موسوعة شعراء العربية
شعراء العصر الاموي ج2

بقلم - فالح الحجية
31
عُبَيد بن أَيوب العَنبَري
هو أبو المطراب عبيد بن ايوب العنبري من بني عمرو من
تميم وقيل يكنى بابي المطراد .

نشأ وتربى واكتمل في( نجد ) في مرابع اهله وما اليها . احد شعراء العصر الاموي اتخذ اللصوصية مهنة فكان - كما قيل عنه - لصا حاذقا فشكته الناس الى الخليفة فاباح دمه وتبرأ منه اهله وذووه وبنو عشيرته فهرب في البراري والقفار واستصحب الوحوش وأنس بها وذكرها في أشعاره :

فَللَّـهِ دَرُّ الغـولِ أَيُّ رَفيـقَـةٍ

لِصاحِبِ قَفـرٍ خائِـفٍ يَتَسَتَّـرُ

تَغَنَّت بِلَحنٍ بَعدَ لحـنٍ وَأَوقَـدَت

حَــواليَّ نيرانـاً تَبـوخُ وَتَزهَـرُ

وكان يزعم أنه يرافق الغيلان والسعالي ويبيت مع الذئاب والأفاعي بعد ان هجر معاشرة الانسان .
وقال يصف نفسه :

فإني وتركي الإنس من بعد حبهم
وصبري عمن كنت ما إن أزايله

لكالصقر جلى بعد ما صاد فتية
قديداً ومشوياً عبيطاً خرادله

أهابوا به فازداد بعداً وصده
عن القرب منهم ضوء برق ووباله

ألم ترني صاحبت صفراء نبعة
لها ربذي لم تغلل معابله

وطال احتضاني السيف حتى كأنما
يلاط بكشحي جفنه وحمائله

أخو فلوات صاحب الجن وانتحى
عن افنٍ حتى قد تقضت وسائله

له نسب الإنسي يعرف نجره
وللجن منه شكله وشمائله

فقد تغنى بالوحدة وعلائم الوحشة وانطبا هعها عليه وتقربه من الوحوش والجن كما يذكر بطولاته وطبيعة عيشه ولكون هذا الشاعر كان صعلوكاً غلب موضوع الصعلكة عليه فهو لص فتّاك وصعلوكٌ هتّاك، ولم تعقه هذه السُبّة المخوفة أن يسلب الألباب بشعره كما سلب الأرواح بفتكه وداخل نفسه الابية المتحررة من كل القيود بغض الانسان وكرهه ويمثل نفسه بالصقر بين الطيور في البرية يقول:

فإني وبغضي الإنسَ من بعدِ حبهـا
وصبري عمَّن كنتُ ما إن أزايلـهْ
لكالصقرِ جلى بعدما صـادَ قنيـةً
قديداً ومشويـاً تـرفُّ خرادلـهْ
فشعره لا يتكلف فيه انما يأتيه عفويا او ارسالا وهذه حالة نادرة .
فالشاعر يستوحي تشبيهاته من بيئته الصحراوية والصعلوكية فهي بين السيف الذي يجرده للقتال والصقر الذي ينقض على أعدائه وهذا ما نراه في تشبيهاته واستعاراته ومن ثّمَّ قلت عنده الصور البديعية إلا ما جاء عفو الخاطر فهو لا يكلف نفسه الشعر بل يأتيه إرسالاً بحيث تاتي معبرة عن واقع حالته الانية :

أَيا جَمَلي إِن أَنتَ زُرتَ بِلادَهـا
بِرَحلي وَأَجلادِي فَأَنـتَ مُحَـرَّرُ

وَهَل جَمَلٌ مُجتابُ ما حالَ دونَها
مِنَ الأَرضِ أَو ريحٌ تَروحُ وَتُبكِرُ

وَكَيفَ تُرجيها وَقَد حـالَ دوَنهـا
مِنَ الأَرضِ مَخشِيُّ التَنائِفِ مُذعَرُ

فَللَّـهِ دَرُّ الغـولِ أَيُّ رَفيـقَـةٍ
لِصاحِبِ قَفـرٍ خائِـفٍ يَتَسَتَّـرُ

تَغَنَّت بِلَحنٍ بَعدَ لحـنٍ وَأَوقَـدَت
حَــواليَّ نيرانـاً تَبـوخُ وَتَزهَـرُ

فَيا لَيتَ شِعري هَل يَعودَنَّ مربَعٌ
وَقَيظٌ بِأَكنافِ الظُّلَيفِ وَمَحضَـرُ

أَقاتِلَـتـي بَطَّـالَـةٌ عامِـرِيَّـــــ ـــــةٌ
بِأَردانِها مِسـكٌ ذَكِـيٌّ وَعَنبَـرُ

ومما تجدر الاشارة اليه رجوعه في بعض الاحيان الى ذات نفسه والى مصير ه كانسان سوي يقول:

