الحمد لله العظيم الجليل، وبعد:


لقد كان من محاسن (الصَّحوة الإسلاميَّة) ومفاخرها؛ أن أحْيَت في النفوس الهمَّ الدعوي، والحِسَّ التفاعلي، ونفخت في أرواح أبنائها ضرورةَ نفع الناس، والانتقال من صوامع التقوقع على النفس إلى باحة العمل الدعويِّ العام، فأحرقَ الشبابُ لأجل الدعوة زهرةَ شبابهم، وشحِبت من البذل والعطاء وجوهُهم، وضربوا في ذلك نماذجَ افتخرت بها الأمَّة، وآتت من نشرِ الوعي، وبذل العلم، ونور الدعوة، وصدق الموعظة= أكُلَها ضعفَين بل أضعافًا.
فللهِ أولئك القوم المتحرِّقون لدينهم ونهضة أمَّتهم!



ولقد كان للرَّبانيِّين والحكماء من أهل العلمِ والدعوة حينَها نظراتٌ حسَنَةٌ للحفاظ على (مُنجزات الصحوة) [وانظر غير مأمور لمقال "منجزات الصحوة"، منشور على الشبكة]، وإبقاء نضارتها، والازدياد من المكتسبات، والتحوُّط ضدَّ مخاطر استثمارها.
ومِن أجلِّ تلك النظرات= ضرورة العناية بالتربية الذاتيَّة -علمًا وتعبُّدًا- للعامل في الحقل العِلمي والدعوي، وأن يكون للإنسان من ذلك حظٌّ لا يفرِّط فيه، فلا يكون –في النفع الدعوي- كالشمعة تضيء لغيرها وتحرق نفسَها، بل كمصباحٍ في زجاجةٍ يضيء لنفسه ولغيره.

وذلك؛ أنَّ مقولةً انتشرت في (الساحة الدعويَّة والعلميَّة)، وقُعِّدت –عند كثيرٍ- تقعيدًا مطلقًا، وهي أنَّ (النفع المتعدِّي أعظم أجرًا وأثرًا من النفع القاصر)، وهذه القاعدة قبلَ أن تكون قاعدةً رائجةً بين أبناء (الصحوة المباركة)= هي من القواعد المذكورة في المدوَّنات الفقهيَّة، بل حُكي عليها الاتفاق، كما ذكر ذلك ابنُ الحاج في (المدخل) بقوله: (ولا خلافَ بين الأئمة في أنَّ الخير المتعدي أفضلُ من الخير القاصر على المرء نفسه)، وهكذا ذُكرت كذلك في (الأشباه والنظائر) للسيوطي، وغيره. وقال المقَّريُّ في القاعدة (164) من قواعده: (القُربة المتعدية أفضلُ من القاصرة).
وقد كان في صدور بعض العلماءِ –كالعزِّ بن عبد السلام- حسكةً من هذا الإطلاق، حتى بالغَ فقال: (ومن يقول: العمل المتعدي خيرٌ من العمل القاصر= فإنه جاهلٌ بأحكام الله تعالى!)، ثم ذكر أحوالاً للعمل القاصر.


وأراد القرافيُّ التوسُّطَ فجعل الأمرَ منوطًا بالمصالح، فقال: (إنما الفضلُ على قدر المصالح الناشئة عن القربات)، وجعل السبكيُّ ذلك قاعدةً أغلبيَّة فحسب.


ما يعنينا هنا –تحديدًا- أنَّ هذا الإطلاق أخذ حيِّزًا كبيرًا في (العمل الإسلامي)، حتى صَنَعْنَا له –في كثيرٍ من أحوالنا مع الأسف- صندوقًا من خشَبِ الكسَل، وسمَّرناه بدُسُرِ التواني، وأصبحنا نسبر كلَّ عملٍ صالح، هل هو متعدِّي النفع أو قاصرٌ؟ فإن كان متعديًا أمضيناه، وإن كان قاصرًا وضعناه في (صندوق النفع القاصر)، وثبَّتنا الصندوقَ على جدارِ بيتنا الدعويِّ والعلميِّ، فأضحى (جدارًا يريدُ أن ينقضَّ) من ثُقل الملفَّات والأوراق الموضوعة في الصندوق!
فكلَّما رأينا رجلاً مُقبلاً على العبادة، أو متفرِّغًا للتحصيل، أو مستكثرًا من الطاعات= حاكمناه بهذه القاعدة، وألزمناه بلوازمها.


