تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها


    بسم الله الرحمن الرحيم


    ’’ شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها ‘‘


    هذه بعض الشبهات التي يثيرها من يجيز و يحبذ الاحتفال بالمولد النبوي ، مع نقضها و تفنيدها ، أسأل الله أن ينفع بها من شاء من عباده .


    قال الشيخ الفقيه د. محمد علي فركوس ـ حفظه الله ورعاه ـ في رسالته ( حكم الاحتفال بمولد خير الأنام ـ عليه الصلاة و السلام ) ( ص 35-59 ) ـ بتصرف يسير ـ :


    شبهات وتلبيس


    وعادة أهل الأهواء التمسُّك بالشُّبُهات يُلبِّسونها على العوامِّ وسائرِ من سار على طريقتهم ، يحسبها الجاهل ـ بحسن ظنِّه ـ أدلة الشرع وأحكامه ، (( وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) [آل عمران: 78] .

    ومن جُملة الشُّبهات وأهمِّ التعليلات : استنادهم إلى قوله ـ تعالى ـ : (( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )) [يونس: 58] ، على أنَّ في الآية أمرًا بالفرح بمولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ والاحتفال به ، وبقوله ـ تعالى ـ : (( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )) [إبراهيم: 5] ، ليشكروا اللهَ على نعمة مَولد النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ، ففي الآية دليلٌ ـ في اعتقادهم ـ على جواز تخصيص شهر ربيع الأول ، وليلة : « 12 ربيع الأول » منه للابتهاج والفرحة بمولده ، وإفهام الناس سيرة النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ وأخلاقه ومعجزاته وشمائله ، وما لقيه في دعوته من المِحَنِ والشدائد ، وهو صبَّار على طاعة الله وعن محارمه وعلى أقداره ، شكورٌ قائمٌ بحقوق الله يشكر اللهَ على نعمه ، كُلُّ ذلك من التذكير بأيَّام الله ، وجاء تأييدهم لذلك بما ورد في صحيح مسلم : أنَّ رسولَ الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ سُئِلَ عن صوم الاثنين ؟ فقال : « فِيهِ وُلِدْتُ ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ » [1] ، ووجهه يدلُّ على شرف ولادته ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ، ويفيد شرعية الاحتفال بمولده ، كما احتجُّوا على جواز المولد بأنَّ أبا لهب يُخفَّف عنه العذاب كلَّ اثنين لأنَّه أعتق ثويبة إثر بشارتها له بولادة النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ على ما جاء في البخاري : « قَالَ عُرْوَةُ : وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِي لهَبٍ وَكَانَ أَبُو لَهبٍ أَعْتَقَها فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهبِ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ ، قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهبٍ : لَمْ ألْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ » [2] ، ولَمَّا كان فرحه بولادة النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ سببًا في تخفيفِ العذاب عنه فذلك دليلٌ على جواز الفرح والابتهاج بيوم مولِدِه والاحتفال به [انظر « المواهب اللدنية » للقسطلاني (1/260)] ، ولأنَّ الغرض من إقامة مولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ كما قرَّره أهل الطرق ـ هو شُكْرُ الله على نعمة إيجاده ، وتخصيص شكر الله ـ تعالى ـ عليه إنما يكون بإقامة الولائم وإطعام الطعام والتوسعة على الفقراء ـ زعموا ـ ، فضلاً عن أعمال البِرِّ الأخرى النافعة كالاجتماع على قراءة القرآن وتلاوته ، والذِّكْرِ والصلاة على النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ، وسماع شمائله الشريفة وقراءة سيرته العطرة ؛ كُلُّ ذلك ـ عندهم ـ محمودٌ غيرُ محظورٍ بل مطلوبٌ إحياءً للذِّكرى ، معلِّلين ذلك بما حثَّ الرسولُ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ أُمَّته على صومِ عاشوراءَ شُكْرًا للهِ على نجاةِ موسى ومن معه ، فإنَّ ذلك كُلَّهُ يُستفادُ منه شرعيةُ الاحتفال بالمولد [انظر « الفتاوى الحديثية » لابن حجر الهيثمي ( ص 909 ، 974) ، و « الحاوي للفتاوى » للسيوطي (1/260)] ، ويعكس ـ حالَ الاجتماع عليه ـ محبَّةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ وتعظيمَهُ ـ ، ويذهبُ بعضُهم إلى أنَّ أعيادَ الميلاد من عادات أهلِ الكتاب ، والعادة إذا تَفَشَّتْ عند المسلمين أصبحت من عاداتهم ، والبدعةُ لا تلج العادات وإِنَّمَا تدخل في العبادات .


