إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
وبعد،
هل تفكرت يوما أن حاجتك لصلاح القلب واعتقاده أشد من حاجتك إلى الطعام والشراب؟!
لا أشك لحظة أن كل واحد منا يمر بلحظات يبحث فيها عن سكينة القلب وسكونه ويفتش عن كيفية ينشرح بها صدره وينزع بها همومه ..فكيف السبيل؟
الجواب: حسن الاعتقاد!
والعقيدة وحسنها التي أتحدث عنها ليست كما يتوهم بعضنا تنظيرا فلسفيا!
أن تتمكن من التلفظ بكلمات متقعرة جذابة، أن تتصدر المجالس للدرس والمناظرة..ليس هذا هو المطلوب منك كمسلم أو كطالب علم وإن كان بعض ذلك مطلوبا ممن فتح الله عليه في هذا الباب فتحا مباركا طيبا، لكن قبل ذلك لابد أن يعتني المسلم بأن يصحح قلبه ولسانه وجوارحه بما يحب الله ويرضى من قول وعمل.
فالعقيدة أصل هذا الإصلاح لأنها تبدأ من القلب وتنضح على الجوارح قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ". متفق عليه.
نريد تصحيح المعارف والمعلومات التي تمر بقلوبنا فنملأ وعاء القلب بالطيبات وننزهه عن دبيب الخبائث..
نملأه بحب الله والخوف منه ورجاء رحمته ..هذا لا يتأتى إلا إذا عرفت الله فتحبه وتهابه وتخشاه، ولا يتأتى إلا إذا عبدت الله فخضعت له واستكنت واستراح قلبك وسعى لرضاه ..نحن بحاجة إلى معرفة الشرك وتركه والفرار من سبله ..وبحاجة إلى معرفة التوحيد والمسارعة إليه على صراط مستقيم.
فإذا فعلنا ذلك انصلح حال تلك المضغة التي في جسدي فيزداد عمل القلب من حب ورجاء وينضح على الجوارح عملا صالحا!
نريد أن نربي أنفسنا على التوحيد ..فنفهم معنى التوحيد ليس فقط من أجل "معرفة" مصطلح أو حفظ تعريف! بل لكي تمارس قلوبنا أولا التوحيد
نريد أن تمارس ألسنتنا التوحيد
نريد أن تمارس جوارحنا التوحيد
يداك ..رجلاك
يسعى العبد إلى أن يكون عبدا ربانيا ..قبل أن يتحرك لفعل يسأل نفسه: آلله آمرني بهذا؟ آلله يحب ذاك؟؟ أيوافق فعلي توحيدي لربي؟؟
يخضع لله فلا يفعل شيئا إلا بما يرضي الله
إذا فكر.. إذا تكلم.. إذا تحرك يسبق فكرته وزنا بميزان الشرع
يفعل ما يحب الله ويترك ما لا يحب الله ولا يرضاه ..خاضعا في ذلك كله لله هكذا يمارس التوحيد كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان خلقه القرآن" صححه الألباني في صحيح الجامع.
فسلوك وعمل موافق للقرآن هذه هي الممارسة الصحيحة للتوحيد فإن القرآن نزل ليقرر التوحيد الصحيح الكامل
فصلاتك ليست حركات خاوية بل هي ممارسة للتوحيد ..ممارسة للعقيدة
إذا وضعت رأسك على الأرض أنت تسجد للرحمن لا لشيطان ولا لإنسان
تسجد لله تعالى ذلا له يعزك به في الأنام!
عزتك عزة موحد لا تخضع رقبته إلا للمنان
إذا طبقت قوله تعالى:" أذلة على المؤمنين" تتواضع لإخوانك وتخفض لوالديك جناح الذل من الرحمة ..ممارسة للتوحيد لأنك إذا سمعت الأمر خضع قلبك وجوارحك : سمعتُ يا ربي أمرك وأطعتُ!
إذا طبقت قوله تعالى:" أعزة على الكافرين" فلا تخضع لهم ولا تواليهم ولاأذنابهم ولا تترك نفسك نهبا لهزيمة نفسية ولا لاتباع كل ناعق، تحرص على مظهر مخالف لهم ترفع رأسك بمعتقداتك بينهم ..كل هذا ممارسة للتوحيد خضوعا لله تعالى وتوحيدا له فأنت عزيز بالله بينهم!