والإشكالُ ليس في صحَّة التأصيل لها، ولا في أخذها بقدْرها الصحيح، ولستُ أحمِّل هذه (القاعدة الفقهيَّة) مسؤوليَّةَ تقصيرنا، وإنما الإشكالُ فيما جرَّه هذا التقرير علينا زمنًا بعدَ زمنٍ –مع قلَّة التنبيه على ما قد يؤثِّر في الأجيال اللاحقة بهذا الإطلاق- حتى وجدنا قلوبنا تهربُ من الخلوة، وتستثقل الطاعة الواجبة فضلاً عن النافلة، واضطُرِرنا أن يتواصى الخاصَّة –فضلاً عن غيرهم- بالوتر فقط عوضَ قيام الليل! كما سيأتي.


ولستُ هنا أبحث مسألة الموازنة بين النفع المتعدِّي والنفع القاصر، وما المقدَّم منهما، فإنَّ لها أصولاً ومناطاتٍ تحتاج لجمعٍ واستقراء.. ومِن العلم المشهور؛ أنَّه عند التعارضِ بين ما كان متعديَ النفع وما كان قاصرًا= قُدِّمَ المتعدي، وهذا باعتبار الأصل عند التجرُّد من العوارض الأخرى.


ولكنَّ محلَّ التأمُّلِ الآن؛ هو في أثر هذا الإطلاق للقاعدة على حياتنا العلميَّة والعمليَّة والسلوكيَّة، في مظاهرَ كثيرةٍ لا أستطيع حصرَها، وإنما هي ممّا أتأمَّله وأدارسه مع إخواني وشيوخي المهتمين بهذا الحقل، فلا يؤلمنَّك منها ما يُسمَّى بـ (جلد الذات)، فإننا نألم كما تألم، و(جلدُ الذاتِ) من طُرقِ التصحيح والإصلاح إذا وُضع في موضعه من غير إفراطٍ ولا تفريط، فلا يستخفنَّك الذين لا يعلمون.

الاسم والمسمَّى:


حينما يُطلق الفقهاء على عبادةٍ من العبادات بأنَّها قُربةٌ أو عبادة قاصرة، أو ذات نفعٍ قاصر؛ فإنما يريدون أنها لا تتعدَّى لطرفٍ آخر من الخلق، بل هي علاقة متمحِّضة بين العبدِ وخالقه، بخلاف ما يطلقون عليه بأنها قربةٌ متعديةٌ، أو ذات نفعٍ متعدٍ، فإنهم يريدون أنَّها عبادةٌ يؤجر عليها صاحبُها، ويتعدى نفعُها من وجهٍ آخر إلى طرفٍ آخر من الخلق.
وهذا لا يعني أبدًا أنَّ العبادة القاصرة لا يتعدَّى نفعها فيما هو من باب البركة في القول والعمل، أو الأثر القلبي على صاحبها، فتأمَّل هذا الملحظ، فإنه مهم.

إيثار (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر):


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) رأينا من أنفسنا حالات التقصيرِ العباديِّ الشديد في الفرائض فضلاً عن النوافل، فأصبح من المألوف –والله المستعان- أن يُرى القُدوات فضلاً عن غيرهم يصلُّون في الصفوف المتأخرة بشكلٍ شبه راتبٍ لا عارض، والصفوف الأولى لكبار السنِّ والعوام! وهذا نتيجةٌ لضعف التربيَّة الذاتيَّة.


