(1) إخلاص النية في سفره:لما ثبت في الحديثِ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى))[1].
فإذا صدق الإنسانُ في نيتِه، وأخلص لله في ذلك، كان سفرُه عبادة، حتى لو كان هذا السَّفرُ مباحًا؛ لما ثبت في الحديثِ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ((إنَّك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجرتَ عليها))[2].
فقوله: ((تبتغي بها وجه الله))؛ أي: يكون مقصودُك بذلك وجهَ الله.
وعندما يصحح العبدُ نيتَه، فإنَّ الله يكتب له في سفرِه أجر أعمالِه الصَّالحة التي كان يقومُ بها في إقامتِه؛ فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مرض العبدُ أو سافر كُتب له ما كان يعملُه مقيمًا صحيحًا))[3].
وعلى هذا، فينبغي للعبدِ أن يكونَ سفرُه إمَّا لواجبٍ؛ كحجٍّ أو جهادٍ أو طلبِ علم أو إصلاح نفس، أو نحو ذلك، أو لأمرٍ مستحب؛ كزيارةِ أخ له في الله، وإمَّا هروبًا من كفرٍ أو بدعة أو نحو ذلك، وإمَّا لسفرٍ مباح يقصد به إجمامَ النفس وتنشيطها لطاعة الله - عز وجل - لا لمجردِ التلذذ بالمباح فحسب.
ولا يحلُّ له السَّفر إلى بلادٍ يظهر فيها الفجورُ؛ كسفرِه إلى بلادِ الكفر، والسَّفرِ إلى تجمعاتِ المعاصي والدِّياثة والعُرْيِ، وقد ثبت في الحديثِ قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلم يقيمُ بين أظهرِ المشركين))[4].
ولا يحلُّ له السَّفر من أجلِ شراء أشياء محرَّمة، أو الاتجار فيها؛ فإنَّ سفره هذا يكون في معصيةِ الله، ويكون به آثمًا عند الله.
(2) الاستشارة:يُستحبُّ لمن أراد سفرًا أن يشاورَ من يثقُ بدينه وخبرته في هذا السَّفر؛ قال - تعالى -: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران : 159].
وقد تظاهرت الأحاديثُ الصحيحة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشاورُ أصحابَه، وكانوا يشاورونه في أمورِهم.
والواجبُ على من طُلب منه النصيحة أن يبذلَها له، بعيدًا عن الهوى وحظوظِ النفس؛ لما ثبت في الحديثِ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حقُّ المسلمِ على المسلم خمس))، وذكر فيها: ((وإذا استنصحك فانصحْ لَه))[5].
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المستشار مؤتَمَن))[6].
ملاحظات:(أ) هل يقدِّمُ الاستخارةَ على المشورةِ أو العكس؟قال الشيخ ابنُ عثيمين - رحمه الله -: "والصحيحُ أنَّ المقدَّمَ الاستخارة لقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ، فليصلِّ ركعتين)) إلى آخره"[7].
(ب) يشترط فيمن تستشيرُه شرطان:الأول: أن يكونَ ذا رأيٍ وخبرةٍ في الأمور، وله في ذلك تجرِبة.
الثاني: أن يكون صالحًا في دينِه، فلا تستشرْ أهلَ الفسقِ والفجور والمجون؛ لأنَّ هؤلاء يوقعونك في المهالك والمعاطب والمفاسد، ولا ينصحونك لدينك، بل وربَّما حسدوك إذا كان فيما تستشيرُهم فيه مصلحةٌ لك، فيغشون لك في النصح، والله أعلم.
(3) الاستخارة:من السنَّةِ للمسافرِ أن يستخيرَ الله - تعالى - فيصلي ركعتين من غيرِ الفريضةِ، ثم يدعو بدعاء الاستخارة.
فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلِّمُنا الاستخارةَ في الأمور كلِّها كما يعلمنا السورةَ من القرآن، يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركع ركعتين من غيرِ الفريضة، ثم ليقل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلِك العظيم، فإنَّك تقدرُ ولا أقدر، وتعلمُ ولا أعلم، وأنت علاَّم الغيوب، اللهمَّ إن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدرْه لي ويسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلمُ أنَّ هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاصرفه عنِّي، واصرفني عنه، واقدرْ لي الخيرَ حيث كان، ثم رضِّني به - ويسمِّي حاجته))[8].
ويُلاحظ في ذلك أمور:(أ) الاستخارة تكون في الأمورِ الاختيارية للعبد؛ أعني في الأمورِ المباحة، وأمَّا الأمور الواجبة والمستحبة، فليس فيها استخارة؛ لأنَّها كلَّها خير، وعليه أن يأتي بها، إمَّا وجوبًا وإما استحبابًا، وكذلك الأمور المحرمة والمكروهة ليس فيها استخارة؛ لأنَّها كلَّها شر، وعليه الانصرافُ عنها؛ لأنَّ التلبس بها إمَّا محرمٌ أو مكروه.
(ب) لا يحتقر العبدُ أمرَ الاستخارةِ مهما صغُر الأمر، فرب أمرٍ يستخفُّ به العبدُ يكون في الإقدامِ عليه ضررٌ عظيم، فتأمل قولَه في الحديث: ((يعلمنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها كما يعلمنا السورةَ من القرآن))، مما يدلُّ على تأكيدِ الاهتمام.
(جـ) تكون الاستخارةُ بعد صلاةِ ركعتين من غيرِ الفريضة، كما هو ثابتٌ في الحديث، وعلى هذا فلا يقعُ دعاءُ الاستخارةِ بعد الفريضةِ موقعَه، ولا يكون أتى بالاستخارةِ المشروعة.
[1] البخاري (2)، ومسلم (1907)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، والنسائي (1/58).
[2] البخاري (1295)، ومسلم (1628)، وأبو داود (2864)، والترمذي (975).
[3] البخاري (2996)، وأبو داود (3091).
[4] أبو داود (2645)، والترمذي (1604).
[5] البخاري (1240)، ومسلم (2162)، وأبو داود (5030)، وابن ماجه (1435).
[6] صحيح: أبو داود (5128)، والترمذي (2369).
[7] شرح رياض الصالحين (2/588).
[8] البخاري (1162) (6386)، وأبو داود (1538)، والترمذي (480)، والنسائي (6/80)، وابن ماجه (1383).
يتبع إن شاء الله