وهكذا
كل ممارسة للطاعات هي في الواقع تطبيق التوحيد الخالص
فتتغير صلاتك ..لم تعد تلك الحركات الخاوية من حضور القلب وخشوعه
تتغير أفكارك فلم يعد ذلك الغثاء العشوائي يعشش في قلبك ..لأنك تنقيه وتعرضه على ميزان التوحيد
تحدث في نفسك ثورة ..تمتد إلى بيتك ..فتستعر لهيبها في مجتمعك فأُمتك..فتصهر بنارها ما يضاد التوحيد "وأما الزبد فيذهب جفاء" وتضيء بنورها غياهب الظلمات "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور"
ابدأ إذن!
هلم نفكر بالتوحيد ..نجد لذة ممارسته
أن تكون مناجاة الرحمن هي غاية أملي
أتَعَلّم كيف أعرف الحق وأقبله فإذا قيل لي قال الله قال رسوله ..أسارع: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير!
أتعلم كيف أكون مستسلما لله عز وجل خاضعا له ..أتعلم ذلك عملا وليس مجرد كلمات نتشدق بها ووقت الجد تذهب أدراج الرياح!
أن تقول بلسان حالك ومقالك معا:"يارب ليس لي سواك ..سبحانك إني كنت من الظالمين"
إذا أخطأت أعرف أن لي ربا أتوب إليه نادما فيقبل
لم يجعل بيني وبينه واسطة يفضح خبيئتي ويرتشي ليدخلني على ربي!
فقط أرفع يداي مباشرة وأركع وأسجد وأقول يارب اغفر لي فيجيب دعائي ويفتح لي أبواب رحمته! يفرح بتوبه عبده كما في الحديث الصحيح
هكذا نمارس التوحيد:
نخاف الله..ونحبه ..نرجو رحمته ونخشى عذابه..نفهم كيف نتبع النبي صلى الله عليه وسلم ونبجله "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"
فهذه هي العقيدة المطلوبة منك أولا!
واتباع النبي فقه!
ولن يتمكن عبد من ممارسة هذا الفقه إلا بالتوحيد!
أليست الصلاة والوضوء فقها؟؟!
قل لي بربك ما الذي يحملك على أن تنهض من فراش وثير صيفا دافئ شتاء لتتوضأ بالماء إلا لو كان القلب يهتف قبل اللسان: لا إله إلا الله والله أكبر!
قلبي هتف فنضح على لسانس وجوارحي فنطقت بالعمل..وإلا فلا!
لماذا تصلي الظهر أربع ركعات لا خمسا وتؤمن أن الصلاة كتاب موقوت إلا أن تكون موحدا لله عالما أنه عز وجل "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون" وأنه سبحانه لم يخلق شيئا عبثا ولم يتركنا هملا
لماذا تحج في مكة وليس في أمريكا؟! أو حتى المدينة؟؟ لماذا في هذا الوقت من العام وليس في أي وقت مما تشتهيه الأنفس؟؟
لأنك موحد تمارس التوحيد بطاعة الله ورسوله وفقه كلام الله وكلام رسوله فالفقه الأكبر هو الاعتقاد الصحيح والتوحيد الخالص وعنه يمارس الإنسان الأعمال التي أمره الله بها "توحيدا" لله عز وجل
فالدين نزل كاملا يقوم المرء يصلي الفجر خضوعا لله ومحبة ..ويصي العشاء وهو يكاد يسقط من فرط التعب لأنه يحب الله ولا يستطيع إلا السعي في رضاه!
إذن التوحيد تطبيق ..ليس التوحيد كلمتين ورسمة منمقة لتقسيم التوحيد ودرجة طيبة في مادة تدرس في مدارس نظامية وأصابع تشير إليك أنك "ماهر" في التوحيد!
فمن رام أن يكون ماهرا في العقيدة لم يكن سعيه محصورا في درجة طيبة في اختبار! ولا كان سعيه براعة المناظرة وحسن الكلام والاجترار!
المهارة في العقيدة أن يكون المسلم قرآنا يمشي على الأرض، أن يسعى أن يطابق باطنه بظاهره، أن يراقب قلبه، أن يحرص على موافقه ما يرضي الرحمن وينأى بنفسه وقلبه عما لا يرضيه.
هذا لا يتأتى بالنوم الهنيء والطعام المريء بل هو مما تنقطع في سبيله الرقاب وتفنى الأعمار في طلبه والقلب كله شوق وخشية وحنين ورجاء بلا اضطراب!
قال تعالى":والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"
فهل من مشمر على الطريق في جميل عفو الله مؤمل؟ فإن السعيد من تجنب سبل الشقاء "إلا من أتى الله بقلب سليم"
فهلموا إلى البشرى فلو مات عبد على الجادة كتب له ما كان إليه يسعى
"وما كان الله ليضيع إيمانكم"
اللهم ارزقنا قلوبنا سليمة على التوحيد
يتبع بإذن الله بنبذة عن متن القواعد الأربعة