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) استثقلنا عبادة الخلوات، فأصبحنا بحاجةٍ لمن يذكِّرنا بصلاة الوتر لا بقيام الليل، وأصبح المصحفُ أثقل من جبل أُحدٍ على الكفِّ!


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) لاحظنا تفلُّتَ عددٍ -ممن كان من مصابيح الدعوة والبذل- من مبادئ التديُّن وقواعد الاستقامة، فالعيشُ بلا زادٍ روحيٍّ قد يؤول للانقطاع.


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) أهمل كثيرٌ منا الأعمال القلبيَّة التي هي مناطٌ من أعظم مناطات الصلاح والثبات.


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) زهد كثيرٌ منَّا في نوافلَ عظيمة الأجر والأثر مما لا تستغرقُ دقائق معدودة، فمن المعتاد أن نرى أنفسَنا مستغرقين في الحديثِ عن قضايا الأمَّة في وقتِ الأذان، لأننا لا نجد وقتًا للترديد والدعاء، متناسين أنَّ فضلَ ذلك نوال الشفاعة العظمى فقط!


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) لمسنا صدوفًا عن الاستمرار في تحصيل العلم النافع المثمر المحيي للقلوب.


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) لم نجد غضاضةً أن تذهب علينا ليالي الشتاء الطويلة كلُّها ونحن ننتاقش الساعاتِ الطويلة في جزئيَّات، أو نقرأ في كتب الأدب، أو الروايات، أو الفكر، ولا ننهض لركعتين في دقائق!


وقد كان أئمة السلفِ وأعلام الإسلام يذمُّون مَن لا حظَّ له من نافلة العبادة، ولو كان شغله الشاغل ليلاً ونهارًا طلبَ الحديث، ويقولون باستنكار: (طالبُ حديثٍ ليس له حظٌّ من الليل)؟!


* لما آثرنا (النفع المتعدي) كليًّا على (النفع القاصر) قلَّتْ فُرص التربية الإيمانيَّة والسلوكيَّة، وتهذيب النفوس، فأصبحنا مستعدِّين لأيِّ خلافٍ دعويٍّ، أو شقاقٍ منهجيٍّ، لم تكن يومًا مسائلُه حقيقةً بتشرذم أهله وتفرُّقِهم، لكنَّها الحظوظ والأهواء العالقة بالنفوس، وفي ذلك يقول د. فريد الأنصاريُّ –رحمه الله- مقولةً شديدةً مُوجِعةً في الحقل العلميِّ –قد لا يُسلَّم بكلِّ أعراضها، لكنَّ قدرًا منها صحيحٌ بلا ريب- يقول: (... والأساس من هذا كلِّه فيما نحن فيه؛ أنَّ كثيرًا من طلبة العلوم الشرعيَّة بما أعرضوا عن التربية الروحيَّة تخليةً وتحليةً= ساءت أخلاقهم، وفسدت نيَّاتهم، وانحرفت أعمالهم، فما صلحوا لا لأنفسهم ولا لغيرهم)! [مفهوم العالميَّة (ص 121)]
في أُخرياتٍ من المظاهرِ لائحةٍ لمن تأملها.


المؤثِّرون والنفع القاصر:



لم أجد أو أقف على سيرة عالمٍ أو داعيةٍ أو مصلحٍ كان له أثرٌ عظيمٌ في النفع المتعدِّي، وذاع صيتُه، وبورك علمه وعمله= كان خاليَ الوفاض من (النفع القاصر)، وهذا من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، بل إنَّ النبيَّ r كان له الحظُّ الأعظمُ من ذلك رغمَ انشغاله بالنفع المتعدِّي المتمثِّل في الدعوة والجهاد والتعليم والنصح والإرشاد والإحسان.


