عرض كتاب
الظاهرة الإستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية
للدكتور سامي سالم الحاج

بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً : معلومات عن الكتاب : أصدر الدكتور سامي بن سالم الحاج كتابه المعنون بـ : ( نقد الخطاب الاستشراقي : الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامي ) عام 1990 ، ويقع هذا الكتاب في مجلدين ، وقرابة 1168 صفحة ، وقد نشرته دار المداد الإسلامي ببيروت ، ويوجد للكتاب عدة طبعات .

ثانياً : نبذة عامة عن الكتاب :
ناقش المؤلف في مطلع كتابه عن مسألة هل الاستشراق ظاهرة أو علم ؟ ، وأكد بأنه من الصعب أن يُعد الاستشراق علماً ، وذلك لأن كل علم له أصوله وقواعده ومناهجه ، بينما الاستشراق أهتم بالعلوم الإسلامية المختلفة بدء بالعلوم القرآنية من تفسير وتجويد وقراءات ، وعلوم الفقه ، وعلوم الحديث ، واللغة العربية والعلوم الاجتماعية التي تتعلق بالعالم الإسلامي وبالمسلمين . ومع ذلك فنه من الممكن أن يستخدم المستشرق المنهج العلمي في طرحه القضايا التي تتعلق بالعلوم الإسلامية وفقاً للعلم الذي يبحثه .
وتعرض المؤلف إلى هذه الظاهرة العلمية متطرقاً إلى أصلها وتطورها التاريخي منذ التقاء الشرق بالغرب ، ومروراً بالعلاقة بين الإسلام والمسيحية في القرون الوسطى ، ونهاية ببيان آثار هذه العلاقة في العصر الحديث .
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لدراسة المراحل التي مرت بها هذه الظاهرة العلمية ، وبين خصائص كل مرحلة ، ومدى تأثيرها على الدراسات الشرقية بصورة عامة ، وكيفية معالجتها لبعض القضايا الإسلامية بصورة خاصة ، مشيراً إلى حركة التأثر والتأثير التي نتجت عن هذه الظاهرة وخاصة فيما يتعلق بأهدافها وأغراضها حتى زوالها وانقراضها في زماننا هذا .
وأشار المؤلف إلى أهمية الإطلاع على هذه الدراسات الإستشراقية والاستفادة من المناهج العلمية الصارمة التي طبقها المستشرقون في تلك الدراسات ، وهي مناهج نحن أحوج الناس إليها ، خاصة تلك المتسمة بالموضوعية والإنصاف والدقة والتحقيق والاستقراء . ومهما كانت دراساتهم علمية ومنهجية مؤصلة ، فلم تخلو من أخطاء سببها الجهل باللغة والبيئة ، وكانت بعض نتائجهم العلمية خاطئة بل ومضحكة أحياناً .

ثالثاً : تقسيمات الكتاب :
قسم المؤلف كتابه إلى بابين :
الباب الأول : التأصيل التاريخي للإستشراق ، ويتفرع عنه ثلاثة فصول :
الفصل الأول : مفهوم الاستشراق .
الفصل الثاني : مراحل الاستشراق .
الفصل الثالث : مناهج المستشرقين .
الباب الثاني : الاستشراق وبعض القضايا الإسلامية ، ويتفرع عنه أربعة فصول :
الفصل الأول : الاستشراق والقرآن الكريم .
الفصل الثاني : الاستشراق والسنة النبوية .
الفصل الثالث : الاستشراق والسيرة النبوية .
الفصل الرابع : الاستشراق والفقه الإسلامي .
وسنتطرق بشيء من التفصيل للفصل الثالث من الباب الأول ( مناهج المستشرقين ) .
رابعاً : مناهج المستشرقين :
جميع المستشرقين أو معظمهم ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويعتبرون القرآن من تأليف محمد أو أصحابه ، وكثيراً كانوا يستخدمون المنهج التاريخي لتفسير الفكر الإسلامي ومبادئه ومعتقداته ، وعندما يتناولون الوحي والقرآن والسنة النبوية فإنهم يرجعونها دوماً إلى نتاج للتاريخ ، وليس فكراً وعقيدة جديدة أتت بها الديانة الإسلامية من مصدر إسلامي خالص .

والأسباب التي أدت بالمستشرقين إلى استخدام مناهج علمية لا تؤدي إلى علمية حقيقية في مجال الدراسات الإسلامية هي :

- عدم تخصص العديد من المستشرقين في بداية أمرهم في فرع معين من فروع الحضارة الإسلامية . - أثر البيئة الأوروبية التي تربي فيها المستشرقون وأخذوا منها مناهجهم . - اتساع نطاق الفلسفة الوضعية وتأثيرها المباشر على المفكرين الغربيين بعد أو وضع أسسها ( أوجست كونت ) . - أن المستشرق لا ينسى بيئته الأصلية التي تربي وترعرع فيها ، هذه البيئة العلمية التي أنكرت الماضي وأعدت بالعقل .

