الباطل.
    ورغم أن البيان هنا بيان لمسألة شديدة ومخيفة فإنه إذا مات المرء على الشرك وهو يعلم أنه على خطأ وهوى صار مخلدا في النار والعياذ بالله قال تعالى :"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"
    ..فهذه مشكلة ..نحن لا نتكلم عن شيء بسيط ..لا نتكلم في مسأله فقهية بسيطة اختلف فيها العلماء وفيها سعة أو حتى فيها راجح ومرجوح خالف فيها أحد الطرفين مقتضى الدليل الصحيح بهواه! نحن نتحدث ليس فقط عن العقيدة ولكن عن أساس العقيدة أساس الإسلام كله ومع ذلك يبدأ الرسالة بثلاث سطور بالدعاء في غاية اللين والرفق والتلطف "أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة" !

    فكيف بنا في أخلاقنا؟؟ وكيف يجب أن نكون؟
    إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت أخلاقه بهذا الرفق واللين ..والرفق واللين لا ينافي الحزم والقوة في موضعها لكن نسأل الله أن يرزقنا الحكمة والسداد
    فالشيخ يقتدي ويتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ويظهر الحرص والرحمة بالطالب أو المدعو كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أصحابه وعلى إسلام أمة الدعوة حتى الله تعالى أنزل في القرآن " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "..
    باخع نفسك: أي مهلكها، كان صلوات ربي وسلامه عليه حزينا شديد الحزن على من أعرض عن قبول الحق والإيمان، النبي صلى الله عليه وسلم يتحسر عليهم فينزل قوله تعالى :"فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"
    هل نستشعر هذه الشفقة المشروعة مع الكفار والواقعين في الشرك؟ هل نهتف من داخلنا أن هلم يا إخواننا أقبلوا للحق، لا تتركوا أنفسكم تتفلت إلى النار كبرا وعلوا
    هي والله لفتة كريمة من الشيخ أتمنى أن تنساب نسائمها في عقول كل قارئ من طلاب العلم وطالباته خصوصا من سمت همته ويريد أن يدعوا إلى الله عزوجل ويستعلن برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ..
    فنقول له :كن شفوقا بالمدعو ..ليكن عندك شفقة قدر استطاعتك، ليكن عندك حرص على المدعويين وأظهر لهم رحمتك، حتى في إدبارك كن رحيما شفوقا وادع لهم بالهداية لا سيما أننا غالبا ما نخالط مسلمين عصاة، حتى لو استخدمت الحزم والقوة لا تحرم قلبك من أن يفيض شفقة ولا تجعله يحمل غلا وحقدا منبعه حب الانتصار للنفس لا تأخذ الأمور بمحمل شخصي وكأن على الناس أن يقولوا لك أنت سمعنا وأطعنا، وكأن المخالف لك أهانك وتنقص منك.
    إياك والخلط بين غضبك لنفسك والغضب لله، لو كان الغضب لله لغضبت كما يحب الله فلا تلبس الحق بالباطل فإن الله تعالى قال :" وللبسنا عليهم ما يلبسون" فلا يكونن في قلبك غضبا لنفسك على غرار:"كيف لم يطيعوني ويسلموا لي، لا يعرفون قيمتي ألا يدركون من أنا؟!"
    فالغضب لله تجد الغاضب يزن بميزان الشرع لا ميزان الهوى
    وفي حديث عائشة المشهور وقفات مهمة تبين هذه المسألة الدقيقة
    يتبع بإذن الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    نجد
    المشاركات
    1,082

    افتراضي

    جزاك الله خير

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    جزاكِ الله خيرا ،، واصلي وصلك الله بهداه
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  6. #6
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    وإياكم أخواتي أم علي وطالبة فقه
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  7. #7
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    وقفات مع حديث الرفق
    عند الدعوة إلى الله لابد من وجود الشعور بالرحمة والشفقة في القلب. فيكون الإنسان رفيقا كما يحب الله عز وجل فالله تعالى رحيم يحب الرحمة ويحب الرفق في الأمر كله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
    حينما جاء اليهود وقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام : السام عليك، هم يهود كفار
    دعونا نتخيل الموقف، لو أننا اليوم في عصرنا هذا سخر من نقابك إنسان للأسف نجد منا من يتلفظ بألفاظ لا تليق ويعلو صوته ويصدر منه تصرفات غير لائقة وقد يسخر ممن فعل ذلك وقد يعايره بشيء يعرفه عنه معايرة لا تحل له ..الخ يزعم أنه ينتصر لله! والحقيقة أن هذا غضب للنفس وانتصار لها وانسياق خلف شهوة إنفاذ الغيظ.


    حين جاء اليهود وقالوا ما قالوا غضبت السيدة عائشة غضبا شديدا وغضبتها حبا للنبي صلى الله عليه وسلم ..وحب النبي من الإيمان ..فقامت وقالت السام عليكم والغضب يا أبناء القردة والخنازير ..
    هذا كان فعل السيدة عائشة رضي الله عنها، أما النبي صلى الله عليه وسلم لما قالوا له السام عليكم رد بكلمة واحدة فقال " وعليكم " ولم يزد.
    السيدة عائشة غضبت وقالت ما قالت ..فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها "مه يا عائشة إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه " ..وفي رواية أخرى .."إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " فقالت له :يا رسول الله ألا ترى ما يقولون؟؟ ..فقال :أنا قلت وعليكم يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا ..الله سبحانه تعالى يؤيد النبي صلى الله عليه وسلم ..فكلمة بني يهود لا تؤثر ولا قيمة لها نحن على الحق وهم على الباطل وكلمة أهل الباطل لا قيمة لها وكلمة الله هي العليا لكن أنت يا عائشة تكلمي بالرفق الذي يحبه الله عزوجل لأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ..
    هي غضبت للنبي صلى الله عليه وسلم ..فما بالك إذا كان غضبك لنفسك؟ والأسوأ أن نحاول إظهار هذا الغضب كأنه لله وليس كذلك فكم من حرمة لله تنتهك لا تمسنا لا نغضب لها ولا ننفعل ولكن إذا كان الأمر متعلق بنا كانت الثورة والفورة حاضرة! بل نفس الكلام إذا خرج من شخص قريب وحميم قد يمر بلا غضب ونبرر له الكلمة ونحملها على وجوه!
    فالسيدة عائشة كانت غاضبة لله تعالى ..غاضبة للنبي صلى الله عليه وسلم ..ومنا من تسمع استهزاء أو يعني تنقص أو شبهة استهزاء بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وتمررها مر الكرام بل يضحك بعض من يزعم أن غضبه لله على طرائف تقال لها مسيس بالدين ولو من بعيد فلا نغضب ولا ننفعل بل ولا ننتبه!!
    إذن نحن بحاجة إلى تفقد القلب لمعرفة هل الغضب لله أو لغير الله؟ نحن بحاجة إلى ان نغصب لله حقا ولا تأخذنا فيه لومة لائم في المواضع التي تحتاج إلى هذا وإذا غضبنا لله نغضب كما يحب الله ثم علينا أن ننقي قلوبنا من حظوظ النفس ولا نخلط بين الغضب لذواتنا والغضب لله
    الوقفة الثانية مع الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: وعليكم!
    بعض الناس يريد من أهل الدعوة أن يكونوا متبلدين مغفلين لا يغضبون ولا يقتصون ولا يأخذون مواقف حازمة، يريدون منهم أن يأخذوا الإهانة بترحاب وسعادة! ثم هم ينسبون هذه الأفكار الباردة إلى الدين ويقولون هذا هو الرفق! وهذا غلط كبير وتجنٍ على الشرع
    لكن الأمر يحتاج إلى حكمة وصدق مع الله، إذا تفقد المرء قلبه وعرف قدر نفسه ومولاه يغضب في المواضع التي يحب الله أن يغضب فيها ويعمل في غضبه ورضاه بشرع الله قدر المستطاع وعندها لن نجد من يغضب إذا راجعه من هو أقل منه علما بل تراه يخضع للحق إذا بدا.


    إذا أردنا أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ننظر : كان صلوات ربي وسلامه عليه يدعو فيعصيه قومه وهم يعرفون نسبه وصدقه وسمته وظل يدعو في مكة حوالي عشر سنين فكم إنسان آمن به؟ أسلم سبعون فقط! اليوم إذا أطاعك ألف وعصاك واحد يضيق صدرك! ويصاب الإنسان بالحزن والإحباط لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبر ..وطريق الأنبياء هو طريق الدعوة شاق ومليء بالأشواك ويحتاج صبر وسعة صدر نسأل الله أن يهدينا، النبي صلى الله رغم كل الأذى يقول " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون."
    والشيطان له فخاخ فقد أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى فقال "فبعزتك لأغوينهم أجمعين" والشيطان ليس كبني الإنسان يقسم القسم ويكفر عن يمينه بل أقسم القسم ولازال يعمل جاهدا على بره! فهو قاعد لنا على الصراط فإذا غفلت لحظة لا تأمني الوقوع في فخه
    نسأل الله عزوجل أن نفوق من الغفلة وأن يرزقنا اليقظة ...