بل إنَّك لو تأملتَ في هذه المسألة وأنعمتَ النظر في أبعادها، وتدبَّرتَ أنَّ أوَّلَ ما أُمر به النبيُّ r ثلاثةُ أشياء: العلم في (اقرأ باسم ربِّك)، وقيام الليل في (قُمِ الليلَ إلاَّ قليلاً)، والدعوة في (قُمْ فأنذِرْ)، وكيف أنَّ (قيامَ الليل) واجبٌ عليه، نفلٌ لأمَّته= لوجدتَ أنَّ (النفع القاصر) وَقودُ النفعِ المتعدِّي، وما كان ليؤمَرَ بالقيام، ويُرشَد لـ (ناشئة الليل) إلاَّ ليتهيَّأ لتحمُّلِ (القولِ الثقيل)، فالقولُ الثقيل حتى يقوم بأعبائه يحتاج قدمَين راسختَين في محراب العبوديَّة!
وقُلْ مثلَ ذلك في تطلُّبِ راحته r في الصلاة، وكثرة استغفاره، وذِكره لله، ومحافظته الدائبة على السنن، وتعظيم سنَّة الفجر سفرًا وحضرًا، وغير ذلك مما عُلم من تعبُّده وذاع.


فما بالنُا –ونحن نروم النفعَ والبركة- نأخذ بحظٍ من العلم والدعوة، ونكون في الليلِ كالعوامِّ إن لم يكن كثيرٌ من العوامِّ أكثر حظًّا منا فيه، والله المستعان!

ولن أكثر من النماذج في ذلك، ومن تتبَّع سير العلماء الربَّانيين، والدعاة المصلحين= وجد أنَّ عندهم من التعبُّد ما يُبهر!




النفع القاصِر وَقُودُ النفع المتعدي:



كثيرٌ منّا يستحضر شخصيَّة الإمام المجاهد أبي العبَّاس ابن تيميَّة رحمه الله، ويتعجَّب غاية العَجب من هذا التدفُّق العلميِّ عنده، وكيف يكتب الرسالة المحرَّرة إملاءً في جلسةٍ، فيتدارسها مَن بعده في أيَّام، إضافةً للقوَّة في العلم والدعوة والمناظرة والإصلاح والجهاد.


وهذا الآدميُّ -أبو العبَّاس- كان (النفعُ القاصرُ) عنده وَقودًا لا يمكن أن يستغنيَ عنه يومًا، فقد ذكر تلميذه ابنُ القيِّم في (الوابل الصيِّب) أثناء حديثه عن أثر (ذكر الله تعالى) على صاحبه في قوَّة القلبِ والرُّوح مشهدًا عاينه بنفسه مع شيخه، فيقول: (حضرتُ شيخ الاسلام ابن تيمية مرَّةً، صلَّى الفجرَ، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ الغداءَ سقطت قوَّتي. أو كلامًا قريبًا من هذا)!


ولك أن تتأمَّل أنَّ هذا في حياة ابن تيميَّة غدوةٌ يوميَّة، وإلى انتصاف النهار!
وهذا كثيرٌ عند المؤثرين النافعين، حتى إنَّك لو تتبَّعتَ أحوال جميع مَن جاء عنه إيثارُ العلم على سائر النوافل بقوله، لوجدتَ من عمله وتعبُّده ما تقرُّ به العين.


النفع القاصِر وبركة النفع المتعدي:



من جزاءِ الرَّحمن ذي الإحسان؛ أنه يجزيَ عبدَه المقبلَ عليه بأحسنَ مما يرجوه، فإذا أقبل طالبُ العلمِ على ربِّه في ساعةٍ يتقرَّب إلى الله فيها بصلاةٍ أو ذكرٍ أو قراءة قرآن، وكان بوسعه أن يجلسَ فيها قارئًا لكتابٍ، أو متحفِّظًا لمتنٍ، أو مُحرِّرًا لمسألةٍ= إلاَّ وجد من البركة في الوقتِ، والصفاء في الذهن ما يحمُد له هذا الإقبال.


