ذهب الحنابلة إلى أن الذي يجمع بين صلاتين إذا فَرَّق بين الصلاتين بصلاة نافلة راتبة، أو ما دون الراتبة، فإن صلاته تبطل؛ لأنه فَرَّقَ بينهما بصلاة فبطل الجمع؛ وكذلك لو فَرَّقَ بينهما بوقت كثير؛ سواء كان التفريق لنوم أو سهو أو شغل أو قصد أو غير ذلك؛ لأن معنى الجمع المتابعة أو المقارنة، والشرط لا يثبت المشروط بدونه، وإن كان يسيرًا لم يُمْنع؛ لأنه لا يمكن التحرز منه.
وقدَّروا الوقت القليل بمقدار الوضوء والإقامة؛ ورجح ابن قدامة رحمه الله أن مرجع الوقت القليل والكثير إلى العرف؛ لأن ما لم يَرِدِ الشرعُ بتقديره فلا سبيل إلى تقديره، والمرجع فيه إلى العرف([1]).
وأما الجمع في وقت الثانية فإنه لا يضر فيه التفريق ولو كان كثيرًا.
ووجه تفريقهم بين الجمع في وقت الأولى والجمع في وقت الثانية: أنه لَمَّا كان التفريق بين الصلاتين يُبطِل الجمع؛ فإنه إنْ فَرَّقَ بينهما في وقت الأولى كانت الصلاة الثانية في غير وقتها فتبطل؛ وأما لو فَرَّقَ بينهما في وقت الثانية كانت الأولى مؤداة على وجه صحيح قبل التفريق، ولَمَّا فرَّقَ كانت الصلاة الثانية في وقتها أيضًا فَلَمْ تَبْطُل.
والصحيح – وهو قول عن أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – أنه لو فَرَّق بين الصلاتين فإن صلاته لا تبطل؛ سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية، وسواء كان الفصل بينهما قليلًا أو كثيرًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((مِنْ كَلَامِهِ – أي: أحمد- مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَهُ هُوَ الْجَمْعُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؛ كَالْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ - حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ - جَازَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ أَيْضًا عَلَى نَظِيرِ هَذَا فَقَالَ: ((إذَا صَلَّى إحْدَى صَلَاتَيِ الْجَمْعِ فِي بَيْتِهِ وَالْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ))، وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ هُوَ جَمْعٌ فِي الْوَقْتِ، لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَاصَلَةُ، وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى قُرْبِ الْفَصْلِ؛ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ... وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بِحَالٍ؛ لَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ يُسْقِطُ مَقْصُودَ الرُّخْصَةِ([2])))اهـ.



[1])) ((المغني)) (2/ 206).

[2])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 52- 54).