    قد أخذنا يمنة ويسرة لكنها وقفة مع كلمة صدرت من الشيخ في صدر المتن وكأنها مست جرحا لنتعلم منها أن الإنسان لابد أن يكون عنده رغبه في هداية الناس وعنده تواضع لله سبحانه وتعالى أما أن يكون في القلب غل وحقد ورغبة في الإنتقام وتحقير المدعو والتنقص به فنسأل الله عزوجل السلامة.
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  8. #8
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    نعود للمتن
    يقول الشيخ "أسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك .."..
    ما معنى يتولاك ؟
    الولاية من المحبة والنصرة والتأييد
    الله سبحانه وتعالى يقول "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.."
    من هؤلاء؟ نريد أن نكون منهم يارب فإنهم في أمن لا أحد يخاف عليهم فهم في معيتك وحفظك ولا حزن عليهم بل انشراح صدر ورضا في الدنيا وسعادة باقية في الآخرة
    من هم؟؟ "الذين آمنوا وكانوا يتقون" ...
    ليس المطلوب منا أن نقول بألستنا "لا إله إلا الله" فينتهي الأمر ونكون من أولياء الرحمن! من يريد الولاية أن ينصرك الله ..يحبك ..يؤيدك لابد من التقوى أي أن الإنسان يتحرى ما يحبه الله ويرضاه، إذا عمل عملا في دينه أو دنياه استبقته الخشية تحف عمله وتمنعه من الانحراف عن الصراط المستقيم، استبقته المحبة والرجاء تحدوه شوقا فيتخير ما يفعله، كأنه يمشي في طريق شوك يشمر عن ساقيه ويتحرى موضع قدميه!
    تأملي هذا الحديث :"ما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ..ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ..فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر بها ورجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ."
    يتبع بإذن الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  9. #9
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    أريد أن أكون من أولياء الله الصالحين!
    فماذا أفعل وكيف أبدأ؟؟

    كما في الحديث أول ما يبدأ به من يريد أن يكون من أولياء الله هو أن يتقرب إلى الله بما افترضه الله عليه
    كثيرا ما يتعجب المرء من حاله إن كان متأملا فيه حق التأمل حين يجد نفسه مصليا للقيام في رمضان مثلا يطيل فيه القيام ويخشع ويطيل الركوع والسجود ويدعو الله ويتلمس البكاء، في حين أن صلاة العشاء التي صلاها قبل هذا القيام الجميل لم تأخذ منه أي جهد لتخرج في أبهى حلة!
    بل ربما قال في نفسه صل العشاء سريعا حتى..أقيم الليل!!
    العشاء فرض والتراويح سنة فكيف يحسن السنة ولا يجتهد في تحسين الفريضة؟
    هذا من عجائب أحوالنا والله المستعان وهذا من فخاخ الشيطان يزين لنا المفضول على حساب الفاضل فيترسخ في أذهاننا أفكار غير صحيحة تخرج في طريقة أداء العبادات حتى لو سلسلت الشيطاين فالفكرة باقية قد عششت في القلب والعقل وأفسدت علينا الطريق إلى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وعلى هذا قس طاعاتك: بر الوالدين، طاعة الزوج...تجد أن هوانا يميل مع حضور مجلس علم مثلا على حساب هذه الواجبات، وتسأل الأخوات؟ ما درس العلم الذي قدمتيه على بر الوالدين وطاعة الزوج؟ تقول ألفية ابن مالك!! أو متن الشاطبية ودرس قراءات... إلخ الخ
    يا أختي هذه فروض كفايات وبر الوالدين وطاعة الزوج فروض أعيان، نحن لسنا بصدد تعليمك كيفية الصلاة والصوم وما افترضه عليك ربك من العلم الشرعي الذي لا يقوم دينك إلا به
    تقول: أنا داعية أو أنا أريد أن أكون داعية!
    طيب ووالدتك؟ ربي يتولاها!
    زوجك؟؟ أولادك؟؟ بيتك؟؟ زوجي لا يوفق لكن قيل لي لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق!! وهل ترك مجلس فضل طاعة لزوجك أو أمك أو تقديما لحقوق أحقها الله عليك يعد معصية؟ أم ترك ما افترضه الله عليك هو المعصية؟ سبحان الله
    فهذا من التلبيس ولا حول ولا قوة إلا بالله
    هنا تظهر الآفة: أنا أحب المجلس، أنا أجد نفسي في المجلس، أنا أشعر بالراحة في المجلس الخ الخ
    إذن قدمت ما هو مفضول على الفاضل لهوى في نفسك ...فليس هذا لله بل هو حظ النفس
    تركت أمك وعيالك وزوجك وبيتك، لهذا كثيرا ما نجد متصدرا للدعوة ذكرا أو أنثى وقد انشغل عن أولاده حتى أن منهم من لا يصلي ومن بناته من لم ترتد الحجاب..نعم الهداية بيد الله لكن أول من عليك أن تبذلي له خيرك الذي اختصك الله به هو الأقربون فهم الأولى بالمعروف

    إذن نبدأ بالفروض لأن الله أحب ماافترضه عليك وأحب أن تتقربي إليه بما افترضه عليك
    والمجاهدة على تحسين ما افترضه الله عليك والتقرب بذلك إليه والمداومة على ذلك نعمة من الرحمن، وقد قال النبي صلى لله عليه وسلم:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"
    إذن نبدأ بما "افترضه الله" ثم ننتقل للنوافل و"أدومها وإن قل".
    يعني حين نشرع في عمل نافلة نتخير ما نستطيعه حسب حالنا وظروفنا ثم نثبته كما ورد عن السيدة عائشة أنها كانت إذا عملت عملا أثبتته يعني استمرت عليه وداومت مجاهدة في ذلك فإذا ثبت ننتقل لغيره وهكذا تماما كالبناء طبقات محكمة وطوابق بعضها فوق بعض
    كذلك لابد أن نعرف جيدا أن طلب العلم بلا عمل ليس من أسباب دخول الجنة ولا من أسباب ولاية الله، بل المطلوب العمل بهذا العلم فقد يتعلم الإنسان آية واحدة فقط يعمل بها فتكون سببا في دخوله الجنة، ورُبّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه!والقرآن ليس كلاما نردده بل هو كلام الله لنخضع له ونعمل به وكلنا يعلم ما جاء في صفة الخوارج حيث قال النبي عنهم "تحقرون صلاتهم إلى صلاتكم" وأنهم "يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم"..
    الصحابة وهم من هم، وكلنا يعرف صلاتهم وخشوعهم لكن إذا رأوا هؤلاء يحقر أحدهم صلاته إلى صلاة هذا ورغم ذلك لم تنفعهم هذه الصلاة.
    كذلك قراءتهم للقرآن لم تتجاوز النطق باللسان والحنجرة فلم تمر إلى القلب ولم يتأثر بها ويستشعر القرآن ولم يعمل به كما ينبغي بل اتخذ القرآن مطية للتلبيس على نفسه

    إذن المطلوب هو تحسين ما افترضه الله علينا ثم الأخذ من النوافل والمداومة وإن قل العمل.. بشرط حضور القلب.
    ولنعلم جيدا أننا كلنا مفرطون مهما كان كم العمل وكيفيته فلا ينبغي أن يشعر الإنسان بالفخر بل عليه أن يشعر بالفقر! فالافتقار إلى الله لب العبودية
    فلنعمل ما يحب الله بجوارحنا وقلوبنا رجاء رحمة الله وثوابه وحبا في الله وخوفا منه وخشية ...وليقبل كل منا على الله مجتهدا في ذلك لعل الله يتقبل ويجعلنا من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
    فهذا أول دعاء الشيخ أسأل الله أن يتولاك
    يتبع إن شاء الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  10. #10
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    تابع المتن
    "وأن يجعلك مباركا أينما كنت .."
    ..ما هي البركة ؟؟البركة من الزيادة والنماء
    ما معنى أن يكون الإنسان مباركا أينما كان؟
    البركة قد تكون في الدنيا أو الدين لكن البركة الحقيقة أن يكون الإنسان على طاعة داعيا إلى طاعة فيزداد إيمانا ويترك في كل حل له وترحال بصمة تشهد له يوم القيامة وتزيده عند الله رفعة ودرجة
    قال تعالى :"ِإذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)"
    قال ابن كثير : أَيْ تُحَدِّث بِمَا عَمِلَ الْعَامِلُونَ عَلَى ظَهْرهَا
    فإذا تكلمت الأرض وأخبرت عما كان يحدث عليها حدثت عنك بخير وطاعة فليحرص الإنسان على ذلك وأن يكون له في كل مكان ينزل فيه طاعة وخير.


    ثم قال الشيخ "وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا اذنب استغفر فإن هؤلاء الثلاثة عنوان السعادة"
    وهذه من المعاني التي استفاض ابن القيم في تقريرها وبسطها
    الإنسان يتقلب بين ثلاث: نعمة هو محتاج إلى تقييدها بالشكر، وابتلاء هو محتاج إلى الصبر عليه، وذنب هو أحوج شيء إلى الاستغفار منه.
    فإذا لزم الإنسان الشكر على النعم والصبر عند البلاء والاستغفار عند الذنوب فقد حاز عنوان السعادة الحقيقة، فهو في تقلبه بين أحواله على طاعة : شكر عند نعمة وصبر عند محنة واستغفار عند ذنب
    والصبر لا يختص بالمحن بل الصبر على الطاعات وعن المعاصي أشد من الصبر على المحن لكن ليمكننا أن نقول أن هذين النوعين داخلين في الشكر على النعم والاستغفار إذا أذنب
    لأن الشكر عمل وطاعة بالجوارح كما قال تعالى :"اعملوا آل داوود شكرا"
    والاستغفار نوع من الصبر عن المعصية فالتوبة والندم وترك المعصية مجاهدة في تركها
    والكلام عن عنوان السعادة فيحتاج إلى إجمال دون الخوض في دقائق التفاصيل

