بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هل يشرع ذكر دخول السوق عند دخول البقالات والأسواق الصغيرة ؟
فتوى رقم: 223533
منقول من موقع الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/223533


السؤال: هل يقال ذكر دخول السوق عند دخول سوبر ماركت ، أو بقالة ، أو محل لبيع البضائع ؟

الجواب :


الحمد لله
أولا :
حديث دعاء السوق هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَخَلَ السُّوقَ ، فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ) رواه الترمذي في " السنن " (3428) .
وقد اختلف العلماء في حكم هذا الحديث ، وذلك على ثلاثة أقوال :


القول الأول : الحكم عليه بشدة الضعف والنكارة .
قال أبو حاتم رحمه الله :
" هذا حديث منكر جدًا ، لا يحتمل سالم هذا الحديث " انتهى من " العلل " (5/312) .
وقال علي بن المديني رحمه الله :
" هذا حديث منكر من حديث مهاجر من أنه سمع سالمًا ، وإنما روى هذا الحديث شيخ لم يكن عندهم بثبت ، يقال له: عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير ، حدثناه زياد بن الربيع عنه به . فكان أصحابنا ينكرون هذا الحديثَ أشد الإنكار لجودة إسناده ... ولو كان مهاجر يصح حديثُه في السوق لم يُنكَر على عمرو بن دينار هذا الحديث " .
انتهى نقلا عن " مسند الفارق " (2/641) للحافظ ابن كثير .
وحكم البخاري على إحدى طرقه بأنه " منكر "، كما في " العلل الكبير " للترمذي (رقم/363) .
وقال الملا علي القاري رحمه الله :
" قيل : لا أصل له ، أو بأصله موضوع " انتهى من " الأسرار المرفوعة " (329) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" مما يقوي ضعفه غرابة متنه ونكارته ؛ لأن من قواعد أئمة الحديث أن الثواب العظيم على العمل اليسير يدل على ضعف الحديث ، ولا شك أن ما ذكر في المتن غريب جدا من حيث الكمية فيما يعطى من الحسنات ويمحى من السيئات ويرفع من الدرجات .
ولكن هذا التضعيف والنكارة في المتن لا يمنع من شرعية الذكر في الأسواق ؛ لأنها محل غفلة، فالذكر فيها له فضل عظيم ، وفيه تنبيه للغافلين ليتأسوا بالذاكر فيذكروا الله . والله ولي التوفيق. " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (26/ 248) .


القول الثاني : الحكم عليه بالضعف اليسير .
فقد وصفه الإمام الترمذي رحمه الله بأنه " غريب " كما في " السنن " (3428) .
وقال العقيلي رحمه الله :
" الأسانيد فيه فيها لين " انتهى من " الضعفاء الكبير " (3/304) .
وقال الدارقطني رحمه الله :
" رجع الحديث إلى عمرو بن دينار ، وهو ضعيف الحديث ، لا يحتج به " .
انتهى من " العلل " (2/50) .
وقال ابن العربي المالكي رحمه الله :
" لم يصح " انتهى من " عارضة الأحوذي " (7/32) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" معلول لا يثبت مثله " انتهى من " تهذيب السنن " (13/420) ، وفي " المنار المنيف " (33).
وقال ابن رجب رحمه الله :
" في إسناده ضعف " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/315) .
وقال ابن حجر :
" في سنده لين " انتهى من " فتح الباري " (11/206) .
وقال العجلوني رحمه الله :
" في سنده ضعف " انتهى من " كشف الخفاء " (2/324) .


القول الثالث : تحسين الحديث والحكم بقبوله .
يقول الإمام المنذري رحمه الله :
" إسناده متصل حسن " انتهى من " الترغيب والترهيب " (2/337) .
وحسنه الدمياطي في " المتجر الرابح " (ص473) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" إسناده صالح غريب " انتهى من " سير أعلام النبلاء " (17/498). وقال في " تاريخ الإسلام " (29/346): " حسن غريب ".
وقال الشوكاني رحمه الله :
" أقل أحواله أن يكون حسنا " انتهى من " تحفة الذاكرين " (298) .
وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله – في دراسة موسعة - في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (رقم/3139)
وأغرب الحاكم فقال في " المستدرك على الصحيحين " (1/ 722): " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " .


وأظهر الأقوال في الحديث ، والله أعلم ، قول من ضعف الحديث ، ووهى إسناده ، وعلى هذا عامة الأئمة المتقدمين من نقاد الحديث ، كما سبق النقل عن بعضهم ، واختاره من المعاصرين : الشيخ ابن باز رحمه الله ، كما سبق ، والشيخ عبد الله السعد ، ومحمد عمرو عبد اللطيف ، رحمه الله ، وأبو إسحاق الحويني ، وغيرهم ، وبه أفتت اللجنة الدائمة (1/13/14) .


