هذا هو الأصل فيه إذا تجرَّد عن قرائنَ تصرفه إلى عن أصله ..
وقد اعتضدت القاعدة - مع كونها عربيَّةً - بأدلَّة الشرع ، وفهم أئمة الدين هذا الأصل ، ولم يخالف فيه إلاَّ من كان ذا استقراءٍ ناقصٍ للشريعة ممن تخصَّص في علمٍ ؛ كالأصول ..
أما محققوا العلم وأساطينه ؛ فبها يعملون ، وعليها يعوِّلون ..
فإذا وجدوا أمراً شرعياً من كتاب وسُنَّة ، ولم يجدوا نصاً آخر يصرفه ، أو عملاً من الصحابة أو سلف الأمَّة ؛ قالوا بوجوبه ؛ إبراءً لذمة العبد المخلوق لله ، وحملاً له على تحقيق عبوديَّته لله - على خلافٍ في بعض المسائل كأوامر الآداب - ..
أما كون القاعدةِ مأخوذةً من كلام العرب ؛ فمستفيضٌ ..
وفي ذلك يقول إمام العربيَّة وعلاَّمةُ الاشتقاق - أعني ابنَ فارسٍ رحمه الله - في " الصاحبي " :
(الأمر عند العرب : ما إذا لم يفعله المأمور به سمي المأمور به عاصياً.
ويكون بلفظ افْعلْ وليفْعَلْ نحو " أقيموا الصلاةَ " ونحو قوله: " وَليحكمْ أهلُ الإنجيل " .
فأما المعاني التي يحتملها لفظ الأمر فأن يَكون أمراً، والمعنى مسألة. نحو قولك: اللهم اغفر لي .
ويكون أمراً، والمعنى وعيد . نحو قوله جلّ ثناؤه: " فتمتعوا فسوف تعلمون " .... )
ثمَّ عدد أنواعاً ..
إلى أن قال : ( فإن قال قائل: فما حال الأمر في وجوبه وغير وجوبه؟ قيل له: أمّا العرب فليس يُحفظُ عنهم في ذلك شيء، غير أن العادة بأنَّ من أمر خادمه بسقيه ماءً فلم يفعل، أنّ خادمه عاصٍ: وأن الآمر مَعْصِيّ. وكذلك إذا نهى خادَمه عن الكلام فتكلّم، لا فرق عندهم في ذلك بين الأمر والنهي ).
وبهذا يتبيَّن غلط من زعم أن الأمر لا يفيد الوجوب - من حيث الأصل - ..
والله أعلم .