أَلا لَيتَ شِعري هَل تَغَيَّـرَ بَعدَنـا
عَنِ العَهدِ قاراتُ الظُلَيفِ الفَـوارِد

وَهَل رامَ عَن عَهدي وُديكَ مَكانَـهُ
إِلى حَيثُ يُفضي سَيلُ ذاتِ المَساجِد

وعند شعوره بدنو اجله وموته يوصى من سيحمله الى مثواه الاخير فيقول :

فلا تدفنوني إنّ دفنـي محـرّم
عليكم ولكن خامري أمّ عامِر

وقد حاولت ان اجد تاريخا لمولده اوسنة لوفاته في كتب مؤرخي الادب العربي والشخصيات الادبية والثقافية التي كتبوا عنها الكثير وعن شعراء هذه الحقبة فلم افلح .ومن شعره هذه الابيات :

أراني وَذِئبَ القَفرِ خِدنَينِ بَعدَما
تَدانى كِلانا يَشمَئِزُّ وَيُذعَرُ

إِذا ما عَوى جاوَبتُ سَجعَ عوائِهِ
بِتَرنيمِ مَحزونٍ يَموتُ وَيُنشَرُ

تَذَللتُهُ حَتّى دَنا وَأَلِفتُهُ
وَأَمكَنَني لَو أَنَّني كُنتُ أغدِرُ

وَلَكِنَّني لَم يَأتَنمني صاحِبٌ
فَيَرتابُ بي مادامَ لا يَتَغَيَّرُ

فَللَّهِ دَرُّ الغولِ أَيُّ رَفيقَةٍ
لِصاحِبِ قَفرٍ خائِفٍ يَتَسَتَّرُ

تَغَنَّت بِلَحنٍ بَعدَ لحنٍ وَأَوقَدَت
حَواليَّ نيراناً تَبوخُ وَتَزهَرُ

أَنِستُ بِها لَمّا بَدَت وَألفتُها
وَحَتّى دَنَت وَاللَّهُ بِالغَيبِ أبصرُ

فَلَمّا رَأَت أَلا أُهالَ وَأَنَّني
وَقورٌ إِذا طارَ الجنانُ المُطَيَّرُ

دَنَت بَعدَ ذاكَ الرَّوعِ حَتَّى أَلِفتُها
وَصافَيتُها وَاللَّهُ بِالغَيبِ أَخبَرُ

أَلَم تَرَني حالَفتُ صَفراءَ نَبعَة
تَرِنُّ إِذا ما رُعتُها وَتُزَمجِرُ

تزَمجرَ غَيري أَحرَقوها بِضرَّةٍ
فَباتَت لَها تَحتَ الخِباءِ تُذَمِّرُ

لَها فِتيَةٌ ماضونَ حَيثُ رَمَت بِهِم
شَرابُهُم قانٍ مِنَ الجَوفِ أَحمَرُ

إِذا اِفتَقَرَت راشَتهُم بِغِناهمُ
عَطاءً لَهُم حَتّى صَفا ما يُكَدَّرُ

أَلَمَّ خَيالٌ مِن أُمَيمَةَ طارِقٌ
وَقَد تَلِيَت مِن آخِرِ اللَّيلِ غُبَّرُ


فَيا فَرحا لِلمُدلِجِ الزائِرِ الَّذي
أَتاني في رَيطاتِهِ يَتَبَختَرُ

فَثُرتُ وَقَلبي مُقصَدٌ لِلَّذي بِهِ
وَعَيني أَحياناً تجمُّ فَتُغمَرُ

إِلى ناعِجٍ أَما أَعالي عِظامِهِ
فَشُمٌّ وَسُفلاها عَلى الأَرضِ تَمهَرُ


فَقُلتُ لَهُ قَولاً وَحادَثت شَدَّه
بِأَعوادِ مَيسٍ نَقشَهُنَّ مُحَبَّرُ

أَيا جَمَلي إِن أَنتَ زُرتَ بِلادَها
بِرَحلي وَأَجلادِي فَأَنتَ مُحَرَّرُ

وَهَل جَمَلٌ مُجتابُ ما حالَ دونَها
مِنَ الأَرضِ أَو ريحٌ تَروحُ وَتُبكِرُ

وَكَيفَ تُرجيها وَقَد حالَ دوَنها
مِنَ الأَرضِ مَخشِيُّ التَنائِفِ مُذعَرُ

وَأَنتَ طَريدٌ مُستَسِرٌّ بِقَفرَةٍ
مِراراً وَأَحياناً تُصَبُّ فَتَظهَرُ

فَيا لَيتَ شِعري هَل يَعودَنَّ مربَعٌ
وَقَيظٌ بِأَكنافِ الظُّلَيفِ وَمَحضَرُ

أَقاتِلَتي بَطَّالَةٌ عامِرِيَّةٌ
بِأَردانِها مِسكٌ ذَكِيٌّ وَعَنبَرُ


امير البيان العربي
د. فالح الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************** *****