تأَنّ قبل المشاركة في [ أنشر]، فإن من الفواحش أن تقولوا على الله ما لاتعلمون (الشيخ عبدالعزيز ندى العتيبي)

لقد انتشر في وسائل التواصل المختلفة كلام ينسب إلى بعض الناس، قال فيه:
[ الرجل الذي عمل فيلم الرسول قد مات محروقا ، وأمريكا تكتم هذا الخبر، أرجو أن ينشر هذا الخبر، لأن هناك أخت من فلسطين، رأت رؤيه من سينشر هذا الخبر، أن الله سيكافئه بعد 4 ساعات، والله ، شخص اسمه محمد أقسم بالله رأى الرسول بمنامه ، وقال له الرسول: بلّغ المسلمين عني، أن من ينشرها خلال 4 أيام؛ فسيفرح فرحاً شديداً، وأن من يتجاهلها ؛ فسيحزن حزنا شديدا ]..وانتهت الشائعة.

التعقيب والاستدراك:
أولا: قوله: (وقال له الرسول: بلّغ المسلمين).
• أقول:
١- لقد انتهى البلاغ، وانقطع الوحي بموت رسول الله ﷺ، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}.
٢- إن مصادر التشريع والسبيل إلى معرفة هذا الدين؛ هو الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، فالأمة لاتُجمع على باطل ، بل اجتماعها كائن على أمر له أصل في الشرع ..
٣- ولذا قال أبو محمد ابن حزم في كتابه "المُحلّي" (٦/ ٢٠٨): [ الشرائع لا تُؤْخَذ بالمنامات ]. اهـ
٤- وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (١/ ١١٥): [ ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً؛ لا مغفلاً، ولا سيئ الحفظ، ولا كثير الخطأ، ولا مختل الضبط ، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه]اهـ .
ثانيا: قوله: (أن الله سيكافئه بعد 4 ساعات )
• وأقول:
١- ألا ننظر - ونسأل الله المعافاة والسلامة - كيف سارعوا إلى الإفتراء على الله؟
٢- ومن أين لهم معرفة أن الله قد جعل جزاء لمن يشارك في نشر هذا الخبر؟ قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالاثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ }.
٣- وإن المسلم ليزداد إيمانا عند تحقق المعجزات، لما يراه من مسارعة بعض الناس بسبب الجهل؛ والولوج في باب الخرافات والبدع المحدثات .
ثالثا: وأما قوله: (من سينشرها خلال ٤ أيام؛ فسيفرح فرحا شديدا):
• أقول:
١- كيف حصل لهم الوقوف على هذا الفضل؟!
٢- والفضائل لا تثبت إلا بحكم شرعي !
٣- ومعلوم إن الأحكام الشرعية كـ(الواجب والمستحب والمباح والمحرم والمكروه)، لا تثبت إلا بالكتاب والسنة والإجماع، وأما المنامات فلم تكن يوماً مصدرا للتنزيل، وطريقا للتشريع!!
رابعاً: وقوله: (وأن من يتجاهلها فسيحزن حزنا شديدا):
• أقول:
إن ادعاء حصول الفرح أو الحزن لإنسان ما، وفي زمن ما، يعد من الأمور الغيبية، التي لا يعلمها إلا الله، فهل اطلع هؤلاء على الغيب، أم كشف الله لهم الغيب ؟!، وهذا أمر قد أنكره الله سبحانه في كتابه، وسنة نبيه، قال تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا}، وقال: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ} وأخبر بأن علم الغيب له وحده، فقال:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاّ مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُول}.
خامسا: عليكم اليقظة عباد الله والحرص على معرفة الكتاب والسنة، فيؤخذ وينشر ما يكون موافقاً ومقبولاً عند عرضه على الكتاب والسنة، ويطرح ما يكون مخالفا للكتاب والسنة .
والحمد لله أولا وآخراً على فضله وإحسانه علينا بالسلامة من البدع والخرافات.

كتبه . عبد العزيز بن ندى العتيبي
٣٠ من ربيع الأول ١٤٣٦
يوافق٢١/ ١/ ٢٠١٥