قال ابن عبد البر رحمه الله: ((وَاحْتَجُّوا بِإِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ وَلَا يُعَدُّ خِلَافُهُمْ خِلَافًا عَلَيْهِمْ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَامِدًا بِالنَّجَاسَةِ يَعْلَمُهَا فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي صَلَّى عَلَيْهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِزَاحَتِهَا وَاجْتِنَابِهَا وَغَسْلِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ وَكَانَتْ كَثِيرَةً أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، وَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا، كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا([1])))اهـ.
ودليل اجتاب النجاسة في هذه الثلاثة ما يلي:
أولًا: دليل اجتناب النجاسة في البدن: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ([2])».
وفي لفظ لمسلم: «لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ».
وهذا دليل على أنَّه يجبُ التنزُّه من البول، وكذلك أحاديث الاستنجاء والاستجمار كلُّها تفيد أنه يجب التنزُّه من النَّجاسة في البدن.
ثانيًا: دليل اجتناب النجاسة في الثوب: قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
وعن أَسْمَاءَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ، قَالَ: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ([3])».
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ»، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ؟ قَالَ: «يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه([4])».
وحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا([5])».
فهذه الأدلة تدل على وجوب اجتناب النجاسة في الثوب.
ثالثًا: أدلة اجتناب النجاسة في البقعة: قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
وحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ([6]).
فدل على وجوب اجتناب النجاسة في البقعة.



[1])) ((الاستذكار)) (1/ 332).

[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (216)، ومسلم (292).

[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291).

[4])) أخرجه أحمد (8767)، وأبو داود (365)، وصححه الألباني في «الإرواء» (168).

[5])) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، والدارمي (1418)، وابن خزيمة (786)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (284).

[6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (221)، ومسلم (284).