قال الشيخ يوسف الغفيص في شرحه لكتاب الايمان لابي عبيد القاسم
يستعمل المتأخرون من أهل السنة في كتبهم عبارة: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا التعبير لا بأس به، لكنه ليس فاضلاً، فإنه يوحي -ليس عند العامة بل حتى عند بعض طلبة العلم المبتدئين- أن مورد الزيادة والنقصان هو في الأعمال الظاهرة فقط.
وهذه المسألة فيها نزاع، فإن أبا محمد بن حزم رحمه الله يقرر أن الزيادة والنقصان لا يتعلقان بالتصديق.
فهو يقرر أن الزيادة والنقصان تدخل أعمال القلوب لكونها أعمالاً، فالمحبة ليست واحدة، والرجاء ليس واحداً.
وكذلك تدخل أقوال اللسان، فإن الناس متفاوتون في ذكرهم للشريعة وألفاظها وهديها وتوحيد الله وذكره
إلى غير ذلك.
وكذلك تدخل أعمال الجوارح.
لكنه تأخر فقال: إنه ليس من طريقة أهل السنة أن الزيادة والنقصان متعلقان بالتصديق.
وعلى هذا يكون التصديق واحداً.
وهذا غلطٌ دخل عليه من المرجئة، فإنه بنى هذا على مسألة أن التصديق يقابله التكذيب، وأنه إذا نقص ذهب، فإما أن يصدق الإنسان وإما أن يكذب ..
فما الوسط بينهما؟ وكيف تحصل الزيادة والنقصان في أمرٍ يدور بين الوجود والعدم؟
هذه هي شبهة المرجئة التي دخلت على ابن حزم رحمه الله، ولا وجه لها ألبتة، لا عقلاً ولا شرعاً.
فإنه يقال: إن التصديق -لاشك- يقابله التكذيب، لكن التصديق عند عامة العقلاء يتفاوت؛ فإن من صدق بشيءٍ بناءً على دليلٍ واحد ليس كمن صدق بهذا الشيء بناءً على عشرة أدلة، ومن صدق بشيءٍ بناءً على حديث يرى أنه حسن، وهو متردد في ثبوته، ليس كمن صدق بهذا الشيء وقد بناهُ على حديثٍ متواتر متفق على قبوله.
أي: أن تعدد الأدلة يوجب اختلاف التصديق.
وحتى لو كان الدليل من حيث الثبوت واحداً، كآيةٍ من القرآن؛ فإن نظر المخاطبين والمكلفين فيها يتفاوت تصديقه.
مثلاً: قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] هذه الآية من قرأها من المسلمين يصدق بها، لكن لا يلزم أن كل من قرأها من العلماء والعامة يكونون على درجة واحدة في تصديقهم -هم ليس فيهم مكذب، هذه جملةٌ منتهية؛ لأن من كذب كفر- لأنهم في فقههم لمعناها وتأملهم فيها يتفاوتون، ومن هذا الوجه تفاوت إيمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم، ومن غيره، كأوجه العمل الظاهر والباطن.
والمقصود من هذا بيان أن التصديق يتفاضل؛ فإن مما لا شك فيه: أن تصديق أبي بكر بالنبوة والقرآن والحديث ليس كتصديق آحاد الفساق، مع أن الفاسق لا يكذِّب.