    تفنيد الشبهات ومختلف التعليلات


    ولا يخفى أنَّ تفسير قوله ـ تعالى ـ : (( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )) [يونس: 58] ، بمولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ لا يَشهدُ له أيُّ تفسيرٍ ، وهو مخالِفٌ لما فَسَّرَهَا به الصحابة الكرام والأئمَّة الأعلام ، وقد جاء عنهم أَنَّ المرادَ بفضل الله : القرآن ، ورحمتِه : الإسلام ، وبهذا قال ابنُ عباس وأبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنهم ـ ، وعنهما ـ أيضًا ـ : فضل الله : القرآن ، ورحمته : أن يجعلكم من أهله ، وقيل : العكس [« تفسير القرطبي » (8/353) ، « تفسير ابن كثير » (2/402-403)].


    فالحاصلُ أنَّ اللهَ ـ تعالى ـ لم يأمر عبادَه بتخصيص ليلةِ المولد بالفرح والاحتفال ، وإنَّما أمرهم أن يفرحوا بالإسلام وهو دِين الحقِّ الذي أنزل على نبيِّه ـ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم ـ ، ويدلُّ عليه قوله ـ تعالى ـ: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) [الأنبياء: 107] ، وقد تعرَّضت الآية للبِعثة ولم تتعرَّض لولادته ، قال ـ تعالى ـ مُمْتَنًّا على المؤمنين ـ : (( لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ )) [آل عمران: 164] ، وفي « صحيح مسلم » : « إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً » [3] ، وفي رواية في « صحيح مسلم » ـ أيضًا ـ أَنَّه لَمَّا سُئِلَ عن صوم الاثنين قال : « وَيَوْمٌ بُعِثْتُ فِيهِ » [4] .


    أمّا قوله ـ تعالى ـ : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )) [إبراهيم: 5] ، فالمراد بأن يُذكِّرَهم بنِعم اللهِ ونقمه التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود ، والمعنى : أن يَعظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، فإنَّ في التذكير بها لدلالات عظيمة على التوحيد وكمال القدرة لكلِّ مُؤمن ، وأُردفت الآيةُ بالوصفين المذكورين وهما : « الصبر والشكر » ؛ لأنَّهما ملاك الإيمان [« تفسير ابن كثير » (2/523) ، « فتح القدير » للشوكاني (3/94)] ، وفيما صحَّ من حديثِ رسولِ الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ أنّه قال : « عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ ( شَكَرَ ) فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ ( صَبَرَ ) ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » [5].

    ولا يخفى أنّ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومَن بعدَهم من أهل الإيمان الذين يصبرون في الضرَّاء ويشكرون في السَّرَّاء ويحيون سُنَّته ويتَّبعون هديَه لم يفهموا من الآية الاحتفال بالمولد لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ ، ولا أقاموه ، وإنَّما حدث بعد القرون الثلاثة المفضَّلة .


    أمَّا شبهتهم بالحديث فغاية ما يدلُّ عليه الترغيب في الصيام يوم الاثنين وقد اكتفى به ، وما كفى النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ يكفي أُمَّتَه ، وما وسعه يسعها ، ولذلك كان شكر الله على نعمة ولادته بنوع ما شكر به ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ إنَّما يكون في هذا المعنى المشروع ، ومن ناحية أخرى أنَّ يوم الاثنين الذي هو يوم مولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ومبعثه ـ كما ورد في الحديث ـ وافق يوم وفاته بلا خلاف [« فتح الباري » (8/129)] ، وعلى المشهور ـ أيضًا ـ أنَّ ولادته ووفاته كانتَا في شهر ربيع الأول ، فلماذا يفرح الناس بولادته ولا يحزنون على وفاته ، إذ ليس الفرح أولى من الحزن فيه ، علمًا بأنَّ وفاتَه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ مِن أعظم ما ابتلي به المسلمون ، وأفجعِ ما أُصيبت به أُمَّة الإسلام ، قال ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ـ أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ ـ ، أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي ، عَنِ المُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي ، أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي » [6] .