أهم المناهج التي طبقها المستشرقون على الدراسات الإسلامية
أولا: المنهج التاريخي :
وهو عبارة عن ترتيب وقائع تاريخية أو اجتماعية وتبويبها وترتيبها ثم الإخبار عنها والتعريف بها باعتبارها الظاهرة الفكرية ذاتها .
وعندما يطبق المستشرق هذا المنهج على ظواهر الفكرية الإسلامية _ التي في حقيقتها مثالية وليست مادية ، فتكون النتائج العلمية ليست صحيحة عند تطبيق هذا المنهج على الدراسات الإسلامية . ومثال ذلك عندما يتحدثون عن محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنه كان تاجراً ميسوراً ، وعندما يتناولون دعوته يقولون إنها جاءت للانقضاض على الأرستقراطية القرشية ، وعندما يتحدثون عن نضاله وجهاده يقولون إن لدية أغراضاً سياسية يرمي إلى تحقيقها بالقوة المسلحة للوصول إلى السلطة والهيمنة على الجزيرة العربية . وبالتالي فاستخدام هذا المنهج يؤدي إلى إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعدم صدقية الوحي الإلهي ، لأنه يحيل كل شيء إلى ظواهر تاريخية .
ثانياً: المنهج التحليلي :
الذي طبقه المستشرقون على الدراسات الإسلامية فإنه يعني تفتيت الظاهرة الفكرية إلى مجموعة من العناصر يتم التأليف بينها في حزمة لا متجانسة من العوامل أو الوقائع التي أنشأها . أي أن هذا المنهج يقوم بتفتيت الظاهرة الفكرية وردها إلى عناصرها الأولية كالظروف الاجتماعية أو السياسية أو الدينية ، فإذا طبق المستشرق هذا المنهج وهو متأثر بمزاجه وثقافته وبيئته ودينه الذي نشأ فيه ، فإنه يصل به في الدراسات الإسلامية إلى نتائج غير سليمة . وتطبيق هذا المنهج يؤدي إلى الحكم على الحضارة الإسلامية بالجدب ، وعلى الدين بالجمود ، وعلى الوحي بالاضطراب والاختلاط ، وعلى الشعوب بالتخلف .
ثالثاً:المنهج الإسقاطي
:
يتمثل في خضوع الباحث إلى هواه وعدم التخلص من الانطباعات التي تركتها لديه بيئته الثقافية المعنية ، وعدم تحرره من الأحكام المسبقة التي يكونها على موضوع بحثه سواء كانت هذه الأحكام عقلية أم إنفعالية. وقد طبق المستشرقون المنهج الإسقاطي على الدراسات الإسلامية ، ووصلوا بتطبيقه إلى أحكام تعسفية لا صلة لها بالتحليل العلمي السليم ، وطوعوا هذه الصور الذهنية الكامنة في عقولهم سلباً وإيجاباً لتفسير التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية .
رابعاً:منهج الأثر والتأثر
:
المستشرقون استخدموا منهج الأثر والتأثير بطريقة مبتسرة بحيث فسروا الوحي الإلهي ، والفلسفة الإسلامية ، والفقه الإسلامي والسنة النبوية بأنها مستمدة من عوامل خارجية مارست عليها قواعد الأثر والتأثر فعلها ، وكأن هذه الحضارة مجتمعة نابعة من تطبيق هذا المنهج الذي ينفي كل أصالة للدين الإسلامي . ومثال ذلك إذا درس المستشرق علم أصول الدين قال إنه خضع لمنهج الأثر والتأثير وهو لا يبتعد عن الأقانيم الثلاثة في الديانة المسيحية . فيزعمون أن حضارة الإسلام هي أثر من الحضارات السابقة كالفارسية والهندية ، وهي بدورها لا تؤثر في غيرها مما بعدها من الحضارات ، لأنها ليست مؤثرة بذاتها كما زعموا .
خامساً: منهج المطابقة والمقابلة :
استخدم المستشرقون منهج المطابقة والمقابلة في دراسة النصوص الإسلامية وقد برعوا في هذه الناحية وأجادوا فيها إجادة لا نستطيع أن ننكرها ، وقد ساعدهم في ذلك معرفتهم بالعديد من اللغات ، وإطلاعهم على آلاف المخطوطات ، واكتشافهم للمئات من النقوش والآثار . لكن هذه الطريقة لم تسلم من الخطأ أيضاً إذا كان استخدامها لغرض البرهنة على فرضية علمية رسخت في ذهن المستشرق طبقاً لأحكام مسبقة ، فيحاول تطويع النصوص واستقراءها للبرهنة على صحة تلك الفروض .
خامساً : نماذج تطبيقية لمناهج بعض المستشرقين :
1- منهجية جولد زيهر في الدراسات الإسلامية :
جولدزيهر مجري الجنسية ويهودي الديانة ، وكان له تأثير كبير على كل من جاء من بعده في الغالب ، ويرى ( ريتشارد هورتمان ) أنه المؤسس الفعلي للدراسات الإسلامية الحديثة في أوروبا ، وأكثر ما كان يستخدم المنهج التاريخي لدراسة الأدب والتاريخ وغيرها ، وقد صرح وقال : ( إننا قد تعرفنا إلى الإسلام بمنهجية تختلف عن تلك التي طبقها أسلافنا ، وبعبارة أخرى فإننا ندرسه بمنهجية أخرى ) ، ويقصد بالمنهجية التي تعتمد على النقد التاريخي .