    لماذا قال الشيخ أن يجعلك ممن إذا أعطي شكر ولم يقل إذا أعطي حمد؟
    هناك فرق بين الحمد والشكر وهذه هي أول مسألة علمية تقابلنا في شرح المتن.
    كطالبة علم عليك أن تفهمي بعض المصطلحات مثل هذا المصطلح الذي سيقابلنا الآن في هذه العبارة : الحمد والشكر بينهما عموم وخصوص
    ما معنى بينهما عموم وخصوص؟
    الشكر يكون عملا بالقلب واللسان والجوارح قال تعالى "اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور" فما يفعل المرء من عمل لله طاعة لله بجوارحه شكر لله على نعمه
    فغض البصر بالعين داخل في شكر نعمة العين، وتعليم العلم لله داخل في شكر نعمة العلم النافع، وكل ما يفعله العبد من طاعات شاكرا لله نعمه بجوارحه ولسانه داخل في الشكر وعندنا سجود الشكر إذا حدثت للإنسان نعمة.
    كذلك قول المرء اللهم لك الحمد والشكر هذا شكر باللسان، وما يكون في القلب من عمل من الامتنان والشكر لله كل هذا داخل في الشكر
    لكن الحمد يكون بالقلب واللسان فما يكون في قلب العبد وما يجري على لسانه من ثناء على الله فهو من الحمد.
    فالحمد أقل من الشكر من هذه الجهة لأن الشكر يزيد على الحمد بدخول عمل الجوارح في الشكر.
    ولكن من ناحية أخرى : الشكر يكون في مقابل النعم والحمد أعم فيكون في مقابل النعم وللثناء بالصفات الحميدة على المحمود فمثلا ما يجري على اللسان والقلب من كلمات الصبر تدخل في الحمد كما في الحديث القدسي :" إذا مات ولدُ العبدِ قال اللهُ لملائكتِه : قبضتُمولدَعبدي ؟ فيقولون : نعم . فيقول : قبضتُم ثمرةَ فؤادِه ؟ فيقولون : نعم . فيقولُ : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمِدك واسترْجَع"
    كذلك نحمد الله على جميل صفاته يعني نثني عليه عز وجل بأنه سبحانه قوي عزيز وأنه جميل يحب الجمال وأنه رب العالمين
    ونشكر الله على النعم والآلاء
    إذن هنا نقول أن الشكر أقل من الحمد من هذه الناحية
    وهذا معنى بينهما عموم وخصوص
    فحين يكون الحمد أعم (أكثر) يكون الشكر أخص (أقل) وحين يكون الحمد أخص (أقل) يكون الشكر أعم (أكثر) فكل واحد منهما أعم من ناحية وأخص من ناحية

    وللتوضيح يرجى النظر في هذا الجدول:


    ومن ضمن أهداف تعلم العلم الشرعي أننا حين نفتح كتب أهل العلم نفهم المصطلحات التي يستخدمها العلماء فنفهم مثلا إذا قرأنا تفسير سورة الفاتحة لماذا قال تعالى "الحمد لله رب العالمين" يعني الحمد لله على كل نعمه وآلائه ونحمده سبحانه ونثني عليه بصفاته وربوبيته وأنه هو الملك وعلى رحمته ..الخ الآيات وفي وقوله تعالى :" اعملوا آل داووم شكرا" يعني هذه الطاعات شكر لله على ما من به على عباده من نعم وآلاء
    كذلك حين نقرأ في التفسير أن بين الحمد والشكر عموم وخصوص نفهم معنى هذا الكلام ويكون مألوفا لنا
    فإذا تدبر الإنسان في القرآن فهم هذه المعاني وإذا قرأ في كتب أهل العلم فهم مقصودهم بالكلام

    هل يقال للإنسان حمدته؟
    يتبع بإذن الله
    الصور المرفقة الصور المرفقة
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2013
    المشاركات
    60

    افتراضي

    حزاك الله خير

  12. #12
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    وجزاكم الله خيرا
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  13. #13
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    هل يقال للإنسان حمدته؟

    نعم يمكن أن يقال للإنسان حمدته، فالحمد قد يصرف للبشر وهناك من اسمهم محمد وأحمد ومحمود بل نبينا صلى الله عليه وسلم من أسمائه أحمد ومحمد كما في الصحيح، وهما اسمهان مشتقان من الحمد
    ولكل مقام مقال فمن الحمد ما لا يصرف إلا لله تعالى
    وقد قال الله عز وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم:"بالمؤمنين رءوف رحيم"
    والله تعالى هو الرءوف الرحيم
    فهذه صفة تقال للبشر وتقال لرب البشر ولكن لكل منهما ما يليق به فالرأفة والرحمن من الله هي كما تليق بذاته عز وجل ليس كمثله شيء في ذلك، والرحمة والرأفة من العبد كما تليق بضعفه وكونه مخلوق
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  14. #14
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    ثم قال الشيخ يكرر الدعاء " اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ: أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ، وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ"
    ما معنى الحنيفية ؟؟
    الحنيفية في اللغة الميل
    والقصد في المتن الميل من الشرك إلى التوحيد
    فكلمة حنيفا التي ذكرت في القرآن وصفا لديانة سيدنا إبراهيم " ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " أي مائلا عن الشرك إلى التوحيد ..
    وكان المشركون قد رسموا صورة سيدنا إبراهيم ووضعوها في جوف الكعبة إنه كان يستقسم بالأزلام يصفونه بالشرك ويزعمون أنهم على ملته فنزل القرآن يكذب ذلك , أنتم لستم على ملة إبراهيم لأن سيدنا إبراهيم كان مائلا عن الشرك إلى التوحيد

    إذن ملة إبراهيم عليه السلام هي الحنيفية أي الميل من الشرك إلى التوحيد وهي ملة الإسلام
    ما هو الإسلام ؟؟ أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ..
    ولكي نفهم العبارة بطريقة صحيحة نحتاج لبيان بعض المعاني

    العبادة:
    أن تكون عبدا لله يعني أن تتخير ما يحبه الله وبرضاه من قول وفعل سواء بالجوارح أو القلب فتعمل به
    فالتعريف الاصطلاحي للعبادة : هي كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة
    وتعريف آخر: هي غاية الحب مع غاية الذل
    ما معنى ذلك؟؟؟
    يعني الإنسان عليه أن يتقرب إلى الله متذللا له بما يحبه الله ويرضاه
    في اللغة إذا قلنا طريق معبد يعني مذلل سهل ليس عسيرا أن تسير فيه فإذا صار الإنسان عبدا لله كان سهل الانقياد لأمر الله مستسلما له يتذلل لله عز وجل
    نلاحظ أن هناك معنى لغوي ومعنى اصطلاحي
    المعنى اللغوي أوسع ويشمل استخدام اللفظ في العبارات المختلفة
    أما المعنى الاصطلاحي فهو المعنى المخصوص الذي اتفقت جماعة على استخدامه استخداما معينا، فلكل حرفة مثلا مصطلحات معينة يستخدمها أهلها للدلالة على معان معينة لا شك أن هذه الألفاظ لها ارتباط بنحو أو آخر بمعنى لغوي للكلمة،فهناك ما يجمع بينهما ولا شك لهذا ففهم المعنى اللغوي مهم لكي نفهم المعنى الاصطلاحي ونربط بينهما.

    نعود لمعنى العبادة:
    العبادة في اللغة تعود لأصل يحمل معنى الذل واللين كما في كتاب مقاييس اللغة وفي الاصطلاح هي غاية الحب مع غاية الذل فإذا صرف الإنسان الحب الشرعي الممزوج بالذل والخضوع والاستكانة لله تعالى فأطاع الله وعمل بما يحبه الله ويرضاه فهو بذلك يتقرب لله ويتعبد له فهذه عبادة
    ما معنى أن العبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة؟
    مثلا معروف عند كل الناس أن التسيبح والصلاة والصوم عبادات وهي أفعال ظاهرة، فهل يعلم الجميع أن أعمال القلوب أيضا عبادات؟ بل هي من أعظم العبادات أيضا والقربات إلى الله تعالى.
    فالخوف من الله طاعة وحب الله أصل الإيمان ورجاء رحمته عز وجل طاعة وقبول ما يسمع والخضوع له بالقلب أولا طاعة يتبعها انقياد الجوارح فالقلب ملك والجوارح جنوده.
    كذلك فهناك أفعال كثيرة يظن بعض الناس أنها من الدنيا وأن الدين لا شأن له بها! وهذا غير صحيح
    بل كل ما يحبه الله تعالى طاعات وقربات
    فبر الوالدين طاعة وعبادة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وحسن الخلق طاعة، بل المباحات إذا اقترنت بنية (عمل قلب) صارت طاعة، فالنظافة والعناية بالمظهر بغير إسراف ولا مبالغة طاعة لأن الله جميل يحب الجمال
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن مظهره ويعتني بنظافته ويرجل شعره وهو صلوات ربي وسلامه عليه تمعر مظهره لما رأى فقراء المسلمين قد لبسوا الصوف لا يجدون ثيابا غيره وأمر بالصدقة.
    كذلك تزين المرأة لزوجها بنية حسنة لها أجر، وتزين الرجال للمساجد والصلوات بما لا يخرج عن حد الاعتدال بنية حسنة طاعة قال تعالى:" خذوا زينتكم عند كل مسجد"
    إذن العبادة ليست كما يظن بعض الناس أنها صوم وصلاة وشعائر محصورة في بعض الأفعال، وليست هي الأركان الخمسة فحسب، بل العبادة مفهوم أشمل من ذلك وأوسع هي كل ما يحبه الله تعالى وأخبر في كتابه أو أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن الله يحبها.
    والإسلام لم يترك شيئا إلا وكان مهيمنا عليه : فللنوم سنن وأذكار ولدخول الخلاء سنن وأذكار وللتجارة فقه وللنكاح والطلاق فقه وتعامل الزوجين له فقه وتتسع الدائرة من فقه الفرد إلى فقه المجتمع إلى فقه الدولة الإسلامية بالكامل فينبغي أن يسوس المرء نفسه بالإسلام ويسوس المجتمع نفسه بالإسلام وتسوس الدولة مؤسساتها وتدار بالإسلام وبذلك يكون المرء عبدا لله ويحقق في نفسه ومجتمعه ودولته مفهوم العبادة الصحيح.

