الشريف العقيلي
بقلم - فالح الحجية

هو الشريف ابو الحسن علي بن الحسين بن حيدرة بن محمد بن عبد الله بن محمد العقيلي، وقيل أنه من سلالة عقيل بن أبي طالب وهو من أبرز شعراء مصر في القرنين الرابع والخامس الهجريين .

ولد الشريف العقيلى في الفسطاط في مصر في زمن الدولة الفاطمية وأقام بها وتغنى بجمال طبيعتها، وكان يمتلك بساتين بها ومتنزهات، ذكرها في شعره وتغنى بها فأبدع فكانت قصائده فيها تعرف ب( الروضيات ) وبرزت فى روضيات الشريف العقيلى مقدرته الشعرية حتى انه قيل يعد من أبرز شعراء الطبيعة فى مصر فقد أجاد الشريف العقيلي فى وصف النيل ومياهه وجريانه و فيضانه وأفلاكه ، غدرانه وأسماكه ، ومنها ومتنزهات مصر على ضفافه و طيورها واشجاره وأزهارها و ثمارها وبرك مصر و نواعيرها ، وخرير نوافيرها مع تمكنه فى فنون البلاغة وتميز شعره فى جماليات الصياغة البلاغية والغوية .

ولد وعاش بفسطاط مصر وكان أهله على درجة كبيرة من الثراء والنعمة ورث عنهم الشرف والغنى وانتسب الى الطالبين وقد طغت عليه شهرتهم و قيل ان الشريف الرضي هو من أشعر الطالبين قاطبة والشريف المرتضي كان أديبا وعالما متبحرا في الكلام والفقه والشعر اما الشريف العقيلي الذي ينتسب الى جده الأعلى عقيل بن ابي طالب شقيق الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنهم جميعا فياتي بالمرتبة الثالثة بين هؤلاء الطالبيين الثلاثة ..

وقد جاء شعره حافلا بمجالس لهوه ومتعه ولذائذ شرابه وكان شعره يمثل شخصيته وحالته النفسية المترفة في هذا الجو المفعم باللهو والشراب والغزل والعتاب وشكوى الأصدقاء والحساد فيقول :

أَيا مَن هُوَ الماءُ الزُلالُ الَّذي يَجري
وَمَن رَأيُهُ عَوني عَلى نُوَبِ الدَهرِ

أَتَحسَبُ ذَنبي كانَ مِنّي تَعَمُّداً إِذاً
لا صَفاً عَيشي بِهَجرِكَ لِلهَجرِ

فَلا تَترُكِ العَتبَ العَسوفَ يَرُدُّني
وَما قَضِيَت عِندَ الرِضا حاجَةُ العُذرِ

فَإِن أَكُ قَد أَزَرَت عَلَيَّ إِساءَةٌ
فَرُبَّتَما يُزري الكُسوفُ عَلى البَدرِ

إِذا حُلتَ عَن وَصلي لَأَدنى جِنايَةٍ
فَحُل مِن جِناياتِ الخُمارِ عَلى الخَمرِ


وحين يدبر العمر ويتعب يلوذ في شعره الى شكوى الزمن والشيخوخة والشيب والعجز عن مواصلة حياة اللهو

الشريف العقيلي ولع بالطبيعة وجمالها وهام بمظاهرها الخلابة وتجلياتها البديعة في مختلف الفصول فامتلأ شعره بوصفها وبالحديث عن المياه والبساتين والأزهار والرياض وفي وصف جمال الطبيعة وفيها يقول :

الغيم على حافتيه البرق يلتهب
كأنه مطرف أعلامه ذهب

والقطر يلثم ثغر الأقحوان أذا
تبسمت عنه في أفواهها القضب

وسر الى بنت كرم فوق مفرقها
من صنعة الماء تاج دره الحبب

الشريف العقيلي أبرز شعراء مصر فى القرنين الرابع والخامس الهجريين بما يتميز به شعره من سمات فنية وبلاغية .فقد اشتهر بإجادته التشبيه وإكثاره من الاستعارات البيانية والبلاغية وهو القائل:

ولمّا أقلعت سفنُ المطايا
بريحِ الوجدِ في لُججِ السرابِ

جرى نظري وراءهمُ إلى أن
تكسّر بين أمواجِ الهضابِ

ويقول ايضا :

غَزالٌ تَدَلُّلُهُ دَلَّهُ عَلى قَتلِ مَن هُوَ عَبدٌ لَهُ

وَذَلِكَ أَنِّيَ مَلَّكتُهُ وِدادي وَمَلَّكَني وَصلَهُ

وَكُنّا نَروحُ وَنَغدو إِلى هَوىً لا يُحَمِّلُنا ثِقلَهُ

كَغُصنَينِ في دَوحَةٍ بَعضُنا يَمُدُّ عَلى بَعضِنا ظِلَّهُ

إِلى أَن أَمَرَّتهُ أَفعالَهُ وَوَعَّرَ إِعجابُهُ سَهلَهُ

فَخَلَّصتُ حَبلِيَ مِن حَبلِهِ وَمَن مَلَّ صاحِبَهُ مَلَّهُ

ويقول في الغزل :

