قال النووي : (وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام ، وقاعدة عظيمة من قواعد الدين ، وهي أن الأشياء يُحكَم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ، ولا يضر الشك الطارئ عليها) . شرح مسلم للنووي 2/75.
قلت (أبو البراء) : ومن أهمية هذا الحديث استنبط منه العلماء بعض القواعد الفقهية ، منها :
1- اليقين لا يزال بالشك .
قال صاحب الأشباه والنظائر : (اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه ، والمسائل المخرجة عليها ثلاثة أرباع الفقه وأكثر) . الأشباه والنظائر 1/115.
مثاله : لو أن إنسانًا كان على طهارة من الحدث الأصغر ، فأشكل عليه ؛ هل هو متوضِّئ أم لا ؟
فنقول : إنه متوضئ ؛ لأن اليقين الوضوء ، والشك هو الحدث ، واليقين لا يزال بالشك .
ويندرج تحت هذه القاعدة قواعد أُخَر ، منها :
• الأصل بقاء ما كان على ما كان :
مثاله : لو أن امرأة شكَّت في رضاع فلان من الناس هل أرضعته أم لا ؟
فالجواب أن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، وهو أنها أجنبية عنه ولم تُرضِعْه .
• اليقين لا يزال إلا بيقين .
• لا عبرة بالتوهم .
قلت (أبو البراء) : اعلم
قاعدة : اليقين لا يزال بالشك ، هي إحدى قواعدَ خمسٍ تعتبر أمهاتِ قواعد الفقه، وكل قاعدة منها تندرج تحتها من المسائل والفروع ما لا يحصى ، وقد تندرج تحت القاعدة الواحدة منها ما يقارب المائة مسألة من مسائل الفقه ، وهذه القواعد الخمس هي :
1- الأمور بمقاصدها. 2- اليقين لا يزال بالشك. 3- المشقة تجلب التيسير. 4- الضَّرر يزال. 5- العادة محكمة.
2- أن مَن دخل في فرض موسع حرُم عليه قطعه ، إلا لضرورة :
دليلها قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : (فلا ينصرف) .
• وهذه القاعدة تشمل جميع الفرائض :
مثاله : لو أن إنسانًا عليه قضاء رمضان ، فنوى الصوم ، ثم نوى الفطر من غير ضرورة ، فهذا الأمر محرَّم ، لا يجوز له أن يقطع صومه .
3- أن النص إذا جاء لبيان الغالب فلا مفهوم له :
دليلها قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث : (حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا).
مفهوم الحديث : أنه إذا لم يسمع صوتًا أو لم يجد ريحًا ، فإنه باقٍ على وضوئه ، ولو تيقن خروج الريح من غير سماع صوت أو وجود رائحة ، وهذا خلاف الإجماع كما تقدم ، فيقال : هذا المفهوم غير معتبر، لماذا ؟
لأن النص جاء في سياق الغالب ، وهو أن سماع الصوت وشمَّ الريحِ هو الغالب في معرفة الحدَث ، وما كان في سياق الغالب فلا مفهوم له .
مثاله : قوله - تعالى -: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ﴾ [النساء: 23] ، الرَّبِيبة هي بنت الزوجة من زوج آخر ، فهل يجوز لك أن تتزوج منها ؟
الجواب : لا ، لكن مفهوم الآية أن هذه الرَّبِيبة لو لم تكن في حجره ، ولم تكن تحت تربيته ، لجاز له زواجها ، ولكن نقول : إن النص جاء في سياق الغالب ؛ لأن الغالب أن المرأة إذا كان معها بنت وتزوجت أنها تطلب أن تكون معها؛ إذًا المفهوم لا عبرة له ، وتكون الربيبة محرَّمة حتى ولو لم تكن في حجر الزوج الثانى وتحت تربيته .