    يتبع بإذن الله
    بركائز العبادة وشروط صحتها
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  15. #15
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    ركائز العبادة
    هناك شروط لصحة العبادة وهناك ركائز تقوم عليها العبادة
    نبدأ بشرح الركائز التي ترتكز عليها العبادات
    الركائز هنا هي الأمور التي يعتمد عليها لتقوم العبادة ..كأن هناك شيء مدفون في صدرك يستثير العبادة فتقوم متكئة عليه
    إذن هي حافز يجعل العبادة تصدر عنك
    العبادة كمت ذكرنا هي ما يحبه ويرضاه فأيّ شيء مذكور في القرآن يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه سواء كان هذا الشيء قول أو فعل سواء كان عمل ظاهري أو قلبي فإنه عبادة.
    لكي يتحرك الإنسان مريدا لما يحبه الله عاملا به يجتمع في قلبه ثلاث أمور: محبة الله والخوف منه ورجاء رحمته
    لن تقوم عبادة إلا باجتماع أصل هذه الأعمال القلبية في صدرك، تتفاوت من شخص لآخر بحسب قوتها، وتتفاوت في استشاعر الإنسان لها بحسب قوتها وحضور قلبه واجتهاده، لكن لا تقوم عبادة إلا بوجود أصول هذه الأعمال في العبد وإلا فليس ما يمارسه عبادة.


    يقوم المرء لصلاته حب في الله عز وجل، حبا في طاعته سبحانه، حبا في الإسلام، خوفا من الله الذي يراك ويسمعك، مخافة أن يعاقبك، رجاء القبول والجنة والثواب، رجاء قبل الدعاءوتفريج الكربات..
    نعم قد لا يستحضر الإنسان هذه المشاعر الطيبة لأن قلوبنا فيها غفلة لكنها موجودة، لابد من وجود أصلها في القلب وإلا لن يقوم المرء لصلاته.
    وعلى قدر استحضار العبد هذه الأعمال القلبية على قدر نشاطه في العبادة وعلو همته وشعوره بلذة الإيمان، والغفلة عن المحبة والخوف والرجاء يجعل العبادات أقرب للعادات وينقص لذتها وهذه المشكلة يعاني منها أكثر الناس وعلاجها أن تستحضر أن قيامك للصلاة حبا لله رغبة فيما عنده رهبة منه.
    فإذا أيقن العبد أن هذه العبادة لن تقوم إلا بهذه الركائز الثلاثة ولم يترك نفسه نهبا للغفلة والوسوسة فسيرى مع الوقت لذة العبادة ويستشعرها.
    قد يغلب على العبد تارة استشعار المحبة أكثر أو الرجاء أكثر أو الخوف أكثر لكن لابد من وجود الثلاثة معا ولو تغلب أحدهم وهيمن على المشاعر الأخرى
    لكن إذا اختل التوازن بحيث سيطر الخوف فقط بحيث تحول الأمر إلى قنوط فهنا نقول لابد من الموازنة واستحضار الرجاء، وإذا تغلب الرجاء فقط بحيث صار الأمر تمنٍ مذموم فنقول لا! انتبه لابد من استحضار الخوف! هكذا المحبة لو تغلبت بحيث صار الأمر مشكل لا خوف ولا رجاء وفقط محبة أقرب إلى عشق الصوفية وما عندهم من مخالفات في ذلك فنقول انتبه! هناك انحراف.
    أما أن يتغلب الخوف عند ورود خاطر المعاصي فهذا هو المطلوب كما ترك خير ابني آدم قتل أخيه لهذا السبب "إني أخاف الله رب العالمين"
    لماذا لا تأكل الربا؟ لماذا لا تمارس الفواحش؟ لماذا تركت الانتصار للنفس في هذا الموقف؟ إني أخاف الله رب العالمين.
    هذا الخوف هو ما يمنعك من المعصية، لماذا تركت الخوض مع صديقاتك حين بدأوا الغيبة والنميمة؟ إني أخاف الله رب العالمين
    ورجاء رحمتك وأجرك على ترك ما لا يحبه الله ويرضاه
    حبا فيك يا رب فحب الله في قلب عبده المؤمن أعظم من محبته للذات الدنيا الفانية
    كذلك الطاعة
    لماذا قمت للصلاة؟ لم الاجتهاد في القيام رغم إرهاقك وتعبك؟ الحفاظ على الوتر والضحى وورد القرآن؟ النوافل؟؟
    رجاء رحمتك يارب
    رجاء ثوابك
    رجاء جنتك
    رجاء أن أكون من أوليائك
    خوفا من نقصان أجري ، خوفا من فوات الأجر، خوفا من أن تراني يا رحمن في شغل عن طاعتك وما تحبه
    حبا في الرحمن وانشراح الصدر بذكره عز وجل

    إذن يتغلب أحد الأعمال الثلاثة مع وجود أصل الباقي وهذا ما يبعث على قيامك للعبادة
    فقط نحن بحاجة لبعثرة هذا غبار الغفلة من على القلب فينجلي ويكون أبيض زاهرا
    مزيد من التفصيل:
    المحبة
    والمحبة المقصودة ليست تلك المحبة الطبعية كحبك لنوع معين من الطعام وعدم حبك لنوع معين آخر، بل المقصود المحبة الشرعية
    والمحبة الشرعية ديانة
    قد تحب المرأة الزينة وإظهارها في غير المحارم والسفور بها لكن تركها لذلك حبا في الله وعنايتها بحجابها وعدم إبدائها إلا لمن أباح الله لهم ذلك تقديم للمحبة الشرعية على النحبة الطبعية وهو المطلوب.
    ورغم أنها جبلت على حب الزينة قال تعالى :"أومن ينشأ في الحلية" فهي تفضل الحجاب وتحبه، حب الحجاب هي محبة خالصة لله تعالى وهي ملحقة بحب الله وكل ذاك محبة شرعية، فهذه عبادة قدمت فيها ما يحبه الله ويرضاه على ما تحبيه أنت محبة طبعية.
    ومن ذلك غض البصر وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة وآفات اللسان
    فإذا استحضرت أن الله تعالى رزقك هذه النعم وأنك تطيعينه فيها، وأن الله عز وجل رحيم جواد عظيم، وأنه تعالى قوي وهو القاهر فوق عباده فبهذا تستحضري صفات الله وتظهر في قلبك محبته وتهيمن على أفعالك، يظهر توقير الله تعالى ومحبة ما يحبه المولى عز وجل، يكون عندك يقين أن الله لا يأمر بأمر إلا بحكمة وعلم وإحاطة وأنه عز وجل لا يُسئل عما يفعل وهم يُسألون.
    كذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم واستحضار ذلك مع سماعنا لأوامره
    فكلنا يحب التنمص خصوصا مع شكل الحاجب السيء ولكن حب الله ورسوله مقدم، والخوف من لعنة الله لنا وضياع أجورنا مقدم
    فمحبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم باعث على العمل وكلما عرف المرء أسماء الله وصفاته وتعرف إليه بذلك كلما ازداد حبه لله تعالى، وكلما قرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ورأى عنايته وحرصه على إيمان الناس كلما ازداد حبه للنبي صلى الله عليه وسلم

    كذلك من محبة ما يحبه الله تعالى أن يحب من يحب الله ويعمل بطاعته ويكون لهم ولاء شرعي ومحبة شرعية مهما كان الاختلاف الشخصي بينك وبينها وهذه المحبة غير متعلقة بحبك لها بطبعك أو بغضك لها بطبعك بل هي محبة فقط متعلقة بطاعاتها وزيادتها ونقصانها ليس لك فيها إرب شخصية ولا مصلحة ولا تزيد بالمودة ولا تنقص بالجفاء بل قد تجتمع مع الجفاء وعدم التوافق الطبعي.

    كذلك هذه المحبة باعث لك لفعل ما يحبه الله مهما كان ثقله على النفس ومشقته قال تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم" فالطبع يميل إلى الدعة والراحة والسكون لكن حب الله باعث يثير النفس لفعل ما يأمر به الله ويقدمه على ما يحبه بطبعه
    لهذا ثبت المسلمون في بدر ولهذا قام الأنصار وقالوا لو خضت معنا غمار البحر لخضنا معك!
    ولهذا خرجوا في جيش العسرة رغم طيب الثمار
    ولهذا بايعوه بيعة الرضوان على الموت والقتال وعدم الفرار
    وهذه المحبة باعث لك على ضبط حجابك بما يرضي الله قبل أن تخرجي من بيتك
    وهي الباعث لك على القيام في البرد الشديد لصلاة الفجر والوضوء ولو بالماء البارد!

    الخوف
    وأيضا الخوف المقصود ليس هو الخوف الطبعي بل الخوف الشرعي
    فإذا رأى الإنسان نارا أو ثعبانا فإنه يخاف خوفا طبعيا ونبي الله موسى عليه السلام قال الله عنه:"فأوجس في نفسه خيفة موسى" وهذا خوف طبعي
    أما الخوف الشرعي هو أن يخشى العبد ربه لأنه يحبه ولا يحب أن يغضبه، لأنه يعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله عز وجل توعد من عصاه بالعذاب
    يخشى الله ويستحيي منه ولا يحب أن يراه الله في موضع نهاه عنه، يوقن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فيحرص على ما يحب الله ويترك ما لا يحب الله
    لا يعمل بمعصية الله ولو يوما واحدا ولا يخطو خطوة في معصية الله.

    الرجاء
    فأن يرجو المرء بما يفعله من طاعات ثواب الله الذي ذكره في كتابه أو بلغ عنه رسوله
    والفرق بين الرجاء والتمني هو أن الرجاء يكون مع العمل كما قال تعالى :" إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله"
    أما التمني فكما فعل اليهود والنصارى:"وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم" فهم يحسبون أن بإمكانهم دخول الجنة بغير الطريق التي علمهم الله إياه من وجوب الإيمان بالرسول النبي الذي يجدون صفته عندهم
    فالرجاء أن يصوم المرء ويصلي ويتقرب لله ويترك ما نهاه عنه طمعا في رضا الرحمن
    والتمني أن يترك ذلك زاعما أن الله غفور رحيم وأنه سيدخل الجنة بغير عمل ما افترضه الله عليه وترك ما نهاه الله عنه
    ولا يقال أن حسن الظن في الله هو التمني المذموم بل التمني سوء ظن بالرحمن الكريم فلو أحسن الإنسان الظن لأحسن العمل وأطاع الرب وضع له رجاء رحمته عالما أن الله لا يخلف الميعاد.