وَشادِنٍ مِن بَني الكُتّابِ قُلتُ لَهُ
وَوَابِلُ الدَمعِ في خَددَّيَّ مُنسَكِبُ


عَلامَ يَقطَعُ يا مَن لا شَبيهَ لَهُ
في الحُسنِ رَسمَ الرِضا عَن عَبدِكَ الغَضَبُ


فَقالَ يَرفَعُ في الديوانِ قِصَّتَهُ
حَتّى نُوَقِّقَ فيها بِالَّذي يَجِبُ


وحين يقرب العمر من نهايته يلوذ في شعره الى شكوى الزمن والشيخوخة والشيب والعجز عن مواصلة حياة اللهو فيقول:

كُنتُ عَذبَ الحَياةِ حَتّى
ناصَبَني دَهرِيَ العَداوَه

فَصِرتُ إِن ذُقتَ طَعمَ عَيشٍ
وَجَدتُه ُ ناقِصَ الحَلاوَة

و في قصيدة يقول في غزال:

غزال تبدي فأبدى لنا
هلالا منيرا وغصنا رطيبا

وطرفا كحيلا ووجها جميلا
وخدا أسيلا وحسنا غريبا

ويقول في الحكمة :

وَقائِلٍ ما المُلكُ قُلتُ الغِنى
فَقالَ لا بَل راحَةُ القَلبِ

وَصَونِ ماءِ الوَجهِ عَن ذِلَّةٍ
في نَيلِ ما يَنفَدُ عَن قُربِ

وفي شيخوخته ومشيبه كثر شكواه الى الله تعالى ويشكو الاخلاء والاصحاب وهجرهم له وتباعد اصدقائه عنه وقد سخر بعضهم منه . فيقول :

لم أنس أيامي ولا أطرابي
أيام كنت أجر أذيال شبابي

قوم أذا خطب الفتى ألفاظهم
زفت أليه جواهر الآداب

كم من دجى هم هم أماطوا جنحه
عني بنور كواكب الأكواب

ويرى ان الزمن ظلمه لان الزمن الذي عاشه في اخريات ايامه ليس فيه صفاء وراحة كما يتوقع فيقول :

دَرُ الزَمانِ فَلَيسَ فيهِ صَفا
وَرَأى الخِيانَةَ لِلكِرامِ وَفا

مُذ كُنتُ فيهِ أَراهُ يَظلِمُني
فَمَتى تَرى لي مِنهُ مُنتَصِفا

ما مِنهُ يَومٌ لا يُجَرِّعُني
فيهِ قَبائِحُ فِعلِهِ أَسَفا

فَكَأَنَّما أَنا فيهِ لُؤلُؤَةٌ
بِالرُغمِ مِنها تَسكُنُ الصَدفا

توفي الشريف العقيلي في مصر سنة \450 هجرية – 1058 ميلادية .

ومن شعره أرجوزة طويلة ناقض فيها ابن المعتز في أرجوزته التي ذم فيها الصبوح ومدح الغبوق مطلعها:

( لقد زرت قبرك ياعلي مسلما )


واختم بحثي بهذه الابيات من شعره :


وَمُستَهامٍ بِشُربِ الراحِ باكَرَها
عَذراءَ في جيدِها طَوقٌ مِنَ الذَهَبِ

فَغادَرَتهُ صَريعاً لا اِنقِيادَ لَهُ
كَأَنَّما أَخَذَت بِالثَأرِ لِلعِنَبِ

وَاِستَأسَرَت عَقلَهُ حيناً كَما أُسِرَت
في دَنِّها حِقَباً مِن غَيرِ ما سَبَبِ

فَحينَ أَضحى طَليقاً أَعقَبَتهُ عَلى
ما كانَ فيهِ مِنَ الأَفراحِ وَاللَعِبِ

داءً تَقومُ مَقامَ الأَسرِ سَورَتُهُ
دَواؤُهُ عَودُ ما قَد كانَ مِن طَرَبِ

فَقامَ يُذهِبُ ذاكَ الداءَ عَنهُ بِها
ما بَينَ زَهرٍ كَياقوتٍ عَلى القُضُبِ

وَظَلَّ يَشرَبُ دُرّاً ذَهَبٌ
رَطبٌ عَلى دُرَرٍ يَبسِمنَ عَن ذَهَبِ

وَلَيسَ يَعذِلُهُ في الراحِ غَيرُ فَتىً
غِرٍّ بَغَدرِ صُروفِ الدَهرِ وَالنُوَب

امير البيا ن العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز

****************************** *