ثانيا :
على فرض الأخذ بقول من حسن الحديث ، أو ضعفه ضعفا يسيرا ، فلا حرج على المسلم أن يأتي بهذا الذكر محتسبا الأجر عند الله ، فإن كان الأجر ثابتا فالحمد لله ، وإلا نال أجر ذكر الله العام الذي هو أحب الأعمال إلى الله .
ولهذا قرر العلماء هذا الذكر في كتبهم وأبوابهم ، فقال الطبراني في " الدعاء " (ص251): " باب القول عند دخول الأسواق " ، وقال النووي في " الأذكار " (ص303): " باب ما يقول إذا دخل السوق ".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فصل:
قول أحمد بن حنبل : إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد ؛ وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ؛ وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ... مرادهم بذلك : أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع كتلاوة القرآن ؛ والتسبيح والدعاء ؛ والصدقة والعتق ؛ والإحسان إلى الناس ؛ وكراهة الكذب والخيانة ؛ ونحو ذلك ، فإذا روي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها ، وكراهة بعض الأعمال وعقابها : فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه : إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع ، جازت روايته والعمل به ، بمعنى : أن النفس ترجو ذلك الثواب ، أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح ، لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ، فهذا : إن صدق نفعه ، وإن كذب لم يضره ؛ ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات ؛ والمنامات ، وكلمات السلف والعلماء ؛ ووقائع العلماء ، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي ؛ لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب ؛ والترجية والتخويف .
فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع ، فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان في نفس الأمر حقا أو باطلا ، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ؛ فإن الكذب لا يفيد شيئا . وإذا ثبت أنه صحيح ، أثبتت به الأحكام .
وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ، ولعدم المضرة في كذبه ، وأحمد إنما قال : إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد. ومعناه: أنا نروي في ذلك بالأسانيد ، وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم في ذلك .
[و] قول من قال : يعمل بها في فضائل الأعمال ، إنما العمل بها ، العمل بما فيها من الأعمال الصالحة ، مثل التلاوة والذكر ، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة .
فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا ، مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة ، أو على صفة معينة ، لم يجز ذلك ؛ لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي؛ بخلاف ما لو روي فيه ( من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله كان له كذا وكذا ) فإن ذكر الله في السوق مستحب ؛ لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته " انتهى باختصار من " مجموع الفتاوى " (18/65-68) .

ثالثا :
المعتبر في " السوق " هو السوق العرفي بين الناس ، وهو مكان تجمع المحال والبضائع ، كما جاء في " لسان العرب " (10/ 167) : " السوق : موضع البياعات . ابن سيده : السوق التي يتعامل فيها ... سميت بها لأن التجارة تُجلب إليها ، وتساق المبيعات نحوها " انتهى. وجاء في " المعجم الوسيط " (1/464): " السُّوق : الْموضع الَّذِي يجلب إِلَيْهِ الْمَتَاع والسلع للْبيع والابتياع " انتهى .
فكل ما يسميه الناس " سوقا " يستحب فيه هذا الذكر والدعاء ، سواء أسواق الملابس أو الأطعمة أو السيارات أو الأسواق المالية ونحوها ، وسواء أيضا المجمعات التجارية الكبيرة ، وما يسمى اليوم بـ " المولات " .
ولكن يجزئ عنه إذا دخل المجمع التجاري (المول) أن يأتي بالذكر عند مدخل هذا المجمع ، ولا يشرع عند دخول كل متجر خاص داخل هذا المجمع أن يأتي بالذكر ، وكذلك إذا دخل سوقا تجاريا مفتوحا في الشارع العام مثلا ، يأتي بالذكر عند أول تسوقه ، ولا يكرره عند كل محل يدخله .

وأما المحلات المنفردة ، والبقالات الصغيرة ، والصيدليات ، ونحو ذلك ، مما ينفرد بنفسه ، ويقصده القاصد لحاجة معينة ، لا يتجول فيه ، ولا هو موطن عام يدخله : فلا يظهر أنه يسمى سوقا ، وما زال الناس في عرفهم يفرقون بين البقالة ، والسوق العام ، الذي قد يكون له مكان مخصوص كل يوم ، أو يعقد في يوم معين ، كما في بعض البلدان .
ومع ذلك ، فلو ذكر الله عند دخوله مثل هذه الأماكن ، سواء بهذا الذكر المعين ، أو غيره من الأذكار : فهو عمل بر وخير ، ولا مانع منه ، بل هو مشروع مستحب في الجملة ، لما تواتر من فضائل الذكر المطلق والمقيد .

والله أعلم .

*****
والله الموفق
نحبكم في الله
والحمد لله