في حضور المسجد لمن أكل ثُومًا أو بصلًا ونحوه روايتان عن أحمد؛ فقيل: يُكره. وقيل: يحرم([1]).
قلت: والتحريم هو ظاهر الأحاديث.
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ([2])».
وفي لفظ لمسلم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا([3])».
وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنِ الثُّومِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّا، وَلَا يُصَلِّي مَعَنَا([4])».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلَا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ([5])».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ: الثُّومِ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ»، فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا([6])».
وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ؛ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ. فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا([7]).
قلت: فظاهر هذه الأحاديث تحريم حضور المسجد لمن أكل من هذه الشجرات؛ لأن النهي للتحريم، ولأن أذى المسلمين حرام، وهذا فيه أذاهم.
ويلحق بذلك كل من كانت رائحة فمه كريهة لشرب سجائر ونحوها، أو كانت رائحة جسده أو إبطيه كريهة، تعميمًا للعلة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما من حمل هذا النهي على الكراهة فَلِما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَكَلْتُ ثُومًا فَأَتَيْتُ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سُبِقْتُ بِرَكْعَةٍ، فَلَمَّا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحَ الثُّومِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا» أَوْ «رِيحُهُ» فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنِّي يَدَكَ، قَالَ: فَأَدْخَلْتُ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصِي إِلَى صَدْرِي فَإِذَا أَنَا مَعْصُوبُ الصَّدْرِ، قَالَ: «إِنَّ لَكَ عُذْرًا([8])».
قلت: والحديث فيه أبو هلال الراسبي، وهو ضعيف، وقد رجح الدارقطني إرساله.
ثم لو صح الحديث – وليس بصحيح - فغايته جواز ذلك لصاحب العذر وليس لكل أحد.
[1])) ذكرها في ((المغني)) (9/ 430)، و((الإنصاف)) (2/ 304).
[2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (854)، ومسلم (564).
[3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (853)، ومسلم (561).
[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (856)، ومسلم (562).
[5])) أخرجه مسلم (563).
[6])) أخرجه مسلم (565).
[7])) أخرجه مسلم (567).
[8])) أخرجه أحمد (18176)، وأبو داود (3826)، وقال الألباني رحمه الله في ((الثمر المستطاب)) (2/ 659): «وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي، وهو صدوق فيه لين كما في (التقريب)».
قلت: وأبو هلال ضعفه البخاري. وقال أبو حاتم: يحول منه. وقال النَّسائي: ليس بالقوي.
فلا يرتقي هذا الإسناد لمرتبة الحسن. والله أعلم.
وقد رجح الدارقطني رحمه الله إرساله؛ فقد رُوِي هذا الحديث عن أبي هلال عن أبي بردة مرسلًا، بدون ذكر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
قال الدارقطني في ((العلل)) (7/ 140): ((وكأنَّ المرسل هو الأقوى)).