بسم الله الرحمن الرحيمالمعذور لا يستحق العقاب بل قد يثاب: قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (20/ 30):والمجتهد المخطئ له أجر؛ لأن قصده الحق وطلبه بحسب وسعه، وهو لا يحكم إلا بدليل،...وكذلك الأدلة العامة؛ يحكم المجتهد بعمومه وما يخصه لم يبلغه؛ أو بنص وقد نسخ ولم يبلغه؛ أو يقول بقياس ظهر وفيه التسوية؛ وتكون تلك الصورة امتازت بفرق مؤثر؛ وتعذرت عليه معرفته؛ فإن تأثير الفرق قد يكون بنص لم يبلغه وقد يكون وصفا خفيا.ففي الجملة الأجر هو على اتباعه الحق بحسب اجتهاده؛ ولو كان في الباطن حق يناقضه هو أولى بالاتباع لو قدر على معرفته؛ لكن لم يقدر فهذا كالمجتهدين في جهات الكعبة، وكذلك كل من عبد عبادة نهي عنها ولم يعلم بالنهي - لكن هي من جنس المأمور به - مثل من صلى في أوقات النهي وبلغه الأمر العام بالصلاة ولم يبلغه النهي، أو تمسك بدليل خاص مرجوح مثل صلاة جماعة من السلف ركعتين بعد العصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما، ومثل صلاة رويت فيها أحاديث ضعيفة أو موضوعة كليلة نصف شعبان وأول رجب وصلاة التسبيح؛ كما جوزها ابن المبارك وغير ذلك؛ فإنها إذا دخلت في عموم استحباب الصلاة ولم يبلغه ما يوجب النهي أثيب على ذلك، وإن كان فيها نهي من وجه لم يعلم بكونها بدعة تتخذ شعارا ويجتمع عليها كل عام، فهو مثل أن يحدث صلاة سادسة؛ ولهذا لو أراد أن يصلي مثل هذه الصلاة بلا حديث لم يكن له ذلك، لكن لما روي الحديث اعتقد أنه صحيح فغلط في ذلك، فهذا يغفر له خطؤه ويثاب على جنس المشروع، وكذلك من صام يوم العيد ولم يعلم بالنهي.بخلاف ما لم يشرع جنسه مثل الشرك فإن هذا لا ثواب فيه، وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة، كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} لكنه وإن كان لا يعذب فإن هذا لا يثاب، بل هذا كما قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}؛ قال ابن المبارك: هي الأعمال التي عملت لغير الله، وقال مجاهد: هي الأعمال التي لم تقبل، وقال تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح} الآية؛ فهؤلاء أعمالهم باطلة لا ثواب فيها، وإذا نهاهم الرسول عنها فلم ينتهوا عوقبوا، فالعقاب عليها مشروط بتبليغ الرسول، وأما بطلانها في نفسها فلأنها غير مأمور بها، فكل عبادة غير مأمور بها فلا بد أن ينهى عنها، ثم إن علم أنها منهي عنها وفعلها استحق العقاب، فإن لم يعلم لم يستحق العقاب، وإن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فإنه يثاب عليها، وإن كانت من جنس الشرك فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به، لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به، وهذا لا يكون مجتهدا؛ لأن المجتهد لا بد أن يتبع دليلا شرعيا، وهذه لا يكون عليها دليل شرعي؛ لكن قد يفعلها باجتهاد مثله: وهو تقليده لمن فعل ذلك من الشيوخ والعلماء والذين فعلوا ذلك قد فعلوه لأنهم رأوه ينفع؛ أو لحديث كذب سمعوه، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذبون وأما الثواب فإنه قد يكون ثوابهم أنهم أرجح من أهل جنسهم، وأما الثواب بالتقرب إلى الله فلا يكون بمثل هذه الأعمال.وصل اللهم وسلم على محمد..