    قال ابن الحاج المالكي -رحمه الله- في «المدخل» (2/16-17) : ( العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور ـ كما تقدَّم ـ لأجل مولده ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ في هذا الشهر الكريم ، وهو ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ فيه انتقل إلى كرامة ربِّه ـ عزَّ وجلَّ ـ ، وفُجعت الأُمّة وأُصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا ، فعلى هذا يتعيَّن البكاء والحزن الكثير ، وانفراد كُلِّ إنسان بنفسه لما أصيب به لقوله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ : « ليعزّى المسلمون في مصائبهم المصيبة بي » ) .


    وليس لليوم الثاني عشر من ربيع الأول ـ إن صحَّ أنّه مولده ـ من ميزةٍ دون الأيام الأخرى ؛ لأنّه لم يُنقل عن النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ أنّه خصَّصه بالصيام أو بأيِّ عملٍ آخرَ ، ولا فعله أهلُ القرون المفضَّلة من بعده ، فدلَّ ذلك على أنَّه ليس له من فضلٍ على غيره من الأيام .
    وحقيقٌ بالتنبيه أنّ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ومَن معه من الصحابة الكرام أجمعوا على ابتداء التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري ، وقد خالفوا في ذلك النصارى في البداءة حيث ابتدأوا تقويمَهم السَّنوي من يوم ولادة المسيح عيسى ـ عليه السلام ـ فعن سعيد بن المسيِّب قال : « جمع عمرُ الناسَ فسألهم : من أيِّ يوم يكتب التاريخ ؟ فقال علي بن أبي طالب : مِن يوم هاجر رسولُ الله وترك أرضَ الشرك ، ففعله عمر ـ رضي الله عنه ـ » [7] .

    ولم يُنقل عنهم أنهم اتخذوا مولِدَه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ولا مبعثَه ولا هجرتَه ولاَ وفاتَه عيدًا يحتفلون به ، كما أنَّهم لم يقتدوا بالنصارى في وضع التاريخ الإسلامي ، إذ المعلوم أنَّ من سنَّة النصارى اتخاذ موالد الأنبياء أعيادًا ، فكيف العدول عن سُنَن الخلفاء الراشدين المهديِّين والاستنان بسُنَّة النصارى الضالين ؟! وقد قال ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ : « فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ » [8] .

    ولا يخفى أنَّ سبيل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حقّ لازم اتباعه ، وقد جاء الوعيد بمخالفة اتباع غيرِ سبيل المؤمنين في قوله ـ تعالى ـ : (( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا )) [النساء: 115] .

    أمَّا من رأى أبا لهب بعد موته في النوم أنه خُفِّف عنه بعض العذاب كلَّ ليلة الاثنين ، فجوابه من عِدَّة وجوه :

    الأول : إنَّه ليس في حديث البخاري أنَّه يخفَّف عنه كلّ اثنين ، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل بشارتها إيَّاه بولادته ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ، وقد ذكر ابنُ حجر أنَّه أعتقها أبو لهب بعد هجرة رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ [«الإصابة» لابن حجر (4/258)] ، وروي أنَّه أعتقها قبل ولادته بزمن طويل [«شرح الزرقاني» على «المواهب اللدنية» (1/259)] .

    الثاني : إنَّه خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدَّثه به .

    الثالث : وعلى تقدير أنَّه موصول فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حُجَّة فيه كما صَرَّح الحافظ ابنُ حَجَر في «فتح الباري»(9/145)، قال المعلمي ـ رحمه الله ـ في « التنكيل » (2/242) : « اتفق أهلُ العلم على أَنَّ الرُّؤْيَا لا تصلح للحُجَّة ، وهي تبشير وتنبيه ، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجَّة شرعية صحيحة » .

    الرابع : إنَّ الرائي في المنام : له أَخُوهُ العباس ـ رضي الله عنه ـ وذلك بعد سَنَةٍ من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر ذكره السُّهيلي [«البداية والنهاية» لابن كثير (2/273)] ، ولعلَّ الرَّائي لم يكن إذ ذاك قد أسلم [« الإصابة» لابن حجر(2/271)] .

    الخامس : إنَّ الخبر مخالِفٌ لظاهر القرآن والإجماع ، قال ـ تعالى ـ : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا )) [الفرقان: 23] ، ولقوله ـ تعالى ـ : (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا )) [النور: 39] ، وقوله ـ تعالى ـ : (( مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ )) [إبراهيم: 18] ، ولقد كان أبو لهب من أشدِّ الناس عداوةً للنبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ومُبالغةً في إيذائه ، الأمر الذي يهدم ما سلف من الفرح به لو صحَّ ذلك ، وقد ذكر القاضي عياض انعقاد الإجماع على أنَّ الكُفَّار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذابٍ وإن كان بعضهم أشدَّ عذابًا من بعض [«فتح الباري» (9/145)] .

