لعلك تذكر أني قلت بالحرف: ((ثم إن ابن حزم وإن كان لديه خلل ظاهر إلا أنه قد ذكر ما يمكن أن يستفاد منه في وضع ضوابط عملية للتحقق من صحة الإجماعات المنقولة)).إذا كان عندي خلل في تصور المعنى الصحيح للإجماع نفسه، فكيف يُتصور أن أضع ضوابط صحيحة لمعرفته؟
لا أنه يعتمد عليه في وضع الضوابط.
رغم احترازك اللطيف في آخر كلامك (ابتسامة) إلا أني أود أن انقل إليك ما سمعته:فالمقصود أن طعن ابن حزم في الإجماع الذي حكاه الإمام مالك لا يقبل بإطلاق ، وإنما يحتاج الأمر إلى البحث عن القرائن في المسألة، فإذا وجدنا ابن حزم مثلا تفرد بهذا الطعن ولم يوافقه أحد من أهل العلم لا قبله ولا بعده، فلا شك أن كلامه لا يقبل.ومالك ليس بمعصوم في نقله ويرد عليه الخطأ كما يرد على غيره، ولكن الأمر بضوابطه.
في محاضرة الشيخ المقدم وفقه الله: قال مالك عن : وجوب رد اليمين على المدعي إن نكل المدعى عليه : ((هذا ما لاخلاف فيه عن أحد من الناس ، ولا في بلد من البلدان)) [1] ، واستدرك ابن حزم (ولعله في المحلّى وهو ليس عندي) : هذه عظيمة ! القائلين بالمنع من رد اليمين أكثر من القائلين بردها. واستدرك على الشافعي كذلك عندما حكى لا الإجماع وإنما عدم العلم بالخـلاف (!) في أن في الثلاثين من البقر تبيع و في الأربعين مسنة ، قال ابن حزم (ولعله في المحلى أيضاً): ((وإن الخلاف في ذلك عن جابر بن عبدالله و سعيد بن المسيب وقتادة ، وعمال ابن الزبير في المدينة ، ثم عن إبراهيم النخعي وعن أبي حنيفة لأشهر من أن يجهله من يتعاطى العلم)).أ.هـ. [2]
============================== ==
[1] وجدته في الموطأ ، ط. إحياء التراث ، ص 447 : بلفظ: ((فهذا مما لا اختلاف فيه عند احد من الناس ، ولا ببلد من البلدان)).
[2] "نظرة في الإجماع الأصولي" من الدقيقة 57 إلى 59.