قال فضيلة العالم المجدّد محمد حامد الفقي -رحمه الله- :
" مهّد اللهُ تعالى لبزوغِ شمسِ الرسالة المُحمّدية بمقدماتٍ، نبّهت العقولَ إلى قُربِ مجيئِه، وأعدّ النفوسَ وهيّأتها لتلقى هذه الرسالة بما هي أهلٌ له من التّصديق والإذعان؛ والإجلال والإعظام والإكبار.

فكان حدثُ أبرهة مع جيشه الكثيف، وفيلته العظيمة، وإجرامه الفظيع في محاولة هدم بيت الله العتيق؛ وعَجْز قريش وجريانها وأحلافهم عن صدِّه وردِّه ولجوئهم وفزعهم إلى الله على لسان شيخ قريش عبدالمطلب، إذ تعلّق بأستار البيت ونادى ربَّهُ:

لا هُمّ إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك **وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
فمنع اللهُ بيتَه، وردّ كيد عدُوّه وفي تحرِه ((وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصفٍ مأكول))، لا كرامةً لقريش !!
ولا نصرةً لهم ولشيخهم!!

فلم يكونوا بشركهم ووثنيّتهم الفاجرة وتلويثهم البيتَ الذي طهّرهُ إبراهيم –عليه السلام- للطائفين والعاكفين والرُّكّع السّجود بما نَصَبوا عليه وحوْلَه وبداخلِه من صورٍ وتماثيلَ آلهتَهم التي اتخذوها من دون الله،
وإنما كان ذلك إكرماً وتمهيداً لذلك المولد الكريم الذي سيولد في هذا العام الولادة الأولى البشرية، فيكون المثل الأعلى في طفولته لتربية النشء على الطُهْرِ والعفاف، وعِزّة النّفس وصيانتها عن كلّ ما يتسفّل بها إلى دركِ الصغار والفساد، والذي سيولد الولادة الثانية الرّوحية العلمية الرسالية، فيحمي اللهُ به هذا البيت العتيق، ويطهّره من تلك الأرجاس الشّركية، ويدفع عنه الهدم المعنوي الذي هدّ وقوّض من أركانه الدينية بما ألصَقَت به قريش من صورٍ وتماثيل وأولياءهم الذي ((لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون. أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون)).

فأبرهة كان يريد هدمه الحسّي بنقض أحجاره، وقريشٌ كانت تهدمه الهدم المعنوي وتخرّبه الخراب الديني.."

---------------------------------------------------------------------------------------------------------
[مقال: الأعياد الجاهلية: بدعة الأعياد بذكرى مولدالنبي -صلى الله عليه وسلم- / مجلة الهدي النبوي / العدد (3) ربيع الأول / 1367 هـ ] .