    السادس : وعلى فرض التسليم والقَبول جَدَلاً بأن خفِّف عنه لإعتاقه ثويبة بسبب ولادته وإرضاعه ؛ فإنَّ هذا الأمر لا يخفى عن النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ، كما لم يَخْفَ عنه تخفيف العذاب عن أبي طالب لأجل حمايته ونصرته ، ومع هذا العلم لم ينقل عنه اتخاذ يوم مولده عيدًا ، ولا أصحاب القرون المفضّلة بعده .

    وأمَّا التوسعة على الفقراء بإطعام الطعام وغيرها من أفعال البِرِّ والإحسان إن وقعت على الوجه الشرعي فهي من أعظم القربات والطاعات ، لكن تخصيصها على الوجه الذي لا يثبت إلاَّ بنصٍّ شرعيٍّ ، إذا انتفى تنتفي المشروعية ، عملاً بقاعدة : « إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ » [9].

    أمّا الدروس والعِبر والعِظَات وتلاوةُ القرآن والذِّكر والصلاة على النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ وقراءة سيرته وغيرها فإنَّما تشرع كلَّ وقتٍ ، وفي كلِّ مكان من غير تخصيصٍ كعموم المساجد والمدارس والمجالس العامَّة والخاصَّة ، وتسري عليها القاعدة السابقة : « إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ مَعَ إِمْكَانِهِ فَالتَّابِعُ أَوْلَى » [10] .

    وإن أُريد بالدروس والعظات وقراءة سيرته إحياء الذكرى به فإنَّ الله تكفَّل برفع ذكره في الدنيا والآخرة على مدار الأزمنة والدهور ، فيُذكر مع الله في الأذان والخُطَب والصَّلوات والإقامة والتشهُّد ونحو ذلك ، فَقَصْرُ ذِكره في يومِ مولدِه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ جفاءٌ في حَقِّهِ وتقصيرٌ في تعظيمه وتفريطٌ في توقيره ومحبّته .

    وأمّا عاشوراء الذي حثَّ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ على صيامه شُكرًا لله على نجاةِ موسى ومَنْ معه فإنَّما كان امتثالاً لأمرِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ وطاعةً له وهو شُكْرٌ لله على تأييده للحقِّ على الباطل ، لكن ليس فيه دليلٌ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ على إقامة الموالد والاجتماع إليها وإحداث المواسم الدينية ، لربط الأزمنة بالأحداث ـ زعموا ـ ، وإنَّما التوجيه النبوي لأُمَّته أن يعبِّروا على شكر الله بتجسيده بالصيام لا باتخاذه عيدًا يحتفل به حتَّى يُلحقَ به مولدُه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ ، إذ لا يعرف في الإسلام من الأعياد السنوية إلاَّ عيد الأضحى وعيد الفطر ـ كما تقدَّم ـ ولو شرعه لنا عيدًا لندب إليه ولأمَر بترك صومه ؛ لأنَّ الناس يعتبرون في العيد ضيوفًا عند الله ـ تعالى ـ ، والصوم إعراض عن الضيافة ، لذلك يفسد إلحاق حكم المولد قياسًا على عاشوراء لقادح المنع ، وهو منع حكم الأصل .

    ثمّ إنَّ الاحتفال بعيد ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ ليس من عادات الكفار ، وإنَّما هو من عباداتهم ، كما أفصح عن ذلك ابن القيم ـ رحمه الله ـ في «زاد المعاد» (1/59) بقوله : « من خصَّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا ، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات ، كيوم ميلاده ، ويوم التعميد ، وغير ذلك من أحواله » .