    إذن المحبة والخوف والرجاء ثلاث أعمال قلبية تهيج العبد على طاعة الرحمن

    يتبع بشروط صحة العبادة بإذن الله
    الصور المرفقة الصور المرفقة
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  16. #16
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    شروط صحة العبادة
    لكي تكون عبادتك صحيحة لابد من توافر شرطين
    ما هما؟؟
    1- الإخلاص
    2- المتابعة
    وهذه صورة توضيحية لهما


    ما هو الإخلاص وما هي المتابعة؟!

    الإخلاص
    كلنا نعرف هذا المصطلح، نحبه، نتمنى أن نجده في قلوبنا، يزوغ منا ويراوغنا، نشعر بالأسى والحزن على افتقاده في كثير من الأحايين!
    الإخلاص يضاد الشرك، فأول درجاته أن تصفي معتقدك من الشرك بالله شركا أكبر، أي من عبادة الله وغيره
    فمن عبد الله وعبد اللات أو العزى أو بوذا أو المسيح أو قبر أو شجر أو حجر أو ولي صالح أو رجل طالح أو غير ذلك من أي معبودات فهذا ينافي الإخلاص في التوحيد، فأول الإخلاص أن يخلص الإنسان في توحيده لله فيفرده عز وجل ولا يجعل له ندا ولا شريكا في التعبد له، ولا يتوجه بالعبادة إلا إليه وحده.
    إذن لكي تصح العبادة لابد أن يكون الإنسان موحدا لله لا يشرك بعبادة ربه أحدا ولا يصرف عبادات أخرى لغير الله وهذا هو التوحيد الذي يجعل الإنسان مسلما

    الدرجة الثانية من الإخلاص هي أن يخلص لله عبادته نفسها فلا يطلب وجه الله ووجوه المخلوقين بالعبادة، ولا يطلب بعبادته مدح الناس له ولا يطلب بها من الدنايا الدنيوية مما نهى الله عن طلبه بالعبادات، فلو عمل العامل ليقال عنه أنه كذا وكذا ..فقد قيل! والله أغنى الشركاء عن الشرك فمن أشرك معه غيره في عمل تركه الله لما أشرك به
    وكلنا يعرف حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار يوم القيامة أول ما تسعر ذلك بأنهم فعلوا ما فعلوا من الطاعات ليقال عنهم فقد قيل وذهب أجرهم بما قيل.
    فهؤلاء طلبوا وجوه الناس ومدحهم بأعمالهم وهذ بخلاف من عمل لله فبشره الله على لسان الخلق بمدح عمله وهو لم يطلبه ولم يطلب به شهرة ولا تسميع ولا وجوه الناس فهذا كما جاء في الحديث عاجل بشرى المؤمن ولا تضره.

    إذن الإخلاص أن يبتغي الإنسان بالعبادة وجه الله وثوابه الأخروي وما وعد به من خير في الدنيا تصديقا بوعده وهربا من وعيده، حبا له ورجاء رحمته سبحانه.
    فمطلبه جنات عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، مراقبا ربه في سكونه وحركته يعبد الله كأنه يراه فإن لم يستطع فهو على يقين أن الله يراه ويسمعه ويعلم ما في قلبه ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فلا يراعي نظر الخلق وعلمهم وسمعهم بل يراعي نظر الخالق إليه وعلمه بما يخفي وما يعلن لا يرى إلا ما وعد الله به عباده الصالحين.
    سؤال قد يثيره الذهن ها هنا!
    من استغفر الله لينزل المطر أو يرزق الولد، أو من عبد الله واتقاه ليصلح الله أولاده...هل هذا منافٍ للإخلاص؟ هل وقع في شرك أكبر أو أصغر؟
    بل هو مصدق بوعد الله!
    فالله عز وجل قال :"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا"
    وقال تعالى :" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا"
    فما وعد الله به عباده الصالحين من الأجر في الدنيا والآخرة فطالما أن العبد يطلبه من الله وحده ويطلب بالعبادة وجه ربه فهو مخلص في ذلك لا يعد ذلك رياء ولا شركا إلا إذا كان يطلب بذلك وجوه الخلق يعني يطلب صلاح الأولاد ليقال هو مرب صالح! ويطلب نزول المطر ليقال هو مستجاب الدعوة فهذا وقع في الرياء بمطلوبه والشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أخفى في الأمة من دبيب النمل!

    الشرط الثاني: المتابعة
    قد يكون الإنسان مخلصا في عمل ما من الأعمال ويتوجه بها إلى الله وحده لا شريك له لكن العمل نفسه ليس على ما أراده الله وأحبه وقد ذكرنا أن العبادة هي كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة! فكيف يخترع الأنسان عملا ويقول هو مما يحبه الله بغير أن يبلغه من كتاب الله أو سنة رسول الله أنه مما يحبه الله ويرضاه؟!
    الله عز وجل علمنا في كتابه وأمر نبيه أن يبين لنا ما يحبه
    فجعل لنا أوقاتا للصلوات وأوقاتا للصيام ووقتا للحج..الخ فالتوقيت المحدد مما يحبه الله تعالى قد عرفناه
    وجعل لنا هيئات لكل عبادة من حج وصلاة وصوم فالهيئة التي عرفناها ما يحب الله
    والعبادة نفسها التي بلغنا أن الله يحبها كالذكر وقراءة القرآن وبر الوالدين وحسن تبعل المرأة لزوجها وسائر ما افترضه الله على العباد وما سنه لنا النبي صلى الله عليه وسلم من مستحبات كل هذه الأمور أصولها وهيئتها وأوقاتها مما يحبه الله.
    قد يقول قائل لم يصل لنا هيئات معينة مثلا لبر الوالدين أو حسن التبعل ..فنقول إن ترك هذه العبادات تحددها الاعراف في إطار الشرع هو تحديد الهيئة بأن هذا الإطلاق مما يحبه الله تعالى ..فتقييده بدعة لهذا كان التعبد لله ببر الأم في يوم 21 مارس بدعة! لأنه تقييد لهيئة لم يقيدها الله ويأمر بها العباد، فأمر الناس بها والحث عليها بهذا التقييد في ذلك اليوم مضاهاة للطريقة الشرعية وبهذا فهي بدعة.
    لا شك أن شرح البدعة بالتفصيل ليس هذا محله لكن ينبغي على المسلم أن يراعي حين يعمل عملا لله أن ينظر هل تابع فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم أن هذا العمل مخترع ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" يعني مردود على صاحبه فيأثم به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    إعادة سريعة لما سبق:

    فالعبادة إذن هي كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة وهي غاية الحب مع غاية الذل لله تعالى باعثها الحب لله والخوف منه والرجاء لما عنده وشرطا صحتها الإخلاص لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم
    فكل شيء لابد أن يدار وفق الشرع طريقة نومك، دخول الخلاء، معاملاتك مع الخلق، العبادة ليست محصورة في الصلاة والصوم والذكر، بل إن تطبيق حد من حدود الله في دولة الإسلام هو عبادة لله تعالى، وحسن الخلق عبادة، كما أن الذكر والصوم والصلاة عبادات وكل ذلك وفق ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لا نتعداه ولا نخترع من لدنا أشياء نتعبد بها إلى الله ولا نقول على شيء أنه "أمر دنيوي" لا يخضع للشرع بل الأمر الدنيوي يخضع للشرع ولو قال الشرع أنه وفق العادات والأعراف فقد خضع للشرع بذلك أيضا.
    فيجب على المسلم أن يقول : سمعنا وأطعنا لله تعالى فيكون عبدا لله عز وجل .
    يتبع
    الصور المرفقة الصور المرفقة
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  17. #17
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    نعود إلى قول الشيخ رحمه الله تعالى :"
    اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ: أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ، وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]. فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلا مَعَ التَّوْحِيدِ، كَمَا أَنَّ الصَّلاةَ لا تُسَمَّى صَلاةً إِلا مَعَ الطَّهَارَةِ"

    استدل الشيخ على أن الدين هو عبادة الله وحده لا شريك له بقوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"..
    إذن العبادة التي نتقرب بها إلى ربنا والتي باعثها حب وخوف ورجاء ولابد لكي تصح من الإخلاص فيها لله تعالى واقتفاء أثر النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد فعل واحد ..بل هي الهدف من الحياة التي نحياها، فالله عز وجل خلقنا لعبادته مخلصين له الدين
    هذه الصيغة (ما + إلا) نفي بـ (ما) والاستثناء بـ (إلا) تفيد القصر والتخصيص بمعنى أن السبب من الخلق مقصور ومخصص لعبادة الله

    هل خلقنا الله لنستمتع في الدنيا ونلهو بها؟؟
    لا، بل خلقنا لنعبده فإذا أدينا ما أُمرنا به استمتعنا في الآخرة
    وما الفرق بين أن يقال : إن الله أباح لنا بعض المتع ، وبين أن يقال :"لم يخلقنا لله للهو والمتع في الدنيا؟"
    الفرق هو ما يجب على الإنسان أن يعرفه من حقيقة هذه الدنيا وأنها جبلت على كدر فحتى ما تتمتعين به ويسعدك لابد أن يشوبه شوائب حزن وكدر
    فالذرية الصالحة مثلا متعة من متع الدنيا ولكن يكدر صفو سعادتك ما نلاقيه من القلق والهم في التربية، وما نلاقيه من حزن مع ذريتك إذا حزنوا وإذا مرضوا وإذا ضايقوك وغير ذلك
    والزوج الصالح نعمة ولا تخلو من الكدر!
    والمال نعمة ولا يخلو من الكدر
    وهكذا
    كل سعادة ليست خالصة لأن الله لم يخلقنا لنستمتع في الدنيا بل خلقنا كما قال :" ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
    ففي كل نعمة اختبار كما في كل ابتلاء اختبار
    فلو فهمنا هذه المسألة لارتاحت قلوبنا من السعي خلف السعادة الخالصة في متع الدنيا الزائلة..لأن هذا مطلب مستحيل!
    السعادة الخالصة هي في الآخرة كما قال عز وجل:" قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة" خالصة بلا كدر ولا هم ولا نصب ولا غم ..لأنهم إنما قدموا ذلك في الدنيا وعرفوا أن الغاية من خلقهم في هذه الدنيا هو:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
    فهذه الدنيا مخلوقة هكذا بضيقها وكدرها وحزنها وكربها وأما السعادة الحقيقيةوالنعيم الباقي والحياة الحياة ففي الآخرة :"وإن الآخرة لهي الحيوان"