وقد عكف جولدزيهر على دراسة الإسلام من خلال تطوره التاريخي ، مبتدئاً بمعالجة مصادره الأصلية كالقرآن والسنة باعتبارهما نقاطاً ثابتة تكشف عن تطوره الباطني. وعندما لجأ جولدزيهر إلى دراسة النصوص الإسلامية فهو لم يعتمد على المشاهدة المباشرة ، لأنه لم يقم في البلاد الإسلامية إلا مرتين فقط ، ولكنه أعتمد فقط على معرفته الواسعة للأدب والثقافة الإسلامية المتعددة الجوانب .
2- منهجية سنوك هرجرونيه في الدراسات الإسلامية :
تتحدد منهجية المستشرق الهولندي هرجرونيه للدراسات الإسلامية في اعتماده بالدرجة الأولى على التاريخ الإسلامي الذي يبتدئ من خلال دراسة السيرة النبوية ، ودراسة النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره شخصية تاريخية . وقد استخدم مفهوم التطور التاريخي في الدراسات الإسلامية ويقصد به سلسلة الحوادث والأفكار والتمثلات التي شملها التاريخ الإسلامي ، واستخدم أيضاً منهج الأثر والتأثر والذي أطلق عليه مفهوم التمثل والاستيعاب . وعموماً فمنهجيته في دراسة الإسلام تتحدد من خلال الوثائق والنصوص مشفوعة بالمشاهدات المباشرة ، وقد حاول أن يكون موضوعياً في حكمه إلا أن نتائجه لا تتفق مع القيمة الحقيقية التي يتمتع بها الدين الإسلامي ، لأنه كان ذاتياً في حكمه أكثر من كونه موضوعياً .
3- منهجية هنريش بيكر في الدراسات الإسلامية :
أهتم المستشرق الألماني بيكر في منهجيته بالمسائل السياسية الحديثة التي تهم بلاده ، وقرن بين الساسة والاستشراق ، وهو يميز بين مفهومي ( تاريخ الأديان ) و ( تاريخ الحضارات ) فيعالج بالمفهوم الأول دراسة الإسلام وأفكاره باعتباره ديناً ، ويعالج بالمفهوم الثاني حضارته وتطوره .
4- منهجية ماكدونالد في الدراسات الإسلامية :
( متخصص في إعداد المبشرين ) تتحدد منهجية ماكدونالد في الدراسات الإسلامية بلفته الأنظار لموقف الجزيرة العربية السياسي والاقتصادي والقومي إبان ظهور الدعوى المحمدية ، واعتقد أن هذه العوامل الثلاث هي التي أدت إلى انتشار الإسلام خارج مهده بتلك السرعة المذهلة ، وأضاف إليها عاملاً رابعاً وهو تلك الصحوة الروحية المتمثلة في ازدهار الشعر والنثر من جهة وتأثير الديانات السماوية على العقلية العربية من جهة أخرى .
5- منهجية ماسينيون في الدراسات الإسلامية :
تناول ماسينيون دراسة نبي الإسلام في إطار تفسيره لظاهرة النبوة ، واعتقد جازماً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سمع ورأى جبريل وهو ينزل عليه القرآن ، وكان الرسول مخلصاً صادقاً فيما قاله حول الوحي الألهي ، لكنه قد أصابه بعض الشك في بداية الأمر فأتصل بأهل الديانات السماوية الأخرى مستفسراً عن الأمر ، ويشير إلى ذهابه إلى ورقة بن نوفل .
وقد درس ماسينيون التصوف وبرع فيه .
وأخيراً بعد أن ذكرن مناهج هؤلاء المستشرقون وبعض النماذج لهم ، فإن المناهج الغربية لا تصلح علمياً لدراسة الإسلام وحضارته ، وإنما يجب على الباحث النظر في مناهج أخرى تصلح أساساً لهذه الدراسة ، وهذه المناهج تستند إلى مفاهيم إسلامية خالصة ، وبدونها لا يمكننا القول بصحة وموضوعية هذه الدراسات التي دبجها المستشرقون عن ديننا وتاريخنا ، علما بأن بعض هذه المناهج الغربية الحديثة قد سبق إليها المفكرون المسلمون الأوائل. ومناهج البحث في العلوم الإسلامية هو الإتباع والأخذ بما جاءت به الشريعة الإسلامية حتى تكون نتائجه العلمية صحيحة ومتفقة مع روح الإسلام ، وهي تختلف كثيراً عن مناهج المستشرقين التي طبقوها على الدراسات الإسلامية . وعموماً فمناهج المستشرقين في مجملها هي مناهج غربية نشأة في بيئات معينة وواجهت ظروفاً خاصة ، وقضايا محددة ، هي تختلف من مكان إلى مكان ، ومن مرحلة زمنية إلى أخرى ، بينما تمتاز المناهج الإسلامية بالثبات والشمول وعدم تغيرها زماناً ومكاناً لاستنادها إلى القرآن والسنة.