    وإذا سلَّمنا ـ جدلاً ـ أنَّه من عاداتهم ، فقد نُهينا عن التشبُّه بأهل الكتاب وتقليدهم ، سواء في أعيادهم أو في غيرها لقوله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ـ : « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » [11] ، وأقلُّ أحوال الحديث اقتضاء تحريم التشبُّه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم كما في قوله ـ تعالى ـ : (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) [المائدة: 51] ، [انظر«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية: (1/270)] ، ومعلوم أنَّ المشابهة إذا كانت في أمور دنيوية فإنَّها تورث المحبَّة والموالاة ، فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟ فإنَّ إفضاءَها إلى نوعٍ من الموالاة أكثر وأشدُّ ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان ، كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ [ انظر المصدر السابق (1/550)] . انتهى


    و قال الشيخ د. عبد المجيد جمعة الجزائري ـ حفظه الله ـ في ( المورد الروي في حكم الاحتفال بالمولد النبوي ) [12] :


    فإن قيل : أنتم تنكرون الاحتفال بالمولد وأنتم قلة قليلة وأكثر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون ويفرحون ويلعبون ، بل فعله قوم من أهل العلم و الفضل ، فعلى آثارهم نحن مقتدون .
    فيقال : إن الحق لا يعرف بالكثرة ولا بالرجال ، بل بالأدلة الشرعية ، وقد ذم الله ـ جل وعلا ـ الكثرة في موضع كثيرة في القرآن الكريم ، من ذلك قوله ـ تعالى ـ : (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) [الأعراف: 187] ، وقوله ـ تعالى ـ : (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله )) [الأنعام: 116] ، وفي المقابل يمدح القلة التي على الحق ؛ قال ـ تعالى ـ : (( إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم )) [ ص : 24] ، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : » الحلال بيِّن والحرام بيِّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس « ، رواه الشيخان من حديث النعمان ابن البشير .


    والعجيب أن هذه الكثرة أكثرها لا يعرف من نبيه إلا اسمه أو رسمه ، وأسوؤهم حظا لا يعرفه إلا في هذه المناسبة ناهيك عن إضاعة الواجبات وانتهاك الحرمات وركوب لجج المحرمات .


    وأما فعله من بعض أهل العلم والفضل ، فهذا إن كان فعله مجتهدا ومتأولا فقد يؤجر على حسن قصده [13] ، لكن لم نؤمر باتبعاه في كبوته وتقليده في هفوته ، وإنما أمرنا باتباع الحق وندور معه حيثما دارت ركابه .


    ثم لو اتبعت الأمة رخص العلماء وشذوذهم لضاع الدين واندرست أحكامه ، وانتكست أعلامه .
    ثم إن بعض هؤلاء موقفه من السنة معلوم مذموم ، فمنهم من ردها بعقله ، ومنهم من ردها بذوقه ، ومنهم من ردها بسياسته ، ومنهم من ردها برأيه أو آراء الرجال .

    ثم يقال : إذا فعله قوم ذوو علم وفضل ، فقد تركها أقوام هم أوسع علما وأدق فهما ، و أبر قلوبا و أقل تكلفا من الصحابة و التابعين و الأئمة المجتهدين .


    فإن قيل : قد ورثناه أبا عن جد ، واتبع في ذلك آخرنا أولنا ، ولاحقنا سابقنا ، فيقال : هذا هو التقليد المذموم الذي ذمه الله في كتابه و هو اتباع ما كان عليه الآباء و الأجداد ، فقال ـ تعالى ـ : (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )) [ المائدة : 104] .


    فإن قيل : إذا نعتبرها بدعة حسنة ، فيقال : ليس في الدين بدعة حسنة و بدعة قبيحة ، بل إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال القول الفصل ليس بالهزل : (( كل بدعة ضلالة )) ، فهذا نص لا يحل رد دلالته على ذم البدع مطلقا ، أو معارضته بعادات أو قول بعض العلماء .
    و قد قال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ) ، رواه اللالكائي في »أصول الاعتقاد « ( رقم 126 )
    . انتهى


    الهوامش :


    [1] أخرجه مسلم في «الصيام» (2807)، وأبو داود في «الصوم» (2428)، وأحمد (23215)، من حديث أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ .


    [2] أخرجه البخاري في « النكاح » ـ باب (( وَأُمَّهَاتُكُم ُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ )) ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ـ (9/140) ، من حديث عروة بن الزبير .

    [3] أخرجه مسلم في « البر والآداب والصلة » (6778) ، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ .

    [4] أخرجه مسلم في « الصيام » ـ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر ـ (2747) ، من حديث أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ .

    [5] أخرجه مسلم في « الزهد والرقائق » ـ باب المؤمن أمره كلّه خير ـ (7500) ، من حديث صهيب ـ رضي الله عنه ـ .

    [6] أخرجه ابن ماجه في « الجنائز » (1599) ، والبيهقي في « شعب الإيمان » (10154) ، من حديث عائشة ـ رضي الله عنه ـ ، والحديث صحَّحه بشواهده الألباني في « السلسلة الصحيحة » (3/98) .