وربَّما حدث العكس، فإذا كان التهرُّب من السنن الراتبة، وقراءة الأوراد والقرآن لأجل تحصيلٍ العلم، واستثمار الوقت، والذهاب والمجيء للاجتماعات الدعويَّة، والمؤتمرات العلميَّة= فقد يتفاجئ بتشتت الذهن، وهجوم المشغلات عليه؛ مما يجعلَ نتاجَه أقلَّ مما يرجوه!

وبالاستقراءِ؛ فإنَّك ستجِدُ بعضَ النَّاس مما لم ينسَ حظَّه من (النفع القاصرِ) له من البركة والتأثير في (النفع المتعدِّي) ولو قلَّ إنتاجه أكثر ممن يحرِق نفسَه الليلَ والنهار في (النفع المتعدِّي) دون أن يكون له أدنى حظٍّ من (النفع القاصر)، ولله الأمر من قبلُ ومن بعد!

وتأمَّل -بالله عليك- هذه الوصيَّة العظيمة للإمام عماد الدِّين المقدسي [ت: 614 هـ] لعبَّاس بن عبد الدائم المصريِّ، حيث يقول: (وأوصاني وقتَ سفري، فقال: أكثرْ من قراءة القرآن، ولا تتركه فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ، قال: فرأيت ذلك وجرَّبتُه كثيراً، فكنت إذا قرأت كثيراً تيسر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي). كما في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجبٍ في ترجمة العماد المقدسي.



النفع القاصِر حبل الولاية:



مِن أعظم أسباب تحصيل الولاية، ونيل محبَّة الله الخاصَّة= الاستكثار من النوافل، كما في الحديث الجليل الإلهيِّ الصحيح؛ أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: (وما تقرَّب إلى عبدي بشىءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه= كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التى يمشي بها....)



وهل يرجو الداعيةُ والعالِمُ والمصلحُ شيئًا أعظمَ –بعد الأجر والزلفى والمحبَّة من الله- من أن تؤتي دعوتُه وتعليمُه وإصلاحُه أُكُلَها، ويبارك فيها؟!
فبالاستكثار من النوافل يُبارَك له في السمع، فلا يسمعُ إلا ما يحبُّه الله، وبالتالي سيكون سمعُه للعلم النافع دون غيره، وفي بصره فلا يُبصِرُ إلا ما يحبُّه الله، وبالتالي ستكون مقروءاته للنافع، ولا يبطش ولا يمشي إلا لما يحبُّه الله, فأيُّ بركةٍ ومنزلةٍ أعظم من هذه؟!
وهذا لا يُخرج –بالضرورة- ما كان متعديَ النفع من النوافل، ولكنَّ الخيرَ كلَّه في الجمع بينهما.


وقبلَ الخِتام، هذه ثلاث فوائد للاستكثار من النوافل (كالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والتضرُّع، والصيام، وغيرها) كلُّ فائدةٍ قمينةٌ بتطلُّبها:


1- استدامة لين القلب مع الاستكثار من الطاعات، فإنَّ القلبَ يقسو بكثرة المخالطة، والنوافل تليِّن القلب.


2- الاستقرار النسبيُّ للنيَّة، فإنَّ النيَّة شرودٌ متقلِّبة، والقلبُ كثير الصدوف عن الله في طلب المحامدِ، والاستكثارُ من الطاعاتِ أمارةُ صدقٍ، وبُرهان إخلاص، وسببٌ لمراقبة تحوُّلات النيَّة، ولا يُبارَك من العمل إلا ما كان لله.


3- تحصيل الأجور العظيمة، واكتساب الفضائل الجسيمة، وبنظرةٍ واحدةٍ في كتب فضائل الأعمال مما صحَّ من الأحاديث= يدرك الناظر أنه لا يُحرم من كلِّها إلا محروم.


هذا تأمُّلٌ عابرٌ في هذه القاعدة الشريفة من قواعد العمل، أرجو أن أكونَ قد وُفقتُ في عرضها، ولستُ أُبرِّؤ نفسي من الخطأ والزلل والغلط، والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.