هُمُوم دَاعِية
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

تعاني المجتمعات الإسلامية من وجود طائفة من الشباب الذين لا همَّ لهم سوى النقد اللاذع غير المشروع لغيرهم من الدعاة والعلماء دون النظر في صرائح الكتاب والسنة المُحَرِّمة لهذه المسالك العدوانية الشيطانية.
ومما يؤسف له أن بعض الشباب يصورون لبعض أبناء المسلمين أن الدين لا يقوم إلا بهذا المسلك الخطير ، والعجب العجاب أن هناك ناشئةً قريبةَ عهد باستقامة تصادف مثل هؤلاء الشباب فتغويهم بهذا المسلك ، فيبدئون معهم بتحذيرهم من بعض الدعاة والمصلحين بدعوى التحزب والتطرف، قبل تعليمهم التوحيد والطهارة والصلاة وما يجب عليهم تجاه إخوانهم.
ولا يعني ذلك أن التحذير من التحزب والتطرف أمر يُزهَّدُ فيه ، لا، بل قد يكون واجباً ، ولكن لهذا الميدان أعيانه من العلماء متى تحقق أن آحاد بعض المسلمين أو مجموع تلكم الأحاد قد صار متحزباً تحزباً ينافي التشرع المطهر ، أمَّا والأمور قائمة على سوء الظن والتعصب لفلان من الناس وآرائه فلا شك أن هذا تعنتٌ ممقوت لا يحق لعاقلٍ أن يتشبث به ، والأصلح أن ينشغل بخاصة نفسه وإلا كان مرتكباً لوزر عظيم.
إن أهل السنة والجماعة [ الجماعة السلفية ] دين الحق والاستقامة تمرُّ في عصرها الحاضر بنماذج كثيرة من الانقسامات والتشطيرات التي كان سببها التطرف والتعصب غير المبني على العلم والإنصاف ؛ فالصديق الفلاني صار اليوم عدواً ، والعدو الذي كان بالأمس أصبح صديقاً حميماً ، لكن السؤال ما هو الذي حول العدو إلى صديق ، والصديق إلى عدو ؟
والجواب : المصالح المشتركة لا أقول : دنيوية بحتة؛ لأني أنزه هؤلاء الدعاة أن يكونوا ماديين مهما كان الخلاف حاداً ، ولكن أقول: مصالح في الرأي ، أو طلب الرفعة قبل حلولها ، ففلان رجع إلى قولي ، أو أنه وافقني باسقاط الداعية الفلاني الذي وقع في خطأ سواء كان صغيراً أو كبيراً صار صديقاً لي ، لكن صديقي الذي كان حميماً لي قديماً صار عدواً، بل ربما أشر من إبليس؛ لأنه لم يقل فلان مبتدع بنحو قولي، أو لأنه سكت عن إظهار موقفه من فلان ، وهذا ميزان شخصي. أما الميزان الشرعي فيقول : " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً " (1)
وعن علي بن حسين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " (2)
ويروى عن قيس قال " رأيت أبا بكر آخذاً بطرف لسانه ، ويقول هذا الذي أوردني الموارد " ، ونحو ذلك من الآيات والأحاديث والآثار السلفية.
إذن فالمسألة شرعية قائمة على علمٍ ودينٍ لا شخصية؛ لأن تصنيف الناس أمر خطير من المسائل التي فيها الجمر تحت الرماد.
ولا يعني ذلك أن هؤلاء النفر يجب هجرتهم أبد الدهر ، بل يجب الأخذ بأيديهم ونصحهم وحوارهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن ، يقوم بذلك الناقد البصير الحكيم في أقواله وأفعاله بحيث يطغى عليه حب هدايتهم على إسقاطهم وإظهار عوارهم للأمة ، لأنهم إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا سواء عُرِفُوا بعلم أم لا ، وفي الحديث : " فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" (3)
يبقى همُّ الداعية قائماً متى كان باب الحوار مغلقاً مع هؤلاء الدعاة أو الشباب الذين غلبوا جانب الشدة على اللين.
أقول لهؤلاء الدعاة: ليست الدعوة مسألة أتباع لتكثير السواد، ولكنها مسألة دين يسألك عنه رب العالمين ، ولا يظن هؤلاء الأفاضل أنَّ ما يُنقل إليهم عن بعض إخوانهم من أهل العلم من المساوئ وعدم توجيه هؤلاء النقلة لما يصلح حالهم خير لهم، بل هو شر لهم ، ويجب عليهم أن يناصحوهم وأن يذبوا عن إخوانهم الدعاة، وإلا أبتلوا بذلك بل وأمرُّ منه.
الواجب عليكم يا من أقمتم أنفسكم مقام المنافح عن الدين والسلف أن تردوا عن عرض أخينا المسلم إذا استغابه أحد ... حسب الطاقة ، وهذا العهد قد صار غالب الناس يخل بالعمل به حتى بعض مشايخ العصر من العلماء والصلحاء؛ فتراهم يسكتون على غيبة أخيهم وربما اشتفوا بذلك في نفوسهم، وهذا من أقوى الأدلة على عدم فطامهم عن محبة الدنيا على يد شيخ ناصح ، فإن محبة الدنيا بحب الانفراد فيها بالمقام ومحبة الصيت والشهرة والكمال وبكُرْهِ من يعلوه في ذلك، فهو يتوهم بغيبة الناس لمن يعلوه أن الناس إذا نقصوه يزول اعتقادهم فيه ويعكفون على اعتقادهم له هو ، وغاب عنه أن من نوى شيئاً أو فعله رجع عليه نظيره ، ولو أنه تَشَوَّشَ ممن استغاب أخاه المسلم لزاده الله تعالى رفعة على أقرانه كلهم؛ لأن الحماية إنما هي من الله تعالى لا من الخلق " (4) ، والله ولي المتقين.



1: سورة [1] لإسراء ، الآية رقم (36)
2: أخرجه الترمذي وغيره ، والحديث حسن.
3: متفق عليه.
4 :العهود المحمدية (ص204) بتصرف.

المصدر : http://albidhani.com/play.php?catsmktba=886