    [7] أخرجه الحاكم في « المستدرك » (3/15 ، رقم 4287) ، وقال عنه : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » ، عن عثمان بن عبيد الله أبي رافع ، عن سعيد بن المسيِّب ـ رحمه الله ـ .

    [8] أخرجه أبو داود في « السُّنَّة » (4607) ، والترمذي في « العلم » (2891) ، وابن ماجه في « المقدمة » (44) ، وأحمد (17606) ، من حديث العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ ، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (936) .

    [9] وهذه القاعدة مطردة في المحسوسات والمعقولات ؛ لأنّ الأساس إذا انهدم انهدم معه ما بُني عليه ، انظر « الأشباه والنظائر » للسيوطي ( ص 119) ، و « الأشباه والنظائر » لابن نجيم (ص134) .

    [10] عبّر عنها النووي بهذه الصيغة ، انظر « المجموع » للنووي (1/392) .

    [11] أخرجه أبو داود في « اللباس » (4033) ، وأحمد (5232) ، من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ، وصحَّحه العراقي في « تخريج الإحياء » (1/359) ، وحسَّنه ابن حجر في « فتح الباري » (10/288) ، والألباني في « الإرواء » (1269) .

    [12] مجلة ( منابر الهدى ) الجزائرية ، ( العدد 4 ، ص 8-9 ) .

    [13] قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (مجموع الفتاوى 22/23) : ( فتعظيم المولد واتخاذه موسماً ، قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده ، و تعظيمه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد ) اهـ .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    5

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    بارك الله لك
    قال الإمام الشافعي رحمه الله :- إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنى رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جزاهم الله خيرا حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل.
    السير ( 10/60 )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    وفيكم بارك الله أخي الكريم ...

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    219

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    بارك الله فيك.
    الخط المستخدم صغير ومتعب -على الأقل لمثلي-.
    ليتك تستخدم الخط العادي وبالحجم الافتراضي فهو أسهل للقراءة.
    { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } (البقرة: 235)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    وفيك بارك الله ...

    معذرة هذه المرة ، وسأفعل في ما سيأتي إن شاء الله ...

    وحاول تكبير الخط من خلال صفحة الإنترنت في الأعلى ( affichage ) ...

    ( للفائدة : ما هو رقم الحجم الافتراضي الأسهل للقراءة ؟ ) ...

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    7,156

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    كبرت الخط، فهل هذا مناسب؟
    صفحتي في تويتر : أبو مالك العوضي

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    جزاكم الله خيراً أخي الكريم : أبا مالك العوضي ، ونفع بجهودكم ...

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    219

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    مناسب جداً، شكر الله لكم أبا مالك.
    أظن أن الحجم (4) هو الافتراضي، ولو تركت نوع وحجم الخط بدون تدخل فأظن أنه مناسب جداً -والله أعلم-.
    وفقكم الله لما يحب ويرضى أخي مراد.
    { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } (البقرة: 235)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    للفائدة ،،،
    « الحمد لله وحده »

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    للفائدة ...
    « الحمد لله وحده »

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    5

    افتراضي رد: شبهات المجيزين للاحتفال بالمولد النبوي و تفنيدها

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد.

    1ـ رأي ابن الحاج ـ رحمه الله ـ في الاحتفال

    من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين.


    فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه) فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.


    فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ولقوله عليه الصلاة والسلام: "آدم ومن دونه تحت لوائي".

    وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.

    فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.

    ألا ترى إلى ما رواه البخاري ـ رحمه الله تعالى: "كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان" فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.


    2ـ رأي ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الاحتفال

    معروفة شدة ابن تيمية وتشدده، ومع ذلك كان كلامه لينا في قضية المولد ومن كلامه في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.


    واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين..

    فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.


    3ـ رأي السيوطي ـ رحمه الله ـ في الاحتفال

    وللسيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوى " رسالة مطولة أسماها: "حسن المقصد في عمل المولد" وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف0


    وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة، أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.


    وهو أي المولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.


    وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: "يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى" فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.


    وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وكما كان حراما أو مكروها فيمنعه وكذا ما كان خلفا الأولى. انتهى.


    قال السيوطي تعليقا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلى على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات، ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى عرف التعريف بالمولد الشريف ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته فقيل له ما حالك؟. قال في النار إلا أنه يخفف عني كلي ليلة إثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار لرأس أصبعه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبإرضاعها له، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به ، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •