بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الفاضل أبو عُبُود عبدالله بن عبود باحمران - حفظه الله ووفقه :

9) ومن الكتاب الذي : (( فيه علم جم وفهم غائص )) ؛ أُثَبِّتُ بُعْدَ الإمام محمد ناصر الدين الألباني عن مخالفة منهج المتقدمين في التقوية بالشواهد والمتابعات من : الاغترار بظواهر الأسانيد ، وعدم التيقّظ لما يعتريها من العلل وبخاصة الخفية منها :
1) فقد نقل الشيخ أبو معاذ في (ص33) عن الإمام محمد ناصر الدين الألباني تنبيهه إلى خطأ النظر إلى ظاهر السند فقط .
2) ونقل في (ص39-40) عن الإمام محمد ناصر الدين الألباني تنبيهه إلى عدم الاغترار بكثرة الطرق لتقوية الحديث حتى يتبيَّن حالها .
3) ونقل في (ص52) من قول الإمام محمد ناصر الدين الألباني أنه لا يعقل تقوية ما ثبت خطؤه برواية أخرى بمعناها ، وهو : (( ما ثبت خطؤه لا يُعقل أن يُقوَّى به رواية أخرى في معناها )) أهـ .
على الشيخ تركي الغميز ، والدكتور الفحل ؛ تدبُّر قول الإمام هذا ، ثم يُجيبا على : هل بهذا سيقوِّي الإمام الخطأ بالخطأ ؟ .
4) ونقل في (ص52) قول الإمام محمد ناصر الدين الألباني : (( أن الشاذ والمنكر ممَّا لا يُعْتَدّ به ، ولا يُسْتشهدُ به ، بل إنَّ وجوده وعدمه سواء )) . ثم علَّقَ في ( الحاشية "1" ) بقوله : (( وسيأتي بنصه في " فصل : المنكر ... أبدأً منكر " ، وهو من درر كلامه ، فلله درُّه . )) أهـ .
10) وأختم هذه الفقرة بقول الإمام محمد ناصر الدين الألباني في مقدمة الإرواء – الكتاب الذي له علاقة وثيقة بالتصفية كما في (1/10) منه ، والذي أراد الدكتور الخليل هدمه والظاهر أنه لم ينجح ؛ فهل سيقوم
فقد قال في (1/11) منه : (( واعلم أن فن التخريج ليس غاية في نفسه عند المحققين من المحدثين ، بحيث يقتصر أمره على أن نقول مخرج الحديث : " أخرجه فلان وفلان و ... عن فلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما يفعله عامة المحدثين قديماً وحديثاً ، بل لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفاً ، فإنه والحالة هذه لا بد أن يتتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة ، وهذا ما يعرف في علم الحديث بالحسن لغيره ، أو الصحيح لغيره . وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها ، لأنه يتطلب سعة في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها ، ومعرفة جيدة بعلل الحديث وتراجم رجاله ، أضف إلى ذلك دأباً وجلداً على البحث ... )) أهـ .
قول الإمام هذا فيه :
أ*) الحكم بأن الحديث حسن لغيره من أصعب وأشق أنواع علوم الحديث ؛ لماذا ؟ .
ب*) لأنه قائم على أمرَيْن صعبَيْن شاقَّيْن :
الأول : الاطلاع الواسع على الأحاديث والأسانيد .
الآخر : المعرفة الجيدة بعلل الحديث وتراجم الرواة .
ج) ثم صفة شاقة لا بد أن يتحلَّى بها الحاكم للحديث بالحُسْن لغيره خاصة ؛ وهي : دأب وجلد على البحث .
د) كل هذا لم يفقهه بعض الجامدين – وهم لا يشعرون – الذين جعلوا الحكم للحديث بالحُسْن ، وبالحسن لغيره ؛ قاعدة رياضية جامدة بحيث صاروا ينظرون إلى حال الراوي دون مرويِّه – وهم لا يشعرون فالضعيف جدًّا دائماً ضعيف جدًّا لا يصح الاستشهاد به ؛ فرموا الإمام ناصر الدين الألباني بالتساهل ، وكان أول مَنْ علمته رمى الإمام ناصر الدين الألباني بذلك هو مصطفى العدوي حين احتووه السروريُّون والقطبيُّون ثم الإخوان ؛ فأثمر عن ذلك نظراته الضعيفة في كتب الإمام ناصر الدين الألباني ، ولو كان العدويُّ مُوَفَّقاً لَنَظَرَ فيما أسماه تحقيقاً لمنتخب عبد بن حميد ، نظرات ونظرات ونظرات ونظرات و ... .
20) قال الدكتور في (1/123) : (( 5- المتأخرون – وبخاصة المعاصرين – يُعلون رواية المدلس حتى لو لم يثبت تدليسه في ذلك الحديث خاصة ، بخلاف المتقدمين فإنَّهم لا يُعلون رواية المدلس إلا إذا ثبت تدليسه ، فالتدليس عند المتأخرين هو العنعنة ، ومن ثم يحكمون على عنعنة المدلس بالضعف ، أما المتقدمون فيفرقون بين العنعنة والتدليس ، ولذلك لا يضعفون رواية المدلس بمجرد العنعنة . وأحال في الحاشية "4" إلى ) أهـ .
في قول هذا أمور :
الأول : وبخاصة المعاصرين : في مقدمتهم الإمام ناصر الدين الألباني ، كما في تسجيل مبثوث للشيخ العلوان على اليوتيوب بعنوان : (( هل تصحيح الألباني للأحاديث دقيق ؟ )) ، وهو موجود أيضاً ضمن صفحة على التويتر بعنوان : (( فتاوى العلامة سليمان بن ناصر العلوان )) .
الثاني : المتأخرون :ويجري على أصلهم الإمام ناصر الدين الألباني : يُعلّون رواية المدلس حتى ولو لم يثبت تدليسه في ذلك الحديث خاصة .
الثالث : المتقدمون – عند الشيخ العلوان – لا يُعلّون رواية المدلس إلاّ إذا ثبت تدليسه .
الرابع : المتأخرون ، ويجري على أصلهم الإمام ناصر الدين الألباني : التدليس عندهم هو العنعنة ، ومن ثَمَّ يحكمون على عنعنة المدلس بالضعف .
الخامس : المتقدمون – عند الشيخ العلوان – يفرِّقون بين العنعنة والتدليس ؛ لذلك لا يضعِّفون رواية المدلس بمجرد العنعنة .
الخلاصة :
أن الأئمة المتقدمين – عند الشيخ العلوان - لا يُعِلُّون الحديث بعنعنة المدلس وإنَّما إذا دلَّس فيه ؛ فهم يقولون : دَلَّسَ ولا يقولون : عنعن ؛ فإذا ثبت أنه دلَّس ؛ فيُعلُّون الحديث ؛ لأن هذا انقطاع وهذا عنعن ولم يدلّس ، مجرد عنعنة فهذه لا تؤثِّر . وهذا من الفروق العظيمة بين الأوائل و الأواخر كما قاله في التسجيل المبثوث على اليوتيوب والذي هو بعنوان : (( هل تصحيح الألباني للأحاديث دقيق ؟ )) .
وفي هذا التسجيل نسب الشيخ العلوان إلى الإمام ناصر الدين الألباني أنه يقول في الحديث : (( فيه عنعنة الحسن ، فيه عنعنة قتادة ، فيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي ، فيه عنعنة الأعمش ، فيه عنعنة ابن جُريج ، فيه عنعنة أبي الزبير ، ويُعل الأحاديث بالطريقة هذه ، وهذا منهج لم يكن عليه أحد من الأوائل ولا يُعرف عن أحد من الأئمة قط بأنه أعلّ حديثاً بعنعنة المدلس ، وإنما الأوائل يقولون : دلَّس ، ولا يقولون : عنعن . )) أهـ .
هل ما نسبه الشيخ العلوان إلى المتقدمين وإلى الإمام ناصر الدين الألباني صواب ودقيق ؟ .
1) الظاهر أن الشيخ العلوان استقرأ إعلال الأئمة المتقدمين للأحاديث التي أعلّوها بالتدليس ؛ فلم يجد غير : (( دلَّس )) ، وذلك من قوله : (( وهذا منهج لم يكن عليه أحد من الأوائل ولا يُعرف عن أحد من الأئمة قط بأنه أعلَّ حديثاً بعنعنة المدلس ، وإنما الأوائل يقولون : دلَّس ، ولا يقولون : عنعن . )) أهـ .
السؤال الذي يفرض نفسه هنا : عندما قام الشيخ العلوان بهذا الاستقراء ؛ فهل وجد الأئمة يذكرون كل العلل التي في الحديث أو الإسناد ؟ أم وجدهم يذكرون العلة الأقوى الموجبة للضعف عندما يتحققون من ذلك أو يغلب على ظنهم ؟ .
إذا كان الجواب : أنهم لا يعلّون الحديث أو الإسناد بكل العلل : على هذا ؛ أَفلا يكون عندهم الإعلال بالعنعنة لا حتمال وجود التدليس ؛ لكون مَنْ عَنَعَنَ مدلسٌ ، وإنما لم يُعلّوا بعنعنته لأنهم لا يعدِّدون ذِكْر العلل وإنما يكتفون بما تقدم ذِكْره ؟ .
و أُمَثِّل بصنيع أبي حاتم وأبي زرعة في إعلالهم الحديث بعنعنة حجاج بن أرطأة ؛ لأنه يدلس عن الضعفاء :
أ*) قال ابن أبي حاتم في ( علل الحديث ) (1/48، رقم 109) : (( سمعت أبي وأبازرعة في حديث حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتوضأ ويقبل ويصلي ولا يتوضأ . فقالا الحجاج يدلس في حديثه عن الضعفاء ولا يحتج بحديثه . )) أهـ .
سؤال لكل منصف : هل أبو حاتم و أبو زرعة أعلاَّ الحديث لأن الحجاج دلَّس أم لأنه عنعن وهو مدلس عندهما ؛ فاحتمل تدليسه ؟ .
أبو حاتم وأبوزرعة أعلاَّ الحديث هنا لأجل أن الحجاج يدلس في حديثه عن الضعفاء ، وفي الرواية هنا عنعن ولم يصرح بالتحديث .
ب*) قبلُ قال في (1/18، رقم 20) : (( سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن الحجاج عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن أبي طالب عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... . قال أبي : هذا خطأ إنما هو محمد بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن جده والوهم من حماد . )) أهـ .
هنا حمَّل أبو حاتم حمادَ بن سلمة الوهم َوسكت عن أن الحجاج يدلِّس .
ج*) وبعده في (1/63، رقم 164) ذكر أبو زرعة الاختلاف ورجَّح المرسل ، وسكت عن أن الحجاج يدلس .
د) وبعده في (1/96-97 ، رقم 260) حمَّل أبو حاتم وأبو زرعة الخطأ سعد بن الصلت ، ثم ذكرا الاختلاف ، ورجَّحا : عن الحجاج عن أبي سعيد الأعسم عن مصعب عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسكتا عن أن الحجاج يدلِّس والذي عنعن في الطرق الثلاث .

وكذا في غير ذلك كما في رقم (284) .
2) وفوق أنهم لا يذكرون كل العلل ؛ فإنَّ وقوع التدليس هو الأظهر في باب الإعلال من احتمال التدليس ؛ لماذا ؟ لأن كشف وقوع التدليس في رواية المدلس هو من العلل الخفية ، والإعلال باحتمال التدليس في رواية المدلس هو من العلل الظاهرة ، لذلك وجد الشيخ العلوان الأوائل يقولون : (( دلَّس )) أي : وقع التدليس من المدلس .
وإنما قلتُ : (( وقوع التدليس هو الأظهر .. )) لأن الشيخ العلوان إذا استقرأ كما ينبغي أن يكون الاستقراء لَوَجَدَ إعلالهم باحتمال التدليس ، فمثلاً :
قال ابن أبي حاتم في ( علل الحديث ) (2/210، رقم 2119) : (( سألت أبي عن حديث رواه الحسن بن عمرو الفُقَيمي وفطر والأعمش كلهم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رفعه فطر والحسن ولم يرفعه الأعمش قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من يقطع فيصلها قال أبي الأعمش أحفظهم و الحديث يحتمل أن يكون مرفوعاً وأنا أخشى أن لا يكون سمع الأعمش من مجاهد ان الأعمش قليل السماع من مجاهد وعامة ما يروي عن مجاهد مدلس . )) أهـ .
ففي قول أبي حاتم هذا :
أ*) الحسن بن عمرو الفُقَيمي وفِطر وهو ابن خليفة رويا الحديث عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً .
ب*) الأعمش رواه عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، ولم يرفعه .
ج*) الأعمش أحفظهم ؛ فيقتضي ترجيح روايته غير المرفوعة على رواية الآخرَيْن المرفوعة .
د) ولكن المتن المرفوع ليس فيه ما يمنع أن يكون مرفوعاً .
ه) لذلك ؛ فالأعمش إنما لم يرفعه ليس منه وإنما خشية أن لا يكون سمع الأعمش من مجاهد ؛ لماذا ؟
و) لأن الأعمش قليل السماع من مجاهد ، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلس .
ز) أليس في هذا إعلال باحتمال تدليس مَنْ ؟ تدليسُ الأعمش ؛ عند المخالفة .
ح) ألم يقف على هذا الشيخ العلوان ؟ .
ط) وللشيخ العلوان فقط لنسبته إلى الإمام ناصر الدين الألباني : (( فيه ... فيه عنعنة الأعمش ... ويُعل الأحاديث بالطريقة هذه . )) كما تقدم نقله ، وسيأتي نقاشه مُفَصًّلاً في محله – إن شاء الله - :

أ- قال الإمام ناصر الدين الألباني في ( الصحيحة ) (1/225،رقم 109) : (( ... من طريق الأعمش عن مجاهد ... والأعمش موصوف بالتدليس ، فإن كان سمعه من مجاهد ؛ فالسند صحيح كما قال الحافظ ))أهـ .
[RIGHT]ولم يبيِّن الإمام ناصر الدين الألباني لِمَ تشكَّكَ من عنعنة الأعمش هنا والأصل أنه يمشِّيها ؟ .
ب- في موضع آخر بيَّن وفصَّل سبب تشكّكه من أن الأعمش لم يسمعه من مجاهد :
فقد قال في ( الضعيفة ) (6/526-527، رقم 2955) : (( ... فلم يقع في شيئ منها تصريح الأعمش بالتحديث ، فإن الأعمش وإن كان ثقة حافظاً لكنه يدلس كما قال الحافظ في " التقريب " ، لاسيما وهو يرويه عن مجاهد ، ولم يسمع منه إلا أحاديث قليلة ... )) أهـ .


ولقراة الحلقة كاملة انقر هنا http://kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=63064