    إن الله عز وجل من أسمائه الحكيم فهو يفعل ما يشاء بإرادته ومشيئته وبحكمة فهذا الكون لم يخلق عبثا ولكن خلقها مظهرا أسمائه الحسنى وآثارها سبحانه وتعالى وعز وجل
    يصبح المرء حتى يمسي ويمسي حتى يصبح في اختبار هل استيقظت لصلاة الفجر؟ هل صليت بخشوع؟ هل كانت لك عناية بإيقاظ من معك من أهل وولد؟ أم غلبتك الشفقة؟ هل توضأت بماء بارد بعد ان قمت من فراشك الوثير الدافئ؟ هل سمعت وأطعت ورضيت بالله ربا فهو عز وجل شكور ودود ؟ هل إذا أذنبت سارعت للاستغفار والتوبة والانكسار لغافر الذنب وقابل التوب؟
    هذا المال الذي استخلفك الله فيه هل أديت ما عليك من حق؟ هل استكبرت به؟ هل شكرت المنعم عز وجل؟ لما شعرت بالقلق هل لجأت إلى الله؟ لما شعرت بالوهن هل استعنت بالله؟ هل توكلت على الله أو ركنت إلى النفس والأسباب؟ هل لما تزينت لك المعصية أقبلت أم استعنت بالله وهربت؟؟ هل وهل ..؟
    فالسعادة المستمرة بلا اختبار هي لمن نجح في الاختبار ومن عاش مستحضرا هذه المسألة لن يتسائل لماذا حدث كذا مما أكره؟ ولماذا لم يحدث كذا مما أحب..لأنك عرفت أنك في اختبار وأن الدنيا ليست لتحصيل المحبوب لك مما جبلت على محبته بطبعك بل عليك اجتياز الاختبار بنجاح لتنعمي بما أعده الله للمؤمنين في جنات النعيم.
    العباد مبتلون في منظومة شديدة الدقة والإتقان خلقها الله عز وجل لا تقع ورقة ولا ترتفع نسمة هواء إلا بحكمة ومشيئة من الله عز وجل قد قدرها الله من قبل ان يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة..فمن عرف ذلك تعلق قلبه بمدبر الأمر كله واستكان له قلبه سائلا إياه ألا يحمله ما لا طاقة له به وأن يعفو عنه ويغفر له ويعينه على ما يرضيه
    فهذه الدنيا لم تخلق لكي نستمتع فيها مثلنا مثل الأنعام نأكل ونشرب ونرتع بلا هدف! بل خُلقت اختبار واستخلاف لنا :"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
    هكذا يقتل المرء الإحباط والضيق لأن طريقة تعاملي مع الأمور ستختلف ..هذه الدنيا مكان مؤقت لجمع الحسنات وتزكية النفس بطاعة الرحمن فعليّ أن أعمل في هذه الفترة بما يرضي الله وأبني لنفسي السعادة الحقيقية في الآخرة
    فحاولي دائما أن تكوني في مناجاة مع الله من ذكر وحضور قلب في العبادة، يتعلق قلبك بالرحمن ويركن إليه وحده هذه حقا وصدقا هي الحياة الطيبة في الدنيا راجة بال وانشراح صدر وشعور لذيذ بالخوف والمحبة والرجاء ...الله خلقني لعبادته وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من كانت الآخرةُ همَّه ، جعل اللهُ غناه في قلبِه ، وجمع له شملَه وأتتْهالدُّنيا وهي راغمةٌ "

    الآن نحن نغير حياتنا بطريقة شاملة ومختلفة ونريد أن نحيا بناء على مفاهيم ديننا الحنيف..يقول الشيخ :"فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلا مَعَ التَّوْحِيدِ، كَمَا أَنَّ الصَّلاةَ لا تُسَمَّى صَلاةً إِلا مَعَ الطَّهَارَةِ"
    فما هو التوحيد؟؟!
    يتبع بإذن الله

    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  18. #18
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    يقول الشيخ:"فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلا مَعَ التَّوْحِيدِ، كَمَا أَنَّ الصَّلاةَ لا تُسَمَّى صَلاةً إِلا مَعَ الطَّهَارَةِ،"

    إذن العبادة التي تكلمنا عن معانيها لن تسمى عبادة حقيقية إلا إذا كانت صادرة من موحد وإلا فلو صام نصراني لم يعد صيامه عبادة بل لابد أولا من الإسلام أي التوحيد
    ما هو التوحيد؟
    إن كل من شهد شهادة التوحيد فهو مسلم ولكن هل كل مسلم قد حقق التوحيد حقا؟؟
    نريد أن نحقق التوحيد الحقيقي ونكون تطبيقا عمليا لتلك الكلمة العظيمة التي نقولها دوما :"لا إله إلا الله محمد رسول الله"
    نريد أن نحقق قوله تعالى :" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
    لقد وُلدنا على الإسلام فهل حقا استفدنا من هذه النعمة وارتقينا بها وفي منازلها؟؟
    يقول الشيخ إن العبادة لن تكون عبادة إلا مع التوحيد، يعني الكافر الذي لم يتلفظ أصلا بكلمة التوحيد لن يقبل منه ما هو عليه وهو في الآخرة من الخاسرين
    وضرب الشيخ مثلا بالصلاة قائلا أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة ...إذن لو قام أحدهم وصلى بغير وضوء، هل يسمى فعله صلاة؟ على الحقيقة هي ليست صلاة لأن من شروط صحة الصلاة أن يتطهر فهذه الصلاة ليست صحيحة ولا مقبولة فنفي كونها صلاة من ناحية نفي قبولها وصحتها.
    كذلك العبادة لو عمل الإنسان عملا صالحا وهو مشرك لا يمكن أن يكون هذا العمل لوجه الله تعالى إلا مع التوحيد وبالتالي فقد حبط عمله هذا ولا يعتبر عبادة ،
    كيف؟
    ألم نقل أن من شروط صحة العبادة الإخلاص والمتابعة؟ كيف يأتي الإنسان بالإخلاص وهو يشرك بالله؟!
    إذا كان الرياء يحبط العبادة فكيف بالشرك الأكبر؟
    وكيف سيتابع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكفر به؟
    وقلنا أن ركائز العبادة حب وخوف ورجاء
    أليس من اجتمعت في قلبه هذه الأعمال لابد أن يبدأها أول شيء بأن يترك الشرك ويجعل معبوده هو الله وحده؟
    إذن لا يمكن أن يقال أن الكافر قد عبد الله عز وجل وأخلص له فما يقدمه من عمل فهو فاسد بالشرك والكفر ومحبط ولا ينفعه في الآخرة، وما يقدمه من برِّ يجازى به في الدنيا بالمدح والثناء والأجر المادي أو المعنوي أو غير ذلك لكن لا يسمى فعله عبادة صحيحة إلا إذا كان موحدا لله نابذا الشرك والكفر.
    وكلما حقق المسلم التوحيد بطريقة صحيحة كلما كان العمل أعظم أجرا
    لهذا فإن الصحابة الذين حققوا التوحيد بطريقة عملية قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم:"فوالذي نفسي بيدِه ! لو أن أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهبًا ، ما أدرك مدَّ أحدِهم ، ولا نصيفَه" رواه مسلم وللبخاري نحوه.

    لماذا؟ لأن ما قام في قلبهم من التوحيد جعل أعمالهم في الميزان أثقل فالعمل قد يتساوى في الظاهر ولكن الباطن يجعله في أعلى عليين أو في أسفل سفلين!
    إذن نعود لنقول أننا نريد أن نحقق التوحيد لكي تكون أعمالنا عند الله في الميزان لها وزن وبقدر ما نحقق من التوحيد بقدر ما تثقل أعمالنا ، لا نريد أن نكون مسلمين بالوراثة وأن نعيش كحياة الأنعام يتخللها بعض العادات التي نسميها زورا عبادات!
    قد تشوقنا لمعرفة هذا الأمر الجليل واالسعي في تحقيقه
    فنعود للسؤال : ما هو التوحيد؟؟!
    التوحيد يعني الإفراد بمعنى أن أفرد لله عز وجل ما ينبغي أن أفرده به مما اختص به نفسه
    ما معنى ذلك؟
    استقصى العلماء نصوص القرآن والسنة فوجدوا أن ما يختص به الله عز وجل يدور حول معان لا ينبغي أن نصرفها لغير الله
    توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية
    ويمكن أن ندرج توحيدي الأسماء والصفات والربوبية تحت عنوان واحد أو معنى واحد ونسميه : توحيد الوسيلة ونسمي توحيد الألوهية توحيد الغاية وبهذا فهما معنيان كليان
    لماذا نستخدم هذه المصطلحات ونفهما؟
    لأننا لو اطلعنا على أي كتاب عقيدة سنجد هذه المصطلحات فلابد من فهمها وتعلمها لكي نتوصل إلى فهم هذه المعاني
    هذه المعاني نزل بها القرآن ليرسخها في نفوس المسلمين الموحدين لله
    أن أفرد الله عز وجل بهذه المعاني التي سنشرحها فلا نشرك فيها معه غيره ومن أشرك في هذه المعاني مع الله غيره فهو مشرك
    نبدأ بالتعرف على أسماء نوعي التوحيد حتى إذا ما قرأنا هذه المصطلحات في كتاب نفهم المراد منها



    في الصورة الموضحة للتقسيم نجد أن هناك تسمية لأول نوعي التوحيد : توحيد وسيلة ويقابله تسمية الثاني توحيد غاية
    مامعنى وسيلة؟ أليست الوسيلة هي شيء أتخذه لتحقيق غاية؟؟
    نعم صحيح
    لماذا يسمى أحدهما غاية والآخر وسيلة؟
    إن المطلوب منا أن نفرد الله بمعاني الربوبية وأن نعظمه بمعرفة أسمائه وصفاته كما يليق به وهذا المعنى إذا حققناه فلابد أن يدفعنا ذلك لتحقيق النوع الآخر الذي يعتبر غاية وهو توحيد الألوهية الذي بعث الله به الأنبياء والرسل وأنزل به الكتب.
    عندما أؤمن أن الله هو الملك وأنه هو القوي العظيم وأنه عز وجل من يرزقني فلابد أن يكون هو وحده المستحق للخشية والمحبة والخوف والرجاء! لابد أن يكون هو وحده المستحق للعبادة
    إذن المعاني التي يتضمنها النوع الأول هي وسيلة تؤدي بنا للإيمان بالنوع الثاني
    قال تعالى : " قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله"
    فقريش كانوا مؤمنين بالكثير من المعاني الذي يتضمنها توحيد الوسيلة (الربوبية والأسماء والصفات) ولهذا استُنكِر عليهم أن يكفروا بتوحيد الغاية (توحيد الألوهية)

    إذن فمن يتعرف على أسماء الله وصفاته ويعرف قدرته وأنه الخالق الرازق وأنه هو الملك الذي يملك كل الخلائق ويقدر المقادير فلابد أن يؤدي هذا به إلى أن يخشع لله عز وجل ويتقه ويعبده وحده لا شريك له وإلا كان مستكبرا على الله عز وجل كافرا به ..إذن فالنوع الأول وسيلة إلى الثاني ولا يكفي الوسيلة ليكون المرء مؤمنا بل لابد من تحقيق الغاية التي من أجلها خلقنا الله عز وجل.

    يمكن أن نطلق على توحيد الوسيلة اسما آخر: وهو توحيد علمي خبري
    ما معنى ذلك؟
    يعني أن هذه المعاني التي تضمنها هذا النوع من التوحيد هي معان علمية تعتمد على الخبر الذي يصلنا من خلال النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله
    فكل هذه المعاني تحتاج إلى أن نتعلمها ويخبرنا أحد بها
    وبالمقابل نجد أن توحيد الغاية يسمى أيضا توحيد إرادي طلبي، أو توحيد القصد والطلب أي أن تكون وجهة الإنسان واحدة ومطلبه واحد وهو ما يرضي الله عز وجل.
    وتوحيد الوسيلة هو أيضا توحيد معرفة وإثبات أي أنه يقوم على معرفة معلومات والإيمان بها أي إثباتها وهو أيضا توحيد الربوبية والأسماء والصفات
    أما توحيد الغاية فهو توحيد العبادة أي أن تكون عبادتنا قائمة لهدف واحد وهو وجه الله عز وجل وهو كذلك توحيد الألوهية أي أن الإله المستحق للعبادة هو الله عز وجل.
    إذن مما سبق نعلم أن الإنسان إذا وحّد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته حق توحيده فلابد أن يؤدي ذلك به إلى أن يوحد الله في مقصده وطلبه وغايته فالأول وسيلة إلى الثاني



    فإذا كان الإنسان ساعيا جاهدا في تحقيق توحيد الغاية فهذا يعني أنه حقق بالتضمن توحيد الوسيلة.
    فمن قام يصلي مخلصا لله فهو يشهد بفعله هذا أن الله عز وجل هو الرب العظيم وهو يشهد بفعله هذا أن محمدا رسول الله بدليل أنه يفعل الصلاة التي تعلمها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم
    وهو حين يضع جبهته على الأرض فهو يتذلل لله تعالى شاهدا أن الله هو القاهر فوق عباده وأنه ملك الملوك ومالك كل شيء، وصلاته رجاء رحمة الله فهو يعلم أن الله رحيم جواد كريم، وهو يخشى عقاب الله فهو يعلم أنه شديد العقاب....
    إذن فتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية والأسماء والصفات
    إذن لو قلنا أن التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به عليهم الكتب هو توحيد الألوهية فهذا كلام صحيح
    وكل التوحيد هو في الحقيقة شيء واحد فحين يعبد الإنسان ربه ويفعل ما أمر الله به من بر وصلة وصلاة وصوم بل واحتساب الأجر في المباحات وكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة فهو يحقق معاني التوحيد جميعها

    إذن طالما التوحيد كله واحد لماذا قام العلماء بهذا التقسيم المعتمد على استقصاء الكتاب والسنة؟ هل كان الصحابة يقولون التوحيد قسمين أو ثلاثة ويستخدمون هذه المصطلحات؟؟
    لقد نزل القرآن صيبا نافعا صافيا فجرى الماء رقراقا عذبا فتفتحت له الوديان والأخاديد فنهل منه الصحابة كما هو دون أن تشوب قلوبهم شوائب الشبهات
    لكن هذا الماء شاب صفوه كدر أهل البدع والأهواء فطفق أهل السنة وعلماء السنة ينظفون هذه الشوائب مما علق بها
    فعندما نجد مثلا أن بعض الفرق المنتسبة للإسلام يريدون أن يجعلوا التوحيد معنى أقل من المطلوب نقول لهم لا هذا خطأ التوحيد فيه معنى كذا وكذا وكذا مما سنعرفه خلال فهم التقسيم الذي سنتناوله بالتفاصيل إن شاء الله
    فحين يقول قائل أنا أعرف أن الله هو الرب الذي خلقني هذا يكفيني فنقول له : لا.. لا يكفي لابد من عبادة الله وحده
    وحين يقول قائل أنا أشهد أن الله خلقني ورزقني وسأعبده وأعبد غيره نقول له : لا.. لا يصح هذا لتكون موحدا
    وحين يقول قائل أنا مؤمن أن الله موجود وهذا يكفيني فنقول له :لا ..لا يكفي لتكون موحدا
    وحين يقول قائل أنا أشهد أن الله واحد وأنه لابد من عبادته وحده لكن لا أؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولن أعبد الله من خلال هذا الدين نقول له هذا لا ينفعك ولا تعتبر به موحدا لله لأن الله أرسل الرسول ليعلمك التوحيد فإذا أنكرت رسالة الرسول فقد طعنت في الرب لأن الرسول إن كان صادقا فمعه علم بما يحب الله ويرضاه ويجب عليك طاعته إن أردت مرضاة الله وإن كان كاذبا فكيف تركه الرب ينشر الأكاذيب عنه دون أن يفضح أمره؟
    إذن هذا التقسيم لكي لا يفوتنا شيء من معاني التوحيد فيكون توحيدنا ناقصا أو يخالطه الشرك فينتقض التوحيد والعياذ بالله.

    يتبع بتفصيل أنواع التوحيد بإذن الله تعالى
    الصور المرفقة الصور المرفقة
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  19. #19
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي

    النوع الأول من نوعي التوحيد
    توحيد الوسيلة

    وهو ينقسم إلى قسمين:
    توحيد ربوبية وتوحيد الأسماء والصفات

    1- توحيد الربوبية
    هذا النوع من التوحيد يحتاج لتحقيق أربع معانٍ :
    إفراد الله بــالخلق والرزق والملك والتدبير

    من الخالق ؟؟ الله عزوجل هو من خلقنا ..وهو الذي خلق كل ما في الكون ..كل شيء في هذا الكون له خالق واحد هو الله ..
    طيب من يؤمن بهذا هي يكفيه للدخول في الإسلام؟ لا لا يكفي بل لا يكفي لتحقيق توحيد الربوبية!
    من الرازق؟ الله عز وجل هو الذي يرزق الطير ويرزق كل مخلوق، هو من خلقهم وهو من يرزقهم
    إذا تجول البصر في الكون يجد عجبا! فكل ما في السماوات من كواكب ونجوم وأقمار وكل ما على الأرض من جبال وأنهار وأشجار بل في كل كائن حي كبير أو صغير فيه آية يشهد لله بالوحدانية، وإذا كان الله عز وجل هو الخالق لكل ذرة في هذا الكون فهو مالكه وهو ملك الملوك عز وجل
    وهذه المنظومة البديعة التي تدور في دقة يعجز العقل عن إدراكها هو سبحانه من يدبر أمرها..
    سبحانك ربي ما أعظمك !
    إذا نظرنا حولنا نجد أن المخلوق الضعيف إذا ابتكر نظاما إلكترونيا دقيقا انتفش وافتخر بأنه يستطيع إدارة هيئات ومؤسسات من خلاله...وعطل كهربائي واحد كفيل بتعطيل هذا النظام الذي يتفاخر به!
    وهذا ربنا عز وجل خلق خلقا وقدره تقديرا بديعا ..كماً وكيفاً وتوقيتاً وكل شيء ..دقة بالغة إذا تأمل العبد تصاغر في نفسه وعرف قدرها وقدر مولاها عز وجل وهو سبحانه وتعالى حليم يمهل الكافر ويرزقه، وشكور يعطي المؤمن أضعاف ما يؤمله! ومنعه عطاء وقليله كثير وهو الحكيم الخبير.
    ما من عبد يتأمل في دقة خلق الرحمن إلا هتف من قلب خاشع : سبحان الخالق
    وما من عبد يتأمل في دقة تدبيره إلا هتف من قلب خاضع : الله أكبر ولله الحمد
    قدر الله مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة! فهو سبحانه مدبر كل شيء في هذا الكون لا يغيب عنه شيء ولا يعجزه شيء ولا يقع في ملكه إلا ما يعلمه ويشاء وقوعه ويخلقه..
    ينظر المرء في أطراف أصابعه وأصابع أولاده من صلبه فيجد لكل منهم بصمة تغاير الأخرى! والمتأمل في جسده يشعر بالذهول والانبهار من هذه الدقة التي تسير الدماء في أنحاء الجسد بل يعجب ويحار من حركة يده وقدميه..سبحانك ربي ما أعظمك..فتأمل .."فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير"
    هل نظرت إلى ورق الشجر وبديع صنعها؟ هل اقشعر جسدك من تغيير ملمس الورق من كل نوع ..وألوان الأزهار وعبيرها ..ودقة أشواكها ورشاقة ساقها!
    هل استكان قلبك فعلمت أنه :" وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"
    كم ننسى عبادة التأمل في خلق الله رغم أنها من العبادات التي تجعل للذكر لذة وفي القلب رجفة وتحني أعناق المتكبرين وتكسر أعين المعجَبين وتكون لسجدته بين يدي الملك الخالق سجدة عبد مملوك يعرف أنه لا إله إلا الله وأنه لا شيء في ملك الله إلا بأمر الله!
    فلمن يلجأ هذا العبد إذا احتاج ...إلى الرب
    ومن يسأل أن يشفيه قبل أن يأخذ بالأسباب؟ يسأل الرب جل وعلا
    خلقك ليختبرك وابتلاك لترفع كف الضراعة وتعرف أن لك ربا تسأله وأنك عبد ضعيف لا حول ولا قوة لك إلا به

    ومن اعتنق الإسلام فقد حقق على الأقل من هذه المعاني أدناها ولكن هدفنا اليوم ليس تحقيق هذا الحد الأدنى الذي يكفي بالكاد للستر! الهدف اليوم أن نستشعر لذة الطاعة وأن نجد انشراح الصدر وسعادة القلب ..أن ندخل جنة الدنيا ونتنعم فيها قبل جنة الآخرة ونعيمها..هذا لا يتأتى بالحد الأدنى! بل يحتاج إلى أن تشرب من هذه المعاني حتى ترتوي...
    أن تقضي يومك مستحضرا في تقلبك وأحوالك أن الله خلقك فهو قادر عليك وعالم بك :"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" وأنه جل وعلا هو رازقك فلا تبسط كفك لغيره ولا تريق ماء وجهك في سؤال الناس فيعطيك هذا ويحرمك هذا..بل الله هو الرزاق الحكيم فاسأله فإن أعطى فهو خير لك وإن منع فهو عطاء أوسع لك يقول ابن القيم :"فإنه ما منعك إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك ولا أمرضك إلا نيشفيك ولا أماتك إلا ليحييك فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه"" اهـ مدارج السالكين
    تستشعر حلاوة أن يكون لك رب في السماء به قلبك معلق جعل لك عزة لا لشيء إلا لأنك عبد له! فأنت عزيز به ..تهتف صادقا:"
    ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا"
    يبتلى المرء فيستحضر أن الملك هو الذي بيده كل شيء وأنه لا يحتاج إلى رشوة وواسطة لطرق بابه..فيبسط كفه إلى ملك الملوك فلا يرد يديك صفرا، وإذا منعك تعلم أنه الحكيم وأن كل شيء بقدر وأنه لم يمنعك نسيانا ولا بخلا بل منعك بعلم وتقدير

    فنفس يدخل ويخرج في يسر لا يشعر بقدر هذه النعمة إلا من ابتلي بعسر التنفس...وهلم جرا وكم ممن لا كافي له ولا مؤوي!
    فمن التوحيد أن يستشعر أن الله الرازق وأن رزقه ونعمه تغمرنا في كل لحظات الحياة هذا يجعل الإنسان يعيش في رضا وشعور جميل بالامتنان لا يتسخط لأنه يوقن أن الرب هو الرازق مدبر الأمر فهو مع الله في هدوء وسكينة يأوي إلى ركن شديد!

    كذلك إفراد الله عزوجل بالملك نحن ملك الله عز وجل فحياتنا وأجسامنا ملك لله لا يحل لنا أن ينهي أحدنا حياته زاعما أنها ملك له! بل هي ملك لله وعلينا أن عمل في أنفسنا بما يرضي الله
    هل أدركنا معنى الخضوع للملك سبحانه وأن ما نؤديه من طاعات هي استسلاما لأمره ..الملك عز وجل يأمر من فوق سبع سماوات بالأمر فتسارعي لتنفيذه هاتفة :" وعجلت إليك رب لترضى" "سبحانك ربنا وإليك المصير"
    لا يبتأس على ما فاته إلا على طاعة افتقدها بذنب!
    ولا يحتج بالقدر على معصية ومعايب بل هذا كسبه وهو معترف بذنبه وتقصيره يلجأ إلى الله راجيا رحمته

    كذلك استحضار معنى العزة أن تكون عبدا لملك الملوك.." قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء " فأنت ربنا سبحانك عليك توكلنا وتوقن أنه سبحانه لم يتركنا سدى وهملا وأن العزة لله ولأوليائه والعزة ليست الأخذ بأذناب البقر والرضا بالزرع بل العزة ألا تركن لعدو الله وتتملقه العزة أن ترفع رأسك بما يرضي الله عنك
    ولا شك أن ما تمر به الأمة من محنة تحتاج منا لتذكر معنى الربوبية
    يقول الشيخ أحمد سالم:"
    عدم إجابة الدعاء من أعظم الفتن التي رأيتها تقع بكثير من الناس اليوم، وقد حدثتني زوجي عن امرأة من أهل الشام اشتكت لها أن الكفر قد جرى على لسانها من عظم الهول الذي رأته مع فقدها لإجابة الدعاء، وثم نماذج أخرى في محن أقرب لكني أُعرض عن ذكرها؛ كي لا يفهم ذكرها على أنه توظيف لها في محل نزاع.
    وما ذلك الافتتان بعدم الإجابة إلا لكون هذه المحن قد أتت على الناس وهم في
    غفلة، قد فقدوا فيها الرصيد الإيماني وتاريخ الطاعة الذي يعينهم على تحملها، وهذا بلا شك لا ينفي وجود أمثلة كثيرة أخرى لقوم صبروا محتسبين قد نفعهم إيمانهم.
    وكلام العلماء في منازل الدعاء مع القضاء كثير مشهور، لكني أحب أن أشير إلى أمرين من تدبر فيهما كان لهما عظيم الأثر على تفقهه وفهمه لدين الله بل وفهمه ومعرفته لربه الذي يعبده..
    الأولى: أن الله ربما منعك الإجابة لكون المحنة التي أجراها عليك إنما هي جزء من سنة عظيمة يسنها سبحانه لتكون عبرة للمؤمنين، ولتكون أنفع لعموم المؤمنين في دينهم ودنياهم من عدم الابتلاء، وساعتها فإن الله عز وجل ربما سمع دعاءك فادخره لك أجراً وترك الأمور تجري على ما هي؛ لتعلقها بمصلحة أهم وأعظم وأشمل من أن يرفع المحنة لنفعك العاجل الذي تراه.
    الثانية: أن من الإجابة المعجلة للدعاء والتي يغفل الناس عن حصولها: أن الله يرزقك الصبر واليقين والثبات، فكم من أناس تطيش عقولهم في المحن فيسخطوا ربهم؛ فيوبقوا دنياهم وآخرتهم، بينما أنت صابر راض ثابت محتسب، ولعلك غير منتبه إلى أن هذا الصبر والثبات لا يرجع لقوة إيمانك بقدر ما يرجع لرحمة أفاضها الله عليك مجازاة لك على دعائك وتضرعك وابتهالك.
    سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون
    ." اهـ كلامه



    وإنما ذكرتُ ذلك في هذا السياق حتى لا يظن الإنسان أن الإيمان بالربوبية تعني أن نسأل الله فتأتينا الإجابة لمجرد أننا حققنا شيئا من معاني توحيد الربوبية! بل الأمر أعظم من هذا ...فكوني عند مراد الله منك ولا تكن عبدا لمرادك منه وحسب!
    وكلما استحضرنا هذه المعاني بصورة عملية في خلال أيامنا وليالينا ستتغير العبادة ويصبح لها مذاق مختلف ويصبح الأخذ بالأسباب في موضعه المناسب وهو أنها أسباب نعمل بها ولا نتعلق بها هي في اليد حقا لا ثرثرة! ويكون بين العبد وربه مناجاة تجعل من السبب قوة ..لم يعد المريض يتناول الدواء كعادة بل يتناوله وقلبه معلق بربه عبادة ..يدفع عن نفسه الأقدار بالأقدار وقلبه معلق بمن دبر الأقدار..
    وحين يعجز عن الأخذ بالسبب يستعن بالله ولا يعجز كما في الحديث الصحيح ويرفع يده لله عالما أن الدعاء ليس قلة حيلة بل هو قوة الحيلة به أورث الله الأرض للمستضعفين وإلى الله ترجع الأمور
    وتنقص هذه اللذة بقدر ما ينقص استحضار المرء لهذه المعاني :" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"..وهذا الانشراح لا يشتريه الإنسان بالمال ولا بقوته وقدرته! بل هو محض فضل الله يرزقه عباده المؤمنين ولهذا كان يقول بعض السلف" لو علم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف"
    والإنسان كثيرا ما يغفل عن هذا الرزق الحقيقي ويجعل هدفه رزقا زائلا من متاع الدنيا من مال ومنصب وأشباه ذلك والصواب أن يضع نصب عينه رغبته في تحقيق التوحيد حقا واستحضار معانيه عمليا في حياته فتأتيه الدنيا وهي راغمة أو ينعم في الآخرة بما يقر عينه...بل لو أنصف لما تلفت يمنة ولا يسرة إلا وقد وقعت عيناه على نعم الله وآلائه عليه وهي لا تعد ولا تحصى.
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  20. #20

    افتراضي

    أحسن الله إليك ونفع بك ورضي عنك()

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •